أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author
--°C
تحميل...
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
تصفح عدد اليوم
خالد عباس طاشكندي
«معاليه» سيجري معك حواراً صحفياً.. «في المشمش»
قبل أسابيع قليلة قرر أحد القطاعات الرسمية على حين غرة أن تقدم دعوة غير معتادة لكوكبة من كتاب الصحف والإعلاميين، لحضور لقاء افتراضي مع معالي رئيس هذا القطاع الذي كان في حالة من العزلة النوعية عن وسائل الإعلام، رغم أن هذا القطاع الحيوي يرتبط بشريحة كبيرة من المستفيدين وعدد من القطاعات الرسمية الأخرى التي تقع معه وترتبط به تحت مظلة واحدة، وكانت الدائرة الإعلامية لهذا القطاع قد دأبت على أن تكون وحدها القناة التي تتواصل مع الجمهور بحيث ترتكز منهجيتها على تجنب التفاعل مع الوسائل الإعلامية وسيل من التساؤلات المتواصلة حول نتائج التقارير الدورية والدولية «المتواضعة» عن أداء القطاع والقطاعات ذات العلاقة التي ترتبط به، فبالتالي كانت هذه المنهجية ترتكز على «تعليب» الأخبار والتقارير وصياغتها في إطار إيجابي وفق ما يرغبون في إيصاله عن نتائج التقارير فقط، ولكن القطاع قرر عبر هذا اللقاء أن يفتح قناة تواصل مع الصحف وكتابها وهو تطور بدا جيداً للوهلة الأولى.
كانت الدعوة المفاجئة من قبل الدائرة الإعلامية لهذا القطاع ورئيسه غير واضحة الأبعاد، وخلال اللقاء تحدث معاليه عن الانتقادات السلبية التي تطالهم بأنها نتيجة عدم فهم طبيعة عمل القطاع الذي هو عبارة عن جهة «غير تنفيذية» استقلت منذ عدة سنوات عن القطاع الأم الذي كانت جزءا منه ثم أصبح هذا القطاع الذي يرأسه هو الجهة التي ترسم سياسات ومنهجية تطوير الأداء للقطاع الأم؛ الذي كان جزءاً منه ويعمل فيه سابقا، ومن ثم أصبح في السنوات الأخيرة يقوم بتقييم القطاع الأم عبر سلسلة من الاختبارات الدولية، وهو ما خلق «حزازيات وخلافات» بين القطاعين في ظل نتائج التقييم المتواضعة التي تصدر دورياً كل 4 سنوات.
وبمجرد أن انتهى معاليه من الحديث، بادر أعضاء دائرته الإعلامية بالتعريف بنتائج القطاع السابقة والمتوقعة لتقارير تقييم الأداء، وحين بدأ الإعلاميون بالحديث وطرح التساؤلات التي لطالما كانت السبب في سياسة الفريق الإعلامي المنغلقة في هذا القطاع، «تلكك» صاحب المعالي قائلا: «اعذروني» أنا مضطر ان اعتذر عن استكمال اللقاء لأن لدي اجتماعا آخر سيبدأ بعد قليل، تاركاً المجال لدائرته الإعلامية في التجاوب مع الإعلاميين، رغم أنهم لا يجيبون على شيء، ولمحاولة تدارك الموقف، قال أحدهم: أطرحوا أسئلتكم وسنوصلها لمعاليه للإجابة عليها.
