أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/214.jpg&w=220&q=100&f=webp

هاني الظاهري

ماذا فعل بهم «البعير» ؟!

يبدو أن القاسم المشترك بين جميع خصوم السعودية في هذا العالم هو عقدتهم النفسية من الإبل.

تلك المخلوقات الصحراوية الهادئة التي حملت على ظهورها حضارة، ورسالة، وهوية، عبرت العالم شرقاً وغرباً. وكانت وما زالت رمزاً للثبات أمام العواصف، ورمزاً للهوية والكرامة في زمن التيه.

قبل أربعة عشر قرناً، استيقظ سكان العالم القديم على وقع خُفاف الجمال القادمة من الجزيرة العربية تحمل على ظهورها حضارة غيّرت وجه الأرض من أنهار الصين شرقاً إلى سهول إسبانيا غرباً.

على تلك الجمال وُلدت أعظم رحلة إنسانية في التاريخ، رحلة حملت التوحيد والعلم والعمران، في وقتٍ كان العالم يقدّس الحجر ويُطفئ العقل في ضلال العبودية والخرافات، ولهذا لا غرابة في أن يبقى الجمل عقدةً في اللاوعي الجمعي لأعداء العرب.

هو بالنسبة لهم مرآة تُذكّرهم بحقيقةٍ مؤلمة: الجمل رمز للحضارة التي حررتهم من العبودية والظلام وعلّمتهم القراءة وأضاءت لهم الحياة، ولذلك، حين يقول متطرفٌ صهيوني: «ابقوا على جمالكم ونحن سنبني التنمية»، فهو لا يدرك أنه يتحدث من عقدة تاريخية تسكن جيناته.

هو لا يسخر من الجمل، بل من نفسه.

لأنه يدرك أن الجمل رمز أمةٍ تعرف الطريق حتى حين تغيب المعالم.

المضحك في المشهد، أن من يسخرون من ركوب الجمال هم أنفسهم من يترنحون في دوامة فقدان الهوية.

في حين أن الجزيرة العربية (تلك التي خرجت منها الجمال قبل قرون) تبني اليوم ناطحاتها على الرمال نفسها، وتؤسس مدن المستقبل في قلب الصحراء.

وفي كل عصرٍ، حين تشتد العواصف على العرب، يعود هذا الحيوان العظيم ليكون استعارةً للكرامة.

الجمل لا يركع.

قد يسير ببطء، لكنه لا يحيد عن طريقه.

يواصل المسير في صمتٍ ويعرف أن النهاية دائماً لصاحب النفس الطويل.

وهكذا هي البيئة التي خرج منها، بيئة أنتجت أمة تعرف أن الصبر ليس ضعفاً، وأن التمهل ليس تراجعاً، بل وعي بأن السباق لا يُحسم في البداية، بل عند خط النهاية.

خصوم السعودية يجتمعون اليوم على شيءٍ واحد: الكره النفسي لكل ما يرمز إلى هذه الأرض.

يكرهون لغتها، تاريخها، إيمانها، حتى حيوانها.

لكنهم لا يستطيعون الهروب من حقيقةٍ واحدة: أن جيناتهم لا تنسى عُقَدَها التاريخية.

من صحارى السعودية خرج النور أول مرة، ومن رمالها تنبعث الحضارة من جديد، لا على ظهور الجمال هذه المرة، بل على أجنحة الذكاء الاصطناعي والمدن العملاقة والرؤية التي تهزّ العالم.

فليقل من شاء ما شاء عن الجِمال.

سيبقى الجمل رمزاً لنا، وسنظل نحن امتداد لتلك القوافل التي بدأت رحلتها من قلب الجزيرة، ولم تتوقف يوماً عن المضيّ نحو الأفق. فمن يسخر من الجمل لا يدرك أنه يسخر من تاريخه نفسه، ويفضح العقد النفسية التي تركت بصمتها في جيناته وورثها عن أسلافه.

00:03 | 26-10-2025

الإعلام المسؤول: الوعي والمهنية أولاً

منذ أن وُجد الإعلام وهو يواجه معادلة صعبة: كيف يمكن أن يكون جذاباً للمتلقي وفي الوقت ذاته مسؤولاً تجاه الحقيقة والمجتمع؟!

هذه المعادلة المحورية في العمل الإعلامي ليست خياراً اليوم يمكن التلاعب به أو الالتفاف عليه في زمنٍ أصبح الخبر ينتقل حول العالم خلال مدة أقصر من مدة تناول أحدنا لكوب من القهوة، والمؤسف والمؤكد أن الشائعات والمبالغات المثيرة تنتشر أسرع من انتشار الوقائع الحقيقية. ومن هنا يبرز جوهر الإعلام المهني المسؤول، الذي يقوم على طرح القضايا بوعي واقتراح الحلول، لا على صناعة الأزمات وتضخيمها.

الإعلامي الحقيقي لا يلهث خلف «الترند» ولا يسقط في فخ الإثارة التي قد تجذب جمهوراً عابراً لكنها تترك أثراً سلبياً عميقاً على المدى الطويل. فالمهنية تقتضي أن يكون الإعلامي شاهداً دقيقاً على الأحداث، لا مجرد ناقل مشوَّه لها. ولذلك فإن نصح الإعلاميين بتحري الدقة ليس ترفاً، بل هو جوهر العمل الصحفي.

