أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1579.jpg&w=220&q=100&f=webp

سلمان الشريدة

الرقائق والذكاء الاصطناعي.. رهان السعودية على المستقبل

في السنوات الأخيرة، لم يعد سباق النفوذ العالمي يعتمد على السلاح أو النفط أو القوة الجيوسياسية وحدها؛ بل أصبح التفوق التقني هو العملة الجديدة للقرن الحادي والعشرين. وفي قلب هذا السباق تأتي الرقائق الإلكترونية، تلك القطع الصغيرة التي تحرك كل شيء: من الهواتف والسيارات الذكية، إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة. ومن هنا، يبدو واضحاً أن خطوة السعودية للدخول في عالم تصنيع الرقائق وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي ليست مجرد مشروع تقني، بل رؤية استراتيجية شاملة لإعادة تشكيل موقعها في المستقبل العالمي.


السعودية تدرك أن الاعتماد على الخارج في مجال أشباه الموصلات لم يعد خياراً آمناً. فالعالم يشهد تنافساً حاداً على هذه التكنولوجيا، وتستخدمها بعض القوى كأداة ضغط سياسية واقتصادية. امتلاك القدرة المحلية على إنتاج الرقائق يعني ببساطة امتلاك السيادة على أهم مورد استراتيجي في عصر الرقمنة. إنه انتقال من دور «المستهلك» للتكنولوجيا إلى دور «المنتج» و«المؤثر» في صناعتها.


لكن البعد الاقتصادي لا يقل أهمية. فالاستثمار الهائل في الرقائق والذكاء الاصطناعي يشكل ركيزة أساسية في تنويع الاقتصاد السعودي، وتحويله من اقتصاد يعتمد على المورد الطبيعي إلى اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار. مصانع الرقائق، الحواسيب فائقة القدرة، مراكز البيانات، منصات الذكاء الاصطناعي، الشركات الناشئة... كلها حلقات في سلسلة واحدة تقود المملكة نحو إنشاء اقتصاد رقمي متقدم يضمن وظائف نوعية ومهارات مستقبلية لأجيال الشباب.


وفي البعد الأمني، يمثل امتلاك هذه التقنيات حصانة استراتيجية. فالدول التي تسيطر على الذكاء الاصطناعي هي ذاتها التي تسيطر على البيانات، وعلى قدرات التحليل والتوقع، وعلى صناعة الدفاع الحديثة. إنتاج الرقائق محلياً يتيح تطوير أنظمة دفاع سيبراني ومعدات عسكرية ذكية دون الحاجة إلى المرور عبر بوابات الموردين الدوليين ومخاطر الابتزاز التقني.


إلى جانب ذلك، فإن دخول السعودية مجال الذكاء الاصطناعي بجدية - من خلال إنشاء نماذج لغوية عربية، واستقطاب العلماء، وتمويل الأبحاث - يعني أنها تريد أن تكون مركزاً عالمياً لتطوير هذه التقنيات، لا مجرد مستهلك لها. وبما أن العالم يتجه نحو منافسة محتدمة في هذا المجال، فإن موقعاً متقدماً اليوم قد يعني مكاناً قيادياً غداً.


إن التحولات الجارية في السعودية ليست خطوات متفرقة، بل مشروع دولة يريد أن يضمن لنفسه مكاناً في عالم جديد تُحدد فيه القوة ليس بما نملكه تحت الأرض، بل بما ننتجه فوقها من معرفة وتقنية. امتلاك الرقائق ليس مجرد صناعة؛ إنه عنوان لسيادة رقمية كاملة. وتطوير الذكاء الاصطناعي ليس مجرد مواكبة للعصر، بل إعلان نية لصياغة مستقبل جديد للمنطقة والعالم.

00:26 | 28-11-2025

صناعة القوة.. تقترب من نصف اكتفائها العسكري

في إطار رؤيتها الصناعية الطموحة، تؤكّد المملكة العربية السعودية على تعزيز قدراتها الدفاعية والاقتصادية من خلال توطين قطاع الصناعات العسكرية، فعدا عن كونه مطلباً إستراتيجياً لأمن المملكة، فإنّه أيضاً ركيزة مهمة في تحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 للتنمية الاقتصادية والتنويع.