وبعد انتهاء اللقاء، بادرت بالتواصل مع أعضاء الدائرة الإعلامية في ظل المستجدات الإيجابية، وطلبت إجراء حوار صحفي مع معاليه للإجابة على عدد من التساؤلات العالقة حول وضع نتائج القطاع وإزالة اللبس وأي انطباعات سلبية وغير موضوعية عن نتائج التقارير الحولية والاختبارات الدولية لتقييم الأداء، وطرحت عليهم محاور النقاش، فرحبوا وعرضوا على معاليه طلب الصحيفة إجراء الحوار ووافق على الفور، وتم التواصل وتحديد موعد اللقاء، ثم فجأة بدأت الاتصالات تنهال من أعضاء الدائرة الإعلامية، أحدهم يطلب حذف بعض الأسئلة وآخر يطلب إضافة محاور أخرى، واتبعها اتصال آخر من أحد أعضاء الدائرة الإعلامية يشترط أن أرسل له الإجابات المسجلة قبل النشر، فسألته: «ولماذا تريد الإجابات؟!»، قال: «لأن معاليه قد يسترسل وكما تعلم ربما... ثم صمت»، فقلت له: «في زمن رؤية المملكة وتطلعاتها التي ترتكز على المصداقية والشفافية، أصبح كبار المسؤولين والوزراء على تواصل مباشر مع الجمهور ويعقدون مع الإعلاميين مؤتمرات مفتوحة على الهواء، وقد أجرينا مع غالبيتهم لقاءات في الصحيفة، فلماذا تتحفظون؟!»، فقال: «هذه طريقتنا في هذا القطاع»، فقلت له: «لماذا إذن لا تكتب الأسئلة والإجابات لاختصار الأمر؟!» وكدت أن أقول له: «لماذا لا أجري معك الحوار نيابة عن معاليه حتى لا يسترسل و...؟»، ولكن تداركت الأمر وقلت له بأن الهدف والغاية من الحوار هي إثراء الوعي العام بطرح يلتزم بالمصداقية والمعالجة الموضوعية ولا غرض لدينا سوى الالتزام بالمعايير المهنية والأدبية في الطرح، وعدم خلق أي إثارة، فتم التأكيد على موعد اللقاء مجددا.
ولكن قبل موعد اللقاء بساعات قليلة تلقيت اتصالات من قبل عدد من أعضاء الدائرة الإعلامية، تفيد باعتذار معاليه عن إجراء الحوار، فقلت لهم بأن الأسئلة التي تدور حول نتائج التقييم الدولية عن أداء القطاع بحاجة إلى إجابة وتوضيح أسباب الإخفاقات المتتالية؛ سواء كان ذلك عبر حوار أو تصريح خاص أو بيان عام من قبل القطاع، وبالطبع لم تكن هناك نية لإجابة أي تساؤلات، حينها تواصلت مع رئيس مجلس إدارة القطاع؛ حيث سبق أن كنت على تواصل معه حين كان مسؤولاً عن أحد القطاعات، فقلت له لماذا لا تتجاوبون مع الإعلام بصدق وشفافية.. فأجاب عبر رسالة نصية بما معناه: «تنتقدوننا» وتريدون منا أن نجيبكم على تساؤلاتكم وإجراء حوارات معكم؟!
استدركت حينها أن هذا القطاع عندما تودد فجأة للصحف وكتاب الأعمدة كان يخطط لأن تكون آلية التعاون التي يريد رسمها مع الصحافة في إطار «ترقيع السلبيات» والإطراء لمعاليه، وليس لطرح التساؤلات وإجراء الحوارات أو أي معالجات إعلامية موضوعية، وأبسط توصيف للقائمين على هذا القطاع هو «السير عكس قاطرة الرؤية».
كاتب سعودي
Khalid_Tashkndi@
01:30 | 16-12-2020
لبنان.. الدولة «الأناركية» المثالية
لم يكن سقوط «حكومة دياب» في لبنان خبراً مدوياً وقعه على السامعين في الداخل والخارج، فالساقطون هناك كثيرون، والأرجح أن الحكومات الساقطة ومن يليها باتوا يواسون بعضهم عند الاستلام والتسليم بـ«أنتم الساقطون ونحن اللاحقون»، وسيبقى هذا الوضع قائماً طالما لا تزال هذه الدمية التي يطلق عليها «حكومة لبنان» واقعة تحت سيطرة المظلة «الأوليغارشية» المتسلطة على مفاصل الحكم.
هذا هو واقع هذا البلد منذ «الانتداب الفرنسي» الذي تعالت الأصوات الشعبية أخيراً مطالبة بإعادته، وهو ما يدل على أن الذاكرة الجماهيرية مفقودة، ولا تدرك أن الانتداب هو المسؤول الأول عن طائفية لبنان وتناحره من بعد تقسيمته سيئة الذكر «إحصاء 1932» الذي أفضى إلى التوزيع الطائفي للمناصب الرسمية والعليا كسمة سائدة للحكم أو «الديمقراطية اللبنانية»، وهو الذي أصَّل للانقسام والتنافر والتشظي، حيث بدأ الانتداب بتقسيم البلاد إلى طائفتين؛ (مسلمين ومسيحيين)، ثم قسم الطائفتين إلى 7 طوائف فرعية على أسس مذهبية وعرقية (سنة، شيعة، دروز، موارنة، كاثوليك، أرثودوكس، أرمن)، ثم تواصلت بذرة الانقسام في جني ثمارها لاحقاً لتصل حالة التصنيف والتقسيم السياسي في البلاد إلى 18 طائفة دينية يمثلها سياسياً أكثر من 86 حزباً في بلد بالكاد يصل تعداده إلى أقل من 5 ملايين نسمة، رغم أن دولتين مثل الهند والصين تضمان ربع سكان العالم لا يتجاوز عدد الأحزاب السياسية فيهما سوياً 52 حزباً، وهو ما تسبب في خلافات أدت إلى تقطيع اللبنانيين لبعضهم البعض على مدى عقد ونصف خلال مفرمة «الحرب الأهلية اللبنانية».