على كل إعلامي في المملكة أن يؤمن بأنه يحمل على عاتقه مسؤولية وطنية قبل أي شيء آخر. فالثوابت الوطنية يُفترض أن تكون بوصلة تحدد اتجاه كل مادة إعلامية. وحين يتناول الإعلامي قضايا المجتمع، عليه أن يضع في ذهنه دائماً أن الهدف الأسمى هو خدمة المصالح العليا للوطن، وتعزيز الوحدة، والابتعاد عن كل ما يثير الانقسام أو يغذي خطاب الكراهية. فالإعلام المسؤول هو الذي يُبرز الصورة الحقيقية للمجتمع، بثرائه الثقافي وتنوعه الفكري، ويجعل من نجاحات الوطن مادةً للتحفيز، لا مجرد عناوين هامشية عابرة.

إن الفرق بين الإعلام المهني والإعلام الهاوي أن الأول يطرح القضايا بوعي، فيرصد المشكلة بدقة، ويضع أمام الرأي العام والجهات المعنية تصوراً للحلول الممكنة. أما الإعلام غير المسؤول فيكتفي بإشعال النار في الهشيم دون أن يُقدم ما ينفع الناس. والإعلام السعودي اليوم بحاجة إلى مزيد من هذا الوعي البنّاء الذي يحوّل المنابر الإعلامية إلى أدوات لصناعة الحلول، لا مجرد غرف صدى تُكرر الأزمات وتُعيد تدويرها.

وبالطبع لا يمكن الحديث عن الإعلام المسؤول دون الإشادة بالدور الكبير الذي تقوم به وزارة الإعلام وهيئة تنظيم الإعلام في المملكة. فهذه المؤسسات لا تمثل مجرد جهات رقابية أو تنظيمية، بل هي حاضنة لتطوير الإعلامي السعودي، ومنظومة تحافظ على توازنه بين الحرية والمسؤولية.

لقد قطعت المملكة شوطاً كبيراً في تمكين الإعلام ليكون أحد أعمدة رؤية 2030، وأصبحنا نرى تنظيماً أكثر وضوحاً، ودعماً للإعلاميين والمؤسسات الإعلامية الوطنية، وتوجيهاً نحو تطوير المحتوى المحلي بما يخدم صورة المملكة عالمياً ويعكس حقيقة نهضتها.

والأكيد أن التاريخ سوف يسجل لكل إعلامي اختياره: هل كان صوتاً مسؤولاً يسهم في صناعة وعي مجتمعي راقٍ ويحمي وطنه من حملات التضليل؟ أم كان مجرد متسابق على لحظات من الشهرة الزائفة؟

أخيراً.. الإعلام السعودي أمام فرصة تاريخية ليكون نموذجاً عربياً في المهنية والمسؤولية، وهذا لن يتحقق إلا إذا التزم الإعلاميون بالمسؤولية وتحري الدقة، ووعوا أن رسالتهم أكبر من مجاراة الترندات، وأعمق من مجرد عناوين مثيرة.
23:09 | 27-08-2025

الصحفيون على مائدة الذكاء الاصطناعي!

الإعلام يتغيّر بسرعة مذهلة، أسرع بكثير مما كنا نتخيل، يدفعه إلى هذا التحوّل التاريخي وقود قد يخرج عن السيطرة في أي وقت، وقود سريع التفاعل اسمه الذكاء الاصطناعي.

لم يعد السؤال اليوم: «هل يؤثر الذكاء الاصطناعي على الإعلام؟».. بل أصبح «كيف سيعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل وجه الإعلام؟».

قبل عشر سنوات من اليوم لم يكن من السهل أن نصدق أن تكتب خوارزمية تقرير صحافي وفق أعلى درجات المهنية، أو أن يُنتج روبوت صوتي نشرة إخبارية بصوت بشري خالص. أما اليوم، فقد أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) محررًا صحفيًا، ومخرجًا تلفزيونيًا، ومحللًا سياسيًا، وجمهورًا يتفاعل!

«واشنطن بوست» المنصة الإعلامية العالمية التي يُقرأ محتواها يوميًا في كل بقاع هذا الكوكب تستخدم الآن خوارزمية تُدعى Heliograf لكتابة تقارير رياضية وسياسية بشكل لحظي. وآلاف الأخبار تُكتب كل عام بلا يد بشرية، لكنها لا تبدو آلية أو باردة، بل دقيقة، ومنسقة، وموجهة للجمهور الصحيح.

وفي أقصى شرق العالم هناك محطة صينية اسمها Xinhua أطلقت أول مذيع ذكاء اصطناعي قبل ثماني سنوات، مذيع لا ينام، ولا يخطئ، ولا يغيب، ويُطل على الناس 24 ساعة في اليوم بنبرة صوت ثابتة ووجه لا يشيخ.

تخيل أن خبرًا عاجلًا عن زلزال يضرب منطقة معينة، يُكتب خلال ثوانٍ، يُوزع على منصات التواصل، ويُترجم فورًا بلغات متعددة – كل ذلك بدون تدخل بشري.

أما في مجال المونتاج، فيمكن للذكاء الاصطناعي خلال دقائق تحليل لقطات فيديو مدتها ساعات طويلة ومن ثم اختيار أفضل المقاطع لإنتاج قصة مرئية مدهشة، بينما يحتاج فيه الإنسان إلى ساعات وربما أيام للقيام بالمهمة نفسها!

