أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/1851.jpg?v=1761576868&w=220&q=100&f=webp

د. عبدالله عداس

الجامعة بين الأصالة والمعاصرة: كيف نحافظ على هويتنا ونواكب العالم؟

تعيش الجامعات اليوم في قلب معادلة دقيقة: كيف تواكب التغيّرات العالمية المتسارعة في المعرفة والتقنية، دون أن تفقد قيمها وهويتها الوطنية؟

ذلك هو تحدي التجديد في التعليم الجامعي، الذي لم يعد خيارًا بل ضرورة، في زمن تتقادم فيه المعارف بسرعة الضوء، وتتشكّل فيه تخصصات جديدة قبل أن تُغلق ملفات القديمة.

ما زالت بعض الجامعات تُدار بذهنية التعليم التقليدي القائم على التلقين، بينما العالم يتجه نحو نموذج جديد يقوم على «التعلّم مدى الحياة»، والمهارات العابرة للتخصصات، والقدرة على التكيّف مع المستقبل لا حفظ الماضي.

الطالب اليوم لا يبحث فقط عن شهادة، بل عن تجربة تعليمية تمنحه مرونة فكرية وقدرة على الإبداع والتجديد.

وهنا تظهر الحاجة إلى جامعة تتجدّد فكريًا ومنهجيًا، لا شكليًا أو تنظيميًا فقط.

هناك من يعتقد أن التجديد يعني القطيعة مع التراث الأكاديمي أو القيم المؤسسية، بينما الحقيقة أن التجديد الناجح هو الذي يستند إلى الأصالة.

فالجامعة التي تنطلق من هويتها الثقافية والوطنية، وتستثمر إرثها العلمي في بناء مستقبلها، تكون أكثر استقرارًا وأقوى تأثيرًا.

الأصالة ليست عائقًا أمام الحداثة، بل هي المرجع الأخلاقي والفكري الذي يحافظ على توازن الجامعة في عالم متغير.

الجامعة التي تنجح في التجديد الحقيقي هي التي:

• تعيد تصميم برامجها الأكاديمية لتتوافق مع احتياجات المستقبل لا الماضي.

• تدمج التقنية والذكاء الاصطناعي في أساليب التعلم والتعليم.

• تربط بين التخصصات وتكسر الجدران التقليدية بين الكليات.

• تبني شراكات فاعلة مع القطاعين العام والخاص لإثراء المحتوى التطبيقي للبرامج.

• تتيح بيئة تعليمية تشجع على النقد، التفكير، والإبداع.

هذه ليست رفاهية أكاديمية، بل شرط للبقاء في سباق التنافسية العالمية.

التجديد في التعليم الجامعي لا يأتي من تغيير المناهج فقط، بل من قيادة جامعية تمتلك الشجاعة لإعادة طرح الأسئلة الصعبة:

- هل ما ندرّسه اليوم يُناسب سوق العمل غدًا؟

- هل نماذجنا التعليمية تُخرّج مفكرين أم موظفين؟

- هل نُقيّم الأداء بالمخرجات أم بالأثر؟

هذه الأسئلة هي التي تفتح الطريق نحو التجديد الحقيقي.

إن الجامعة التي تجمع بين الأصالة والمعاصرة ليست تلك التي تتحدث عن التوازن، بل التي تعيشه واقعًا:

تُدرّس التقنية بروح القيم، وتُمارس البحث والابتكار بوعي المسؤولية، وتُخرّج طلابًا يمتلكون المعرفة والهوية معًا.

00:10 | 18-11-2025

قيادة التغيير في الجامعات.. من إدارة الملفات إلى صناعة المستقبل..!

لم تعد قيادة الجامعة اليوم مجرد موقع إداري تقليدي يُعنى بمتابعة المعاملات والموازنات، بل أصبحت مهمة استراتيجية تتطلب وعياً، ورؤية، وقدرة على تحويل التحديات إلى فرص. فالجامعات التي تعيش اليوم تحت مظلة رؤية المملكة مطالبة بأن تُحدث تحولاً حقيقياً في فكرها، وإدارتها، وثقافتها المؤسسية، وهو تحول لا يمكن أن يحدث دون قيادة تؤمن بالتغيير وتديره بوعي ومسؤولية.


يخلط البعض بين «رئيس الجامعة» و«قائد الجامعة»، رغم أن الفارق بينهما هو الفارق بين من يحافظ على النظام ومن يصنع المستقبل.


• الرئيس يدير الواقع، أما القائد فيصنع الغد.


• الرئيس يتعامل مع الملفات، أما القائد فيتعامل مع الإنسان الذي يُحدث التغيير.


• الرئيس يحرص على الاستقرار، أما القائد فيبحث عن التحدي والابتكار.


وفي زمن تتسارع فيه التحولات التقنية والعلمية، لم يعد الاستقرار هدفاً، بل أصبح التكيّف السريع هو عنوان النجاح.


إن قيادة الجامعة اليوم ليست فقط في اتخاذ القرار، بل في إدارة المعنى (أي بناء رؤية موحدة تجعل الجميع يتحرك في الاتجاه ذاته). القيادة الجامعية الفعالة هي التي:


• تمتلك رؤية استراتيجية واضحة تنبع من هوية الجامعة الداعمة للميز النسبية للمنطقة التي تقع بها وتتكامل مع أولويات الدولة حفظها الله.


• تمكّن الكفاءات وتتيح الفرصة للجيل الجديد من الأكاديميين والإداريين.


• تتواصل بشفافية وتستمع أكثر مما تتحدث.