ثم جاء «اتفاق الطائف» (1989) لينهي الحرب الأهلية مقدماً وصفة ديمقراطية وإنسانية وعقلانية لا يختلف عليها عاقل ولا مجنون، خلاصتها «التعايش المشترك» والاستقلالية السيادية للدولة وتعزيز انتمائها للوطن العربي وإنهاء ما أفسده «الانتداب المشؤوم»، وكان مفاد الاتفاق الحقيقي هو أن «لا فرق بين عربي ولا أعجمي ولا أسود ولا أبيض إلا بالتقوى» وأن «الدين لله والوطن للجميع»، إلا أن قوى الظلام أبت أن تقتلع جذور تلك النبتة الطائفية الشيطانية التي أثمرت الطبقة «الأوليغارشية» التي تحكم في الخفاء منذ ذلك الحين، وخلفت حالة متواصلة من الفوضى والانقسام والفساد، وكانت أنجع الوسائل لإنهاء فرص الحوار والإصلاح تتم بالاغتيال الذي أنهى مسيرة العشرات بينهم زعماء ورؤساء ووزراء.
في خضم هذا الواقع البائس في لبنان، كان الفراغ السياسي وشغور السلطة رحمة للعباد، وهو أمر معتاد وتكرر كثيراً منذ الاستقلال بسبب عدم الوفاق بين «زعماء الطوائف» من ناحية واللاعبين الفاعلين من الخارج إقليمياً ودولياً وتعد فترة الفراغ إلى تشكيل حكومة هي مرحلة شعبية بامتياز، عادة ما تهدأ فيها الأمور إلى حين فورة بركان التشكيل الحكومي الطائفي أو انتخاب رئيس بناء على توصيات خارجية بالتوافق، فطبيعة ما يسمى بـ«الديموقراطية» في لبنان لا علاقة لها بالقاعدة الشعبية، فالتركيبة السياسية تعمل تحت مظلة طائفية وهذه الطائفية تحكمها معيارياً أطراف خارجية، لذلك فإن «الديمقراطية اللبنانية» أشبه بكعكة أو غنيمة تقسم تزامناً مع كل تشكيل جديد، أي نظام «كعكقراطي- غنائمي» إن جاز التوصيف.
لهذا السبب أصبحت قضية فراغ السلطة أو دولة بلا حكومة أمراً مقبولاً لدى المواطن اللبناني، وقد خاض هذه التجربة لعامين متتاليين وكانت الإشكالية الأبرز خلالها في وسائل الإعلام هي «تكدس النفايات» وهي عملياً أفضل من تكدس الأموال في جيوب زعماء الطوائف، وكانت مرحلة تصريف الأعمال ودولة بلا سلطة هي الأهدأ نسبياً مقارنة بالحقب السلطوية، ونستطيع أن نقول إنها النموذج الحقيقي لمفهوم «الأناركية» أو «اللاسلطوية» ولا نقصد بها الفوضوية، بل هي فانتازيا سياسية ظلت حبيسة في إطار التنظير والفلسفة النظرية أو التطبيق الجزئي وفق أطر لم تصل إلى نموذج عملي شامل على هيئة دولة كما حصل في لبنان فعلياً، ويقصد بها أن مفهوم السلطة الحكومية تشريعياً وتنفيذياً غير ضروري بل غير مفيد، على أن تكون الدولة عبارة عن جمعيات خدمية (تصريف أعمال)، عموماً «الأناركية» مفهوم فضفاض ولا توجد له محددات، ولم نشاهده على أرض الواقع إلا في إطار محدود، ولكن لبنان «بلا حكومة» كان النموذج الأناركي الفريد الذي ولد من رحم الواقع السياسي البائس.
