أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/230.jpg&w=220&q=100&f=webp

رشيد بن حويل البيضاني

التأثير والتأثر بين الأمم والشعوب

كثيرون أولئك الذين لا يعرفون عن حاضرهم في عالم الأدب العربي إلا أنه مجرد انعكاس لمذاهب وتيارات فكرية وأدبية وافدة من الغرب المخالف لنا؛ بيئة وعقيدة وتراثاً وعادات وتقاليد، وربما أسهمت في إرساء هذه الصورة المزورة، وهذا الاعتقاد الخاطئ، كثرة ما يقرأ في كتابات النقاد ومؤرخي الأدب ودارسيه. أصبح بعض أدبائنا وكتابنا بل وبعض مفكرينا، وللأسف مجرد أبواق غربية، تردد -بعد فترة من الزمن- ما درج عليه الغربيون في بلادهم.

وقد يكون لهؤلاء حق في اعتقادهم هذا إلى حدٍ ما، وبخاصة إذا اقتصرت مطالعاتهم على مجموعة بعينها من أدباء العربية.

يقول المستشرق «جب» في وصف هذه الحالة: إن خير ما أسدته الآداب الإسلامية لآداب أوروبا إثراؤها بثقافتها وفكرها العربي في شعراء العصور الوسطى. فقد ظهر تأثر أوروبا بالشعر العربي، ويؤكد «دانتي» أن الشعر الإيطالي ولد في صقلية، حيث كانت للعرب حضارة زاهرة، وظهرت نزعة جديدة في الأدب الأوروبي من خلال شعر «التردبادور» وجعلت كثيراً من الدارسين يؤكدون أن هذه الظاهرة حدثت نتيجة للاقتباس من الأدب العربي الذي امتاز بالرومنتيكية البالغة في أغراضه المتعددة.

وهكذا أخذ شعراء أوروبا من إلهامات الشعر العربي الأندلسي، بل إن الأوروبيين قد اعتنوا بالقافية في شعرهم تأثراً بالعرب.

وعن تأثير النثر العربي، حدث ولا حرج، ويكفينا الاطلاع على الأدب الإسباني لنجده حافلاً بقصص كثيرة من آداب العرب.

لقد استفاد الأوروبيون ونهلوا من محاسن الأدب العربي: شعراً ونثراً، وقامت النهضة الغربية الأدبية في ما يسمى بالعصور المظلمة عندهم، على أسس عربية، كانت ذات أثر بعيد في التقدم الأوروبي الفكري بوجه عام.

إن التأثير والتأثر بين الأمم والشعوب مسألة طبيعية، وسنة من سنن الله في خلقه، فقد خلق سبحانه وتعالى الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، والتعارف الحق هو ما أنتج تأثيراً وتأثراً بين المتعارفين.

أصبحنا عالة على الغرب، ونسينا أننا كنا خير أمة أخرجت للناس، حين نسينا أو أهملنا الأخذ بأسباب تلك الحرية؛ من إيمان مطلق بالله تعالى، وعمل للصالحات، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر.

فهل يعود الزمان، بل هل نعود نحن إلى ما كنا عليه في زمان مزدهر مشرق بالأمل والعمل وهداية البشرية؟! سبحان مغير الأحوال!!

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
00:24 | 19-02-2021

كذب الكذبة.. فصدقها !

كل العجب لأولئك المرجفين، الذين اتخذوا على أنفسهم عهداً أن يكونوا أضحوكة للمجتمع، فارغين – ثرثارين – متشدقين – أحاديث مكذوبة يبهجون أنفسهم بنقلها.... حقا إنهم يحتاجون إلى مصحات نفسية.

عندما انتشر مرض كوفيد (كورونا) أقلقونا بشائعاتهم وأراجيفهم المصطنعة، فكل عاقل صم أذنه وأغلق كل ما يرد في مثل أقاويلهم، فتارة هذا المرض موجه لقتل البشرية، ومرة مصطنع للقضاء على الاقتصاد، ومرة لتدمير دولة من أخرى، ويزيدون ويبهرون أكاذيبهم المنقولة عن كاذبين، فللأسف يكذبون الكذبة ويصدقونها، دليل على غبائهم، ثم إن العجب لأولئك المتعالمين والملقوفين الذين لم يتركوا شاردة أو واردة إلا وعلقوا عليها دون حياء أو خوف، ولو بحثت في مقدرة ومؤهلات هذا المتحدث أو الطبيب أو الفارغ لن تجد لديه حصيلة علمية أو إبداعاً تكنولوجياً، وإنما مهرج وجد مستمعين مغفلين.

يخرج علينا هؤلاء مجددا في اللقاح والطعن به، وتخويف الناس وأكل عقولهم بالترهيب الذي ينشرونه، ولو دققت وسألت ما هو هدفهم، أو ماذا يريدون أن يصلوا إليه؟ لوجدت أنهم ابتلوا في نشر الشائعات وزودوها في هذا المرض بالذات وعلاجه.

