أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author
--°C
تحميل...
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
تصفح عدد اليوم
عبدالعزيز الوذناني
مبادرة القدرات البشرية: منصة وطنية للاستثمار في الإنسان
أقيمت مبادرة تنمية القدرات البشرية في مدينة الرياض خلال الفترة من 13 إلى 14 أبريل 2025، برعاية كريمة من الأمير محمد بن سلمان. تنظَّم المبادرة من قِبل برنامج تنمية القدرات البشرية، أحد برامج رؤية السعودية 2030. تأتي هذه المبادرة كمنصة وطنية تسلط الضوء على أهمية تنمية رأس المال البشري الوطني كإحدى الركائز الأساسية لتحقيق مستهدفات رؤية 2030. ومن هذا المنطلق، يبرز تطوير رأس المال البشري بمفهومه الشامل كعامل محوري وحيوي في تعزيز التنافسية الاقتصادية وتحقيق التنمية المستدامة.
يُعدّ تطوير رأس المال البشري الوطني، بمفهومه الواسع الذي يشمل المهارات والمعارف والصحة والقدرات التي يمتلكها أفراد المجتمع، ركيزة أساسية لتحقيق التقدّم الاقتصادي والاجتماعي، فهذه المقومات تسهم بشكل مباشر في تعزيز الإنتاجية ودفع عجلة الابتكار. ويُعدّ الاستثمار في رأس المال البشري من خلال التعليم والتدريب والرعاية الصحية عاملاً رئيسياً في تمكين الدول من تحقيق النمو المستدام وتعزيز قدرتها التنافسية على المستويين الإقليمي والدولي. بالإضافة إلى ذلك، بات الاقتصاد العالمي يعتمد بشكل متزايد على المعرفة، حيث تتمتع الدول ذات رأس المال البشري القوي بقدرة أكبر على قيادة مسيرة الابتكار في مجالات العلوم والتكنولوجيا، مما يسهم في خلق دورة مستدامة من التقدم، والتنمية، والازدهار.
مما لا شك فيه أن التعليم النوعي هو حجر الأساس في تنمية رأس المال البشري الوطني، حيث يساهم في إعداد قوى عاملة عالية التأهيل قادرة على دفع عجلة الابتكار، ورفع كفاءة الإنتاج، وتعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية. وتبين التجارب الدولية أن الدول التي تولي جودة التعليم أولوية، تحقق مستويات أعلى من التوظيف والإنتاجية والدخل، ما ينعكس إيجاباً على الاستقرار الاقتصادي والنمو المستدام. إضافة إلى ذلك، يسهم التعليم في تنمية مهارات التفكير النقدي، وتعزيز روح الابتكار وريادة الأعمال، ويشجع على المبادرة والمشاركة المجتمعية الفاعلة، الأمر الذي ينعكس على تحسين جودة الحياة، وتحقيق التكافل والرفاه الاجتماعي، وتعزيز التضامن بين فئات المجتمع المختلفة.
يُعد التدريب الجيد عنصراً أساسياً في مواءمة مهارات القوى العاملة مع متطلبات سوق العمل المتجددة، ومع تسارع وتيرة التقدم التكنولوجي وتطور الاقتصادات، تبرز الحاجة المتزايدة إلى قوى عاملة ماهرة وقابلة للتكيف، قادرة على تلبية احتياجات الصناعات الناشئة، مما يساهم في خفض معدلات البطالة وتعزيز فرص التوظيف.
وفي هذا الإطار، تمتلك المملكة العربية السعودية تجربة رائدة وملهمة في مجال الاستثمار في الإنسان وتمكينه، حيث انطلقت هذه التجربة من رؤية المؤسس -طيب الله ثراه- الذي آمن بأن نهضة الوطن تُبنى بسواعد أبنائه، وأدرك مبكراً أهمية الاستثمار في الإنسان وبناء الكفاءات الوطنية. وتجسدت هذه الرؤية في تجربة أرامكو السعودية التي تعد مثالاً بارزاً على هذا التوجّه وأصبحت نموذجاً يُحتذى به، وألهمت العديد من الجهات الحكومية والشركات الكبرى مثل سابك، والصندوق الصناعي، ومؤسسة النقد، والبنوك، وصندوق الاستثمارات العامة لتبنّي برامج طموحة تهدف إلى تطوير وتمكين القدرات الوطنية، بما يسهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.
ختاماً، تعكس مبادرة تنمية القدرات البشرية التزام المملكة ببناء مستقبل قائم على الاستثمار في الإنسان، كركيزة أساسية لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، وتعزيز موقع السعودية في الاقتصاد المعرفي إقليمياً ودولياً.
00:00 | 18-04-2025
ماذا يحتاج إنشاء الجامعات النوعية ؟
تشترك الجامعات النوعية في ستة عوامل رئيسية، هي: التميز الأكاديمي، والبحث العلمي، والبنية التحتية القوية، والاستدامة المالية، والقيادة الفاعلة، والتعاون الدولي.
التميز الأكاديمي
تتميز الجامعات النوعية بتقديم تعليم عالي الجودة في مجموعة واسعة من التخصصات عبر منهج دراسي متميز يتحدى الطلاب من الناحية الفكرية، ويوفر الفرص للتفكير النقدي والإبداع. يجب أن يكون أعضاء هيئة التدريس مؤهلين تأهيلاً عالياً من جامعات مرموقة معروفة بالاهتمام بالتميز في البحث العلمي والتدريس وثقافة التعلم المستمر، مما يُعد الطلاب ليس فقط للوظائف الحالية ولكن أيضاً للقدرة على الابتكار وإيجاد حلول للتحديات الكبرى التي تواجهها المجتمعات.
