أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1481.jpg&w=220&q=100&f=webp

وليد الكاملي

أرقام كرة القدم.. من يصنع الأسطورة؟!

منذ أن دخلت الأرقام لعالم كرة القدم بدءًا بتلك التي تخص نسب الاستحواذ والتمريرات والفرص المهدرة وغيرها مما يقول بها خبراء التحليل الرياضي، ومروراً بتلك التي تخص أرقام بطولات الأندية والمنتخبات، وانتهاءً بأرقام مباريات وأهداف اللاعبين التي تكفلت بها «اللجان» مؤخراً... أقول إنه ومنذ ذلك الحين وكرة القدم تشكو من عقم الإبداع الحقيقي الذي عرفناه في شخصيات (تأسطرت) دون أن نحفظ لها عدد المباريات التي لعبت مع منتخباتها ولا عدد الأهداف التي سجلت، ومع ذلك فهي شخصيات لازلنا نتذكرها ونذكرها ولا يمكن لنا أن نصنفها بتصنيف غير (الأساطير الكروية) ودون الإختلاف على ذلك.


هذه الشخصيات أو هؤلاء الأساطير تصالحت كل الجماهير مع أسطوريتهم دون اللجوء إلى رأي محلل أو (إعلامي) رياضي، حيث كانت الجماهير حينها واعية وشغوفة للحد الذي يجعلها قادرة على تقييم المعنى الحقيقي للاعب المبدع الذي يستحق لقب الأسطورة، ولعل الحالة الفنية والذائقة الرفيعة التي كانت تعم المناخ الاجتماعي في العالم كله كان لها الدور البارز في الوصول بجماهير كرة القدم إلى التعامل معها كفن راقٍ يشبه التعامل مع لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية لا تموت.


هذا الجو الفني العام انعكس على جودة اللاعبين ومهاراتهم رغم كل الظروف التي عاشوها، لكن ثمة اعتبارات أخرى مثل التقلبات السياسية التي شهدها العالم جعلتهم يصمدون ويبذلون كل ما لديهم من أجل رسم (فرحة عابرة) على وجوه جماهيرهم التي رأت فيهم أبطالاً قوميين كما كانت ترى في منتخباتها عناوين عريضة للعزة والأنفة والفخر والاعتزاز؛ وكل هذا لم يكن بدافع جمع الأرقام القياسية بقدر ما كان بدافع احترام الجماهير وقبل كل ذلك حب المنتخبات التي أضحت أوطاناً على هيئة منتخبات.


لا شك أن المقارنة بين كرة القدم في ذلك الزمان وكرة القدم اليوم مقارنة جائرة، ولعل الأرقام التي تحدثت عنها في بداية المقال تشهد بذلك؛ لكن شهادة الأرقام -وللأسف- تُقبل عندي- أنا الكائن المسكين - في المساءل العلمية والإدارية وفي المصانع والمعامل وليست في الفنون الحضارية والإنسانية التي لا أرى كرة القدم إلا واحدة منها وبالتالي فإننا إذا قبلنا بها - أي هذه الأرقام - في كرة القدم فعلينا أن نقبل بها في الآداب والفنون التشكيلية والموسيقية، الأمر الذي يُحتّم علينا أن ننهي من خلالها خلافات جرير والفرزدق ونقيّم بها الفرق بين لوحات مايكل أنجلو ودافينشي لنجعل الأحكام الأخيرة مرهونة بيد (إعلامي) عتيق أو خبير أجنبي (ما بيتكلمش غير بالأرقام).


أخيراً: اغمض عينيك صديقي عاشق كرة القدم وتخيل ركضة مارادونا ووقفته المكتظة بالعنفوان اللذيذ؛ أغمض عينيك وتخيل الطمأنينة في لمسة زيدان الساحرة؛ أغمض عينيك وتخيل حسرة باجيو المؤلمة؛ أغمض عينيك وتخيل ألم حراس المرمى من خطوة ماجد؛ أغمض عينيك وتذكر تماماً أن هذه الأسماء ما استحالت إلا أسماء أسطورية إلا من خلال منتخباتها ومنتخباتها فقط.. ولا أزيد.

00:04 | 21-11-2025

عن فخ نجومية المثقف

إن استئثار أحدنا بمساحة للكتابة عن فكرة ما لا يعني بالضرورة أن تكون الفكرة صحيحة، وفي المقابل لا يعني أن تكون الفكرة خاطئة، ولعل ما جعلني أفتتح مقالتي بهذه المقدمة هو ما لمسته مؤخراً من استبداد في الأحكام تجاه الأفكار إجمالاً، الأمر الذي جعلها مصبوغة بلونين لا ثالث لهما؛ فإما أبيض يدل على التوافق، وإما أسود حالك يدل على عدم التوافق؛ ولأن فكرتي التي بُحت بها في عنوان المقال لا تستدعي أي تشنج أو تلوين فإنني أعرضها وأقدمها بكل بساطة وأتمنى قبولها بدون أي فرشاة للألوان.