منذ تأسيس الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI) عام 2017، بدأ المسار يتحول من شراء مستورد إلى إنتاج محلي. مثلاً، كان التوطين في الإنفاق العسكري أقل من 5 % قبل سنوات، ثم ارتفع إلى نحو 4 % عام 2018، حتى بلغ عام 2023 نحو 19.35 % من الإنفاق العسكري محلياً. وفي أحدث لقائه السنوي للصناعات العسكرية، أعلنت الهيئة أن النسبة ارتفعت أكثر إلى نحو 24.89 % بحلول نهاية 2024.


هذه الأرقام تحيل إلى أن المملكة قطعت شوطاً مهماً في أقل من عقد، لكنها بنفس الوقت أمام منعطف حقيقي: الوصول إلى نسبة 50 % أو أكثر من الإنفاق العسكري محلّياً بحلول عام 2030 هو الهدف المركزي.


برأيي يمكن القول إن هذا التوجّه يشكّل «ثنائية مكاسب» – أولاً، يكسر التبعية الكبرى للصادرات العسكرية، وبالتالي يعزز الأمن والقدرة الذاتية، وثانياً، يصنع قيمة اقتصادية محلية: وظائف، مواد محلية، نقل تقنية، وصناعات مرافقة. ومع ذلك، الطريق ليس خالياً من التحديات: التوطين لا يعني فقط تصنيع المنتج، بل يشمل سلسلة التوريد، البحث والتطوير، الصيانة، والتحكّم في الجودة، كلها عوامل أساسية لتنافسية صناعية حقيقية.


في هذا السياق، يبرز أن الهيئة لم تكتفِ بإطلاق الأرقام، بل وضعت أُطرا تنظيمية وسياسات، ووقّعت اتفاقيات كبيرة، وفتحت تراخيص للشركات المحلية والدولية، ما يعكس جدّية تحفيز الاستثمار وتطوير القدرات البشرية.


ومن زاوية نقدية، يمكن التنويه بأن النسبة التي بلغت نحو ربع الإنفاق لا تزال تعني أن ثلاثة أرباع الإنفاق العسكري ما زالت تستورد أو تُعتمد على شركات أجنبية أو مكونات غير محلية. هذا يعني أن التسارع مطلوب، لا فقط في التصنيع لكن في القيمة المُضافة، والابتكار، وتصدير المنتجات السعودية إلى الأسواق الخارجية. كما أن ربط هذه الصناعات المحلية بمزيد من البحث والتطوير يُعدّ مفتاحاً لجعل المملكة ليست فقط مستخدماً بل مصنّعاً ومبتكِراً.


ختاماً، إن ما تحقق حتى الآن يُعدّ إنجازاً لافتاً في طريق بناء «صناعات دفاعية وطنية» في المملكة، لكن الأهم الاستدامة وتعميق المحتوى المحلي، وتحويل الأرقام إلى واقع صناعي مؤثر على الدولة والاقتصاد والمجتمع. إذا واصلت المملكة بهذا الزخم، فستنطلق نحو موقع أرفع بين الدول المنتجة للأسلحة، وتترجم الاقتصاد الدفاعي إلى عنصر قوة تنموية حقيقية.

00:06 | 12-11-2025

الخليج يعيد تعريف أمنه... من الرياض إلى إسلام آباد

لم يكن توقيع السعودية اتفاقية دفاعية إستراتيجية مع باكستان مجرد خطوة رمزية لتعزيز العلاقات الثنائية، بل جاء كإعلان صريح عن أن الرياض – ومعها الخليج – بدأت فعلياً في إعادة ترتيب أولويات أمنها، بعيداً عن التقيد في احتكار المعادلات التقليدية الأمنية في المنطقة.

الاتفاق، الذي ينص على أن أي اعتداء على أحد الطرفين يُعد اعتداءً على الآخر، يعيد باكستان إلى قلب الحسابات الأمنية الخليجية، وهذه المرة ليس من خلال البُعد الديني أو التاريخي فقط، بل بوصفها شريكاً إسلامياً نووياً في معادلة ردع إقليمية تتغير موازينها بسرعة.

في المقابل، مثّل الرد الخليجي الجماعي على استهداف إسرائيل للدوحة لحظة نادرة من التناغم العسكري والسياسي. أن تجتمع دول الخليج بهذا الشكل الطارئ، وتتخذ قرارات دفاعية عملية – كتعزيز الإنذار المبكر وتوحيد الصورة الجوية – يعني أن نظرية «الأمن الجماعي» التي طالما طُرحت نظرياً، بدأت تجد طريقها إلى التنفيذ والفاعلية.

