في الوقت الذي تشهد فيه الملاعب الرياضية تنافساً عالياً ومستويات فنية متقدمة، تظهر بين الحين والآخر سلوكيات فردية تثير الجدل وتسلط الضوء على جانب مهم من أخلاقيات الرياضة وانضباط اللاعبين، فمشاهد رفض التبديل أو الاحتجاج الصاخب على قرار المدرب أو تجاهل المصافحة عند الخروج من الملعب أصبحت علامات لافتة تفقد الرياضة جمالها وروحها الحقيقية.

وحول الانعكاسات المترتبة لمثل هذه الأفعال وكيفية ضبط سلوك الملاعب يقول الاستشاري النفسي المهتم بالشأن الرياضي الدكتور علي نورالدين لـ«عكاظ»: ما يلاحظ في بعض المباريات من حالات انفعال بعض اللاعبين، سواء برفع الصوت في وجه المدرب أو رفض قرار التبديل أو تجاهل المصافحة هو سلوك غير مقبول ويمثل خروجاً عن قيم الرياضة وأخلاقياتها، فمثل هذه السلوكيات تعتبر مؤشراً على الضعف في الانضباط الذاتي وعدم احترام منظومة الفريق.

وأضاف: قرار التبديل هو حق أصيل للمدرب، ولا يحق للاعب تحت أي ظرف رفض الخروج من الملعب؛ لأن المدرب هو الشخص المخوّل فنياً وإدارياً برؤية الصورة الكاملة للمباراة، وقراراته لا تعتمد فقط على أداء اللاعب، بل على عوامل تكتيكية وبدنية ونفسية قد لا يلم بها اللاعب نفسه، وبعض اللاعبين يعتقدون أن أهميتهم في أرض الملعب تعطيهم الحق في رفض التغيير، وهذا فهم خاطئ يتعارض مع مبدأ اللعب الجماعي والانضباط المهني.

فرض عقوبات مباشرة

وبين د.نورالدين أن الأندية لا تتهاون مع مثل هذه التصرفات، فهي تفرض عقوبات مباشرة تراوح بين الخصم المالي، والاستبعاد المؤقت من قائمة المباريات، إضافة إلى جلسات تقييم سلوكي قد يشارك فيها الجهاز النفسي للنادي لضبط سلوك اللاعب، كما قد ترفع العقوبة في بعض الحالات إلى الإبعاد النهائي أو العرض للبيع إذا تكرر السلوك بشكل يمس كيان الفريق أو هيبة الجهاز الفني.

وأشار إلى أن بعض اللاعبين يرون أن المدرب «ليس على حق» أو أنه يتعمد تبديلهم رغم قناعتهم بأهميتهم داخل الملعب، إلا أن هذا الشعور غالباً ما يكون نتيجة ضغط نفسي أو رغبة في إثبات الذات، وليس بناء على تقييم فني حقيقي، والواقع أن اللاعب الذي يمتلك ثقة نفسية عالية يدرك أن التبديل لا يقلل من قيمته، بل هو جزء من إدارة المباراة، ولا يمكن للاعب أن يفرض استمراره على حساب مصلحة الفريق.

وشدد د.نورالدين على أن العلاقة الناجحة بين اللاعب ومدربه تقوم على أربعة أسس رئيسية، وهي:

أولاً: الاحترام المتبادل، وهنا يجب أن يدرك كل طرف حدوده المهنية، وأن يحترم اللاعب قرار المدرب كما يحترم المدرب شخصية اللاعب وطموحه.

ثانياً: الوضوح والشفافية في التواصل، إذ يجب أن يشرح المدرب للاعبين أدوارهم، ولماذا يتخذ بعض القرارات، خصوصاً تلك المتعلقة بالتبديلات أو الاستبعاد من التشكيلة.

ثالثاً: الثقة، فعندما يثق اللاعب بمدربه، يدرك أن أي قرار يأتي لصالح الفريق أولاً وأخيراً، وعندما يثق المدرب بلاعبه يمنحه مساحة أكبر للإبداع دون خوف.

رابعاً: الالتزام والانضباط، فاللاعب المنضبط يحترم القوانين ويتقبل القرارات ويضع مصلحة الفريق فوق مصالحه الشخصية، وهو ما ينعكس إيجاباً على أجواء الفريق ونتائجه.

ويختتم د.نورالدين حديثه بتأكيد أن الاحتراف الحقيقي لا يظهر فقط في الأداء داخل الملعب، بل في السلوك والانضباط، وطريقة تعامل اللاعب مع قرارات الجهاز الفني، وأن أي انفعال غير محسوب ينعكس بشكل سلبي على صورة اللاعب والفريق أمام الجماهير والوسط الرياضي، كما أن الرياضة ليست فقط مهارة ولياقة، بل هي أيضاً مدرسة للسلوك الأخلاقي والاحترام المتبادل، وأن أي تصرف سلبي تجاه المدرب أو لاعب يجب أن يعالج بحكمة ووعي، مع التركيز على بناء بيئة فريق إيجابية تحفز اللاعبين على تقديم أفضل ما لديهم، وتضمن تحقيق الانتصارات دون المساس بروح الاحترام والتقدير المتبادل.