نحن لا نعتب على مصدري الشائعة، ولكن نعتب على المستمعين والمصدقين لها ومعيدي نشرها، وهم غير متحققين من صدقها، بل إن أكثرهم يعلم بكذبها، ويعتقد أنه بنشرها أتى بجديد وأخبر عن حدث فريد، فلا يعلم أنه خرج من روح الإنسانية وتجرد من الضمير الحي، وأمات في نفسه القول الثابت في نهي الله عز وجل عن إقلاق الناس وإزعاجهم وإيذائهم.

إن أي علاج مهما كانت فائدته، لا بد له من أعراض جانبية، فنحن نقرأ نشرات الأدوية وفيها الكثير من الأعراض، ولماذا على هذا جاءت أقاويلهم وزادت أكاذيبهم، فهل يعقل أن تأتي حكومتنا بشيء يعود بالضرر على أبنائها؟!

فنصيحتي عندما تجد من يتحدث عن موضوع هام يمس الحياة الاجتماعية – الصحية – السياسية – الاقتصادية – الدينية... إلخ، ابحث أولاً عن سيرته وخبراته ومؤهلاته ودوره في نشر مثل هذه الأمور ومن كلفه، استحثوا الحقائق من المصدر المرخص العليم الضليع في مجاله وتخصصه، فنكون بهذا أقفلنا أبواباً كانت شرّاً على المجمتع وعلينا وعلى أبنائنا.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
23:55 | 24-12-2020

هل الكلمة سبب في اندلاع الحروب ؟

بعضنا لا يكل ولا يمل من الكلام، وأعني هنا الكلام غير المفيد والضار في غالبه فهو يتكلم في العمل، ويتكلم في البيت ويتكلم مع الأصدقاء، بل قد يتكلم وهو نائم من كثرة حبه وشهوته للكلام.

لماذا لا نتدبر ما نقول؟ ولماذا لا نفكر فيما نقول؟

لقد خلق الله تعالى لنا أذنين ولساناً واحداً، ليكون استماعنا أكثر من كلامنا، أفلا نأخذ من ذلك العبرة والعظة.

اشتهر العرب على مر تاريخهم بأنهم أرباب الكلمة، مروراً بأعظم كلمة على وجه الأرض، القرآن الكريم، وانتهاءً بما وصل إليه أجدادنا من تقدم في شتى وجوه الحضارة.

واشتهر العرب حديثاً، بأنهم أرباب الكلمة، بمعنى أنهم لا يجدون غير الكلام.

بالفعل بات كلامنا أكثر من أفعالنا، وليحاول أحدنا أن يراقب نفسه أو غيره، كم ساعة تكلم، وكم ساعة اجتهد وعمل.

قال أبو إسحاق الفزاري: (كان إبراهيم بن أدهم يطيل السكوت فإذا تكلم انبسط، فقلت له ذات يوم: لو تكلمت، فقال: الكلام على أربعة وجوه:

فمنه كلام ترجو منفعته وتخشى عاقبته، فالفضل منه السلامة، ومنه كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقل مالك في تركه خفة المؤونة على بدنك ولسانك، ومنه كلام لا ترجو منفعته وتخشى عاقبته، وهذا هو الداء العضال، ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نشره، قال: فإذا هو أسقط ثلاثة أرباع الكلام).. انتهى.

فإذا تدبرنا حالنا؛ رجالاً ونساءً، وجدنا أننا لا نراعي في كلامنا ذلك التقسيم العقلاني المنطقي، فلو فكر الإنسان في كلمة سيخرجها من فمه، يخشى عاقبتها، لسكت عنها، فالسكوت أفضل وأبلغ. أما إذا كانت تلك الكلمة لا نفع فيها ولا من ورائها، ولا ضرر منها فالأكيس والأفضل تركها، راحة للسان والجسد.

والكلمة نوعان، كما أخبرنا المولى عز وجل: كلمة طيبة، وكلمة خبيثة، والأولى ضرب الله تعالى لها مثلاً بالشجرة الطيبة ذات الأصل الثابت، والفروع التي تطاول عنان السماء، وهي ذات أكل وثمار نافعة ومفيدة، أما الثانية فهي كالشجرة الخبيثة، لا أصل لها ولا قرار ولا نفع لها ولا ثمار. وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديثه لمعاذ بن جبل رضي الله عنه، أن حصائد الألسنة، أي الكلام، هي السبب الرئيس في دخول الناس النار صرعى على وجوههم، والملاحظ في التصوير القرآني للكلمة والشجرة والحصاد، فالكلمة ذات آثار نامية متنامية، قد تنشر الخير والحب والسلام بين الناس، وقد تكون سبباً في اندلاع الحروب بين الأمم، ووقوع الخصومة بين الناس، بل والتفريق بين المرء وزوجه وأهله.