منذ أيام، دُعيت من أحد الشركاء الأدبيين لإحياء أمسية قصصية في أحد المقاهي التي نجحت في مهارة التواصل مع الجماهير عن طريق الدعوات الخاصة التي كان لها أثرها البالغ، فضلاً عن اختيار التوقيت الذي علمت لاحقاً أنه قد تم تأجيله ليوم بسبب تضاربه مع موعد مباراة مهمة، وهذا ما جعل الجمهور يتوافد بشكل أستطيع القول إنه أرضاني كثيراً وحملني في المقابل حِمل الشعور بالنجومية التي لم أعتد عليها، خاصة عندما طلب مني البعض أن نتشارك الصور التذكارية معاً؛ وقتها وبكل أمانة - وبحكم الكائن النفسية الذي يتلبسني - سألت نفسي: ما هو الفرق الآن بيني وبين نجوم الرياضة والسوشيل ميديا؟! لكنني سرعان ما قمت بتسديد لكمة معنوية للنفسية الذي يسكنني وقلت لنفسي: عش حياتك يا عزيزي فمحبة الناس أمر في غاية الجمال.

عشت ما عشت ليلتها وعدت لأسئلتي بعدها، وللأمانة فقد وجدت أن فكرة الشريك الأدبي، التي تصف نفسها بما مضمونه «من المقاهي إلى المجتمع.. نمهّد للأدب طريقاً»، تعمل في المقام الأول والأخير على إذابة الثقافة بكل تجلياتها التي عاشت ردحاً من الزمن في أبراجها العاجية، فكرة خلاقة ويمكن القول إنها مؤثرة ومعدية إن جاز التعبير، كيف لا وكل من يحيطون بك من الجيل الشاب والمتقد لفكرة صناعة شيء ما في حياتهم بمن فيهم صانع القهوة الذي حتى وإن بدا مشغولاً بإعداد قهوته للحضور فهو لا بد وأنه سيتأثر بما يحيط به من حراك حضاري، وهذا بحد ذاته استحقاق مشروع للعامة وللمجتمع بأسره. يمكن القول إن مشروع الشريك الأدبي نجح في تحقيقه حتى وإن بدت روح الشللية القديمة تدب بروحها في أعماقه لكنه مشروع حضاري ناجح.

وفي المقابل وعلى صعيد الثقافة والمثقف فإنني أعتقد أن هذه الآلية التي تُقدم بها الثقافة من خلال المقاهي والشراكات الأدبية تشكل فخاً لا يتجلى في الشعور بالنجومية وحسب وإنما فخ يطال حتى مشروع الثقافة الذي يتوجب أن يكون جاداً وحاملاً ومتبنياً لما هو أبعد من هذا الاستعراض الجماهيري الذي يبدأ بالمجاملات المجانية وينتهي بصور تذكارية، وهذا بلا شك ليس تعقيداً للمسألة بقدر ما هي حقيقة يجب أن تكون حاضرة لدى صُنّاع القرار الذين يبدو من الواضح أن تجارب الشريك الأدبي - التي هي أنموذج حضاري وإداري ناجح - قد أغرتهم من خلال جماهيريتها، وبالتالي الوقوع مع البقية في فخ النجومية التي قد تكون صالحة لأن تكون صفة لكل أعضاء وأفراد الأوساط الأخرى إلا الوسط الثقافي.
00:02 | 1-11-2024

إعلان توبة

منذ ما يقارب العام وأنا (أُموسق) الكلام والخواطر والآمال وأحيلها -اجتهاداً- إلى شعر بائس ولعل هذا كان بدافع المحاولة في اقتحام عالم الشعر الكبير جداً، حيث يكفي لإثبات حقيقة أن الشعر عالم هائل بحوره المتعددة وعوالمه الخفية التي تكمن في صوره وبيانه وموسيقاه بل حتى وتاريخه الممتد منذ قديم الأزل، وفوق كل ذلك ضخامة وفخامة الاسم البسيط بحروفه العملاقة بقيمته التي تجعل من صاحبه علامة فارقة تميزه عن كل من سواه.

