كثر الحديث عن كرة القدم والهبوط المروع لمستوى المنتخب السعودي. تعددت الاقتراحات حول الحلول التي قد ينفع الأخذ ببعضها لرفع المستوى وعودته للتنافس بعد أن غاب لأكثر من ٢٢ عاماً، خصوصاً والمملكة ستستضيف نهائيات كأس العالم في العام ٢٠٣٤. ضعف منتخب المملكة غير متوافق على الإطلاق مع مستهدف الرؤية وعطفاً على ما يتم إنفاقه رغم تحقيق بعض النجاحات في منتخبات الشباب.
الاقتراح الأقرب للنهوض بكرة القدم وقد أصبحت صناعة واقتصاداً منذ البدء بالاحتراف وليست مجرد هواية، كان طرح البعض حول الاهتمام بالفئات السنّية دون أن يضعوا أو يفسروا الآلية المطلوبة عملياً.
هذا الاقتراح بنظري هو الطريق المستدام لنمو عدد المواهب في سن مبكرة. هو يعني عملياً الحديث عن المواهب في المدارس الثانوية والجامعات. لكن كيف؟
أعرف أن هناك اتحادات وتنظيماً ولقاءات لكرة القدم في المدارس والجامعات، لكنها تعمل في عزلة تامة عن التغطية الإعلامية، وكأن تغطيتها والاهتمام بها أمر مخجل. هل شاهدتم مثلاً أي لقاء كروي لمثل هذه الدوريات منقولاً على الشاشة؟ أو تم الترويج له؟ شخصياً لم أشاهد. هل سمعتم في برامجنا الرياضية وحلقاتها «النارية» المتعددة أي إشارة لنتائج لقاءات بين فرق المدارس ولقاءات بين فرق الجامعات؟ طبعاً لا. هذا يعني غياباً هائلاً عن تسويق وترويج هذه الرياضة الاحترافية داخل تلك المؤسسات التعليمية التي تضم ملايين الطلاب والطالبات. هذا يعني عدم خلق المحفّزات المادية لدى الجامعات للتخطيط والبحث عن الكفاءات الإدارية والتدريبية وتطوير الملاعب. هذا يقودنا بالتالي إلى أن وجود هذه الاتحادات بمسيرتها الحالية حتى الآن مثل عدم وجودها دون أي فائدة تذكر.
النماذج التي أتحدث عنها ماثلة أمامي وأتابعها في رياضات الولايات المتحدة. صحيح أن الفرق هائل بين عدد المؤسسات التعليمية الجامعية هناك (أكثر من ٢٠٠٠ جامعة)، لكن التنظيم لا يتغيّر ويمكن استنساخه. الذي يميّزهم أن اللاعب الموهوب والمؤثر في الجامعة يبرز من خلال هذه الدوريات وينتقل لدوري المحترفين بمجرد تخرجه في سن الـ٢٢ عاماً. والأهم من ذلك أن لفرق المحترفين الأقل تدنياً في ترتيب قائمة الدوري في عام معين الحق في اختيار أفضل اللاعبين الجامعيين الجدد في ذلك العام.
أتحدث هنا عن عمل مؤسسي ومدروس تديره كفاءات قادرة على إنجاحه عاماً بعد عام، وتتسابق على نقله كبريات المحطات التلفزيونية، وتدفع للجامعات مقابل ذلك مبالغ مجزية بالملايين. أتحدث عن منح المواهب القادمين من الثانوية الالتحاق المجاني بالجامعة (بعثات داخلية)، وتقديم الدعم لهم ولأسرهم عند انتقالهم إلى مدينة غير مدينتهم. أتحدث عن وجود المحفّزات لجماهير المدن وعائلات اللاعبين لحضور المباريات والفرح بما يحققه الأبناء والبنات، وما يتبع ذلك من تنوع اقتصادي لوجستي واعد لمدن الجامعات.
لنتذكر عندما اخترنا الاحتراف في زمن المرحوم بإذن الله الأمير فيصل بن فهد فنحن عملياً أخضعنا القيادة والتخطيط للمعايير الاقتصادية. دون أن نطوّر هذا المفهوم أيماناً بهذه القاعدة فلن نجد الحماس لا عند الجامعات والثانويات ولا عند الطلبة. سيبقى الوضع كما هو عليه غير مدركين للقصور وغياب الإبداع في التقصي والبحث وخلق المواهب. سيبقى إنجازنا مقتصراً على نجاح دوري روشن، وهو نجاح لا شك معتبر وذو قيمة، وعلى بناء الملاعب الجديدة، ونحو ذلك. أما منتخب الوطن وخلق النجوم (القوة البشرية) فسيبقى كما هو حتى لو برز نجم أو نجمان من وقت لآخر.