من وجهة نظري، هذه التحركات ليست مجرد ردود أفعال على أحداث طارئة، بل هي إشارات إلى تحوّل أعمق. لقد أدركت دول الخليج، خاصة بعد التذبذب في المواقف الدولية تجاه قضاياها الأمنية، أن الاعتماد على الحلفاء لم يعد كافياً، بل ولم يعد ضماناً مطلقاً. لذا، فإن الذهاب إلى خيارات مثل التحالف مع باكستان، أو بناء قدرات دفاعية مشتركة داخل مجلس التعاون، لم يعد خياراً إستراتيجياً فحسب، بل ضرورة وجودية.

ورغم أن الضربة الإسرائيلية كانت محدودة عسكرياً، إلا أن أصداءها كانت مدوّية سياسياً. فقد أظهرت أن كل دولة خليجية – مهما بدت هادئة أو متعقّلة – يمكن أن تصبح هدفاً مباشراً في صراعات تتجاوزها. ومن هنا، فإن ما رأيناه من حراك سعودي وخليجي ليس فقط رداً على تلك الضربة، بل استعداد لما هو أخطر وأشمل.

نحن أمام مشهد جديد يتشكل: الخليج يتقارب أكثر مع قوى إسلامية آسيوية، ويعمل على مراجعة وإعادة تقييم التحالفات التقليدية، ويبدأ ببناء استراتيجيات نحو منظومة أمنية ذاتية، قادرة على الردع والدفاع دون انتظار ضوء أخضر.

في المحصّلة، يبدو أن الخليج، بقيادة سعودية أكثر حذراً وتحسم مواقفها، وتتجه نحو بناء منظومة أمنية أكثر استقلالاً، وأكثر تنوعاً من حيث الشركاء، وأقل اعتماداً على قوى دولية قد لا تلتزم بالشراكات والتعاون الأمني. إنها لحظة إعادة تعريف للدور الخليجي، وإعادة تموضع في المشهد الجيوسياسي للخليج كله.
00:01 | 21-09-2025

رحلة دمشق... دمار يُرى.. وأمل يُبنى

بدعوة من المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية الدكتور عبدالله الربيعة، شاركتُ ضمن وفد إعلامي سعودي في زيارة رسمية إلى الجمهورية العربية السورية، لتغطية تدشين عدد من المشاريع السعودية للشعب السوري الشقيق، في خطوة إنسانية تعكس عمق التزام المملكة بدعم الشعوب المتضررة.

المشاريع التي دُشنت خلال الزيارة شملت برامج ومشاريع نوعية في مجالات الصحة والتعليم والغذاء والإيواء، وتأتي هذه الجهود امتداداً لما قدمته المملكة طوال السنوات الماضية. وفي كلمته خلال حفل التدشين، أكد الدكتور عبدالله الربيعة أن سورية لم تغب لحظة عن وجدان السعوديين، مشيراً إلى أن هذه المشاريع تأتي امتداداً لتوجيهات القيادة السعودية، التي شددت على أن ما لا ترضون تقديمه للسعوديين، لا تقدمونه للسوريين، في رسالة واضحة تعكس مبدأ المساواة والكرامة الإنسانية.

وفي إطار برنامج الزيارة، نُظّمت جولة ميدانية على منطقتي حرستا وجوبر القريبتين من دمشق، وهما من أكثر المناطق التي تعرضت لدمار واسع النطاق خلال سنوات الحرب. المشهد كان صادماً لي ولزملائي، بأبنية متهالكة، شوارع شبه مهجورة، وآثار نزاع طويل المدى محفورة في كل زاوية، أحياء كاملة دُمرت عن بكرة أبيها. وفي الحقيقة أن من يرى ليس كمن يسمع ولن يستطيع تخيل واستيعاب حجم الكارثة كما رأيناها.

في المقابل، كان الجانب الإنساني حاضراً بقوة. فقد استقبل السوريون الوفد السعودي بقلوب مفتوحة، عكست حجم التفاؤل الذي يملأ نفوسهم رغم الألم. بدت ملامح الأمل واضحة على وجوههم، وبرزت بشاشتهم وكرم ضيافتهم في كل محطة من الزيارة، في مشهد يعكس أصالة الشعب السوري وعمق ثقافته في مواجهة التحديات.