والحقيقة أنني ومنذ الوهلة الأولى التي تلفُت فيها باتجاه الشعر قراءة ومحاولة وأنا استشعر صعوبة الحِمل وحِمل الصعوبة التي تُكبّل كل راغب في اقتحام هذا العالم (المؤنجن)، وحين أقول المؤنجن فأنا أعني بلوغه الدرجة الرفيعة من الامتزاج ما بين الإنس والجان، حيث يبدو للوهلة الأولى أن هذا العالم إنما هو مجرد نظم للكلام مع الاجتهاد في خلق صور مختلفة وقليل من البيان، إلا أن الأمر ليس كذلك أبداً؛ لأن الشعر وقبل أن يكون شعراً في واقعه كان -باعتقادي- نصف إنسان حقيقي وغير مثالي نبتت في أرجائه لغة تعلو لغته الأم امتزج مع قبيلة من الجان ليتفرد بثيمة يصعب تفسيرها أو القبض عليها. وهنا أتذكر رأياً لأستاذي القدير ومعلمي الأول الشاعر إبراهيم زولي يقول فيه إن الشعر صناعة، وأجزم أن زولي لا يدفع بالآراء جزافاً ودونما وعي بها لثقتي أنه يرفض المجانية فيها، فضلاً عن أنه العالِم بكثير من دهاليز الشعر، ومع ذلك فأنا أعتقد أنه لو لم يكن شاعراً بالإنجانية -عفواً- أقصد بالفطرة لما تصدى لهذا الرأي، ولكن لعله قال به لأنه الداعي دائماً إلى تجديد روح الفنون والآداب إجمالاً وليأذن لي هنا أن أخالفه الرأي من تجربة خجولة قد لا تذكر ولا تليق بتسمية تجربة أبداً لكنها كانت تجربة لمستُ من خلالها أن الشعر إذا صُنع فسد وأن الشاعر الذي يتذكر دائماً أنه شاعر لن يكون كذلك مهما حاول أن يمتطي كل تعريفات الشعر وأركانه وشروطه.

لأول مرة أشارف على الانتهاء من كتابة مقال دون أن أعرّج على موضوعات سابقة طرَقَت ذات الفكرة التي أكتب عنها، ولعل هذا يعود لشعوري بعلو شأن الشعر الذي لا يسمح لغير أهله بأن يتمادوا في «التخبيص» والكتابة عنه كما لو أنه ظاهرة اجتماعية أو حدث جماهيري عابر يقرر من يشاء أن يصطف أمامه مع غيره ليكتب عنه، لأن الشعر لا يُكتب عنه وإنما يكتب فيه وكل من لا يجيد الكتابة في الشعر يجب ألا يكتب عنه ويكتفي بلذة القراءة وهو ما قررت أن أفعله لاحقاً، حيث أعلن توبتي عن فكرة اقتحام عالم الشعر المجنونة التي أغرتني مؤخراً بسبب الانحياز الجماهيري لأهله وبريق وجنون الممسوسين به وأعتذر كثيراً لصديقي الشاسع الذي تحمّلني وغيري ممن أُصبنا بداء «الثرثرة» السيد السرد الذي آمل منه أن يغفر لي خطيئة المحاولة الفاشلة وأن يقبلني صديقاً له في كل منازله واسعة الأبواب.
01:19 | 5-09-2024

لصوص المبادئ

نعيش في هذه الحياة محملين بالكثير من المخطوطات الثقافية والاجتماعية وقبلها الدينية التي نتعلم بعضها ونتلقى ونكتسب بعضها الآخر لنهتدي بها في نهاية المطاف للعيش بسلام والنجاة من أتون الحياة التي عمّرها ويعمرها الإنسان الذي لولا هذه القيم والمخطوطات الذهنية التي تسمى في مجملها (المبادئ)، والتي هي نواة دائرة السياسات الحياتية والاجتماعية وكل جوانب الحياة. أقول إنه لولا هذه المبادئ لأكل الناس بعضهم البعض ولأضحى الفساد هو الثيمة الراسخة للتعامل الإنساني.

ومع كل هذه المثالية التي تنتجها المبادئ غالباً إلا أن الإنسان عجز أن يلتزم بها وبما تحويه من قيود لشعوره بأنها تكبح جماح نوازعه التي تسكنه وهو أمر طبيعي، بل سنّة كونية وفطرية حمّلته هذه الحمولات الثقيلة التي تجعله يسعى دوماً للانعتاق من كل ما يكبّله، الأمر الذي دفعه لابتكار المقاربات الفلسفية والفكرية ليبحث من خلالها عن نور الاعتدال الذي له أن يردم الفجوة الكائنة بين طبائعه وكينونته وبين المبادئ التي تبناها بنفسه ولنفسه بهدف الحفاظ على وجوده، فكان العلم والعلماء بمثابة المبدأ المنهجي الأسمى الذي جاء كمخلص له -أي الإنسان- من حيرته الدائمة.

مع تقادم الزمن، امتاز أهل العلم عن غيرهم وأصبحوا قادة لمجتمعاتهم؛ وذلك لأنهم استطاعوا أن يُخنعوا المبادئ للعامة ويطوعوها لصالح الإنسان، وبالتالي لصالحهم وصالح مجدهم الذي لمسوه من حاجة العامة إليهم ومن هنا برأيي ولدت قصة انهيار المبادئ وتحولت إلى سلعة جديدة يتاجر بها لصوصها الذين يرفضون فكرة انهيارها محاولين إعادة تقديمها بطرائقهم الخاصة ومقاسات رغباتهم ومصالحهم وليس ذلك من قبيل خوفهم على المبادئ بقدر ما هي دوافعهم التي يؤمنون من خلالها بأن تجارة المبادئ تجارة لا تموت لحاجة الناس والعامة لها في كل زمان ومكان.