الأهم من ذلك أن الخوارزميات لا تنشر فقط، بل تعرف من أنت، وماذا تحب، ومتى تميل للقراءة أو المشاهدة، فالمحتوى الإعلامي اليوم أصبح مُفصّلًا بحسب شخصية المستخدم وتاريخه الرقمي، وحتى مزاجه اللحظي، إذ يتوقع الذكاء الاصطناعي الأخبار التي قد تهمك، ويقدمها لك بترتيب يزيد من احتمالية تفاعلك معها، مما يفتح الجدل حول قضية جديدة وتساؤل كبير هو: هل هذا ذكاء أم تلاعب؟

إنه تساؤل أخلاقي ما زال مطروحًا بقوة، لكن إجابته لن تغيّر في الواقع شيئًا.

نحن أمام إعلام هجين، تلتقي فيه قدرات البشر بإمكانات الآلة. خوارزميات تكتب وتنشر، وصحفيون يفكرون ويحللون. ومن يملك مهارات التعامل الاحترافي مع الذكاء الاصطناعي، لا يملك فقط الأدوات، وإنما يملك أيضًا السيطرة على السرد، والزمن، والانتباه. وهنا، يجب أن يكون الذكاء البشري حاضرًا أكثر من أي وقت مضى.

الصحفي اليوم ليس مهددًا بالانقراض كما قد يظن البعض، ولن يكون وجبة العشاء الأخيرة على مائدة الذكاء الاصطناعي، لكنه بحاجة إلى تطوير مهاراته في التعامل مع أدوات هذه التقنية، لأن من يجيد استخدام الأدوات باحتراف سيقفز قفزة مهنية هائلة، وسيصبح بلا شك أسرع، وأدق، وأكثر قدرة على تحليل البيانات وصناعة قصص عميقة ومؤثرة وأكثر نجاحًا وانتشارًا.

علينا أن ندرك كإعلاميين ومهتمين أن توظيف الذكاء الاصطناعي في الإعلام هو أكبر منعطف فلسفي وأخلاقي في تاريخ هذه المهنة.. منعطف يعيد تعريف معنى «الخبر»، و«الناشر»، و«المتلقي». إنه فرصة هائلة، وخطر كامن في الوقت ذاته، فهل نحن على استعداد للتعامل مع حقبة زمنية يحركها إعلام لا ينام، ولا يتردد، ولا ينسى؟ أم أننا سنكتشف – متأخرين – أننا وصلنا إلى الحفل بعد انصراف المدعوين لحفل آخر؟
00:09 | 1-08-2025

شيطان الشهرة والنهايات الحزينة!

يبدو أن الشهرة في منصات التواصل الاجتماعي باتت تُشبه إلى حد بعيد الرواية الغربية الكلاسيكية التي يظهر فيها الشيطان ليعرض على الإنسان نعيماً مؤقتاً مقابل «بيع روحه»، ثم ما يلبث أن يتحوّل هذا النعيم إلى لعنة تلتهم كل شيء.

فالتجارب التي نشاهدها أمام أعيننا كل يوم تثبت بالدليل القاطع أن شهرة الأغلبية ممن تصنعهم هذه المنصات لا تدوم. بل إن لها «مدة صلاحية» قصيرة غالباً لا تتجاوز بضع سنوات، ثم تبدأ الآلة الرقمية في التهامهم الواحد تلو الآخر.

يَسْتَهلكهم الجمهور، يرفعهم إلى القمة مؤقتاً، ثم يسحب البساط من تحتهم بلا سابق إنذار.

الأسوأ من ذلك، أن محاولة العودة تصبح أكثر مرارة من الاختفاء نفسه؛ فالجماهير الجديدة التي لم تعش زمن شهرتهم الأولى ستسخر منهم وتُنَكِّل بهم عبر التنمر الجماعي، ثم تتجاهلهم كأنهم لم يكونوا يوماً في واجهة المشهد.

أحزنني مؤخراً ظهور أحد المشاهير السابقين، ممن لمع نجمهم قبل نحو عشر سنوات، وهو يستجدي الناس بشكل غير مباشر لبعث الحياة في أوردة مشروعه التجاري، ذلك المشروع الذي كان ذات يوم وجهة لكبار المؤثرين، ويعجّ بالحضور والطلب، لكن مع مرور الوقت، تلاشى البريق.

فالمشاهير الذين كانوا يدعمونه لم يعودوا مؤثرين، والجماهير الجديدة لا تعرفه ولا تعرفهم. لم يتغيّر شيء سوى الزمن، والزمن لا يرحم من يركن إلى النجاح العابر.

المشكلة الأكبر أن هذا الشاب بنى مشروعه على أساس هشّ: نموذج عمل يعتمد كلياً على دعم شهرته الشخصية. وعندما تلاشت هذه الشهرة، انهار البناء من أساسه. وحتى الحملات الإعلانية التي يطلقها اليوم تُذكِّر الناس بأن مشروعه كان «محطة مشاهير زمان»، وكأنها تعترف ضمنياً أن كل ما تبقى مجرد أطلال لزمن مضى.

هذا المشهد الحزين ليس نادراً، بل أصبح متكرراً على نحو يدعو للقلق. ففي حين يركض الكثيرون خلف الأضواء دون تفكير، يفشل معظمهم في إدراك أن الشهرة سلاح ذو حدين: تُضيء لك الطريق فترة، ثم تحترق أنت بزيتها إن لم تكن مستعداً لما بعد انطفائها.