كما قدمت رئاسة الجمهورية العربية السورية هدايا ترحيبية للوفد السعودي، حملت رموزاً من التراث والثقافة السورية، في تعبير صادق عن التقدير والاحترام للعلاقات الأخوية التي تجمع الشعبين.

رسالة الزيارة كانت واضحة: المملكة العربية السعودية لا تنظر إلى سورية من زاوية سياسية فقط، بل من بوابة إنسانية رحبة، تتجاوز الأزمات لتضع الإنسان أولاً. وهي رسالة تعكس رؤية المملكة نحو بناء مستقبل يعمه السلام، ويقوم على الشراكة، والتعافي، والأمل.
00:11 | 14-09-2025

كُسر جدار الصمت.. ولا سلام دون عدالة..

تشهد القضية الفلسطينية تحوّلات دبلوماسية لافتة، أبرزها الاعتراف الرسمي من عدة دول أوروبية بدولة فلسطين، في خطوة وُصفت بالتاريخية وتُعدّ كسرًا لجدار الصمت الدولي تجاه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي، ورسالة واضحة برفض السياسات القمعية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني.

يأتي هذا التطوّر في ظل استمرار تعنّت الحكومة الإسرائيلية الحالية، بقيادة بنيامين نتنياهو، التي ترفض بشكل صريح حل الدولتين، وتواصل دعم الاستيطان غير القانوني في الضفة الغربية، في تحدٍ صارخ للقانون الدولي. كما أن الخطاب الإسرائيلي الرسمي أصبح يركّز على «الأمن» بديلًا عن «السلام»، في تبرير لانتهاكات ميدانية طالت المدنيين الفلسطينيين، وسط تقارير دولية وصفت ما يجري بجرائم حرب.

رغم توقيع اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تلتزم ببنودها، بينما تبنّى نتنياهو خطابًا متشدّدًا يرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة. هذه السياسات أدّت إلى تقويض أي أفق لحل الدولتين، وعززت من عزلة إسرائيل الدولية.

في المقابل، لعبت الجهود العربية دورًا محوريًا في تحريك الجمود الدولي، لا سيما عبر اللجنة الوزارية بقيادة السعودية، التي أعادت طرح مبادرة السلام العربية، وساهمت في تنظيم «مؤتمر حل الدولتين» بالتعاون مع فرنسا. هذه المبادرات دعمت الموقف الفلسطيني وساهمت في بناء إجماع دولي متزايد حول ضرورة إنهاء الاحتلال.

الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية لا يحمل فقط دلالة رمزية، بل يشكّل فرصة تاريخية ويعزز من مكانة فلسطين على الساحة الدولية، خصوصًا في الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، ويمثّل ضغطًا على الدول الأخرى لتبنّي مواقف مماثلة.

ومع تنامي هذا الزخم الدولي، يواجه العالم لحظة حاسمة: فإما التحرك الجاد لإنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة، أو استمرار معاناة شعب بأكمله تحت سلطة استعمارية عنصرية. وتحقيق السلام العادل يتطلب خطوات ملموسة، تبدأ بالاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وعلى رأسهم نتنياهو.
00:06 | 28-08-2025