• توازن بين الطموح والواقع، وبين التجديد والمحافظة على الثوابت.


تواجه القيادات الجامعية اليوم معضلة معقدة: كيف تقود التغيير في بيئة تحكمها الأنظمة والتقاليد؟


الجواب ليس في تجاوز النظام، بل في إعادة تفسيره بروح التطوير. الأنظمة ليست قيوداً بل أدوات يمكن استثمارها بذكاء. فالقيادة الفاعلة هي التي تبني التغيير من داخل الإطار، لا ضده.


إن الجامعات التي ما زالت تعتمد على القيادة النمطية ستظل تدور في حلقة من التكرار. أما الجامعات التي تمتلك قيادة تحفيزية، قادرة على قراءة المستقبل، فستتحول إلى مراكز حقيقية للابتكار والتنمية. التحول في التعليم الجامعي لا يُدار بقرارات فوقية فحسب، بل بعقل قيادي يستوعب التغيير ويقوده. فالقائد الجامعي هو من يُشعل الفكرة، لا من ينتظرها تأتيه جاهزة.


يأتي هذا المقال امتداداً للمقال السابق «بين جيلين: كيف تدير الجامعات صراع الأجيال؟»، الذي تناول التحديات بين الأجيال داخل البيئة الجامعية، إذ يمثل القيادة الجامعية الواعية العنصر الحاسم في تحويل ذلك الصراع إلى طاقة بناء وتطوير.


وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المحوري لمجلس شؤون الجامعات في دعم هذا التوجه، من خلال تطوير الأنظمة، وتمكين الجامعات، وتعزيز مفهوم الحوكمة والاستقلالية المؤسسية، بما يضمن أن تكون القيادات الجامعية قادرة على قيادة التغيير لا مجرد التكيف معه.

00:30 | 2-11-2025

بين جيلين: كيف تدير الجامعات صراع الأجيال؟

لم تعد الجامعات مجرد مؤسسات تعليمية تقليدية، بل أصبحت ساحة صراع ناعم بين جيلين: الحرس القديم الذي يتمسّك بالماضي ويحاول الحفاظ على نفوذه، والحرس الجديد الذي يحمل أفكار التغيير ويتطلع إلى إعادة صياغة المشهد الجامعي بما يتوافق مع متطلبات العصر.

هذا الصراع ليس محليًا فحسب، بل هو ظاهرة عالمية. تشير تقارير التعليم العالي إلى أن أكثر من 60% من قيادات الجامعات حول العالم ينتمون إلى جيل الخمسينيات والستينيات، بينما الغالبية العظمى من الطلاب وأعضاء هيئة التدريس الجدد ينتمون إلى جيل مختلف تمامًا في أدواته ورؤيته وطموحاته. هذا التباين الطبيعي في الأعمار والخبرات يتحول إلى صراع إذا غابت إدارة التغيير.

الحرس القديم يميل إلى التمسك بالأنظمة التقليدية والاعتماد على النفوذ المتراكم عبر سنوات طويلة من الخدمة الأكاديمية والإدارية. في المقابل، الحرس الجديد – من قيادات شابة وأعضاء هيئة تدريس حديثي التجربة – يسعى إلى الدفع بالمؤسسة نحو الشفافية، الحوكمة، والانفتاح على الشراكات العالمية.

ولعلنا نرى هذا المشهد حيًا في قاعات التدريس: أستاذ مخضرم ما زال يفضل الإلقاء التقليدي باستخدام السبورة، بينما زميله الأصغر سنًا يدمج أدوات الذكاء الاصطناعي ويحفّز طلابه عبر بيئة رقمية تفاعلية. كلاهما يحمل نية صادقة للتعليم، لكن غياب إدارة التغيير يجعل جهودهما تتحوّل أحيانًا إلى مواجهة أكثر منها تكاملًا.

الجامعات الناجحة هي التي لا تسمح بتحول الاختلاف إلى عائق، بل توظفه كقوة دفع نحو التطوير. إدارة التغيير هنا تتطلب:

• رؤية واضحة لقائد المنظومة وفريقه، تضع المصلحة العامة فوق أي اعتبارات أخرى.

• دمج الخبرة مع الطموح، بحيث يُستفاد من خبرات الحرس القديم دون أن تكون حجر عثرة أمام انطلاق المبادرات الجديدة.

• إشراك الجميع في اتخاذ القرار، بما يضمن أن يشعر كل طرف بأن له دورًا في صنع المستقبل.

إن التحدي الحقيقي أمام إدارات الجامعات اليوم هو القدرة على تحويل الصراع إلى تكامل. الحرس القديم يحمل إرثًا من التجارب، والحرس الجديد يجلب معه طاقة متجدّدة ورؤية مختلفة. الجمع بين الاثنين قد يصنع المعادلة التي تقود الجامعة إلى الريادة.

وهنا لا بد من توجيه كل التحية للحرس القديم الذي حاول ويحاول وسيحاول دومًا تطوير قدراته للتماشي مع المتطلبات الحديثة، فخبرتهم ركيزة أساسية، ومتى ما التقت مع طموح الجيل الجديد صنعت معادلة النجاح.

الجامعات التي تخفق في إدارة هذا الصراع قد تخسر جيلًا كاملًا من الإبداع، بينما الجامعات التي تنجح ستصبح مراكز إشعاع معرفي وريادة فكرية في المنطقة، مساهمة في تحقيق مستهدفات وتطلعات القيادة الرشيدة حفظها الله وبناء اقتصاد المعرفة.

00:12 | 28-10-2025