البحث العلمي الرصين
يُعدّ البحث العلمي الرصين الركيزة الأساسية للجامعات المتميزة، إذ تستثمر هذه الجامعات بسخاء في دعم البحث العلمي، وتطوير مرافقه ومختبراته المتقدمة، إلى جانب تحفيز أعضاء هيئة التدريس والطلاب على الانخراط في أبحاث رائدة تسهم في إثراء المعرفة وإيجاد حلول واقعية للتحديات التي تواجه المجتمعات. كما يُشكّل التعاون مع القطاع الصناعي والحكومات والشبكات البحثية الدولية عنصراً محورياً لضمان أن يكون للأبحاث المنتَجة أثر عالمي وملاءمة حقيقية للاحتياجات الإنسانية والاقتصادية المعاصرة.
البنية التحتية والتكنولوجيا
الجامعات الرائدة تستثمر بشكل كبير في البنية التحتية، بما في ذلك الفصول الدراسية الحديثة والمزودة بالتقنيات المتطورة، ومختبرات البحث العلمي، والمكتبات. بالإضافة إلى ذلك تتبنى هذه الجامعات دمج التكنولوجيا المتقدمة في عملية التدريس والبحث العلمي، مثل المكتبات الرقمية، والذكاء الاصطناعي، حيث تُحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي ثورة في المشهد الأكاديمي من أنظمة التدريس الذكية إلى إدارة الفصول، وتوفر فرصاً غير مسبوقة للتعلم، وترفع الكفاءة الإدارية، وتحسن نتائج التعليم وتعزيز تجربة التعلم، وتجذب المتميزين من أعضاء هيئة التدريس والطلاب على حد سواء.
الاستدامة المالية
تأسيس الجامعات النوعية يتطلب موارد مالية كبيرة، وهو ما يستدعي توفير دعم حكومي مستمر، إلى جانب مساهمات من المانحين سواء من الأفراد أو شركات القطاع الخاص، وذلك من خلال ما يُعرف بالأوقاف التعليمية. وتُعد الاستدامة المالية عنصراً محورياً في نجاح هذه الجامعات، حيث ينبغي عليها تحقيق توازن دقيق بين التمويل العام والدعم الخاص، إلى جانب تبني مبادرات ريادية مبتكرة، بما يضمن قدرتها على التجدد والمنافسة على المدى الطويل.
القيادة الفاعلة والحوكمة
تُعدّ القيادة الفعّالة عنصراً جوهرياً لتحقيق رؤية الجامعات المتميزة ودعم نموها المستدام، فمن الضروري أن تمتلك القيادات الجامعية النوعية رؤية استراتيجية واضحة وخططًا مدروسة تواكب تطلعات المستقبل. كما ينبغي أن تتبنى هذه الجامعات هياكل حوكمة شفافة وفاعلة، تضمن اتساق القرارات مع قيم هذه الجامعات وأهدافها، وتُسهم في الاستخدام الأمثل لمواردها بما يدعم مهماتها الأكاديمية والبحثية على نحو مستدام.
الشراكات والتعاون الدولي
ينبغي أن تكون الجامعات النوعية على ارتباط وثيق بنظيراتها الدولية، سواء من خلال التعاون بين أعضاء هيئة التدريس، أو تبادل الطلاب، أو تنفيذ الأبحاث المشتركة. يسهم هذا التواصل في تعزيز فرص التعلم، وتبادل وجهات النظر المتنوعة، وإثراء التجربة الأكاديمية للجميع. كما تُسهم الشراكات الدولية في تسهيل الوصول إلى مصادر التمويل، وقواعد بيانات البحوث، واستقطاب المواهب العالمية.
في الختام، إنشاء الجامعات النوعية يتطلب الاستثمار في أعضاء هيئة التدريس والبنية التحتية والبحث العلمي والشراكات الدولية، فتوفر هذه العناصر يساعد في خلق بيئة تنتج أبحاثاً رائدة، وخريجين متميزين، ويحقق تأثيراً عالمياً.
00:15 | 14-04-2025
أثر الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة على الاقتصاد السعودي
الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة تركز على السلع الصينية وتأثيرها على الاقتصاد السعودي محدود، لكنها قد تؤثر بشكل كبير على التجارة الدولية والطلب على الطاقة وأسعار النفط، مما يهدد الاقتصاد العالمي بالركود أو التباطؤ. سنستعرض تأثيرها على الاقتصاد السعودي في المجالات الرئيسية التالية:
الرسوم الجمركية على السلع الصينية وأثرها على الاقتصاد السعودي:
رغم أن تأثير هذه الرسوم على الاقتصاد السعودي غير مباشر، إلا أن هذا لا يقلل من أهميته، خاصة أن الصين والولايات المتحدة يعدان من أهم الشركاء الاقتصاديين للمملكة. بما أن الصين من أكبر مستوردي الطاقة من المملكة، فإن تراجع الاقتصاد الصيني، خصوصاً في مجالات الصناعة والنقل، سيقلل من استهلاك النفط، وهذا بدوره سيؤثر على صادرات المملكة. كما سيمتد تأثير ذلك إلى قطاع البتروكيميائيات، حيث إن الصين تمثل سوقاً رئيسية للمنتجات البتروكيميائية السعودية، مما قد ينعكس سلباً على أرباح الشركات السعودية في هذا القطاع.