جهود سعودية بمقاييس أممية

كوارث وأزمات وصراعات دولية تتفجر بين الحين والحين، وعلى الرغم من التباينات في أشكالها إلا أن الموقف السعودي السياسي المتوازن وكذلك الإنساني السخي لا يختلف ولا يتراجع، المملكة اليوم أصبحت لاعباً إستراتيجياً مهماً في المنطقة وعلى الساحة العالمية ودولة مؤثرة ليس فقط بقيادتها الدولية على مستوى ملف الطاقة العالمي، بل على كافة الملفات والمستويات ولاسيما في صناعة الأمن والاستقرار، وإذا ما تحدثنا عن الملف السوداني الذي يتصدر اليوم المشهد السياسي، فهي تعمل على مساريين مهمين؛ الأول المسار السياسي والتواصل مع الأطراف والمكونات السودانية بالتنسيق مع الجامعة العربية للمساهمة في تخفيف حدة التوتر والتصعيد ووقف إطلاق النار للوصول لتسوية سياسية يتم من خلالها حل كافة الخلافات والمسببات لهذا الصراع والعمل على استقرار السودان وشعبه، وهو تطبيق للوثيقة التي قدمتها المملكة العربية السعودية لجامعة الدول العربية 2018م والتي تتعلق بالأمن القومي العربي، والمسار الثاني هو العمل الإنساني كما هو معهود منها على الأقل خلال الثلاثة أعوام الماضية وماقدمته لشعبها ورعاياها في الخارج خلال جائحة كورونا وموقفها العالمي خلال ترؤسها لمجموعة العشرين في ذلك العام، حيث طلبت تضافر الجهود الدولية لمواجهته من خلال تقديم دعم سخي انطلق من شعرها «الإنسان أولاً»، وأيضاً ما قدمت من جهود إنسانية خلال الصراع الروسي الأوكراني سواء في الدعم الإغاثي أو من خلال وساطتها في عمليات تبادل الأسرى، ولا ننسى كون السعودية من أوائل الدول التي هبت لدعم المنكوبين والمتضررين إغاثياً وإنسانياً خلال زلزال تركيا وسوريا، وهذه الأيام نتابع إجلاءها لرعاياها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، فمواقف الرياض أثبتت أنها لا تقاس بأي دور دولي، ودورها الريادي في أعمالها الإنسانية والدبلوماسية واضحة عالمياً حسب تقارير المنظمات الأممية المتخصصة في هذا الجانب، فقد تخطت جهودها جهود الأمم المتحدة التي نراها ضبابية في المشهد السوداني اليوم.

الرياض دائماً تستثمر أدواتها في الجوانب الإنسانية، ومما لا شك فيه أن القيادة السعودية في كافة الظروف تضع شعبها في الأولوية في جميع الجوانب، وفي المقابل لا تدخر جهداً ولا تتردد في أي عمل إنساني مع أي فرد أو دولة بصرف النظر عن الدين والمذهب والعرق واللون، وبالطبع هذه المبادئ تنطلق من منطلق عروبي أصيل وديني إسلامي حنيف يدعوها للسلام في كل الظروف قولاً وفعلاً وهذا ما يميزها دولياً.

عملية الإجلاء السعودي الأكبر في التاريخ لرعاياها وللعديد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان في هذه الظروف الحرجة وبالشكل الذي تابعناه خلال الأيام الماضية، هو عمل ليس بالسهل والجهود المبذولة جبارة خصوصاً في التنسيق الدبلوماسي وكذلك الأمني والجاهزية العالية، وهذا ما عجزت عنه دول كبرى والذي دعاها بأن تتقدم بطلب للمملكة لإجلاء رعاياها، ومن اللافت اتفاق عدد من الدبلوماسيين الدوليين في حساباتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك مختلف وسائل الإعلام الدولية تحدثوا وتناقلوا عمليات الإجلاء السعودية بانبهار وبإشادة كبيرة، لما قامت به الجهود السعودية التي لم تقتصر على عمليات الإجلاء فحسب، بل بتسخير كافة الإمكانيات للرعايا الذين ينتمون لأكثر من 65 دولة وتقديم جميع الخدمات لهم وعلى رأسها الخدمات الصحية والغذائية في ظل أن هناك دولا أوروبية كبرى كبريطانيا اعتذرت عن إجلاء أي فرد من السودان باستثناء من يحمل الجواز البريطاني.

أعتقد أن هذه العملية تعد نجاحاً تاريخياً للدبلوماسية السعودية في استثمار علاقاتها الجيدة مع كلا طرفي النزاع وحرصهما على تقدير مواقف السعودية الداعمة دائماً للسودان وشعبها وخصوصاً في الفترة مابعد 2019م بعد عزل البشير، وبالإضافة إلى تقديرهم لموقفها الإنساني الكبير في الأزمة والخالي من أجندة والذي جاء إنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين ومتابعة من سمو ولي العهد وبإشراف مباشر من سمو وزير الدفاع رئيس اللجنة العليا لعمليات الإجلاء من الأراضي السودانية.
00:03 | 2-05-2023