فكم من كلمة ألقيت من أحدنا، أوغرت الصدور، وأحدثت النفور، وفرقت بين الأصدقاء، وفصلت بين الأخلاء، وكم من كلمة نطق به أحدنا، دون أن يقدر لها موقعها من السامع، وأثرها في المسامع، فخربت البيوت، وسممت القوت، إن الكلمة كالسهم، إذا انطلقت لا تعود، فإذا أصابت هدفها فقد قتلت، وإن لم تصب هدفها، فهي لا طائل منها، ولا فائدة من ورائها، وكتمانها أفضل ولجامها أتقى وأروع.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
02:16 | 13-11-2020

المغريات والفرص.. !

من المشاكل التي تواجه الإنسان في هذا الوجود أن حياته محدودة ومعدودة بسنوات وأيام، بل وثوان، لا يملك مهما بلغ من أسباب القوة والتقدم أن يزيد فيها لحظة واحدة.

ولكن، ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب أن يبسط له رزقه، وينسأ له في أثره، فليصل رحمه». فالأثر هنا هو الأجل على نحو ما أورد الإمام النووي رحمه الله، وبسط الرزق: توسيعه وكثرته، وقيل: البركة فيه، وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال شهور، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة، لا تزيد ولا تنقص، «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ» (الأعراف 34). وللعلماء آراء حول إطالة العمر المعنية في الحديث الشريف، منها أن هذه الزيادة تتحقق بالبركة في عمره، والتوفيق للطاعات وعمارة أوقاته بما ينفعه في الآخرة، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك.

منها كذلك أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه، فإن وصلها زيد له أربعون، وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو معنى قوله تعالى: «يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ»، (الرعد 39) فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدَرُه ولا زيادة، بل هي مستحلة وبالنسبة إلى ما ظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث.

كيف تطيل عمرك الإنتاجي؟ ولعل أبرز ما جاء في سبل الإطالة ما يلي:

أولا: إطالة العمر بالأخلاق الفاضلة، إذ أوضح النبي صلى الله عليه وسلم إمكانية إطالة العمر بالحرص على بعض خصال الخير والبر على نحو ما ورد في حديث صلة الرحم، وقد أكد ذلك حديث عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلة الرحم تزيد في العمر»، وقد صحح الشيخ الألباني -رحمه الله- هذا الحديث.

وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها إنه أعطي من الرفق حظه من الدنيا والآخرة، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار.

ثانيا: ثمة وسيلة أخرى لإطالة الأعمار تتمثل في الأعمال ذات الأجور المضاعفة كالصلاة في الحرمين الشريفين، فالصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة في ما سواه وفي المسجد النبوي أفضل من ألف صلاة في غيره، وكذلك المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد لأفضليتها بخمس وعشرين أو سبع وعشرين درجة، وكلها عمليات حسابية بسيطة، ندرك من خلالها كيف يمكن أن نضاعف ساعات عمرنا.

ونلاحظ في معاملاتنا اليومية بعض الموظفين في الأجهزة الإدارية بالدولة يتأفف من لجوء الناس إليه لقضاء حوائجهم، على الرغم من أنه يتقاضى راتبه من أجل قضاء هذه الحوائج. وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشر أولئك الذين يقضون حوائج الناس بالثواب المضاعف في الحديث الشريف الذي رواه الطبراني وحسنه الألباني: «ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليّ من أن أعتكف في المسجد شهرا» فما بال هؤلاء يتأففون؟! فقضاؤك لحاجات الناس يمنحك من الثواب ما لا يمكن أن تحققه في «العمر الاعتيادي» الذي يعيشه الإنسان.

فهل نستفيد من كل هذه «المغريات» و«الفرص» التي نطيل بها أعمارنا؟! فلنبدأ جميعا في استغلال هذا «الأوكازيون» عزيزي القارئ... أطال الله عمرك.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
03:19 | 6-11-2020

العودة إلى الأمام

لم أخطئ في عنوان هذا المقال، إذ اعتدنا أن نقول تلك العبارة على غير هذا النحو: العودة إلى الوراء، باعتباره عكس اتجاه المرء، لكن هذا «الوراء» ارتبط في الأذهان بالتخلف دائما، مع أن التدبر في الأمر يدلنا على أن ما تركناه، ونريد العودة إليه قد يكون هو التقدم والرقي، التقدم الإنساني والرقي الأخلاقي والحضاري.