سقوط حكومة حسان دياب أو بالأصح «حكومة حزب الله» فرصة ثمينة لفترة نقاهة سياسية، وإن كان من المرجح أن سلطة الظل ستعزز المخاوف من اجتياح إسرائيلي محتمل أو فرض «حزب الله» سيطرته على الدولة أو وقوع انهيار اقتصادي، لا أعتقد أن هناك سيناريو أسوأ من الإبقاء على ديناميكية النظام القائم منذ الاستقلال، الحل في إبقاء الفراغ إلى أن يتم تفعيل منطق اتفاق الطائف، وأن يختار الشعب اللبناني رئيسه وفقاً لدستور «صنع في لبنان».
كاتب سعودي
Khalid_Tashkndi@
00:44 | 12-08-2020
الخلل العقلي عند العرب
كان لمقام العقل عند علماء العرب في القرون الأولى منذ بزوغ شمس الرسالة الإسلامية، مكانة رفيعة خلقت حراكاً نهضوياً متعدد المسارات وفي شتى المجالات، وفي هذه المسألة تحدث أبو بكر الرازي -صاحب كتاب «الحاوي في الطب» الذي كان المرجع الطبي الرئيسي في أوروبا منذ القرن الميلادي العاشر وظل على تلك المكانة بلا منازع لأربعة قرون- وقال عن فضل العقل عند علماء العرب والمسلمين في الفصل الأول من كتابه (الطب الروحاني): «إنه أعظم نعم الله عندنا وأنفع الأشياء لنا وأجداها علينا»، وأضاف: «وبه وصلنا إلى معرفة الباري عز وجل الذي هو أعظم ما استدركنا وأنفع ما أصبنا، وبالجملة فإنه الشيء الذي لولاه كانت حالتنا حالة البهائم والأطفال والمجانين».
وكان الكثير من علماء العرب في القرون الهجرية الأولى يمجدون العقل، وفي أواخر العهد الأموي وخلال النصف الأول من العهد العباسي لم يجد العلماء والفرق الكلامية حرجاً في التعاطي العميق مع الفلسفة، واهتموا باليونانيات وتنقيحها والاستفادة منها، وكان يطلق على الفارابي لقب «المعلم الثاني» نسبة إلى المعلم الأول أرسطو، وكان من نتاج أخذهم بالعقل والإبحار في العلوم الإطاحة بالكثير من الخرافات وخزعبلات التنجيم وتصحيح الكثير من الآراء الفلسفية والنظريات الخاطئة، وطوروا معارفهم بترجيح العقل، وفي علوم الدين كان الكثير من الفقهاء يقرون بحكم العقل إذا تعارض دليل النقل من النص مع العقل، مستندين إلى النصوص القرآنية التي تحث على استخدام العقل والتفكير والتدبر، حيث تكررت الإشارة إلى مكانة وأهمية «العقل» في كتاب الله نحو سبعين مرة، بالإضافة إلى الكم الكبير من الآيات الكريمة التي تحث على التفكر والتدبر والتأمل.
وعن منزلة العقل ومكانته، قال عباس العقاد في كتابه (فريضة التفكير في كتاب الإسلام): «القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه، ولا تأتي الإشارة إليه عارضة ولا مقتضبة في سياق الآية، بل هي تأتي في كل موضع من مواضعها مؤكدة جازمة باللفظ والدلالة، وتتكرر في كل معرض من معارض الأمر والنهي التي يحث فيها المؤمن على تحكيم عقله، أو يلام فيها المنكر على إهمال عقله وقبول الحجر عليه»، وهذا المرجع مهم جداً لأنه يفصّل الفوارق بين المنطق المعرفي و«الجدل» العقيم عند السفسطائيين والبيزنطيين الذي أحدث أزمات فكرية في الغرب وانتقلت بعد ترجمتها إلى العرب وخلقت لاحقاً جدالات فكرية مع الفرق الكلامية مثل المعتزلة التي تفرعت إلى 17 فريقاً والأشاعرة والفرق الكرامية، بالإضافة إلى الماتريدية والكلابية والظاهرية المرجئة والجبرية وإخوان الصفا وغيرهم الكثير. وقد شرح أبو الفتح الشهرستاني آراء هذه الفرق والخلافات التي وقعت بين العلماء والمجتهدين