أثر الرسوم الجمركية على أسعار البترول ومشتقاته:
تعتبر المملكة العربية السعودية استقرار أسعار النفط أولوية استراتيجية حيوية، كونها أحد الأعضاء الرئيسيين في أوبك وأحد المؤثرين على أسواق النفط العالمية. مع التطورات الاقتصادية الحالية، مثل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تزداد حالة عدم اليقين بشأن نمو الاقتصاد العالمي، مما يؤثر على استهلاك النفط والطلب عليه. لذلك، تسعى المملكة إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الإنتاجية لضمان استقرار السوق النفطي العالمي وتعزيز دورها في الحفاظ على توازن العرض والطلب، بما يتماشى مع رؤيتها المستقبلية لدعم استقرار الاقتصادين الوطني والدولي.
أثر الرسوم الجمركية على معدل التضخم في المملكة:
نظراً للارتباط بين الريال السعودي والدولار الأمريكي، قد تؤثر السياسات الاقتصادية الأمريكية، مثل فرض الرسوم الجمركية وتقلبات الدولار، بشكل غير مباشر على معدل التضخم وأسعار السلع في المملكة. هذه التأثيرات تشمل زيادة تكاليف السلع المستوردة نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام، مما ينعكس على الأسواق المحلية، خاصة إذا كانت هذه السلع جزءاً من سلسلة الإمداد السعودية.
أثر الرسوم الجمركية على القطاع المالي والعقاري في المملكة:
نظراً للارتباط الوثيق بين الريال السعودي والدولار الأمريكي، فإن الرسوم الجمركية والحروب التجارية المحتملة قد تؤثر على العديد من القطاعات في المملكة، وخاصة القطاعين المالي والعقاري، حيث من المتوقع أن تستمر معدلات الفائدة في الاقتصاد الأمريكي مرتفعة لفترة أطول بسبب ارتفاع معدل التضخم نتيجة لزيادة تكاليف السلع المستوردة، مما سيؤدي إلى زيادة تكلفة القروض..
في الختام، الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة قد تؤثر بشكل غير مباشر على الاقتصاد السعودي من خلال تباطؤ الطلب على النفط ومشتقاته وتقلبات السوق العالمية، ولكن المملكة قادرة على التكيف مع هذه المتغيرات من خلال تبني استراتيجيات مرنة وقوية لضمان استقرار اقتصادها وإبراز مكانتها ودورها كلاعب رئيسي للحفاظ على توازن السوق النفطي العالمي واستقراره.
00:08 | 8-04-2025
صنع في السعودية.. أرامكو وحكمة المؤسس
تم إطلاق برنامج «صنع في السعودية» الذي يمثل مشروعاً وطنياً طموحاً يهدف إلى دفع المنتج الوطني نحو آفاق من الموثوقية والكفاءة والتميّز والتنافسية ليس على المستوى الوطني فحسب وإنما على المستوى الدولي بمشيئة الله، فالمملكة حباها الرحمن بموقع جغرافي إستراتيجي وثروة شابة طموحة نعول عليها الكثير للانتقال إلى مرحلة جديدة من الابتكار والإبداع، فنحن مجتمع شاب حيث نحو ثلثي المجتمع السعودي تحت 35 عاماً، فالشباب هم الثروة الحقيقية لتحقيق أهداف القيادة الرشيدة وتعزيز مكانة المملكة على المستوى الدولي كقوة صناعية تساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية العالمية. كذلك ستساهم مبادرة «صنع في السعودية» في رفع نمو الناتج المحلي غير النفطي وحجم الصادرات غير النفطية وهذا يعزز قدرة الإنتاج الصناعي الوطني ليكون رافداً من الروافد الرئيسية للاقتصاد الوطني وحماية له من التقلبات المرتبطة بأسعار الطاقة في الأسواق العالمية. من وجهة نطري نجاح واستدامة هذه المبادرة المباركة والجهود الخيرة المرافقة لها والدعم السخي من الدولة والرعاية من ولاة الأمر يتطلب أمرين رئيسيين وهما: أولاً- الاستثمار والتوجيه والرعاية من قبل القطاع العام وهذا ولله الحمد نرى بوادره في ما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة حيث يخطط إلى استثمار نحو 150 مليار ريال سنوياً في الاقتصاد الوطني. ثانياً- تمكين الشباب السعودي من مفاصل القرار في الاقتصاد الوطني أو ما يعرف ببناء رأس المال البشري الوطني المتسلح بالعلم والمعرفة والخبرة التراكمية.
استثمار وتوجيه ورعاية القطاع العام
التجارب الدولية الصناعية الناجحة في هذا المجال يمكن تصنيفها إلى مجموعتين رئيسيتين وهما: النموذج الاقتصادي الغربي وهذا السائد في الولايات المتحدة الأمريكية والقارة الأوروبية وخاصة أوروبا الغربية، وهذا نموج متقدم يلعب فيه القطاع الخاص الدور الرئيسي والمحرك الحقيقي للاقتصاد والموظف لليد العاملة الوطنية، هذا النموذج ربما لا يصلح لنا في الوقت الحاضر، حيث إن قطاعنا الخاص لم يشتد عوده بعد ولا زال يعتمد على اليد العاملة الأجنبية ولم يستثمر في السعوديين الذين يجب أن يكونوا اللبنة الأساسية للتنمية المستدامة في جميع المجالات ومن ضمنها التنمية الصناعية.