لا أدري إن كنت قد وفقت في هذا السرد التاريخي المختصر جداً أم لا، ولا أعرف أساساً إن كان ما ذكرت قابلاً للتصديق أو حتى قريباً من الواقع، لكنني حاولت وهذه المحاولة إحدى مخرجات المواقف البسيطة التي يمر كل إنسان يحاول أن يبصر ما حوله بقليل من الوعي، حيث لا يخفى على ذي لب تقهقر القيم الإنسانية وذوبان الكثير منها وطغيان البعض الآخر منها على البعض الذي لا يتوافق في الغالب مع أهواء النفس وهذا ليس أصل الإشكال؛ لأنه من الطبيعي أن يبحث الإنسان له عن طرق تتماهى مع بشريته وتحرره قليلاً من سطوة المبادئ، لكن الإشكال الحقيقي والمخزي هو أن يمتطي مدعو ولصوص المبادئ هذا النّفس المثالي ويتاجرون به مع الغير ومع الحياة إجمالاً؛ ليتحولوا بذلك إلى (مبدأجية) امتهنوا المزايدة في المبادئ أمام الملأ ليتكسبوا ويكسبوا من فرائسهم في الخفاء، وإن كان ثمة لصوص يستحقون الشفقة فهم لصوص المبادئ الذين اكتشفهم أبناء كل حقبة زمنية بطريقتهم الخاصة، ولعل أبرزهم في حقبتنا الزمنية هذه أولئك الذين نراهم عبر وسائل الإعلام الجديد ووسائطه، ولا أظن أن اكتشافهم يحتاج إلى مجهر!
00:02 | 15-07-2024

ما الذي علينا فعله تجاه أنفسنا ؟!

إن سؤالاً محمّلاً بالمسؤولية كهذا السؤال حريٌّ بنا أن نمنحه طاقة عالية من التأني والاهتمام، وألا نختزل إجابته اختزالاً كما لو أنه سؤال لاختبار في منهج مدرسي.

إننا حين نقول «أنفسنا» فنحن نعني كينونتنا ووجودنا، وهذا بلا شك يقودنا إلى كل تفاصيل تلك المفاهيم وماهيتها، وبالتالي فنحن أمام مصير يحتّم علينا التعامل بحزم تجاه هذا المصير الذي لا بد وأن له أسبابه ودوافعه وحتماً أدواته التي تقوده إلى النتيجة «المصير»، فإما المصير الذي سيكون محل نجاحاتنا وسعادتنا وتحقيق ذواتنا وإما المصير الذي يمكن اختزاله في كلمة واحدة وهي «الجحيم».

وباعتقادي أن أبرز أدوات النفس التي تحدد مصائرها هي العقل والقلب، وهذه الثنائية بلا شك هي المحرك والصندوق الأسود لكل نفس بشرية رغم تباعدها وتناقضها وميل كل منها إلى مصير أو لنقل توافق كل منها مع مصير، وقد يظن كل من يقرأ هذه الكلمات أنني كشفت سر غموضي هنا، ويقول: لا شك أنك ستقول إن القلب هو محرك النفس الذي يقودها في الغالب إلى مصير الجحيم وعلى النقيض سيقول: إن العقل - وهو ما نرمز له دوماً بالتجرد من العاطفة والمنطق السليم - هو محرك النفس البشرية تجاه مصير النعيم والسلامة، لكنني وفي واقع الأمر لا أعلم أيهما يقود صاحبه إلى أي مصير، بل وأجزم أن علينا جميعاً ألا نعلم وألا نتيقن من الأداة التي لها أن تقودنا لمصير ما.

يقيني بعدم العلم بذلك ودعوتي وادعائي بوجوبية عدم العلم ليس لأنني أعزو مصائرنا لحتمية الأقدار بالضرورة، فنحن كما تعلّمنا في مناهج التعليم مسيّرون ومخيّرون في ذات الوقت بل ومرتهنون إلى التكليف الذي هو الالتزام بمقتضى الشريعة، يقيني بذلك ينطلق من دافع الشفقة على الإنسان الذي جاء لهذه الحياة وهو يحمل في داخله هذه الثنائية العجيبة، يقيني بذلك - أقصد اليقين بعدمية العلم بماهية ضرورة أن العقل نجاة في الغالب، وأن القلب انحدار وانكسار - يأتي انطلاقاً من الغبطة من أولئك الذين يقفون أمام شؤونهم الحياتية وعلاقاتهم الإنسانية متجردين من انكسارات القلب ومنحازين لسلطة العقل دون أيّما حيرة تغتالهم ولا جموح نفسياً وعاطفياً يتسلل إلى مشاعرهم.