باستفاضة في كتابه «الملل والنحل»، وأفضت تلك التعددية الفكرية في نهاية المطاف إلى خلافات جدلية عقيمة ولجاجة شتت العقل عن الفهم، ورغم ما قيل في حق الإمام أبو حامد الغزالي وابن تيمية حول مواقفهم السلبية من الجدليات الفلسفية التي جاءت في اليونانيات، إلا أن مناقشاتهم للمنطق كانت فعلياً في إطار التنقيح وليس الهدم والإقصاء والإنكار وبما يصحح عملية «القياس والبرهان» أياً كان مصدرها سواء من طروحات فلاسفة اليونان أو العلماء المسلمين ولم يعملا على هدم القياس والبرهان في أي من علوم الدين والدنيا أو التأصيل للتقليد الأعمى الذي نهى عنه الكثير من الفقهاء، ورغم الفوائد المعرفية الجمة التي جناها علماء العرب والمسلمين من فلسفة المنطق وتجلياتها على شتى العلوم إلا أنهم انزلقوا إلى «الجدل البيزنطي» العقيم، فكانت المدارس الفكرية بمختلف مذاهبها ومشاربها وميولها منذ نشأتها متعلقة بـ«شعرة معاوية» من حيث كيفية التوفيق بين النقل والعقل وبين الدين والفلسفة وبين الدنيا والآخرة وبين ما لله وما لقيصر، وبين المنطق والعقلانية الرامية إلى إثراء المعرفة وبين الانزلاق إلى مستنقع الجدل العقيم، فنشوب الخلافات كانت جاهزة لأسباب مرتبطة بعوامل التباين بين الأجناس التي دخلت الإسلام وامتزاج الثقافات المختلفة وكذلك السياسة أيضاً. ووقعت لاحقاً صراعات وفتن لحقها سقوط بغداد في أواخر العهد العباسي وأفضت التبعات إلى الاكتفاء بالمذاهب السنية الأربعة وتوقف الاجتهاد في الفقه وتجمد عند ذلك القدر، وكانت تلك الصراعات الفكرية التي نشبت في أواخر العهد العباسي ذريعة يجب سدها وفتنة يجب وأدها كلما أطلت برأسها تحت مظلة التجديد والإصلاح والتطوير وإحياء المعارف وعلوم الدين.
لقد أدت تلك الثيولوجيا الإسلامية وصراعاتها في أزمان سابقة إلى تكبيل العقل، فلجأ اللاحقون إلى التقليد والتمسك بالموروث كطوق نجاة من تجربة قتال الأفكار، وظل العقل العربي والوعي الجمعي سائراً نحو الخلف وصاحب ذلك انتشار للجهل والخرافات والعديد من مظاهر التراجع كسمة سائدة في العصور اللاحقة، فالانفتاح على النقد والتحليل كان وما زال كابوساً للعقل العربي، ولذلك هناك صراع ممتد وصدام دائم بين العلماء الذين يجنحون إلى العقل ويخرجون بآراء جديدة ومبتكرة وبين المقلدين أصحاب العقول الجامدة، ونشأ على إثره وتطور نهج التكفير من حقبة إلى أخرى كأنجع وسائل الإقصاء ووأد لما اعتبر بأنه «فتنة»، وأصبحت ديناميكية التكفير سمة للشرق وديناميكية التفكير للغرب، العرب يدورون في دائرة الاجترار المفرغة، والغرب يسبحون في فضاء الابتكار الفسيح، الغرب منتجون ونحن مستهلكون.
لا جديد في كل ما ذكرته بالتأكيد، الجديد في الأمر هو المزيد من التبعات السلبية والمؤسفة، مسلمون ينقادون خلف خليفة مزعوم في آسيا الصغرى يهللون ويكبرون له، رغم أنه حين عدل دستور بلاده وحول النظام من برلماني إلى أوتوقراطي لينفرد بسلطة مطلقة لم يضع بنداً دستورياً يقول: «دين الدولة الإسلام»، وحين ألقى اليمين الدستورية بعد أن فاز بفترة رئاسية جديدة أقسم بـ«شرفه» بدلا من «الله»، ولم يقسم على «حماية الإسلام» بل على «حماية العلمانية»، ومازالوا يهللون ويكبرون له، وهذا نموذج صارخ على ما وصل له العقل العربي.
01:06 | 23-07-2020
لماذا تقرعون طبول الحرب ؟!
