رواية الميراث
رواية الميراث
-A +A
«عكاظ» (جدة) OKAZ_online@
صدرت عن دار كلمات السعودية رواية «الميراث» لميغيل بنوفوا الحائزة على جائزة المكتبات 2021 بترجمة عبدالوهاب الملوح. وتعالج الرواية عوالم وخيبات عائلات فرنسية ترکت بلدانها الأصلية، حيث ولدت ونشأت وهاجرت تبحث عن حياة أخرى في أمريكا الجنوبية.

ومن أجواء الرواية: «وهو يستعد لمغادرة الباخرة، ارتدى لازار بنطلونا مخمليا، موكاسين بكعب قصير وسترة مزركشة بحلقات حلزونية الشكل كان قد أخذها من أبيه، وضع قدميه على الميناء بثيابه التشيلية هذه وبسذاجة شخص ما زال يرى نفسه مراهقا، وليس بزهو من كان يعد نفسه ليصبح جنديا. أما شارل فكان يلبس زي بحار مخطط بالأزرق وقلنسوة من القطن بطرَّة حمراء. حفَّ شاربه وجعله رقيقا، متناظرا بشكل لافت مزينا الشفة العليا مثلما تعوّد أجداده سكان بلاد الغال الأمجاد، والذين اعتادوا أن يرطبوا هذه السبلة من الشارب بشيء من ريقهم. أما روبير فكان يلبس قميص واقية الصدر وبنطلونا من الساتان تاركا ساعة فضية تتدلى من خصره وقد شدها إلى حزام البنطلون بسلسة صغيرة، وحين عثروا عليها يوم مماته كانت الساعة ما زالت تشير للتوقيت في التشيلي.


أول ما لفت انتباه الإخوة الثلاثة وهم ينزلون على الرصيف، رائحة المكان التي بدت لهم شبيهة بتلك الرائحة في ميناء فالباريزو. لم يكن الوقت يسمح لهم بالتحدث في هذا الأمر فسرعان ما صففوهم ضمن طابور تحت قيادة ضابط ووزعوا عليهم زي الجندية، بنطلونا أحمر، معطفا مشدودا بصفين من الأزرار، لفائف حول السيقان وزوجي جزمات عسكرية جلدية. صعدوا بعد ذلك شاحنات عسكرية خُصصت لنقل آلاف النازحين إلى جبهات الحرب، قدموا ليمزقوا أنفسهم في قارة كان آباؤهم قد تركوها بلا عودة. وهم يجلسون على مقاعد قبالة بعضهم البعض لا أحد منهم كان يجيد الحديث بالفرنسية باستثناء لازار الذي تعلمها بفضل مطالعاته للكتب من خلال كلمات مختارة وعلامات رمزية. أما هنا فكانوا يعطون أوامر بلغة متخشبة، يشتمون عدوا لا مرئيا، وعند المساء حال وصولهم اصطفوا في طابور أمام أربع طناجر معدنية كبيرة وقف خلفها طباخان يعيدان تسخين مرقة امتلأت بالعظام لم يكن يسمع سوى حديث بلهجات البروتون المحلية. وقتها فكر لازار في لحظة ما أن يعود إلى الباخرة ويرجع إلى بيته هناك في التشيلي، غير أنه تذكر وعده وقرر أنه لئن كان هناك واجب وطني خلف الحدود فإنما هو الدفاع عن وطن الأجداد».