منذ أيام شكوت لأحدهم حالة خاصة فافترس كل الأحاديث التي كنت أبثها من أعماق الأعماق واختزل كل الإجابات التي كنت أنتظرها بوصية واحدة، حيث قال: «حكّم عقلك». حينها رددتُ في نفسي: يا الله.. أليس لقلوبنا الحق في أن نسايرها ونمضي بها ومعها حيثما تريد؟! ثم ما هذا العقل الجاف الذي عليّ أن أحكّمه كي يمضي بي إلى النجاة؟! وما هذا القاموس «الإجاباتي» الذي اقتحمنا واستسلمنا إليه؟! وللأمانة، فقد عدَلت عن كل الوصايا التي فكّرت بها بما فيها الوصية التي تلقيت، وشرعت أسأل وكلي جهل بالسؤال: ما الذي علينا فعله تجاه أنفسنا؟! حتى تولّد ما تولّد داخلي من قناعات تجاه هذه النفس التي تحتاج منا لسبر أغوار الأسئلة ودكّ جُلّ - إن لم يكن كل - ما انتهت إليه الإجابات المسكوكة التي أنبتتنا نفسياً هكذا نبات.
00:05 | 21-05-2024

تعددت الأوساط والرقص واحد

هل جربت يوماً أن تنتقل من وسطك الذي تنتمي إليه إلى وسط آخر يختلف تماماً عن ميولك وإمكاناتك ولو على هيئة (إعارة) كما يفعلون في الأندية الرياضية؟! لا أظنها فكرة سيئة، بل على العكس هي فرصة جميلة لتغيير الروتين أولاً وإشباع غريزة التعرف على عالم جديد وخوض تجربة جديدة ثانياً وثالثاً.

والوسط حسب اعتقادي المتواضع -وكم هو مؤلم أن نصف ما نعتقده دائماً بالتواضع- مصطلح صحافي نشأ مع الصحافة الورقية تزامناً مع تبويبها وتقسيمها إلى أقسام متخصصة سَنّه قدماء الصحافة ومخرجو صفحاتها العظام ليخففوا على القارئ زحمة وتداخل المواضيع ليصبح بعد ذلك مصطلحاً اجتماعياً وثقافياً متداولاً، يعني بالضرورة كل مجتمع صغير يشترك فيه عدد من الناس الذين تجمعهم أرضية مشتركة في مجال ما.

ولأنه لا مشاحة في الاصطلاح -كما يقول الفقهاء- فإنني لن أتوقف عند تفسير المصطلح وسأكمل حديثي عن فكرة التنقل من وسط لآخر، وكيف أنها أصبحت شبه ظاهرة يمارسها الكثير ممن يعشقون العيش في الأوساط بروح الكائنات التي تظن أنها مفيدة فتحاول إنعاش الوسط إذا ما شعرت أنه على وشك الموت أو تجتهد في خلق قضايا جديدة داخله أو تؤسس فيه لجبهات عدة.. المهم أنها تتحرك في هذا الوسط وتحافظ على بقائه لا لأنها تشعر بالانتماء إليه بقدر ما أنها تخشى أن تندثر باندثاره أو لنقل إنها تخشى أن تنتهي حفلة الرقص فتحاول دائماً أن يكون الطبال بخير، وذات الموال يسري معهم من وسط لآخر مع تبدل الأقنعة والإستراتيجيات التي تليق بوسط عن سواه.

والأوساط ليست حالة حتمية تجبر كل منتمٍ للانتماء إليها بالضرورة، فقد تكون شاعراً أو كاتباً فذاً أو رياضياً محترماً أو فناناً مستقلاً أو صحافياً لامعاً أو حتى (سوشيالياً) مشهوراً ومرموقاً دون أن تكون منتمياً للوسط الذي يتوازى مع ما تنتمي إليه أنت، بل إن الإصرار والركض الدائم صوب أضواء هذه الأوساط إنما هو ركض صوب أضواء الموت الحقيقي لما تحبه وتنتمي إليه، ولهذا ستجد عوالم النجومية قريبة من كف يديك كلما ركضت أكثر في الوسط، لكنه وبناءً على التزاحم الذي تكتظ به أبواب هذه الأوساط ستكون عمليات الإزاحة أقرب وستغدو كالنجم إذا هوى.

الطريف والظريف في كل ذلك هو أن الأوساط بكل مجالاتها تقولب الشخصية التي لا تجيد العيش خارج أسوارها مهما كان هذا الوسط جاداً أو حتى نخبوياً فهي تخندق ساكنيها وتجعلهم أشباحاً متشابهة، ما يجعلك تحتار في التفريق بين شاعر أو فنان وبين مشجع رياضي.
00:03 | 3-05-2024

أسئلة الشعر وعواصم البلدان

كانت -وأظنها لازالت- الثقافة الموسوعية لدى الناس في مجتمعنا قائمة على الإلمام بعلوم الأدب وعلوم الجغرافيا والتاريخ، حيث كانت أسئلة من قائل القصيدة وما هي عاصمة دولة وكم عدد ولايات أمريكا وما شابهها من أسئلة هي السائدة في المجالس، بل هي الميزان المعرفي الذي يفرق بين مستوى ثقافة شخص عن آخر. وقد كان العارف ببعض هذه العلوم يمتاز عن غيره من أبناء محيطه وقد لا يتردد البعض في وصفه بالمثقف، خاصة إذا ما زاد على ذلك بمهارة الكتابة وفي الغالب أن هذا اللقب كان نابعاً من مفهوم الثقافة الذي حُصر حينها في التعريف القائل بأنها معرفة شيء من كل شيء وكأن حفظ بعض القصائد ومعرفة أسماء عواصم البلدان هو كل شيء.