المأساة الحقيقية أن كثيراً من المشاهير يظنون أن بريقهم لن يخفت أبداً، وأن الجماهير ستبقى مخلصة لهم إلى الأبد. لكن الحقيقة مختلفة تماماً. فهذه الجماهير نفسها تلاحق الجديد دائماً، وتتخلى سريعاً عن القديم.

من هنا تأتي أهمية التفكير الاستراتيجي منذ اللحظة الأولى للنجاح. فالشخص الذكي لا يرى الشهرة هدفاً نهائياً، بل بوابة عابرة تُتيح له فرصاً ذهبية لبناء مستقبل أكثر استقراراً. عليه أن يستغل الأرباح التي تدرها عليه الشهرة في شراء أصول ثابتة، ويبتعد تماماً عن المشاريع التي ترتبط مباشرةً بشخصه وشهرته، لأن مثل هذه المشاريع تصبح عبئاً ثقيلاً حين يتراجع اسمه عن العناوين.

الشهرة ليست ضماناً للمستقبل، فقد تصبح فخاً قاتلاً إذا انسقت خلف وهجها دون تخطيط. والفرق بين النجاح الحقيقي والفشل الذريع هو: هل ستستخدم الشهرة كأداة لبناء شيء يدوم؟ أم ستكتفي بالركض خلف التصفيق حتى ينطفئ المسرح وتبقى وحيداً في الظلام؟

الدرس الأهم الذي تقدّمه لنا قصص المشاهير المنطفئين هو أن الشهرة لا تساوي القيمة الحقيقية ما لم تُترجم إلى مشاريع واقعية مستدامة. النجاح الحقيقي ليس في أن يعرفك الملايين، بل في أن تملك شيئاً لا يمكن للضوء أن يسلبه منك حين ينطفئ.
00:02 | 15-07-2025

ترمب في الرياض.. ترسيخ الشراكة وعصر ذهبي جديد

في خطوة تعكس متانة العلاقات الاستراتيجية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، تأتي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى الرياض لتؤكد أن التحالف التاريخي بين البلدين لا يزال ركيزة أساسية في استقرار المنطقة وتعزيز الأمن العالمي. هذه الزيارة، التي توصف بالتاريخية، لا تمثل مجرد محطة دبلوماسية تقليدية، بل تدشينًا لمرحلة جديدة من التعاون المتين المبني على المصالح المشتركة والرؤية الموحدة لمستقبل أكثر ازدهارًا.

لقد عبّرت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض عن تطلع الرئيس ترمب لزيارته إلى السعودية ولقائه بقيادتها الرشيدة، مشيرة إلى أن «العصر الذهبي لكل من أمريكا والشرق الأوسط على الأبواب». هذا التصريح يعكس تقدير الإدارة الأمريكية لأهمية الشراكة مع المملكة في ظل ما تشهده من تحولات طموحة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

لقد تلاقت الرؤية السعودية 2030، التي أطلقت لتقود البلاد إلى مستقبل اقتصادي وتنموي غير معتمد على النفط، مع توجهات إدارة ترمب التي أعادت الاعتبار للشراكات التجارية والاستثمارية ذات البُعد الاستراتيجي. وقد كانت المملكة من أوائل الدول التي بادرت بتوقيع اتفاقيات ضخمة مع الجانب الأمريكي في مجالات الدفاع، التكنولوجيا، الطاقة، والصناعات المتقدمة، في إطار تعزيز التبادل والتكامل الاقتصادي.

ولعل ما يميّز هذه الزيارة هو التوافق غير المسبوق بين الرياض وواشنطن في الملفات السياسية والأمنية، لاسيما ما يتعلق بمواجهة التهديدات في المنطقة، ومحاربة الإرهاب، وتجفيف منابع التطرف، وهي قضايا طالما كانت المملكة في طليعة الدول الداعية إلى معالجتها بصرامة وعدالة.

ولا يمكننا هنا إغفال أهمية الدور الشخصي للرئيس ترمب في إعادة الزخم للعلاقات الثنائية، فقد أبدى منذ حملته الانتخابية اهتمامًا واضحًا بتعزيز العلاقات مع الدول العربية الحليفة، وعلى رأسها السعودية، متجاوزًا الخطابات الإعلامية التقليدية، ومتجهًا نحو شراكة تقوم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

من الجانب السعودي، فإن الترحيب الكبير بهذه الزيارة يعكس رغبة القيادة في تطوير العلاقة لتصبح أكثر شمولًا واستدامة، بعيدًا عن حسابات التجاذبات السياسية في واشنطن، هي رغبة مبنية على عمق تاريخي للعلاقة بين البلدين وتجارب ناجحة في أصعب الظروف، بدءًا من أزمة الخليج، مرورًا بمكافحة الإرهاب، وليس انتهاءً بمبادرات التنمية والاستثمار.

إن زيارة الرئيس ترمب إلى المملكة تمثل رسالة واضحة بأن واشنطن تدرك تمامًا ثقل الرياض الإقليمي والدولي، وأن التنسيق السعودي-الأمريكي لا يزال يشكل حجر الزاوية في معادلة الاستقرار العالمي. هي زيارة تحمل آمالًا مشتركة، وتبعث برسائل تطمين لشعوب المنطقة بأن المستقبل يمكن أن يُبنى على الثقة والشراكة، وليس على الفوضى والاضطراب.
00:27 | 13-05-2025

«الثوابت الوطنية»: الصخرة الثقيلة على صدر التطرف !