أقول هذا وقد قرأت في مجلة عربية تحقيقا يفيدنا أن منظمات المجتمع المدني في الولايات المتحدة قد خرجت هذه الأيام بحملة «عشرة آلاف دولار للعفة»، وذلك بهدف منع العلاقات الجنسية قبل الزواج الرسمي، وتقترح اللجنة القائمة على هذه الحملة هذا المبلغ لكل خطيبين مقبلين على الزواج، ولم يحدث بينهما علاقات محرمة، وبشرط ألا يقدما الخمور في حفل زفافهما.

والهدف من هذه الحملة «الأخلاقية» ليس فقط الحفاظ على العفة في ذاتها كقيمة، ولا عدم شرب المسكرات كفضيلة، وإنما الدافع وراء ذلك هو: «منع نشر الإيدز عن طريق هذه العلاقات»، حسبما أعلنت اللجنة، وإن كنت أرى هذا السبب لا يعكس حقيقة الدوافع، لأن الوقاية من الإيدز لها وسائل أخرى يمكن الأخذ بها، إلى جانب ما أعلن، كما أن اشتراط عدم تقديم الخمور في حفل الزفاف، لا علاقة له بالإيدز، الأمر الذي يجعلنا نؤكد أن ثمة عودة إلى ما كانت عليه البشرية النقية قبل الانفلات الأخلاقي في المجتمعات الغربية.

والاتجاه لنشر العفة بين الشباب في الغرب ظاهرة ليست حديثة، فثمة اتجاه بين البنات الغربيات أنفسهن في العديد من دول أوروبا، كفرنسا وإنجلترا وغيرهما، يدعو للحفاظ على عذرية البنات قبل الزواج، وهو ما يتفق مع التقاليد الأصلية والأخلاق لهذه المجتمعات، في عصورها السابقة.

ويرى المختصون في علم الاجتماع أن هذه الحملة ستقود إلى إيمان الشباب بأفكار سليمة، خاصة أن لها توجهات عديدة، بعضها صحي وطبي، نظرا لما تؤديه هذه العلاقات غير الشرعية من مشكلات على المستوى الصحي والبدني، ومنها توجهات ذات طابع اجتماعي، حيث تؤدي هذه العلاقات إلى اختلاط الأنساب، وإضافة إلى الاحتفاظ بعلاقات أسرية جيدة.

ومع أن الحملة تبتعد تماما عن ربط سلوكياتها وأهدافها بدوافع دينية، بل لم تشر من قريب أو بعيد عن أن مطالبها ذات علاقة وثيقة بما تقرره الأديان، يهودية أو مسيحية أو غيرها، فإننا نملك البديل، والعلاج الناجح لأمراض العصر ولمشكلات الغرب المستعصية، فالإسلام يقدم البدائل والحلول، ولكن يبدو أننا كما فشلنا في تصنيع معدات الحضارة وتسويقها في الغرب، فشلنا كذلك في تصدير ما نملكه – ولم ننتجه – من مقومات الحضارة، ومحصنات الإنسانية، وأقصد الأخلاق الإسلامية.

إن ما تعتمده منظمات المجتمع المدني الأمريكي من أسلوب «الترغيب» للشباب، المتمثل في العشرة آلاف دولار، لن يحل المشكلة التي يعانون منها جذريا، إذ لا بد أن يؤمن الشباب عندهم بالقيمة الأخلاقية والإنسانية للفضائل، أما أن يصبح الحفاظ على الأخلاق بعشرة آلاف دولار أو يزيد، ففي اعتقادي أن ذلك لن يجدي شيئا، كما أن المنظومة المنشودة لتحقيق العفة لن تستمر، طالما أن المجتمع بأسره يسير في الاتجاه المعاكس، إذ ينبغي أن ترافق مثل هذه الحملات حملات أخرى توقف الأفلام الخليعة، وتحد من انتشار الخمور، وتسن من القوانين ما يسهم بحق في حماية العفة، وصيانة الشرف، وتطبيق أساسيات حقوق الإنسان.

عموما، نحن نسعد لمثل هذا الاتجاه الذي يحمي البشرية من الأمراض، وينشر الفضائل في ربوع الكون بأسره، ونقول لهم، ولمن يسيرون في ركب «التحرر»: الآن حصحص الحق، والحمد لله تعالى على نعمة الإسلام.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
02:26 | 23-10-2020

وعلى أديمك لي هوى سيال...

كثيرا ما تحاصر دوامة الحياة ومشاكل العمل ومتطلبات الأسرة البعض، فيهربون إلى مجالس الأصدقاء، ولو مرة أسبوعياً، يتبادلون فيها أموراً عامة، وخاصة، هكذا نحن الهاربون نلتقي، يفرغ كل منا همومه، ويبث شجونه، لأصدقائه وأحبابه، فيخف الحمل من على الكواهل والأكتاف، وتخرج النفس بعضا مما بداخلها، فيستريح المرء، ويأخذ جرعة من النشاط الجسماني، والراحة النفسية، قد تكفي حتى لقاء آخر، وقد يحتاج المرء جرعة أخرى.