ولعل طرائق التعليم «التلقيني» الذي كان يقوم على الحفظ ومنع مناهج التفكير الفلسفي والسؤال الذي كان له أن يغير من خارطة المعرفة إجمالاً وغياب الفنون وعيشها خائفة مرعوبة تحت وطأة الديني، هي التي أفضت لمثل هذه الحالة الثقافية الضيقة إن جاز التعبير، الأمر الذي جعلنا وعبر عقود زمنية نعيش في ركود فكري وثقافي زاد من حدتنا تجاه المتغيرات وأفقدنا صناعة النجوم الذين عرفنا بعض البلدان المجاورة لنا بهم وبأسمائهم.

كل ما سبق تغلغل وتراكم في وجداننا الثقافي وتصالح الجميع معه بقوة الزمن وأصبح تلاميذ الحُقبة قادة ومسؤولين عن مشاريع الحقبة الجديدة يحاولون جاهدين محاكاة المرحلة بجهاد الذات للانعتاق من مخطوطاتها وأطلالها الثقافية التي تسكنهم، وهو الأمر الذي يُحسب لهم باعتقادي، بيد أن المرحلة وجماهير المرحلة لا يعنيهم ذلك بقدر ما تعنيهم النتائج التي يأملون أن تكون بحجم الظروف وحجم الطموحات التي تسكنهم.

أعلم أن سؤالاً مثل: ما الذي ترى أن يكون عليه الوضع أيها المتحذلق ؟! سؤال مشروع لكل من يرى أنني قسوت أو تطاولت على حقبة زمنية أنجبت أسماء مهمة وواجهت تحديات كبيرة يعد التغاضي عنها ظلماً في الحُكم، وأعلم أن القول بأنه لولا الظروف «الزمكانية» لكان الحال أفضل مما كان قولاً مباحاً وصادقاً لا ينم إلا عن ثقة في النفس، بل وأعلم قبل كل ذلك أن ما أدعيه من أن مكوناتنا الثقافية كانت حبيسة لأسئلة الشعر وعواصم البلدان قد يكون ادعاءً باطلاً ينم عن جهلي ومراهقتي الكتابية التي تلتقط الأفكار التقاطاً لتترجمها إلى مقال أحرص قبل نشره أن أضع في رأسه صورة شخصية «أترزز» بها وبه -أي المقال- في قروبات الواتساب ومنصات التواصل الاجتماعي، إلا أن ما لا أعلمه -وأظن غيري كثر- يتجلى في سؤال ماهية الثقافة أساساً، وهل نحن نمتلك مشروعاً ثقافياً واضح الملامح، أم أن السؤال في هذه المرحلة عبث مجاني لا يبتعد كثيراً عن عبث المقال وفكرته.
00:00 | 29-03-2024

هل جماهير الهلال يُصابون بالغُمّة ؟

والغمة كما تقول العرب هي الحزن والأسى والكآبة التي لا تفارق صاحبها، وكل هذا لن يفارقك طالما أنك مولع بكرة القدم ومنتمٍ لنادٍ تجاوز في كينونته نادياً رياضياً تقفز لفوزه أو تدّعي أنك لم تشاهد مباراته التي هُزم فيها إلى رفيق عمر تعيش معه حكاية حب وانتماء دراماتيكية، فتحزن لهزيمته وتبرر لها وتفرح لانتصاره وتتجاوز حينها كل ما أفضى إلى هذا الانتصار حتى لو كان بثنائية الصافرة والفار.

انتهى مؤخراً ديربي الرياض الشهير بفوز هلالي كاسح ولم ولن تنتهي جماهير الفريقين من «الطقطقة» وكيل التهم بأن كل فريق هو «المدلل»، وهو الذي حظي ويحظى بامتيازات الدعم المادي والمعنوي، وهذا يدفعنا لمشاركة الجماهير سؤال الفريق الأكثر «دلالاً» لا لشيء ولكن لأن ذلك قد يشفي بعض غليل التنافسية التي تسكن في قلب كل أحد ينتمي لهذين الناديين.

لعله من الصعب والصعب جداً أن تقبض على إجابة سؤال كهذا، حتى وإن كان ثمة إجماع كبير على أن الهلال الفريق الكبير والعريق والقوي جداً هو الأكثر «دلالاً» من غيره، ولعل دليل ذلك يكمن في أن سقطة أحد لاعبيه في منطقة الـ18 ليست كسقطة أحدهم حتى لو كانت من فوق برج المملكة، رغم أن الفريق بقوته وذكاء اختيارات لاعبيه ليس بحاجة لذلك، إلا أن ذلك يحدث في واقع الأمر ويبدو جلياً حتى لمتابع رياضة «الكريكيت»، ومع هذا فإن ذلك لا يعفي النصر الذي يمتلك بين ظهرانيه نجوماً يكادون يطاولون بنجوميتهم عنان السماء من الشعور الدائم بالمظلومية كما لو أنهم أقلية تعيش بين جمع غريب عنها، ولا غيره - أي ولا غير النصر - من الأندية الكبيرة التي تنافس الهلال على مركزه الثابت.