قبل أيام قليلة أعلن المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال) أنه رصد في إحدى منصات التواصل الاجتماعي (خلال ثلاثة أشهر) تصاعداً ملحوظاً لدى عددٍ من التنظيمات الإرهابية، في نشر الرسائل النصية، التي شكّلت 90% من إجمالي النشاط المتطرف، مقارنة بالمحتوى المتضمن وسائط مرئية وصوتية، كما رُصد تراجع في استخدام التنظيمات لأسماء قيادات التطرف.

هذا الإعلان يدعونا إلى التأكيد على أنه في هذا التوقيت الذي تتسارع فيه الأحداث وتتشابك فيه التحديات تبرز أهمية الاعتزاز بالثوابت الوطنية فهي الصخرة الثقيلة على صدر التطرف وحائط الصد الذي لا يُخترق أمام كل موجات التطرف والتشدد الساعية إلى زعزعة استقرار الأوطان وتفكيك لُحمتها الاجتماعية والفكرية.

إنّ الاختيار بين الانتماء للوطن والسقوط في براثن الفكر المتطرف ليس مجرد مفاضلة عابرة، بل هو موقف مصيري يحدد هوية الإنسان ومسار مجتمعه، فكل تهاون مع خطاب التطرف، مهما تزيّن بشعارات برّاقة أو استند إلى مبررات دينية أو فكرية، إنما هو في حقيقته شرارة أولى لنار الفتنة، ولعل أخطر ما في الفكر المتطرف أنه لا يولد من فراغ، بل يتغذى من مشاعر ناقمة تجاه الوطن ومؤسساته، ويجعل من معاداته مبدأً جوهرياً في بناء رؤيته وأهدافه.

التنظيمات المتطرفة لا تعترف بالثوابت الوطنية، بل تراها أكبر عقبة في طريق مشروعها الأيديولوجي، ولذلك فإنها تعمل على تفريغ مفاهيم الانتماء من مضمونها، وتسعى إلى استبدال الولاء الوطني بولاء فكري أو ديني متشدد. ذلك لأن الثوابت الوطنية في حقيقتها ليست شعارات تُردد في المناسبات، بل هي منظومة قيمية وأخلاقية تتجسّد في احترام سيادة الوطن، وصون وحدته، والدفاع عن مكتسباته، واحترام رموزه ومؤسساته. وهي بذلك تُشكّل حصانة حقيقية في وجه كل من يحاول اختراق النسيج المجتمعي أو تجنيد أبنائه لخدمة أجندات ضالة. فكلما اشتد الولاء للوطن، ضعفت فرص المتطرفين في التسلل إلى العقول والقلوب.

المشاريع المتطرفة لا تسعى فقط إلى تخريب الأمن لإضعاف السلطة، بل تهدف أيضاً إلى تفكيك المنظومة الاجتماعية عبر نشر ثقافة الشك والانقسام، وبث الإشاعات، وتأويل النصوص الدينية لإشاعة الإحباط وتبرير العنف والتمرد. وهنا تبرز أهمية اليقظة الفكرية، وتفعيل المناعة الثقافية التي تحصّن الوعي الجمعي من الوقوع في فخ الخطاب المضلل.

ولا بد أن أكرر هنا ما اعتدت على طرحه لأكثر من 15 سنة في مقالاتي من أنه لا يكفي أن نواجه التطرف أمنياً أو من خلال العمل المؤسساتي فقط، بل لا بد من مواجهة خطابه ومنهجه شعبياً أيضاً، وذلك بالعمل على تشجيع جميع أفراد المجتمع بشكل فعّال على كشف تناقضات الفكر المتطرف وزيف دعاواه، وتفنيد استخدامه المغلوط للنصوص والرموز.

إنّ المعركة مع التطرف معركة وعي، وميدانها الأساسي هو الفكر ولذلك فإنّ الاستثمار الحقيقي في التربية الوطنية، وتعزيز قيم التسامح، والانفتاح على الآخر، وتكريس محورية القيم والثوابت الوطنية، هي أعظم أسلحة يمكن أن تمتلكها المجتمعات في حربها ضد الكراهية والتطرف والإرهاب وكل ما يستهدف أمنها واستقرارها ومستقبلها.

لقد علمتنا التجارب أن التطرف لا يعيش إلا في بيئة هشّة، تفتقر إلى الانتماء والثوابت والوعي. ومن هنا، فإن ترسيخ الثوابت الوطنية هو ضمانة للاستقرار، وصمّام الأمان، وسلاح فاعل ضد محاولات الاختراق الأيديولوجي. فالوطن ليس مجرد حدود جغرافية، بل هو هوية، وكرامة، وأمان، ومسؤولية.

أخيراً لا بد أن يفهم كل من يفرّط أو حتى يتراخى في ولائه الوطني، وكل من يتهاون في مواجهة خطاب التطرف، أنه بذلك يفتح الباب لخطر داهم يهدد المجتمع من الداخل، وعلينا جميعاً أن نكون على قدر هذه المسؤولية، وأن نؤمن تماماً بأن الثوابت الوطنية عهد لا يُنقض، وسلاح حمايتنا وحماية مستقبل أبنائنا الذي لا يُهزم.
00:17 | 12-05-2025

«تيران وصنافير».. السيادة للسعودية والضجيج للغوغاء !