في عام 1932، طلبت عصبة الأمم المتحدة والمعهد الدولي للتعاون الفكري في العاصمة الفرنسية باريس من عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين إجراء مناظرة حول أي قضية سياسية يختارها، وأن يرشح أيضاً أي شخصية يراها مناسبة لهذا النقاش، فاختار آينشتاين مناقشة مسألة «الحرب»، أسبابها وكيفية تجنب تهديداتها، وباعتباره فيزيائياً وليس سياسياً، حملت محاور النقاش الأساسية بعداً إنسانياً عفوياً يتجنبه جل الساسة والمختصين في الشأن السياسي والعسكري حين يتعاطون مع قضايا الحروب، وكان المتوقع أن يقع اختيار عالم الفيزياء الشهير على شخصية سياسية أو عسكرية تشاركه المناظرة، إلا أنه فاجأ الجميع باختياره عالم النفس سيغموند فرويد، فماذا ستكون محصلة مناظرة سياسية بين عالم فيزياء وعالم نفس؟!
لقد اختار آينشتاين قضية «الحرب» لأنه كان يرى أنه يتحتم على البشرية مواجهتها ودرء أخطارها؛ باعتبارها تشكل خطراً وجودياً في ظل التقدم الكبير والمتواصل في مجال التسلح، متسلحاً حينها بمنطق الروائي الإنجليزي هربرت جورج ويلز «إذا لم نقض على الحرب، فإن الحرب ستقضي علينا»، أما اختياره لفرويد شريكاً في المناظرة، فالسبب كما تبين لاحقاً يعود إلى محتوى كتابه «الحضارة وإحباطاتها» الذي تدور فكرته الأساسية في الكشف عن التلازم بين غريزة العدوان والتدمير وغريزة الحب والرغبة في الحياة لدى البشر، فآينشتاين تأثر بذلك الطرح وكان يرى أن نشوب «الحرب» يرتكز على رغبة غريزية متجذرة في النفس البشرية، متمثلة في غريزة العدوان والتدمير، وهي غريزة كامنة تستثار في أوقات الاضطرابات والتجييش الجماعي.
من جهته، كان سيغموند فرويد متفاجئاً أيضاً من دعوة آينشتاين له، حيث قال: «توقعت أن تختار مشكلة تقع على حدود ما هو قابل للمعرفة في يومنا هذا، مشكلة يكون لكلينا، فيزيائي وعالم نفس، زاوية تناول محددة وأرضية مشتركة يمكن أن نجتمع عليها من مختلف الاتجاهات، ومن ثم فاجأتني بطرح سؤال عما يمكن القيام به من أجل حماية البشرية من لعنة الحرب، وقد كنت خائفاً في البداية من فكرة عدم أهليتي (وكدت أكتب عدم أهليتنا) للتعامل مع ما بدا أنه مشكلة من اختصاص رجال الدولة»، ولكنه أوضح سبب قبوله للدعوة بأنه أدرك أن آينشتاين لم يطرح سؤاله بصفته فيزيائياً أو سياسياً وإنما بصفته كإنسان محب للخير.
وفي تفسير فرويد لمسألة الحروب، رأى أن مصدرها الأصلي يعود إلى الغريزة العدوانية المتأصلة في النفس البشرية، وهذه الغريزة بحسب لتعريف فرويد «ترتكز على نوازع متجذرة في الإنسان ولا يمكن اقتلاعها وقمعها بشكل تام»، ولذلك فإن كل ما علينا فعله وفقاً لفرويد، هو السعي إلى تصريف هذه الغريزة في قنوات أخرى غير الحروب والدمار، أو بحسب توصيفه «أن نحاول الإبقاء عليها في المستوى الذي لا يحتاجون فيه إلى ترجمتها إلى حرب»، معتبراً أن نشوب الحرب ليس سوى ضرب من ضروب التصريف العنيف للنوازع العدوانية المتجذرة في نفوس البشر. وبالتالي فإن نتيجة المناظرة كانت ترمي إلى أن «غريزة النزعة العدوانية» هي العقبة الحقيقية التي تقف أمام بقاء البشرية وتقدمها، وسيتقرر مصيرها بمدى القدرة على التغلب والسيطرة على هذه الغريزة، وهذه هي خلاصة المناظرة التي حملت عنوان «لماذا الحرب؟!»، وترجمتها جهاد الشبيني إلى العربية في كتاب صدر قبل عامين يحمل ذات العنوان الذي اختاره آينشتاين للمناظرة التي لم تلق الانتشار الذي تستحقه، رغم أنها جمعت بين اثنين من أعظم علماء القرن العشرين.