بعض الدول الآسيوية لها تجارب ناجحة، فمثلاً تجربة كوريا الجنوبية جديرة بالدراسة ومن وجهة نظري ربما تكون الأقرب والأصلح لنا كمثال. القارئ للتاريخ يعلم بأن كوريا الجنوبية خرجت من الحرب الكورية في 1953م مقسمة وممزقة الأشلاء وبدون موارد طبيعية، حيث إن معظم الموارد الطبيعية أضحت تحت سيطرة النظام الكوري الشمالي، وخلال السنوات العشر اللاحقة للحرب مرت كوريا الجنوبية بتجارب فاشلة، وفي السنوات الأولى من عقد 1960م بدأت دولة كوريا الجنوبية بإنشاء البنية التحتية الصناعة التي هي الأساس والبذرة الأولى التي قامت عليها الصناعات الكورية الحالية، الجدير بالذكر أن كوريا الجنوبية في ذلك الوقت لم يكن لديها قطاع خاص قوي أو رأس مال بشري مدرب ليتولى بناء وإدارة الصناعة الكورية، ولهذا عهدت الحكومة الكورية بتأسيس الصناعات الكورية في شتى المجالات وتدريب الكوريين وتأهيلهم لقيادة هذه الصناعات للقطاع العام وخاصة للجيش حيث إنه كان المؤسسة الوطنية الوحيدة المدربة تدريباً جيداً، وخلال عقدي الـ1960م والـ1970م تم إنشاء الصناعات الكورية في جميع المجالات وتم تعليم وتدريب الشباب الكوري لتولي دفة هذه الصناعات بدعم واستثمار وإشراف مباشر من الحكومة الكورية، وفي مطلع الـ1980م بدأ الاقتصاد الكوري بالتحول التدريجي والمرحلي والمدروس للقطاع الخاص وهنا تحول الإشراف المباشر للقطاع العام على الاقتصاد إلى إشراف من وراء حجاب لكي يضمنوا نجاح هذا التحول ومعالجة أي خلل في حينه حتى لا يؤثر على المنظومة الاقتصادية من إنتاج وتوظيف وتدريب لليد العاملة الوطنية، حيث استمر هذا التحول التدريجي لنحو عقدين ونصف خلال الفترة من 1980م إلى 2005م. مع نهاية هذه المرحلة تولى القطاع الخاص الكوري دفة الاقتصاد الوطني ورجع القطاع العام إلى مكانته الطبيعية وهو التشريع والتنظيم وتهيئة البيئة الضرورية لكي يعمل الاقتصاد الوطني بأعلى إمكانياته من حيث التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية ودفع عملية التنمية المستدامة بمعناها الشامل إلى الأمام في جميع المجالات.
لعلنا نجد في التجربة الكورية ما يفيد في بناء قدراتنا الوطنية وفي مقدمتها «الإنسان» السعودي فهو الأساس في نجاح الرؤية والضامن بعد الله عز وجل لاستمراريتها، وهذا هو مربط الفرس وجوهر رؤية 2030، فالإنسان السعودي المتسلح بالعلم والمعرفة والخبرة التراكمية هو العمود الفقري والمحرك الرئيسي للتنمية المستدامة.
بناء رأس المال البشري الوطني
المسلح بالمعرفة والخبرة التراكمية
تقدم الأمم وتطورها لا يأتي بين يوم وليلة، بل هو نتاج عقود من الاستثمار المخطط والمدروس في الإنسان الذي هو جوهر التنمية الشاملة بمفهومها الواسع وعمود سنامها، فليس هناك استثمار في الإنسان أهم من التعليم بشقيه التعليم العام والتعليم الجامعي. القارئ لتاريخ التنمية البشرية على مر العصور يدرك أن المعرفة والخبرة التراكمية هي الأساس الذي تبني عليه الأمم تقدمها وتطورها وصناعة تنميتها المستدامة.
فالإنسان هو الأساس في اكتساب المعرفة والخبرة البشرية التي تتراكم عبر الزمن، حيث يتعلم الإنسان من تجاربه وخبراته السابقة ويطور مهاراته ومعارفه ويصقلها بتجاربه العملية، فكلما زادت خبرته في أي مجال من المجالات يصبح أكثر مهارة وإتقاناً حتى يصل إلى مرتبة ما يعرف «بالخبير» في مجاله. تشير التجارب والأبحاث العلمية إلى أن الإنسان يحتاج إلى عشرة آلاف ساعة من العمل الدؤوب والمركز لكي يصبح خبيراً في مجاله ونفس الشيء يمكن أن يُقال عن الشعوب.
وهنا تحضرني تجربة نجاح سعودية خالصة ألا وهي تجربة «أرامكو»، فعندما بدأت أرامكو كانت تُدار من قبل الأمريكيين من أعلى السلم الإداري في الشركة إلى مُشغل السنترال، واليوم ولله الحمد تتولى إدارة الشركة سواعد وعقول وطنية خالصة من رئيس مجلس الإدارة إلى أصغر مهندس في حقول البترول. كيف تمت هذه التجربة التي من الأحرى بنا استنساخها؟ نجاح هذه التجربة يعود بعد الله عز وجل إلى الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيب الله ثراه- الذي أدرك بحكمته وبعد نظره أن مستقبل هذه البلاد يعتمد بعد الله عز وجل على سواعد وعقول أبنائها.
للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله- قصة جديرة بالدراسة والتوقف عندها لاستخلاص الدروس واستلهام العبر من هذه التجربة، التي أنقلها لكم مثلما سمعتها من الدكتور وحيد الهندي أستاذ الإدارة العامة بجامعة الملك سعود. يقول الدكتور وحيد: في بدايات عمل شركة أرامكو والشركات المتحالفة لمد خط التابلاين طلب الأمريكيون من الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- السماح لهم باستقدام المزيد من الأمريكيين للعمل في المشروع لعدم توفر الخبرات الضرورية في المملكة آنذاك، وعندما شرحوا وجهة نظرهم للمؤسس وافق على طلبهم، ولكنه اشترط على الشركة أن يكون مقابل كل عامل أجنبي يتم استقدامه يكون هناك تدريب لعدد «عشرة» سعوديين.
على الرغم من بساطة وتواضع هذه القصة أمام تاريخ ومنجزات الملك المؤسس إلا أنها تحمل دلالات عظيمة على ما تمتع به الملك عبدالعزيز من حكمة وعبقرية وبعد نظر، ويجدر بنا استلهامها في هذه المرحلة بالذات. لقد أدرك الملك المؤسس بحكمته وبعد نظره بأن المملكة العربية السعودية لن تنهض وتتقدم وتزاحم الأمم على الصدارة إلا بسواعد وعقول أبنائها. وكذلك تتجلى حكمة المؤسس في التحديد الدقيق لعدد المتدربين «عشرة»، فلو كان الهدف عائماً وغير محدد فربما كان بالإمكان التحايل عليه ولكن تحديد الأهداف بدقة هو جوهر ما يعرف اليوم بمؤشرات الأداء أو الـ (KPIs).
تجربة ألمانيا واليابان في بناء رأس المال البشري
اليوم تحتل كل من اليابان وألمانيا المركزين الثالث والرابع على التوالي في قائمة الدول الأكبر اقتصاداً في العالم. الحقيقة التاريخية التي يعلمها الجميع أن هاتين الدولتين هزمتا في الحرب العالمية الثانية وتم تدمير بنيتهما التحتية وتم إخضاعهما للحكم الأجنبي وفرضت عليهما شروط الحلفاء المنتصرين. السؤال الذي يطرح نفسه هو كيف استطاعتا خلال عشر سنوات فقط التعافي وإعادة بناء ما دمرته الحرب وتصبحا من ضمن أكبر خمس دول اقتصادية في العالم؟
للإجابة عن هذا السؤال دعنا نلقي نظرة فاحصة على تاريخ ألمانيا خلال الثورة الصناعية وصولاً للحرب العالمية الثانية. الثورة الصناعية في ألمانيا كانت متأخرة عن مثيلاتها في إنجلترا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية الأخرى بأكثر من مائة عام، حيث لم يتم توحيد ألمانيا في سوق واحدة إلا في 1833م، وخلال الفترة من 1833م إلى 1870م كانت هناك عدة محاولات لاستنساخ الثورات الصناعية التي قامت في أجزاء مختلفة من أوروبا دون نجاح يذكر لأن ألمانيا في ذلك الوقت تفتقر للخبرة والمعرفة التراكمية اللازمة لتوطين المعرفة وبناء تنمية مستدامة. فلم تبدأ الثورة الصناعية في ألمانيا إلا مع قيام الدولة الألمانية الحديثة في 1870م وتأثرت بالحرب العالمية الأولى 1914م – 1918م والركود الاقتصادي العظيم 1929م – 1939م وكذلك بالحرب العالمية الثانية 1939م – 1945م. فعندما انتهت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء كانت البنية التحتية لألمانيا مُدمرة واقتصادها منهكاً من الحرب ومن السياسات النازية، وفوق هذا كله وضعت ألمانيا تحت سلطة الحلفاء وقسمت إلى دولتين: ألمانيا الغربية وألمانيا الشرقية وخسرت أوروبا الشرقية كسوق وعمق تجاري واقتصادي واستمر العمل بالسياسات والقوانين النازية حتى سنة 1948م وكانت النتيجة كارثية ووصلت إلى حد المجاعة. وبعد هذا العام تغير الكثير من القوانين والسياسات وحدث التحول والمعجزة الاقتصادية الألمانية 1948م – 1960م حيث كان متوسط معدل نمو الإنتاج الصناعي الألماني خلال هذه الفترة أكثر من 15% سنوياً.
ألمانيا استطاعت النهوض في زمن قياسي لأنها لم تبدأ من الصفر فلو بدأت من الصفر فلربما استغرقت قرناً من الزمن لتصل إلى ما وصلت إليه خلال عشر سنوات فقط، ولكن الذي جعل المعجزة الألمانية ممكنة هو أن ألمانيا تملك الخبرة والمعرفة التراكمية الضرورية لبناء ثورتها الاقتصادية والمتمثلة في رأس المال البشري؛ أي الإنسان الألماني المدرب وصاحب الخبرة والمعرفة التراكمية التي اكتسبت من خلال العمل الدؤوب والتجربة العملية، ومع مرور الزمن أصبح أكثر كفاءة وفاعلية وإتقاناً لما يقوم به وهذا هو العامل الرئيسي الذي ساعد ألمانيا على النهوض في زمن قياسي.
ونفس الشيء ممكن يُقال عن اليابان البلد الذي دُمر في الحرب العالمية الثانية واستخدمت ضده أبشع الجرائم الإنسانية على الإطلاق وأذل وأهين وحُجم اقتصادياً وعسكرياً ولكنه نهض من بين جثث الموتى وركام المدن المدمرة في ملحمة تاريخية تشبه الأسطورة الأغريقية لطائر الفونكس (Phoenix Bird) الذي يستعيد الحياة ويحلق طائراً من بين الأنقاض. قصة المعجزة الألمانية وقصة النهوض الأسطورة لليابان هي قصة الاستثمار في الإنسان.