التقيت مع الأصدقاء والأحبة، وقد سيطرت على عقلي وأفكاري ومشاعري قضية أحسبها مهمة للغاية، عزمت على طرحها إلا أن أحد الأحبة بادر بالطرح، وكنت أعتقد أنني فريد في أحاسيسي وهمومي، فما أن طرحت على صحبتي، حتى وجدت الجميع يتفقون في الانشغال بها، والتفكير فيها، إنها قضية حب الوطن، وصدق الانتماء إليه.

بدأنا الحديث من زاوية أدبية، كل منا أدلى بدلوه، وذكرنا بأبيات لشاعر هنا وآخر هناك، قيلت في حب الوطن وقصة تربوية، فالقضية ذات جوهر إنساني عام، مهما تعددت الأوطان، فما بالنا بوطن احتضن أشرف الرسالات، وتشرف بخير الخلق.

وهناك وجدتني أردد بيني وبين نفسي بعضا من قصيدة الشاعر صالح العلوي:

يا ليت شعري هل ترى عيني حمى قد جاست الأملاك في وديانه

وأعفر الخــديــن في تـــرب مـشـى فيه النبي وصـالحـــو أعوانه

وانتقلنا من واحة الشعر والخيال إلى واقعنا، بكل ما يحتويه من ماضٍ وحاضر ومستقبل، وطرحنا جميعاً تساؤلاً، كان ينبغي لنا أن نطرحه، ونحن نشاهد جيل الشباب وقد تناسى الكثيرون منهم فضل هذا الوطن عليهم، وعلى آبائهم.

كيف ننمي حب الوطن، والانتماء إليه في نفوس شبابنا؟!

في اعتقادي، أننا ينبغي علينا أن نبدأ من مرحلة الطفولة، عندما يبدأ الحدث الصغير في الإدراك والتمييز، وذلك عن طريق إعداد مناهج التربية الوطنية وتطوير تلك المادة التي تدرس الآن إلى حسية وبصرية وسمعية حتى تسهم في كشف فضائل هذا الوطن على أبنائه، وخصوصية هذه الأرض، وتشريف الله تعالى لها بنزول قرآنه فيها، واختيار خاتم رسله من قبائلها، وإلقاء مهمة نشر هذا الدين الحنيف على عاتقها واستمرارية قيامها بهذا الدور دون كلل أو ملل.

على هذا الجيل الصغير أن يعلم مدى ما فيه من نعم ربانية لا تعد ولا تحصى في عصر لا يخلو فيه مواطن من صنوف المعاناة المادية والمعنوية. وطرح أحد الأصدقاء تكثيف جرعات البرامج الإذاعية والتلفزيونية التي تنمي مشاعر حب الوطن في نفوس الصغار والكبار، وكذلك التركيز على ما ينشر في الصحف والمجلات من مقالات تهب في هذا المجال.

وذهب آخر إلى ضرورة الاهتمام بأدب الأطفال، وتوجيه هذا الأدب بحيث يؤدي دوره في غرس حب الوطن وشرف الانتماء إليه، والتضحية من أجله بكل غالٍ ونفيس.

وعبرنا في مجلس الأصدقاء، والحديث متواصل، إلى قضية ذات علاقة بموضوعنا الذي بدأنا به، وهي: ماذا قدمنا لبلدنا ووطننا؟

تكلمنا كثيراً، لكننا متفقون على أننا مقصرون في حق هذا الوطن، فالعقول السعودية والإدارة الوطنية قادرتان على أن تقدم الكثير والكثير. سنشعر دائماً بالتقصير مهما قدمنا، لأن الوطن يقدم لنا دائماً أكثر مما نعطيه.

إن قضاء ليلة آمنة في ربوعه، وزيارةً خاطفة لطيبة الطيبة والسلام على خير الأنام، وطوافاً وسعياً في بيت الله الحرام، وما يحيط بذلك كله من يسر الانتقال وسهولته، وسعة الرزق وكثرته، وعلاقة حب ورحمة بين حاكم ورعيته، كلها نعم لا نستطيع أن نشكر الله تعالى عليها، ولا أن نوفي الوطن الغالي حقه في توفيرها لنا.

فلننظر إلى ماضينا وما كان عليه السلف، ولننظر إلى واقع العالم: شرقاً وغرباً، ولننظر إلى ما نحن عليه، سندرك وقتها أننا في وطن يحتاج منّا الكثير، وله علينا حقوق عديدة.

طال الحديث عن حب الوطن، كل منا يبث شجونه لأصدقائه، وكلنا يوافق الآخر على أن حب الوطن بحاجة إلى سواعد وإرادة وعمل، وأن أبناء هذا الوطن يملكون هذه المعدات، لكن البعض يحتاج إلى تنمية كيفية توظيفها والأهم الأبناء.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
00:29 | 9-10-2020

تجارب وردية وأخرى خيالية

إذا أردنا مدح شخص ما، قلنا: إنه رجل مجرب، ومحنك، وذو خبرة في الحياة، وهذه الصفات كلها لا تخرج عن مكانة التجربة في حياة هذا الشخص.