وما زال لمجدها بقية

تاريخ مجيد نستذكره كسعوديين كل عام، في ذكرى خالدة للمملكة العربية السعودية وحّدنا فيها الإمام المؤسس الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بعد مسيرة كفاح نقلت بلادنا نحو الأمن والأمان والاستقرار، ليواصل السير بنا نحو الرخاء الذي عشناه، أبناؤه الملوك الميامين ومازلنا نعيشه اليوم بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز -يحفظهم الله- وبوجه جديد في رؤية طموحة تعد اليوم نموذجاً عالمياً يحتذى به، وإحدى أكثر الأفكار التنموية الرائدة ببرامج متنوعة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً تم إعدادها بعناية وفق إستراتيجيات وخطط مدروسة، وقد شاهدنا خلال السنوات القليلة الماضية نقلة نوعية بكل ثبات ورسوخ واضح، جعلتنا نتخطى كافة التحديات باقتدار، لنكون في مكاننا الذي يليق بنا كدولة ذات ثقل إستراتيجي عالمي مهم ومؤثر وعمق عربي ومكانة إسلامية مهمة بقيادة تميزت بالحكمة والتعقل والخبرة السياسية العريقة، تمكنت من العمل على جمع الصف العربي والانتقال من التباين في كثير من المواقف، إلى توحيدها وتحديد الأهداف وجعلها شركاء حقيقيين بخطوات متوازية ونتائج إيجابية منظمة عبر المجالس التنسيقية الجديدة البناءة، التي حددت نقاط الأخطار التي تواجه منطقة الشرق الأوسط ونقاط العمل المشترك في التعاون بين الدول العربية الشقيقة، لما يخدم كافة مصالحها لصناعة قوتين اقتصادية وسياسية تصب في صالحها وصالح الشعوب، لذلك يحق لي كسعودي أن أعتز وأفتخر بهذه الدولة المباركة كيف كانت وإلى أين وصلت اليوم، ومازال لمجدها بقية بقيادة رشيدة وشعب عظيم.
23:59 | 28-09-2022

السعودية.. توازنات ومكاسب سياسية

علاقات تاريخية جمعت المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي أسس هذه العلاقة في ذلك اللقاء على متن تلك السفينة الأمريكية عام 1945م مع روزفيلت الرئيس الأمريكي الأسبق، وترسخت على مدى العقود الماضية رغم مرورها بعدة تحديات كان السبب فيها اختلافات في بعض الملفات، وكذلك عمل بعض اللوبيات التي تسعى لإفساد هذه العلاقات عبر التأثيرات المختلفة، سواء بإيهامات تغيير اتجاه المصالح أو من خلال الشيطنة بشتى الوسائل والأدوات، ونلاحظ أن عددا من الرؤساء الأمريكيين رفعوا شعارات انتخابية كان في لغتها الهجوم على السعودية مع استمرار بعضهم التي ألقت بضلالها على ما يجمع البلدين وأصابته بالبرود، إلا أن الأحداث والمواقف تثبت صلابة ما يتوافق مع رؤية البلدين ويحقق مصالحها الإستراتيجية، وتثبت لكل إدارة جديدة بأنه لايمكن التخلي عن الصديق الأصدق بمجرد مواقف وآراء لأفراد أو جماعات مهما كان نفوذهم، وهذا يعود بذاكرتي إلى لقاء سمو سفير خادم الحرمين الشريفين في واشنطن سابقاً الأمير بندر بن سلطان على قناة العربية مع الأستاذ تركي الدخيل حينما تحدث عن هذه النقطة تحديداً وانتصار صدق السياسة السعودية وإدراك قيادتها بما تتعرض له من مواقف متسرعة يتم اتخاذها تجاهها.

سمو نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان التقى خلال الأيام الماضية عددا من المسؤولين في الإدارة الأمريكية؛ وكان منهم وزير الدفاع ومستشار الأمن القومي والمبعوث الخاص لليمن، وتزامنت هذه اللقاءات مع تناول الإعلام الأمريكي لخبر زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المرتقبة للسعودية، التي أشارت إلى رغبته في إنعاش العلاقات بين الرياض وواشنطن، مع أن بعض وسائل إعلام أمريكية حاولت خلال الأشهر الثلاثة الماضية اتهام السعودية بشكل وبآخر في انحيازها للمعسكر الشرقي ولروسيا تحديداً وفي حربها مع أوكرانيا، وهذا منافٍ للحقيقة التي تؤكد على أن القيادة السعودية ارتكزت في سياستها على الهدوء والحكمة التي اكتسبتها بخبراتها التراكمية مما جعلها تمتلك الحنكة في تعاطيها السياسي وحرصها الشديد على حفظ التوازنات الإستراتيجية مع القوى العالمية، لما يخدم مصالحها ومصالح المنطقة، وهذا شيء واضح ليس هناك ما يستدعي لإخفائه.

