تعيش الجامعات اليوم في قلب معادلة دقيقة: كيف تواكب التغيّرات العالمية المتسارعة في المعرفة والتقنية، دون أن تفقد قيمها وهويتها الوطنية؟
ذلك هو تحدي التجديد في التعليم الجامعي، الذي لم يعد خيارًا بل ضرورة، في زمن تتقادم فيه المعارف بسرعة الضوء، وتتشكّل فيه تخصصات جديدة قبل أن تُغلق ملفات القديمة.
ما زالت بعض الجامعات تُدار بذهنية التعليم التقليدي القائم على التلقين، بينما العالم يتجه نحو نموذج جديد يقوم على «التعلّم مدى الحياة»، والمهارات العابرة للتخصصات، والقدرة على التكيّف مع المستقبل لا حفظ الماضي.
الطالب اليوم لا يبحث فقط عن شهادة، بل عن تجربة تعليمية تمنحه مرونة فكرية وقدرة على الإبداع والتجديد.
وهنا تظهر الحاجة إلى جامعة تتجدّد فكريًا ومنهجيًا، لا شكليًا أو تنظيميًا فقط.
هناك من يعتقد أن التجديد يعني القطيعة مع التراث الأكاديمي أو القيم المؤسسية، بينما الحقيقة أن التجديد الناجح هو الذي يستند إلى الأصالة.
فالجامعة التي تنطلق من هويتها الثقافية والوطنية، وتستثمر إرثها العلمي في بناء مستقبلها، تكون أكثر استقرارًا وأقوى تأثيرًا.
الأصالة ليست عائقًا أمام الحداثة، بل هي المرجع الأخلاقي والفكري الذي يحافظ على توازن الجامعة في عالم متغير.
الجامعة التي تنجح في التجديد الحقيقي هي التي:
• تعيد تصميم برامجها الأكاديمية لتتوافق مع احتياجات المستقبل لا الماضي.
• تدمج التقنية والذكاء الاصطناعي في أساليب التعلم والتعليم.
• تربط بين التخصصات وتكسر الجدران التقليدية بين الكليات.
• تبني شراكات فاعلة مع القطاعين العام والخاص لإثراء المحتوى التطبيقي للبرامج.
• تتيح بيئة تعليمية تشجع على النقد، التفكير، والإبداع.
هذه ليست رفاهية أكاديمية، بل شرط للبقاء في سباق التنافسية العالمية.
التجديد في التعليم الجامعي لا يأتي من تغيير المناهج فقط، بل من قيادة جامعية تمتلك الشجاعة لإعادة طرح الأسئلة الصعبة:
- هل ما ندرّسه اليوم يُناسب سوق العمل غدًا؟
- هل نماذجنا التعليمية تُخرّج مفكرين أم موظفين؟
- هل نُقيّم الأداء بالمخرجات أم بالأثر؟
هذه الأسئلة هي التي تفتح الطريق نحو التجديد الحقيقي.
إن الجامعة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة ليست تلك التي تتحدث عن التوازن، بل التي تعيشه واقعًا:
تُدرّس التقنية بروح القيم، وتُمارس البحث والابتكار بوعي المسؤولية، وتُخرّج طلابًا يمتلكون المعرفة والهوية معًا.