22:15 | 28-03-2021
مستقبل التعليم الجامعي ما بعد كورونا.. الجامعات الخاصة
مع التقدم التكنولوجي والقبول الشعبي للتعليم عن بعد والسماح للجامعات الأجنبية النوعية بفتح فروع لها في السوق السعودي، التعليم الجامعي في المملكة مقبل على تغيرات جذرية خلال الخمس إلى العشر سنوات القادمة. هذه التغيرات ستخلق واقعاً جديداً وسيكون التعليم النوعي هو الرهان الرابح وفي متناول الكثير من أسر الطبقة المتوسطة السعودية سواء أكان التعليم النوعي الوطني أو التعليم النوعي العابر للقارات. باحتصار شديد المستقبل للتعليم النوعي والمنافسة ستدفع الجامعات الوطنية وخاصة الجامعات الأهلية المميزة للارتقاء بجودتها التعليمية وهذا بدوره سيساهم بنقل الاقتصاد الوطني إلى مستوى أعلى وأرحب من التنمية والكفاءة والإنتاجية والتنافسية ليس على المستوى المحلي والإقليمي فحسب بل على المستوى الدولي إن شاء الله.
بحكم قربي من التعليم الجامعي وخاصة الجامعات الأهلية المميزة سوف أركز في هذا المقال على أثر هذه التغيرات على التعليم بشكل عام وعلى الجامعات الأهلية بشكل خاص. الجامعات الخاصة حديثة النشأة في المملكة ويمكن تقسم هذه الجامعات إلى مجموعتين المجموعة الأولى أو ما يعرف بنادي الكبار(The Big League) وهي تتضمن عدداً محدوداً جداً من الجامعات الأهلية التي لا يتجاوزعددها أصابع اليد الواحدة وهي ما يمكن أن يطلق عليها الجامعات النوعية في القطاع الخاص وهذه الجامعات أنشئت في الأساس لاستقطاب الطلبة المتفوقين من أبناء الطبقة الوسطى والأسر الميسورة وتوفير التعليم النوعي لهم الذي يماثل إلى حد كبير التعليم في معظم الجامعات الأمريكية الجيدة. هذه الأسر التي تقدر أهمية التعليم النوعي هم أنفسهم في الغالب خريجو الجامعات الغربية إن لم يكن كلا الأبوين فأحدهما على أقل تقدير. هذه الأسر على استعداد لدفع تكاليف التعليم العالية نسبياً شريطة أن يحصل أبناؤهم وبناتهم على التعليم النوعي الذي يتمنونه لهم وفي نفس الوقت يكونون أمامهم وتحت أنظارهم.
المجموعة الثانية من الجامعات الخاصة تتضمن السواد الأعظم من الجامعات الأهلية وهذه الجامعات أنشئت في المقام الأول كبديل للجامعات الحكومية وتستهدف الطلبة الذين لم يحالفهم الحظ في القبول بالجامعات الحكومية وبعد توقف برنامج الابتعاث الداخلي أصبحت الغالبية العظمى من طلبتها إن لم يكن جميعهم من أبناء الطبقة الوسطى الذين لم يحالفهم الحظ بالقبول في إحدى الجامعات الحكومية. مستوى التعليم في هذه المجموعة فيه تفاوت كبير جداً ولكن جودة التعليم في مجملها ممكن يُقال عنها من المتوسط وأقل لأسباب عدة لعل من أهمها نوعية الطلبة وأعضاء هيئة التدريس في تلك الجامعات. هذان النموذجان هما التصنيف الأشمل للجامعات السعودية الخاصة.
تأثير جائحة كورونا على مستقبل التعليم الجامعي
قبل جائحة كورونا كانت النظرة للتعليم عن بعد تتسم بشيء من الريبة وربما عدم المصداقية، خاصة في ما يتعلق بجودة هذا النوع من التعليم ولكن مع التقدم التكنولوجي وخاصة تطور تقنيات ووسائل التعليم وبعد هذه الجائحة وتجربة المجتمع للتعليم الإلكتروني ربما أصبح لدى المجتمع تقبل وأطمئنان للدراسة عن بعد وهذا سيشجع الجامعات الكبيرة التي تتمتع بسمعة مرموقة أو ما يسمى بجامعات الصف الأول بالتوسع في طرح بعض برامجها عن طريقة التعليم عن بعد وهذا سيساعدها في قبول عدد أكبر من المتقدمين مع الحفاظ على معايير القبول لضمان جودتها التعليمية وهذا ممكن، حيث يتقدم سنوياً إلى هذه الجامعات آلاف الطلبة المتفوقين ولكن بحكم محدودية المقاعد فإن القبول في هذه الجامعات عادة لا يتجاوز عشرة في المئة من مجموع المتقدمين، فمثلاً بدل ما تقبل كلية إدارة الأعمال بجامعة كليفورنيا - بركلي (Hass School of Business at University of California – Berkeley) ستمائة طالب في السنة ممكن تقبل ستين ألف طالب في السنة. توسع جامعات الصف الأول - أفضل عشرين جامعة في العالم على سبيل المثال أو ما يسمى (Top 20 Universities) - في القبول مع المحافظة على معايير القبول والتميز النوعي لبرامجها الدراسية سيؤدي هذا إلى تقليل تكاليف الدراسة في هذه الجامعات مما يجعلها في متناول الطبقة الوسطى ويمكن أبناءها وبناتها من الدراسة بهذه الجامعات وهم تحت أنظارهم وفي ظل رعايتهم وحمايتهم.