منذ أن بدأت بعض الأبواق الإخوانية المصرية في إثارة قضية أحقية السعودية وسيادتها على جزيرتي تيران وصنافير في وسائل التواصل الاجتماعي، تحوّل النقاش من مسألة قانونية موثقة تاريخياً إلى ساحة ضجيج غوغائي ممزوج بالشعبوية الإلكترونية والنوستالجيا القومية الزائفة والأكاذيب والشائعات عن تحولهما إلى قواعد عسكرية، وغير ذلك من الهراء الذي لا ينتهي.

فبينما يكرر بعض المصريين -عن جهل أو تجاهل- مزاعمهم بشأن علاقة مصر بالجزيرتين، فإن الوقائع والوثائق والتصريحات السياسية والقانونية المصرية نفسها تثبت -بما لا يدع مجالاً للشك- أن السيادة على تيران وصنافير هي سيادة سعودية كاملة.

لقد أكّد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بنفسه، في أكثر من مناسبة، أن أرشيف الدولة المصرية -من وزارة الدفاع، إلى وزارة الخارجية، إلى المخابرات العامة- لا يحتوي على وثيقة واحدة تثبت أن للجزيرتين علاقة تبعية تاريخية لمصر. بل إن كبار المسؤولين المصريين، وعلى رأسهم مصطفى الفقي، وبطرس غالي، ووزراء الخارجية المتعاقبون، أجمعوا على أن الجزيرتين كانتا ولا تزالان أرضاً سعودية تم وضعها تحت الحماية المصرية المؤقتة لأغراض عسكرية في وقت سابق.

أما التصريحات السعودية، فهي أكثر وضوحاً من شمس الظهيرة. فقد أكد مصدر سعودي رفيع أن «تيران وصنافير تقعان تحت سيادة المملكة العربية السعودية»، وأنها تحت حماية القوات السعودية بعد أن تم إخلاء القوات الدولية منهما. كما نفى المصدر -بشكل قاطع- أي صحة لما يُثار عن نية بناء قواعد عسكرية دولية على الجزيرتين، مشدداً على أن كل ما يدور في هذه الدوائر الإلكترونية هو محض افتراءات إلكترونية وتلفيقات شعبوية.

والحق يقال، فإن الحملة الإلكترونية بمعرفات مصرية في شبكات التواصل ضد السعودية بشأن تيران وصنافير لا يمكن وصفها إلا بأنها حملة غوغائية برداء الوطنية المزيّفة. فمنذ متى كانت السيادة تُعطى بالتغريدات والتعليقات على «فيسبوك» و«إكس»؟ هل تحولت الجغرافيا إلى استطلاع رأي على وسائل التواصل؟

إن الحدود البحرية والجوية بين السعودية ومصر قد رُسمت وتم اعتمادها رسمياً، وانتهى زمن العواطف والتكهنات. فكل ما يُقال اليوم عن «أحقيتنا» و«تاريخنا» و«دماء جنودنا» هو مجرد تهويمات لا تقدم ولا تؤخر، ولا تُثبت شيئاً في ميزان القانون الدولي أو في أدلة التاريخ الموضوعي.

الأكثر سخرية هو أن بعض النشطاء المصريين يرفضون الاعتراف بقرارات حكومتهم نفسها، ويشككون في تقارير وزرائهم ومؤسساتهم، فقط لأنهم لا يريدون تصديق الحقيقة. ويصرّون بسذاجة متناهية على تحويل هذه القضية إلى دراما قومية، بينما هي في الحقيقة مجرد ورقة أُغلقت قانونياً وسياسياً، وطويت صفحتها إلى الأبد.

بقي أن نقول للمتحمسين على الطرف الآخر من البحر الأحمر: جزيرتا تيران وصنافير سعوديتان، شاء من شاء وأبى من أبى. ولسنا بحاجة إلى تبرير ما هو محسوم. فالسعودية لم تقتطع أرضاً من أحد، بل استعادت ما هو موثق ومُعترف به. فليحتفظ كلٌّ بخريطة الحقيقة، ولتذهب المزايدات إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم!
00:01 | 5-05-2025

مشكلة اتصالية في وزارة الموارد البشرية !

أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية عن إطلاق خدمة «أجير الحج» لموسم حج عام 1446هـ؛ بهدف تنظيم العمل الموسمي عبر منصة إلكترونية تجمع الباحثين عن العمل مع أصحاب الشواغر المؤقتة. هذه الخطوة تأتي ضمن جهود الوزارة الحثيثة للارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن، وتسهيل تجربة العمل الموسمي بما ينسجم مع متطلبات المرحلة.

ورغم أهمية المبادرة وجوانبها التنظيمية والتقنية المتطورة، إلا أن هناك مشكلة اتصالية مهمة ينبغي التوقف عندها، وهي اختيار اسم «أجير» كهوية للمنصة والخدمة.

مصطلح «أجير» في الوعي الجمعي السعودي والعربي عموماً يرتبط بمعانٍ اجتماعية قد تكون سلبية أو تقلل من الشعور بالفخر والانتماء. فالكلمة قد توحي بالتبعية أو الحاجة، وهي معانٍ لا تتناسب مع الرغبة في تحفيز الشباب السعودي والمقيمين على الإقبال بروح معنوية عالية للعمل في موسم عظيم كالحج.