والتجارب أنواع: قد تكون معملية مخبرية، وهي أساس الاختراعات والاكتشافات، ومن ثم فهي عمود من أعمدة التقدم والازدهار. وقد تكون التجربة معيشية حياتية، وتراكماتها تصقل المرء وتصوب أفكاره وسلوكه، ومن ثم يختلف شخص عن آخر. وقد تكون التجربة شعورية وجدانية، وهذا نوع من التجارب يهذب المشاعر، ويبعد عنها الخبث، فتصفو النفس وتسمو.

بل وقد تكون التجربة خيالية أو فكرية، ويتمخض عنها كذلك ما تسمو به النفس، وترقى به الحياة.

أما ماهية التجارب فحدث عنها ولا حرج، فهي ليست زاهية أو وردية أو ناجحة أو سارة على الدوام، فقد تكون عكس ذلك تماما، قاتمة مؤلمة فاشلة محزنة.

ولست في هذا المقام من المحدثين عن «التجارب الوردية»، فهذه ربما أقل تأثيرا في حياة المرء، وإنما حديثي عن تلك التي يخرج المرء منها أكثر قوة وصلابة، وأشد عودا وصبرا.

قال تعالى: «أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب».

فكلما زادت تجارب المرء قسوة ازداد قوة ونقاء وطهارة نفس، حتى يصل إلى درجة عالية من الحكمة والمعرفة. يقول شاعر فرنسي: لا شيء يجعلك عظيما غير ألم عظيم.

وأتذكر قول شاعرنا المتنبي: إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوصول.

وتعود ذاكرتي إلى مقولة للكاتب مصطفى أمين، إذ إن العظمة عنده ليست وساما بعد وسام ولا منصبا إثر منصب، ولا ألقابا ولا جوائز أو هبات، لكن العظمة معناها: ألم ومثابرة وصمود وصبر.. ودموع ودماء وتضحيات.

فإذا أردت أن تكون عظيما فلا تنتظر الأوسمة أو المناصب أو الألقاب أو الجوائز، وإنما انتظر الابتلاءات والاختبارات وتسلح بالمثابرة والصمود والصبر، وما يتطلبه ذلك من دموع ودماء وتضحيات.

ويمكن للمرء أن يتسلح بالتجارب – على حد قول أحد الفلاسفة – ومن ثم عليه بمصدرين:

الأول هو الكتب القديمة والحكم الإنسانية التي هي كنز للذكريات، والثاني هو مشاركة الفرد في أحداث الحياة. فهل نسعى معا كي نتزود بالتجارب الضرورية لنا لمواجهة أحداث الحياة؟!

فلنعد إلى كتب الأقدمين: علماء وأدباء وفلاسفة، ولنشارك بإيجابية في معترك الحياة، فالجهل مدمر، والعزلة قاتلة، ومواجهة الحياة بحلوها ومرها، بآمالها وآلامها، وأفراحها وأتراحها ضرورة، فكلما زاد صهر الذهب في النار، ارتفع نقاؤه، وزادت طهارته، وغلت قيمته.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
04:35 | 11-09-2020

وما نيل المطالب بالتمني.. !

قبل حوالى خمسة وعشرين عاماً، وداخل قاعة الدرس، سألت طلابي عن طموحاتهم وآمالهم المستقبلية، سؤالاً تقليدياً يسأله الناس للأطفال في مثل هذا العمر: ماذا تتمنى أن تكون في المستقبل؟

الإجابة التقليدية: هذا يريد أن يكون ضابطاً، وآخر يحلم بأن يكون طبيباً، وثالث يتمنى أن يصبح مهندساً. اختار التلاميذ أرقى المهن التي تجذب الناس بعامة والأطفال بخاصة... إلا أن واحداً من تلاميذ الفصل خرج علينا بغير المألوف وقال: أتمنى أن أكون صياداً برياً، أحمل أدواتي وأسلحتي وأصطاد من حيوانات البر ما أصطاد. ضحك زملاؤه لغرابة حلمه، وربما استخفافاً به، طلبت منهم احترام زميلهم، وتقدير رغبته، فلكل ما يتمناه ويريده.

سنوات طوال مرت على هذه الواقعة، ومنذ فترة قريبة، دخل إلى مكتبي شاب وسيم المنظر، جميل الهيئة، عرفني بنفسه وذكرني بالواقعة، إنه نفس الطفل الذي كان يتمنى أن يصبح صياداً، لكن هيئته لا تدل على الإطلاق على تحقيق لأمنيته ورغبته، سألته عما صار إليه شأنه، فأخبرني أنه ولله الحمد، مهندس ناجح في إحدى الشركات.