في تصوري صدق السعودية هو مصدر احترام العالم لها، وسر قوتها وثبات مواقفها ما يجعلها تحقق مكاسب ونجاحات سياسية في كل ملف تخوضه، وبالتالي تجد بعض الدول التي تحمل أيديولوجيات ومشاريع عدائية دائماً تتهرب من الحوار والتعاطي السياسي معها. وختاماً أذكر أني قرأت عبارة كتبها جمي كارتر في مذكراته حينما كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وذكر فيها أن «السعودية هي الدولة الوحيدة التي تقول في العلن ما تقوله في السر».
23:51 | 25-05-2022

أوكرانيا وصراع المصالح..

هدأت العاصفة الإعلامية غرباً وتلك المناورات العسكرية شرقاً، فماذا بعد؟.. من قراءتي للمشهد خلال الأسابيع الماضية ومحاولة فهم التصعيد الإعلامي الأمريكي والحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا، بدا لي أن كلا الأطراف كان يبحث عن انتصار وإن كانت نوايا الحرب لدى القيادات ربما كانت غير وارده، فلا الرئيس بايدن لديه الاستطاعة في التحمل الأمريكي لتبعات الحرب في ظل شح الطاقة لديها وكذلك ضغوطاتها الاقتصادية الراهنة، ولا الرئيس ماكرون سيغامر في مصالح أوروبا الاقتصادية مع روسيا، وهذا تمت قراءته في زيارته لموسكو كمفاوض يمثل دول الاتحاد الأوربي وسط حياد ألماني ملحوظ، أما الرئيس بوتن كانت لديه المساحة من الوقت بالإضافة إلى قدرات الدب الروسي العسكرية الكافية لابتلاع أوكرانيا في ساعات، رغم أن موسكو لديها العلم بأن واشنطن تريد أي تحرك عسكري باتجاه كييف لتفرض الإدارة الأمريكية عقوباتها على روسيا، كإحدى خطوات تحجيم نجاحها الملحوظ خلال العقد الماضي في تكوين علاقات استراتيجية تتمثل بشراكات اقتصادية ضخمة وتعاونات عسكرية كبيرة من خلال استثمار فرص الفراغ الأمريكي واهتزاز ثقة حلفائها التقليديين، نتيجة لتبعات إدارة أوباما ومن ثم محاولة إعادة الإصرار على نهجها في إدارة بايدن.

اللافت هو شدة برود الأعصاب الروسية رغم تحركاتها العسكرية الكبيرة التي استثمرتها في تدريبات ومناورات على الحدود الأوكرانية، استعرضت فيها قوتها ولوحت بالعصا وأوصلت من خلالها رسالة بأن أي خطوة باعتبارها تهديداً للأمن الروسي فإن القوة ستكون هي اللغة، وكذلك كشفت حقائق التصريحات الغربية التي لا تحتوي إلا على الشعارات، وأعتقد أن الخبرة الاستخباراتية لزعيم الكرملين جعلته يعمل باستراتيجية التكتيك الهادئ وجس النبض وفهم الأهداف من وراء التصعيد الإعلامي الغربي.

في تصوري أن هذه الجولة انتهت بانتصار روسي بعد تصريحات أوكرانيا عن عدم نيتها الانضمام لحلف النيتو، وهذا بمثابة التلويح بالراية البيضاء بعد تأكد الرئيس الأوكراني عدم عزم الغرب في الدخول في أي عمليات عسكرية للدفاع عنها، وهذا يضاف إلى سجل تراجع الاستراتيجية الأمريكية الذي اعتدنا عليه مؤخراً، وبمثابة فشل إذا صح التعبير وهو ما يفسر استمرارها في التصعيد الإعلامي ومحاولات التصعيد الأوروبي عبر لغة التهديد والوعيد، حتى بعد إعلان بوتن سحب قواته العسكرية من الحدود الأوكرانية، وفي ظني أن هذه محاولات لحفظ ماء الوجه.