هذا سيكون له تأثير كبيرعلى مستقبل التعليم الجامعي وعلى جامعات الصف الثاني وما بعدها. كيف؟ الجامعات النوعية على اختلاف أنواعها، أفضل مائة جامعة (Top 100 Universities) يتنافسون سنوياً على عدد محدود من متفوقي خريجي الثانوية العامة، فعندما تتوسع جامعات الصف الأول في القبول فهذا يشكل ضغطاً كبيراً على جامعات الصف الثاني التي بدورها ستتوسع في القبول على حساب جامعات الصف الثالث وستبدأ في البحث عن طلبة لبرامجها لكي تعيش وتحافظ على تأثيرها في العالم من خلال خريجيها الذين يعدون من قبل هذه الجامعات ليكونوا مؤهلين لتولي المناصب القيادية في الشركات وفي مجالات الاقتصاد والسياسة الدولية. فلو فرضنا أن أعلى عشرة في المائة من خريجي الثانوية تم قبولهم في جامعات الصف الأول، فستضطر هذه الجامعات إلى المنافسة على أفضل عشرين أو حتى ثلاثين في المائة من خريجي الثانوية العامة وكذلك تفعل جامعات الصف الرابع وهنا يبدأ السباق إلى القاع أو الهاوية (Race to the bottom) وهذا سيقضي على الكثير من الجامعات ولن يستطيع الاستمرار إلا الجامعات التي استطاعت بناء اسمها على مر العقود كجامعات نوعية (Brand Names). بكل تأكيد هذا لن يحدث بين يوم وليلة ولكن خلال الخمس إلى العشر سنوات القادمة ستعاني الجامعات التي لم تستطع بناء اسمها كجزء من حوار الأسرة في نهاية كل عام عندما تناقش المستقبل التعليمي لأبنائها وستحاول الاستمرار ولكن في نهاية المطاف ستغلق أبوابها وتعلن إفلاسها عندما تدرك بأن الركب قد فاتها وأنه يصعب عليها إعادة دورة التاريخ إلى الوراء.
تأثير هذه التغيرات على التعليم في المملكة
التغيرات هي جزء من التطور التاريخي والتنمية البشرية ولكن السؤال الأهم هو: ماهو تأثير هذه التغيرات على سوق التعليم في المملكة وما أثر ذلك على الجامعات السعودية وخاصة الجامعات الأهلية؟ نحن جزء من العالم وأي تغير إيجابي وخاصة في مجال حيوي مثل التعليم الجامعي سنستفيد منه. نحن على مشارف بدايات هذه التغيرات والتي ستكون تغيرات جذرية بحق ولمصلحة التعليم النوعي وتكوين وتطوير رأس المال البشري الوطني المتسلح بالتعليم النوعي والتدريب الجيد. تقدم الأمم وتطورها لا يأتي بين يوم وليلة، بل هو نتاج عقود من الاستثمار المخطط والمدروس في الإنسان الذي هو جوهر التنمية الشاملة بمفهومها الواسع وعمود سنامها، فليس هناك استثمار في الإنسان أهم من التعليم بشقيه التعليم العام والتعليم الجامعي. القارئ لتاريخ التنمية البشرية على مر العصور يدرك أن المعرفة والخبرة التراكمية هما الأساس الذي تبني عليه الأمم تقدمها وتطورها وصناعة تنميتها المستدامة.
الدول المتقدمة أدركت هذه الحقيقة فركزت على بناء الإنسان وهيأت له سُبل ووسائل النجاح. هذه هي «الوصفة» التي نحتاج إلى إتقانها، ومن وجهة نظري هذه التغيرات تمثل فرصة تاريخية يجب اغتنامها وتشجيعها للتركيز على تأسيس البنية التحتية للتعليم النوعي وتشجيعه كقيمة مجتمعية وهذا بدوره يضع اللبنات الأساسية لبرنامج تنمية الموارد البشرية. لكي نكون أكثر دقة، على الرغم من أن التعليم النوعي هو الركيزة الأساسية والعمود الفقري لتكوين رأس المال البشري الوطني ولكن لوحده لا يكفي بل يجب إصلاح سوق العمل وترشيد الدعم الحكومي بما يحقق إستراتيجية بناء الإنسان «السعودي» المؤهل بالتعليم النوعي وتمكينه من مفاصل الاقتصاد والقرار الوطني لكي يكتسب الخبرة التراكمية، فإذا كان التعليم النوعي هو العمود الفقري لرأس المال البشري فالخبرة التراكمية هي جناحاه.
مما لاشك فيه سيكون لهذه التغيرات أثر كبير على التعليم في المملكة وخاصة على المدى الطويل، فمثلما ذكرت آنفاً نحن على مشارف بداية هذه التغيرات، فقانون السماح للجامعات الأجنبية النوعية بفتح فروع لها في المملكة لم يصدر إلا في الربع الأخير من العام الماضي 2019م ومما لا شك فيه بأن هناك عدداً من الجامعات الأمريكية النوعية والبريطانية وربما بعض الجامعات العالمية التي ترغب في فتح فروع لها في السوق السعودي على غرار فروعها في الصين والهند ودول أخرى، فالاقتصاد السعودي هو الأهم في المنطقة ويزخر بالكفاءات والطلبة المتفوقين. فدخول الجامعات العالمية النوعية للسوق السعودي هو مسألة وقت ووجودها ضرورة ملحة لنقل التعليم النوعي في السوق السعودي إلى مستوى أعلى وسيشجع الجامعات السعودية وخاصة الجامعات الأهلية المتميزة على المنافسة والارتقاء بجودة ومستوى تعليمها إلى العالمية.