يا الله... حلم الصيد البري، يتحول إلى واقع الهندسة.

سألته: كيف أصبحت كذلك؟

أجابني: اجتهدت، وثابرت، وصابرت، وسهرت الليالي، فإذا أنا بي ما أنا عليه.

سألته، ولم أكن أتوقع إجابته عن سائر رفاق فصله، وإذا ما كان على صلة بهم، وعما صاروا إليه، من منهم الضابط، ومن منهم الطبيب، ومن منهم الطيار؟

أجابني: قليل منهم قد حقق أمنيته، وكثير هؤلاء الذين لم يكملوا المشوار، سقط بعضهم في البداية، ولم يحصل على الشهادة الابتدائية، وبعضهم توقف عند المتوسطة وآثر الخلود إلى الراحة، وبعضهم -بالكاد- حظي بالثانوية العامة، والقلة هي التي واصلت، وحققت بعض ما حلمت به وتمنته منذ الطفولة.

إنه الطموح إذن...

إنه الإرادة والإصرار...

إنه الجد والاجتهاد...

إنه مواجهة الواقع...

إنه علو الهمة...

هكذا حققت كل هذه القيم آمال البعض حينما توفرت بصدق وإخلاص، وهي ذاتها التي قادت البعض الآخر إلى التوقف والفشل، حين اختفت من قواميس حياتهم، وحين لم تجد لها تطبيقاً في سلوكياتهم.

يمكن للمرء أن يحلم بما يشاء وكيفما شاء، فالحلم حق من حقوق الإنسان، بل لا يمكن لمخلوق أن يمنع آخر من أن يحلم، وإن اتسعت أحلامه.

ويمكن للمرء أن يتمنى ما شاء، وكيفما شاء، فالتمني -أيضاً- متاح للجميع، ولا يمكن تحديده أو تقنينه. لكن، هل تحقق الأحلام، وتحقق الأماني -وحدها- واقعاً ملموساً يمكن لنا أن نحسه ونشعر به؟!

لا بد أن يرافق الأحلام، ويزامن الأماني، عمل دؤوب وجهد متواصل، ومثابرة وصبر، وإخلاص وتفان، أما إذا افتقدنا هذه القيم الملازمة، فالأحلام سراب، والأماني كذب، ومتى يجني المرء شيئاً نافعاً من السراب والكذب. فلنحلم كما نشاء، ولنتمنى ما نريد، ولكن ثق يا أخي أن هذا كله لن يجعلك تتقدم خطوة واحدة، إذا لم تحصن نفسك، وتدعم حلمك، وتقوِ أمانيك بالعلم والعمل.

دارت كل هذه الخواطر والمعاني وأنا أنظر إلى طفلي «الصياد» وقد أصبح شاباً يافعاً، ورجلاً. الصياد أصبح مهندساً بالعلم والعمل، والمهندس والضابط والطبيب، أصبحوا «في خبر كان» حين تخلوا عن العلم والعمل.

حقاً:

وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
00:16 | 28-08-2020

وزارة الإسكان تحت المجهر..!

لم أكن أتوقع أن تصل وزارة الإسكان إلى هذا الإنجاز الكبير والتنظيم الذي أبهرني، فقد قفزت وزارة الإسكان قفزة كبيرة في تقديم الخدمات السكنية للمواطنين، والذي كان لوزيرها الدور الأكبر في صبره وتحمل جميع الضغوطات التي كانت تصب عليه من البعض، حتى أوصل الوزارة إلى بر الأمان، وأغلق على نفسه من أجل التنظيم والترتيب الذي يكفل سلامة وصحة وديمومة نجاح العمل، والذي دفعني إلى هذا، هو متابعتي المستمرة إلى ما يقدم من هذه الوزارة أو غيرها من الوزارات، حيث حصلت على تقرير وزارة الإسكان الشهري لشهر يوليو الماضي، والذي يبين مجموعة من الإحصاءات حول أعداد الأسر المستفيدة والمشروعات المنفذة وغيرها من البيانات، حيث ذكر التقرير بأنه هناك 37.262 أسرة خلال شهر يوليو، بينهم 10.524 أسرة سكنت منازلها، ليصل إجمالي الأسر التي استفادت من جميع الخيارات والحلول السكنية والتمويلية التي يقدمها البرنامج منذُ مطلع العام 224.512 أسرة، منها 75.654 أسرة سكنت منازلها.

