-A +A
عبده خال
التاريخ يعيد بعض التجارب، إلا أن منتجها غير متطابق مع التجربة السابقة لها.

ومنذ إعلان أمريكا انسحابها من بعض المواقع، وثمة تهيئة لإعادة تجربة من يملأ الفراغ.


نذكر جميعا الثمانينات الميلادية وسعي أمريكا لإسقاط الاتحاد السوفيتي، فمن أفغانستان بدأ الحراك، واستغلال المشاعر الدينية لدى المسلمين، فتم إدخالهم كحطب لإشعال حريق استمر لعقود.

كانت سنوات عجافا، لم تستفد الأمة الإسلامية إلا الدمار، وتأخر التنمية، وتلطيخ الدين الإسلامي بالأفعال الإرهابية التي قام بها أفراد عملوا جاهدين لتحقيق العنف باسم الإسلام، ونتجت عن ذلك ويلات متعاقبة ولم تفلح التصويبات في تصحيح الفكر الإرهابي، ومع مرور الوقت أخذت الدول الإسلامية تعمل على تنقية جغرافيتها من التنظيمات الإسلامية الحركية التي زادت الطين بلة حينما صعدت على موجات الثورات العربية، وقادت لتفتيت العديد من الدول، إذ لم تستوعب تلك الثورات الفروق الجوهرية بين إسقاط النظام، وإسقاط الدولة.

في تلك السنوات، حققت أمريكا عشرات الأهداف بسبب اختلال المفاهيم للمصالح الذاتية والعامة، ولا أقول جهلا بها وإنما تمسك بالمصالح الذاتية الضيقة.

وقد تنامى الفساد في كل دولة إسلامية في ظل تعدد المصالح.

وحين أعلنت أمريكا انسحابها من بعض المواقع، كانت عليمة بأنها تركت خلفها أرضا بائرة، بائرة حتى على مستوى القيادة، فليست هناك قيادة فرحت بهذه المغادرة، وإنما كان السعي: لماذا تنسحب أمريكا؟

والحديث هنا عن إعادة التاريخ تجاربه السابقة، ونتائج تلك الإعادة.

في السابق كان محرما على الصين التدخل في أفغانستان، ومع انسحاب أمريكا حلت الصين في أفغانستان، ولأن العقود التي مضت أصبحت تاريخا، ومن ضمنها الاتفاقيات، مباشرة لم تعد طالبان جماعة إرهابية بل واقع يجب التعامل معه من غير شرط، فلتعد بنفس أفكارها فقط يسمح لها بالتمدد وإعادة إملاء آراء التيار الديني المتشدد مع السماح أيضا باحتضان الدواعش وقبلهم القادة، ويضاف لهم المنهزمون في الثورات العربية؛ أي إعادة تجهيز الملعب (أفغانستان) لانطلاق سيناريو جديد كما حدث في الثمانينات حين كانت أفغانستان هي الملعب الرئيس، والآن سوف تتم إعادة هيكلة الإرهاب بما يتناسب مع القوة الصينية، فالملعب السابق استغلته أمريكا لإسقاط الاتحاد السوفيتي.

فهل انسحاب أمريكا هو نية سيئة مبطنة ضد الصين خاصة مع تسرب الاضطرابات عبر الحدود الأفغانية المتاخمة لإقليم شينجيانغ، بسبب الانتهاكات التي تمارسها بكين بحق أقلية الإيغور فيه، مع احتمال تواصل القائم مع متطرفي طالبان!

لكن يبقى سؤال حائر، أمريكا في حالة حرب ضمنية مع الصين، والصين تعلم تماما عن هذا العداء، فكيف اتفقا على إعادة تجربة تاريخية (شلت) العالم لعقود طويلة؟

الكارثة لو أن طالبان أعادت الكرة في تلطيخ الدين الإسلامي بأعمالها الإرهابية، سوف يحدث ذلك إن بقيت حضانة للعقول المغلقة.