أما في ما يخص الجامعات العالمية المرموقة أو ما يُعرف بجامعات النخبة (Ivy League Universities) مثل هارفارد وMIT وشيكاغو وستانفورد ويأل، فلن يتوقع أحد بأنها ستفتح فروعاً لها خارج الوطن الأم في المستقبل المنظورعلى أقل تقدير ولكن مع التقدم التكنولوجي والقبول الشعبي والأكاديمي للتعليم عن بعد فمن المحتمل أن تقوم هذه الجامعات بطرح بعض برامجها عن طريقة التعليم عن بعد (Distance Learning) خلال السنوات الخمس القادمة. على الرغم من أن هذه الجامعات قامت بطرح عدد من البرامج التدريبية والمواد الدراسية عن طريق الإنترنت ولكنها إلى الآن لم تطرح أياً من برامج الدرجات العلمية عن طريق التعليم عن بعد. في الفترة الماضية كانت هذه الجامعات مترددة في وضع ثقلها خلف التعليم عن بعد إلا أن هناك بعض المعطيات التي تشير إلى أنها بدأت في تقبل التعليم الإلكتروني ولعل تجربة جائحة كورونا والقبول الشعبي والأكاديمي للتعليم عن بعد دفع جامعات النخبة إلى التفكير الجدي في خوض غمار التعليم عن بعد (Distance Learning)، فعلى سبيل المثال وليس الحصر قامت جامعة هارفرد بتحويل المنصة (Platform) التي تقوم من خلالها بعرض برامجها التدريبية على الإنترنت من HBX إلى HBS أي باسم كلية إدارة الأعمال (Harvard Business School - HBS) على الرغم من أنها ظلت مترددة في هذا لعدة سنوات حتى لا تتأثر سمعة كلية إدارة الأعمال بالتعليم عن بعد الذي كان ينظر إليه بشيء من الدونية. في المقابل توجد جامعات مرموقة مثل (John Hopkin University and University of California at Los Angeles) وعدد من الجامعات النوعية الأخرى قامت بخوض تجربة التعليم عن بعد حيث تقدم برامج مثل برنامج ماجستير إدارة الأعمال (MBA) وجامعات أخرى تفكر جداً في هذه التجربة حتى لا يفوتها الركب وتجد نفسها متأخرة عن الجامعات المنافسة في اكتساب الخبرة التراكمية في هذا المجال.
خاتمة القول
قطاع التعليم الجامعي السعودي سوق واعدة ومغرية وعدد الطلبة سيتضاعف إلى أكثر من أربعة ملايين طالب وطالبة خلال الخمس سنوات القادمة وباختصار شديد المستقبل للتعليم النوعي ومع التقدم التكنولوجي والقبول الشعبي للتعليم عن بعد ومع الدخول المتوقع للجامعات الأجنبية النوعية للسوق السعودي، لن تستمر إلا الجامعات النوعية - وهنا أقصد الجامعات الأهلية على وجه الخصوص - التي تركز على بناء اسمها كجامعات وطنية نوعية أو ما يسمى بـ «Brand» حتى يصبح اسمها جزءاً من حوار الأسر السعودية عند مناقشة المستقبل التعليمي لأبنائها في نهاية كل عام دراسي.
كذلك التعليم عن بعد وهنا أقصد التعليم النوعي المطابق لمعايير وجودة الجامعات النوعية سيصبح واقعاً ومقبولاً شعبياً وأكاديمياً خلال العشر سنوات القادمة. هذه التغيرات في مصلحة كل من الاقتصاد الوطني والتعليم النوعي في المملكة، فنحن في أمس الحاجة إلى التعليم النوعي الذي لا يلبي حاجة سوق العمل المحلي فحسب بل يساهم في نقل الاقتصاد الوطني إلى مستوى أعلى وأرحب من التنمية والكفاءة والإنتاجية والتنافسية ليس على المستوى المحلي والإقليمي فحسب بل إلى رحاب العالمية بمشيئة الله، فدخول الجامعات الأجنبية النوعية للسوق السعودي سيدفع الجامعات السعودية وخاصة الجامعات الأهلية المتميزة إلى المنافسة والارتقاء بجودة ومستوى تعليمها إلى العالمية. هذا بدوره سيدفع الجامعات الخاصة الضعيفة التي لم تستطع المنافسة إلى الخروج من السوق وفي الغالب سيتم الاستحواذ عليها من قبل الجامعات الأجنبية التي تدخل السوق السعودي أو من قبل الجامعات الوطنية النوعية.
من وجهة نظري سيكون لهذه التغيرات تأثير كبير وخاصة على المدى الطويل ولكن في المدى القصير والمتوسط فأعتقد أن الوزارة ستكون متحفظة وربما تبدأ بما يسمى (Hybrid Education) وهو التعليم الذي يخلط بين التعليم التقليدي والتعليم عن بعد ولكن العشر سنوات القادمة سترى تغيراً في قناعات الوزارة عندما تطمئن إلى سلامة معايير وجودة التعليم عن بعد وخاصة عندما تقوم الجامعات العريقة أو ما يعرف بـجامعات النخبة (Ivy League Universities) بطرح بعض برامجها المؤدية إلى درجات علمية عن طريق التعليم عن بعد.
a_alwathnani@yu.edu.sa
21:20 | 30-05-2020
اقرأ المزيد