وأشار التقرير إلى أن «سكني» يستهدف خلال العام الجاري 2020 خدمة أكثر من 300 ألف أسرة عبر مختلف الحلول السكنية التي تلبّي تطلّعات الأسر السعودية وتتناسب مع قدراتهم، ضمن الخيارات التي يقدمها البرنامج بينها ما يزيد على 130 ألف أسرة تسكن منازلها، وضخ أكثر من 100 ألف وحدة سكنية جديدة بالشراكة مع المطورين العقاريين، وتوفير 90 ألف أرض سكنية جديدة وذلك وفق إجراءات إلكترونية ميسرة، كما أبرز التقرير مستجدات تحديثات البناء في 58 مشروعاً توفر أكثر من 100 ألف وحدة سكنية متنوعة ما بين شقة وفيلا وتاون هاوس موزعة في أكثر من 16 مدينة حول المملكة، ويُذكر أن وزارة الإسكان من خلال برنامج «سكني» تسعى لتمكين الأسر السعودية من امتلاك مسكنها الأول من خلال تقديم مجموعة من الخيارات التي تلبّي تطلّعاتها وتتناسب مع قدراتهم لتيسير الحصول على المسكن المناسب بشكل أسرع وسعر أقل ضمن خيارات متعددة ودفعة أولى ميسرة.

هذا التقرير وغيره من البرامج الأخرى دفعني لهذه الكتابة، التي سرت الخاطر وأثلجت الصدر، لتدفع عنا الشك بخمول هذه الوزارة وصعودها، ولو كان عكس ذلك لكتبنا، ولكن وجب الحق ذكره. فالدولة حفظها الله تحرص إلى ما من شأنه تقديم أفضل الخدمات للمواطنين.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
23:48 | 20-08-2020

لا تلقي لهم بالاً ...

لو عاش القائلون (الشعر بضاعة العرب) حتى عصرنا هذا، لصاغوا لنا عبارة أخرى، ربما قالوا (الفيديو كليب) هو بضاعة العرب.

الشاعر عباس بن ناصح كان لا يقدم إليه أحد من المشرق إلا سأله عمن نجم؛ أي ظهر من الشعر والشعراء، وذات يوم جاءه تاجر فأعلمه بظهور الشاعر أبي نواس، وأنشده قصيدتين من شعره، فقال عباس: هذا أشعر الجن والإنس، والله لا يحبسني حابس، وشد الرحال إلى بغداد وسأل عن منزل أبي نواس، فأرشدوه إليه، وإذا بقصر على بابه الخدم، دخل عباس ووجد أبا نواس في مجلس يضم أكثر متأدبي بغداد، يدور حديثهم حول الشعر والمعاني، فسلم عباس وجلس حيث انتهى به المجلس، وهو على هيئة السفر، فلما أوشك المجلس على الانتهاء سأله أبو نواس عمن هو، فأجابه عباس: باغي أدب، فرحب به أبو نواس، وسأله عن بلده، فأجابه: من المغرب الأقصى، وانتسب إلى قرطبة.

قال أبو نواس: أتروي من شعر أبي المخشي شيئاً، قال: نعم، فأنشده شعراً في العمى، فأجابه أبو نواس: هذا الذي طلبته الشعراء فأضلته.

ثم طلب أبو نواس منه أن ينشده شعراً لأبي الأجرب، ولبكر الكفافي، فأنشده.

قال أبو نواس: شاعر البلد اليوم عباس بن ناصح، قال عباس: نعم، قال أبونواس: فأنشدني له، فأنشده، فصاح أبو نواس: أنت عباس، فقال: نعم، فقام أبو نواس فاعتنقه وانحرف له عن مجلس، فقال الحاضرون: من أين عرفته أصلحك الله، قال: ما حدث في الشعر من استحسان أو استقباح، فلما أنشدني لنفسه استبنت عليه وجمة، فقلت إنه صاحب الشعر.

لقد أدرك أبو نواس بفطنته الفرق بين شعر عباس وشعر الآخرين من مجرد الإنشاد، وتلك فراسة أدبية تميز بها أبو نواس وأمثاله.

فأين نحن من شعر وشعراء هذا العصر؟!

نعم هناك مجالس أدبية، وصالونات تعقد في بلادنا وغيرها وتضم نخباً من الأدباء والمشاهير، وقد حضرت بعضها فإذا بشعر هابط ينشد فيه، وبمستمعين لا يعون ما يسمعون، بل ربما تناقش الحاضرون وهم بين يدي شاعر أو آخر، في أمور الأسهم والعقارات والشركات.

عالمنا الأدبي العربي بخير، وفيه شعراء مجيدون ومبدعون، لكن أبواب الصالونات، وصفحات الجرائد، والمحافل المعنية، لا تلقي لهم بالاً.

كم أتمنى أن يعود للأدباء بعامة وللشعراء بخاصة، عصورهم الذهبية ومكانتهم، فتفتح لهم الفضائيات، وتستقبل الصحف إبداعاتهم وصورهم.

كاتب سعودي

Dr.rasheed17@gmail.com
23:41 | 13-08-2020