ولا شك لدي أن هذه المناظرة الفريدة هي أهم مناظرة «سياسية» في القرن العشرين بطرحها الخارج عن صندوق المنطق السياسي، والتي لو كان مفكر سياسي بوزن ميكافيللي طرفاً فيها لأكد على منطقه في أن «الحرب سيرورة تدور بين الدول»، وأن احتكار الأسلحة يجب أن يكون أمراً حاسماً لأي دولة وشرطاً لوجودها ودلالة على قدرتها على البقاء، وكذلك لو كان الجنرال صن تزو مؤلف «فن الحرب» حاضراً، فسوف يحارب لفرض قناعاته البربرية بأن شن الحروب قضية حياة أو موت لا غنى عنها، فهي الطريق للبقاء أو الاندثار، وهذا مجملاً نطاق آراء الساسة والعسكريين المحكوم بمنطق مؤطر لمفاهيم الحرب ولا يتخطى نطاق ما يعرف بنظريات «الواقعية الكلاسيكية والجديدة» المهيمنة على مجمل القراءات التحليلية للحروب.
استحضرت هذه المناظرة النادرة مع تداعي أحداث الصراع في ليبيا والمتجه نحو «السورنة» و«الأفغنة» و«الفتنمة»، نزاعات تجر بعضها ولا أحد ينتصر فيها، هكذا ستظل عجلة الحرب في الدوران داخل «الحلقة المفرغة» أو «غريزة النزعة العدوانية» التي حاول آينشتاين وفرويد كسرها.
كاتب سعودي
Khalid_Tashkndi@
00:51 | 25-06-2020
هل مقتل سليماني.. سيناريو لاتفاق قادم؟!
خلال السنوات الثلاث الماضية، نشرت «عكاظ» سلسلة من الأخبار حول وجود خلافات تدور بين قادة الحرس الثوري وفيلق القدس ورئاسة الوزراء والداخلية، كان الجنرال الهالك قاسم سليماني طرفاً ثابتاً فيها، وتشير إلى وجود صراع أجنحة داخل النظام، ودولة عميقة يعد سليماني أحد محاور صناع القرار فيها.
وكان من أبرز ما نقلته «عكاظ» في هذا الشأن، خبر نشر بتاريخ 28 أبريل 2018 عن خلافات حادة بين محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري، وسليماني، تضمنت أنباء عن إقالة الأخير نشرت حينها في وكالة أخبار «آريا» الإيرانية، وجاء في مضمونها أن المرشد الأعلى علي خامنئي ينوي إقالة سليماني ودمج فيلق القدس في الحرس الثوري، لكن الوكالة حذفت الخبر من موقعها على الإنترنت، في حين ذكرت قناة «طهران تايمز» أن المرشد كان ينوي إقالة جعفري وتعيين سليماني خليفة له، إلا أن شيئاً من هذا لم يحدث وهدأت العاصفة عاماً كاملاً إلى أن أعلن خامنئي إقالة جعفري من قيادة الثوري وتعيين نائبه حسين سلامي خلفا له، والغريب في الأمر أن وسائل الإعلام الإيرانية وصفت الإقالة حينها بأنها «خبر مفاجئ»!
وفي 20 يونيو 2018 نشبت «ملاسنة» و«مشاجرة» بين الرئيس الإيراني حسن روحاني وسليماني، على خلفية زيادة ميزانية الحرس الثوري، وقالت صحيفة «جهان صنعت» الإيرانية حينها، إن سليماني حذر روحاني من مغبة عدم تخصيص ميزانية إضافية لفيلقه، وهو سبب المشاجرة التي دفعت بأمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني للتدخل وفض الصدام، وطفت تلك الخلافات على السطح علناً بسبب زيادة الإنفاق العسكري على التدخلات الخارجية، وسط تصاعد الضغوطات الدولية ضد مشروع النفوذ الإيراني التخريبي في المنطقة، الذي تبلغ مصروفاته السنوية أكثر من 6 مليارات دولار.
وفي مارس الماضي استقال وزير الخارجية جواد ظريف بسبب عدم إبلاغه بالزيارة الحساسة التي أجراها بشار الأسد إلى طهران، في حين كشف نائب قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاني، أن الفيلق هو من دعا بشار الأسد، مقراً بوجود خلافات كثيرة في وجهات النظر بين الحكومة وفيلق القدس.
وفي مطلع أكتوبر 2019 انتشرت مزاعم نقلتها وسائل إعلام مقربة من الحرس الثوري عن إحباط محاولة لاغتيال سليماني، وأفاد حينها قائد جهاز استخبارات الحرس الثوري حسين طائب، بأنه تم القبض على ثلاثة أشخاص كانوا يخططون لتفجير نفق تحت حسينية يملكها والد سليماني في كرمان، ثم أعلن مدعي عام كرمان، دادخدا سالاري، بتاريخ 8 أکتوبر، أن المتهمين سيحاكمون بتهمة الحرابة، ولكن لم تكشف أي جهة تفاصيل أخرى عن المدانين ومصيرهم.