وفي الختام منظمة «أوبك بلس» هي أحد أكبر الرابحين من هذه المناوشات، من خلال الارتفاع الملحوظ في أسواق النفط الذي لم يكن ضمن حسابات الإدارة الأمريكية والأوروبية، وهو تأكيد بأن الطاقة ما زال العالم بحاجة ماسة لها، ولن يستغني عنها على الأقل خلال العقد القادم، وبالتالي السعودية ومن خلال قيادتها لأوبك دائماً تثبت التزامها وتدرك أن لديها القدرة في الحفاظ على التوازنات التي تحفظ مصالح الجميع، بعيداً عن الصراعات والمصالح الضيقة وبعيداً عن أي اعتبارات لأي دولة مهما كانت قوتها وحجمها.
23:59 | 19-02-2022

أمن الخليج تاريخ يدرّس

دون مقدمات.. قُدر للسعودية أن تكون بهذه المكانة الإقليمية والعالمية، وقدر الله لشعبها قيادة رشيدة منهم وفيهم، حيث أسس جد أسرة آل سعود الدرعية في قلب نجد قبل ستة قرون، وتأسست كدولة سعودية قبل ثلاثة قرون، وصارعت وقاومت القوى العالمية خلال المتغيرات الدولية للأوضاع السياسية في المنطقة والعالم خلال ما شهده التاريخ من استعمار قوى عظمى لعدد من الدول المحيطة في حين تمزقت دول وسقطت دول أخرى ثم استقلت، وبقيت السعودية برجالها وقيادتها صامدة أمام تلك القوى بلا استعمار أو وصاية رغم كل التحديدات التي واجهتها، لأن لديها القدرة القيادية التي تجعلها ترسم لنفسها استراتيجية سياسية متفردة من خلال التجارب الطويلة التي استفادت منها لتعيد بناء نفسها ثلاث مرات حتى أصبحت اليوم دولة مؤثرة وتتمتع بالحكمة وبعد النظر والتوازن والقوة.

آخر إحدى المتغيرات والتحديات التي أدركتها القيادة السعودية منذ وقت مبكر وقبل أربعة عقود هي التي حدثت في الشرق الأوسط في عام 1979هـ، بعد انطلاق ثورة الخميني في إيران لتصبح بنظامها الدولة المعادية للأمن والسلم، حيث تم التنبؤ لخطورة المخطط القادم للمنطقة فبدأت العمل مع الأشقاء قادة دول الخليج بتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تأسس عام 1981م، وكانت وما زالت الرياض الحاضنة للأمانة العامة للمجلس ومن ذلك الحين ورغم كل التحديات التي مرت بها المنطقة ومر بها المجلس إلا أن السعودية هي صمام الأمان لأمن المنطقة والخليج، بعمقها العربي والإسلامي وثقلها وتأثيرها الاستراتيجي وأحد أهم أعضاء مجموعة العشرين.

بلا شك أن قمة العلا برؤية سمو ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان، شكلت نقلة نوعية للمجلس وتجاوزت كل الملفات العالقة لتعود إلى التعاون غير التقليدي وبشكل مختلف ينسجم مع التطورات بكافة المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية وخصوصاً ما يتعلق بالأمن، الذي يعد من أهم أساسيات الشراكة عبر التكامل التي انطلقت من رؤية خادم الحرمين الشريفين لمواجهة كل ما يهدد دول المجلس والعمل الموحد لدعم أمن واستقرار المنطقة، وأحدها التمرين التعبوي المشترك للأجهزة الأمنية بدول مجلس التعاون الخليجي الذي انطلق مؤخراً في السعودية باهتمام من القيادات الخليجية لتعزيز التعاون الأمني ورفع مستوى الجاهزية والتكاملية لتسهم في تطوير منظومة أمن الخليج، وفق أعلى عمليات التنسيق لمواجهة الحالات الطارئة والأزمات، والتصدي للمخاطر التي تتعرض لها منطقة الخليج العربي، ومن خلال مشاهدتنا له لمسنا النجاح الكبير بمتابعة من سمو وزير الداخلية السعودي وأصحاب السمو والمعالي وزراء الداخلية في الدول الأعضاء، حيث إن التمرين تم بطريقة غير مسبوقة وتكاد تكون لأول مرة من الناحيتين السيبرانية والقتالية، وبكل تأكيد أن هذا التمرين يحقق كافة التطلعات الخليجية في المواجهة والتصدي للمخاطر التي تتعرض لها منطقة الخليج العربي، وكلنا ثقة بالله ثم بالقدرات السعودية والخليجية التي ستبقى بمشيئة الله القوة التي يعتمد عليها في استعادة استقرار أمن المنطقة واستقرارها والحفاظ على أمن دول الخليج ومكتسباتها.
00:03 | 4-02-2022