ويبدو لي أن الوزارة بحاجة ماسة إلى استشارة خبراء الإعلام والاتصال المؤسسي عند إطلاق المبادرات والخدمات، خاصة في ما يتعلق بالهوية اللفظية والعلامة الاتصالية. فلو تم اختيار اسم مستلهم من التراث الثقافي المحلي، مثل: «عون» أو «فزعة» أو «نشمي» أو «سند» لكان لذلك أثر إيجابي أقوى. فهذه الكلمات تحمل معاني العون، الشجاعة، الكرم، والنخوة، وهي صفات متجذرة في الثقافة السعودية وتبعث على الفخر والتقدير الذاتي، مما يعزز من اندماج المجتمع مع الخدمة نفسياً وشعبياً.

في علم الاتصال المؤسسي تلعب الأسماء دوراً حيوياً في تشكيل الانطباع الأول، وتعزيز هوية المبادرة أو المنتج في أذهان الجمهور. فاختيار اسم موفق لا يقتصر فقط على الجانب اللغوي، بل يشمل البعد النفسي والاجتماعي والثقافي. الاسم الناجح يخلق ارتباطاً وجدانياً فورياً مع المستهدفين، ويساهم في رسوخ المبادرة ضمن السياق الوطني والثقافي. ومن مبادئ الاتصال الفعال أن يكون كل عنصر من عناصر الرسالة الاتصالية متناغماً مع توقعات ومشاعر الجمهور.

إن الهوية اللفظية ليست مجرد مسألة شكلية، بل هي أداة استراتيجية في ترسيخ قبول الخدمة وتحقيق أهدافها المجتمعية؛ فالأسماء القوية تعزز الثقة، وتحفّز التفاعل الإيجابي، وتسهّل عمليات التسويق الاتصالي، بينما الأسماء التي قد تثير مشاعر مختلطة أو سلبية قد تضعف الأثر المنشود رغم جودة الخدمة أو المبادرة نفسها.

ختاماً، هذا المقال ليس نقداً قاسياً للوزارة، بل هو عتب محب ومهتم بتطور أدائها الاتصالي. فالوزارة تبذل جهوداً مشكورة في تحسين الخدمات، لكن التفاصيل الصغيرة -مثل الاسم- قد تحدث فرقاً كبيراً في ترسيخ المبادرات الوطنية بشكل أجمل وأكثر قرباً لقلوب الناس. نأمل أن ترى مثل هذه الملاحظات صداها مستقبلاً، فنجاح أي مبادرة لا يعتمد فقط على قوتها التنفيذية، بل أيضاً على مدى نجاحها في لمس وجدان الجمهور بأدوات الاتصال الذكية والمدروسة.
00:23 | 29-04-2025

عبادة الله ليست بالفهلوة يا باشا..!

في كل موسم حج، تُثبت المملكة العربية السعودية للعالم أجمع أنها قادرة بكل كفاءة على إدارة واحدة من أعقد وأضخم التجمعات البشرية على وجه الأرض.

ملايين المسلمين من شتى بقاع العالم يؤدون فريضتي الحج والعمرة بأمان وطمأنينة وتنظيم دقيق لا يُمكن إلا أن يُشاد به ويُحترم، خاصةً في ظل التحديات الأمنية والصحية واللوجستية التي تفرضها مثل هاتين الشعيرتين، لكن وللأسف، هناك من لا يُقدّر هذه الجهود الجبارة، ويظن أن «الفهلوة» يُمكن أن تحقق له مكاسبَ حتى في أعظم شعيرة إسلامية. وهذا ما حدث مؤخراً مع مجموعة من المخالفين لأنظمة الحج والعمرة الذين وصلوا إلى الأراضي السعودية عبر تأشيرات ترانزيت لا تمنحهم الحق في أداء العمرة، وأثاروا الفوضى والضجيج عند وصولهم متجاوزين الأنظمة والتعليمات الصريحة التي وضعتها المملكة لتنظيم هذه الشعيرة وضمان سلامة وأمن الجميع.

من الواضح تماماً أن ما حدث ليس سوء فهم، بل محاولة متعمّدة لتجاوز الأنظمة. فتأشيرات الترانزيت معروفة ومحددة الغرض، ولا تسمح بأي حال من الأحوال بأداء الحج أو العمرة والبقاء لمزاحمة الحجاج النظاميين ومع ذلك يحاول البعض التحايل، وكأن عبادة الله يمكن أن تُمارس بأساليب ملتوية، وكأن الحج أو العمرة يُمكن أن يُؤديان بالخديعة، وليس بالنية الخالصة، والوسيلة المشروعة، والالتزام التام بالنظام.

المؤسف في الأمر أن هؤلاء المخالفين لا ينتهكون فقط الأنظمة والقوانين السعودية، بل يعتدون على حقوق الحجاج والمعتمرين النظاميين من مختلف دول العالم، الذين تكبّدوا العناء والتكاليف والتزموا بالقنوات الرسمية للحصول على تصاريحهم.

إنّ تجاوز الأعداد المقررة للحج أو العمرة لا يهدد النظام فحسب، بل يعرض حياة الجميع للخطر، ويُجهد البنية التحتية، ويخلق أزمات صحية وأمنية لا تُحمد عقباها.

المملكة قررت من منطلق مسؤوليتها الدينية والسيادية أن يكون أداء المناسك في بيئة منظمة وآمنة. وهي حين ترفض دخول من لا يحملون التصاريح اللازمة، فإنما تحمي أرواح الناس وتُحافظ على قدسية المكان. وليس من المقبول أن تُستغل هذه المواقف لتأجيج الرأي العام أو اتهام المملكة بما ليس فيها، كما يحاول البعض على منصات التواصل الاجتماعي.