لست ناقداً رياضياً حتى أتحدث عن بعض الأمور الفنية التي غالباً ما يعانيها النصر الفريق الكبير بتاريخه وبعالميته التي حتى في ظل كسبه لتنافسيتها «بالأولوية» دون أن يتوجها بأي بطولة إلا أنه يعيش قبل كل مباراة مع الهلال «هاجس» انحياز التحكيم لصالح الهلال وينسى فكرة العمل على ترتيب أجندته حتى للخروج بالتعادل من هذا الديربي الذي يستحيل للنصر إلى نهائي مبكر بينما يذهب منافسه الهلال ليلعب مع فريق آخر متواضع بالمستوى ذاته الذي لعب به مع النصر ودون أي تفرقة بين النصر وغيره ولعل هذا هو ما يجعل الهلال متقداً دائماً كما لو أنه على صفيح ساخن طيلة موسمه الأمر الذي جعله الأفضل من بين الأندية.

عموماً ولأن ثنائية الهلال والنصر أو العكس - ولكم أن تتخيلوا كيف أن الأمر قد بلغ أعلى درجات التشنج للدرجة التي تحتار في من يتقدم على الآخر عندما تكتب اسمَي الفريقين - أقول: إن ثنائية الهلال والنصر من الثنائيات التي قد تجلب الغمة للشخص إلا أنها الثنائية غير القابلة لأي مثالية قد تفسدها وتخرجها من روحها التي توارثتها مدرجات الناديين، وصدقوني وهذه الخاتمة تخص تماماً من يستغربون حب الرياضيين لأنديتهم: غُمة وانتماء خير من سعادة ولا انتماء قد يحيلك إلى كائن بيولوجي لا يمارس دوراً في الحياة غير أنه يأكل ويشرب.

وأخيراً:

هل جماهير الهلال يصابون بالغُمة؟
01:14 | 13-12-2023

كائن لم يمت في حادثة سقوط الطائرة

تعمدت أن يكون العنوان طويلاً تأسياً بهذه الرحلة الطويلة المملة التي شاركتنا فيها كل أنساقنا الثقافية حيث تجلت في كثير من الأسئلة والأحداث التي سبقت صعودها بل وحتى بعد صعودها؛ كل ما سبق عبارة جملة خبرية غير مهمة؛ ولذلك لا بد أن أنتقل بكم للمربع الأهم في القصة وهو الذي دفعني للكتابة هنا.

بحكم كينونتي «النفسية» القائمة على التسلي بالخيالات وخلق القصص، فقد خطر ببالي سؤال أو بالأحرى باغتني شعور الرغبة في سؤال: ماذا لو سقطت بنا الطائرة الآن، وكيف هو شعور السقوط أساساً؟ أقصد سقوط الجسد من أعالي الأعالي إلى وجه الأرض داخل جسم صلب وضيق وثقيل! أبداً لا يبدو الأمر قابلاً للاستيعاب ولا للتخيل من أساسه لأنه أمر مرعب للغاية إلا أن فكرة «المشاغبة» معه ليست فكرة سيئة خاصة إذا كانت على هيئة كتابة.

المشهد السينمائي الذي سال على شكل سؤال مطول هنا تسلل لي مع أول مطب هوائي تعرضنا له ورغم اعتيادي وعدم خوفي -في الغالب- من صعود الطائرة كما يحدث للكثير ممن لديهم فوبيا الطائرات إلا أنه -أي مشهد السقوط- تسلل لمخيلتي وشرعت أفكر في المشاهد التي تتالت فوق جبيني مشهداً تلو الآخر ولم تسعفني ذاكرتي لاستحضار قصص مماثلة قرأت عنها أو شاهدتها عبر التلفاز لكنني تذكرت أن الأمر سيكون حدثاً مهماً بلا شك وتصالحت مع فكرة أن النهاية محفزة خاصة أن الأمر سيواكبه ضجيج إعلامي قد ينبت على ألسنة الناس لمدة طويلة ما لم يقم مشهور أو مشهورة بالنوم في حديقة الحي أو في صحراء مع الثعابين أو حتى في زريبة للمواشي ويسرق أو تسرق منا نحن موتى هذه الطائرة التي سقطت أنظار الجماهير فينسانا الناس ولا يفكرون حتى في صناعة فيلم لقصتنا.