وعليه، فلا بد من أن تقوم الجهات الرسمية في الدول التي يثير مخالفوها هذه الفوضى بدورها الكامل، بدءاً من التحقيق مع الشركات التي قد تكون ضللت هؤلاء إن أحسنا النية، ومروراً بمحاسبة كل من تواطأ أو تلاعب أو تاجر بهذه الشعيرة المقدسة، وانتهاءً بحملة توعوية شاملة تؤكد أن زيارة بيت الله الحرام عبادة لا يُمكن أن تُؤدى بـ«التحايل»، بل بالنية الصادقة والطريق المشروع.

الرسالة واضحة وبسيطة: الحج أو العمرة عبادة خالصة لله، لا تُؤدى بالمخادعة ولا تُكتسب بالفهلوة. وكل من يحاول الالتفاف على النظام عليه أن يتحمل مسؤولية فعله، وعلى دولته أن تحاسبه وتمنع تكرار هذه التجاوزات. أما السعودية، فقد أدّت واجبها بأقصى درجات المهنية والرحمة، ولا يسعنا إلا أن نرفع العقال احتراماً لهذه الجهود العظيمة.

ولذلك نقول لكل من يحاول التحايل على أنظمة الحج: اتقِ الله، فعبادة الله لا تُؤدى بالمخالفة، ولا تُقرب بالتحايل، ولا يُنال ثوابها وأنت تهدد سلامة الآخرين. عبادة الله ليست بالفهلوة يا باشا!
00:07 | 20-04-2025

هل عبثت في دماغك «سوسة» اليوم ؟!

في خضم الثورة الرقمية وتزايد زخم المحتوى المتنوع عبر منصات التواصل الاجتماعية، ظهر أخيراً مصطلح علمي جديد هو «سوسة الدماغ»، الذي يشير، بحسب قاموس «أكسفورد»، إلى: «جزء من لحن أو عبارة تتكرر باستمرار في الذهن دون سيطرة من الشخص، ويصعب التخلص منها».

في وقت مضى وقبل أن تغرقنا ترندات تيك توك، وريلز انستغرام، وفيديوهات X المتتالية، كان المفهوم مرتبطاً بالموسيقى، حيث يعلق لحن معين أو مقطع من أغنية في ذهنك ويتكرر لا إرادياً، لكن التحولات الحديثة في طبيعة المحتوى وسّعت معنى سوسة الدماغ إلى مستوى أكثر شمولاً وتأثيراً.

أصبح من الممكن أن تتشكل سوسة الدماغ من جملة قالها ممثل أو مؤثر، أو من خلال مقطع ساخر، أو صوت مكرر في فيديو ترند، أو حتى إيماءة مشهورة في مقطع قصير لشخص مجهول، فكم من مرة وجدت نفسك تردد عبارة محددة دون شعور، أو شاهدت من حولك يرددون لزمات شهيرة من مقطع ما؟ وكم من مرة تردد في رأسك صوت معيّن من فيديو ترند وكأنه شريط لاصق عالق في خلايا دماغك؟

السبب وراء هذا التأثير المزعج يعود إلى بنية المحتوى القصير ولزماته التي تكرّر نفسها عبر مئات الفيديوهات بطرق مختلفة. هذا التكرار المكثف يشكّل ما يُعرف في علم النفس بـ«الترميز القوي» الذي يجعل الدماغ يحتفظ بهذا العنصر السمعي أو البصري حتى في لحظات الراحة أو النوم.

اليوم تتنافس تطبيقات التواصل الاجتماعي لجذب عقل المستخدم وإبقائه منشغلاً لأطول وقت ممكن، وبالتالي فقد تبرمج الدماغ على استقبال وتحليل كميات ضخمة من المحفزات في وقت قصير، لكن ما النتيجة؟ أصبحت عقولنا أرضاً خصبة لنمو «سوسات» جديدة كل يوم وكل ساعة، سوسات تتغذى على التكرار والمحتوى السريع، وتؤثر على وعينا بشكل خفي.

المخاوف هنا ليست من تكرار جملة مضحكة أو لحن جذاب فحسب، بل في أن تتحول هذه «السوسات» إلى أدوات تأثير نفسي وثقافي تُستخدم لتوجيه السلوك أو غرس أفكار سطحية مضرة على المستوى الاجتماعي والأمني بشكل لا واعٍ خصوصاً لدى صغار السن.

ولهذا بات من المهم أن نعي هذا التأثير، ونطوّر مناعتنا الذهنية تجاه المحتوى المتكرر من خلال تدريب أنفسنا على تقنيات معينة مثل تقليل وقت الشاشة، والوعي اللحظي (mindfulness)، والانخراط في محتوى أعمق وأكثر تنوعاً وفائدة كلما شعرنا بنخر سوسة جديدة في عقولنا.

بالمجمل يمكننا قول إن مفهوم «سوسة الدماغ» بات ظاهرة معقدة تمس الإدراك والذاكرة والسلوك، بفعل أدوات تتقن اللعب على أوتار العقل الباطن، لكن الخطوة الأولى نحو تحكّم أكبر بعقولنا في زمن كثافة المحتوى وسرعة انتشاره هي الوعي بهذه الظاهرة، وزيادة نسبة التحكم في ما تستقبله عقولنا وعقول أبنائنا من نفايات صوتيه ومرئية يعج بها الفضاء السيبراني بشكل هستيري لم يعد بإمكان أحد إيقافه.
00:09 | 10-04-2025