في المقابل؛ تخيلت نجاتي وحيداً من هذا الحدث -طبعاً أتحدث عن النجاة التامة التي ساقها لي لطف الله بي لاعتبارات لا يعلمها غيره سبحانه وتعالى- وليس النجاة بإعاقة أو ببقاء يبدو في واقعه أبشع من الموت، وكيف أنني سأكون الصندوق الأسود الوحيد الذي ستبحث عنه القنوات ووكالات الأنباء لأنقل لهم تفاصيل ما حدث وكيف كانت طريقة نجاتي من كل ذلك، وبصراحة حتى في خضم النشوة التي زارتني مع هذا المشهد إلا أنني دعوت الله أيضاً ألا يحدث ذلك بالتعارض مع مباراة للهلال والنصر أو الأهلي والاتحاد حتى لا يُخطف مني المشهد وأصبح بين عشية وضحاها الحدث المهمل من بين أنقاض أحداث العالم المتتالية.

هبطت الطائرة -ولله الحمد- وعليّ أن أُفسح لجاري الذي نام طوال الرحلة المجال بالخروج؛ لأن ابنه وزوجته في مقعدين آخرين كان من المفترض أن يكون هو ثالثهم لكن مسافرة وحيدة أجبرته على النوم بجواري. ألم أقل لكم أن رحلتنا كانت جملة ثقافية من رأسها حتى أخمص قدميها!
00:02 | 20-10-2023

الكتابة... بوصفها داء !

كانت الكتابة ولازالت هدفهاً ومستهدفاً لتطلعات الكثير من عشاقها وحتى للكثير من المؤسسات التي أضحت الكتابة جزءاً مهماً من صميم أعمالها، بل إنها أصبحت صفة تعريفية للأشخاص، حيث يلاحظ الكثير من هواتها وخاصة (الراكبون على سرجها) يضعون كلمة «كاتب» ليعرّفوا بأنفسهم كما لو أنها وظيفة أو منصب إداري جديد.

ولأن الأمر يتفاقم وقد يخرج عن السيطرة فإن الحديث عن ماهية الكتابة هنا أو القول عنها بأنها أهم أدوات التواصل الإنساني بعد المشافهة لأنها الوسيلة التي استطاع من خلالها الإنسان أن ينشر معارفه أو أي حديث مشابه لذلك سيعدّ ضرباً من ضروب التنظير و«التفلسف» الذي ليس له أي داعٍ بل إنه قد يكون هروباً فاضحاً من قلب المعركة التي يجب أن تعلن وبكل صراحة ضد (المتسلقين الجدد) وأصحاب الحقائب البنية والسوداء الذين يشجعونهم على التمادي في اقتحام ساحة هذا الفن الفطري ليدرّون من وراء جيوبهم مبالغ مالية وليضيفوا في سجلاتهم وسيرهم الذاتية التي لا تكفيها عشر صفحات: مدرب في الكتابة، دون أن يسألوا أياً من تلاميذهم إن كان مصاباً بداء الكتابة أم لا ؟!

وعندما أقول داء الكتابة فأنا أعي الكلمة وأتعمد قولها لا لشيء ولكن لأن الكتابة فعلاً داء يصيب صاحبه دونما علم أو إدراك منه، ينمو مع وجدانه ويرافقه كظله ويحبسه بكل لطف في زنزانة قلقه التي مهما حاول أن يتحرر منها إلا أنه سيجد نفسه عائداً إليها، وبرأيي غير المتواضع هذه المرة فإن أي شخص لا يشعر بمثل هذه الأعراض فعليه أن يوفر وقته وماله ويكف عن عيش الوهم بأنه كاتب وليثق بأنه مهما حاول أن يتعلم من أصحاب الحقائب آنفة الذكر فإن مصيره لن يكون إلا كمصائر أولئك «المغنين» الذين لمعت بهم الدنيا بضع سنين ولأسباب لا علاقة لها بأصواتهم ولا بأحاسيسهم أو كغيرهم من كل الذين اقتحموا ولا زالوا يقتحمون ساحات فنية لا يشعرون عندما يتعاطون معها أنها أعمق من شغف وأنها لا تشبه في حقيقتها إلا الداء الذي يصيب صاحبه.

ولطالما شعرت أن سؤال الكتابة يلاحقني ويفرض عليّ نفسه رغم أنني أتهرب منه خشية التقليدية التي جعلت الكثير من عشاقها -أي الكتابة- يسقطون فيه، لكن الواقع أن هذا السؤال ستراه في عين كل شخص يعرف عنك أنك تحب الكتابة وتتعاطاها كما لو أنها ملاذاً فاضحاً تجد فيه أمانك الذي لا أمن فيه، ولأن الكتابة فعلٌ يتماس مباشرة مع التفكير فهي ترجمان اللحظة، ولأن الكتابة لمعان الخوف وملاذ الأمان الفارغ -كما أسلفت- فهي اللحظة الكفيلة بلملمة مفارقات الحياة، وبما أنها الفعل الفاضح للعقل غالباً فهي فعل مجنون يشبه في جنونه فكرة الاستحمام خلف بلور يقبع في قلب سوق مكتظ بالناس.
00:12 | 29-09-2023