وفي 18 نوفمبر الماضي، كشف موقع «انترسبت» الأمريكي في تقرير أثار ضجة هائلة، عن وثائق سرية مسربة للاستخبارات الإيرانية، تفيد بأن تركيا استضافت في 2014 اجتماعاً بين الثوري الإيراني وجماعة الإخوان لبحث التحالف ضد السعودية، وتضمنت الوثائق معلومات مثيرة جداً، تقول إن: «وزارة الداخلية الإيرانية؛ الكيان المتنافس مع الحرس الثوري في جهاز الأمن القومي، قامت بتجنيد عميل سري لحضور الاجتماعات بين مسؤولي فيلق القدس وقيادات الإخوان، ونقل العميل السري كامل تفاصيل ما دار في المقابلات»، في حين كشفت التسريبات وجود صراع أجنحة محتدم داخل النظام الإيراني وتجسس متبادل بين الداخلية والثوري.
التفسير المنطقي لمحصلة هذه الأحداث يصب في اتجاه بات واضحا، وهو أن فيلق القدس تحت قيادة سليماني، كان يشكل جزءا محوريا في الدولة العميقة وأحد الأطراف المؤثرة في دائرة اتخاذ القرارات العليا، ويعد حجر عثرة أمام أي محاولات لتعديل مسار السياسة الإيرانية خارج إطار مشروعها الثوري التخريبي، والأرجح أن سليماني هو أبرز «قطاع الطريق» أمام محاولات التواصل السرية والمعلنة بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني، وذلك في إطار سلسلة من المحاولات الدبلوماسية للوصول إلى أي تسوية تدفع نحو عدول هذا النظام عن مشاريعه الفوضوية. وفي المقابل كان سيناريو الرد على مقتل سليماني يحمل مضامين مكشوفة، اتضحت بعد التسريبات التي أكدت إبلاغ المسؤولين في العراق مسبقاً بالضربة الموجهة إلى قاعدة «عين الأسد»، وبدت على أنها محاولة مفتعلة من الجانب الإيراني لامتصاص الجهات الغاضبة على مقتل سليماني، ورسالة إلى الجانب الأمريكي مفادها «شكرا لكم».
ولذلك.. مقتل سليماني يبدو أنه سيمهد الطريق أمام استقبال ترمب للاتصال الذي طال انتظاره، ويرجح احتمالات حل فيلق القدس قريباً، والشروع في الالتزام بضوابط النووي.. والليالي من الزمان حُبالى مثقلات يلدن كل عجيب.
02:05 | 18-01-2020
حراس الطائفية في مواجهة الشعوب
يثبت التاريخ -على مر العصور- أن الشعوب تثور حين تجوع، فكما يقول نابليون «الجيوش تمشي على بطونها»، فإننا نؤكد أيضاً أن «الشعوب تجري على بطونها»، إذ عُرفت أول ثورة في تاريخ البشرية بـ«ثورة الجياع»، والثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر التي قيل إنها من أهم الثورات في التاريخ، انبثقت من بطون الجوعى الذين نزلوا إلى الشوارع لتمتد مطالبهم المادية إلى الحقوق السياسية، وهذا ما يجري الآن في العراق ولبنان، فلا شك أن تردي الأحوال الاقتصادية بداية من «احتجاجات الماء والكهرباء» في العراق إلى «احتجاجات الواتس اب» في لبنان كانت الدافع الأساس في تأجيج موجات الاحتجاجات الشعبية العارمة التي يشهدها البلدان الشقيقان، إلا أن تفاقمها جاء بقواسم مشتركة جديدة حولت مسار الاحتجاجات التي امتدت لتأتي بمطالب سياسية هامة، أبرزها طرد النفوذ الإيراني وإبعاد الأحزاب الطائفية وإلغاء محاصصتها وإزاحة الطبقات السياسية الرازحة في السلطة منذ عقود ومكافحة الفساد بكافة أشكاله وإجراء انتخابات ديمقراطية حقيقية تستهدف الاختصاصيين (التكنوقراط).
البعض وربما الكثير من المراقبين كانوا يظنون بأن وعي هذه الشعوب كان غائباً وأن هناك هوة متسعة غيبت دور النخب في إثراء الوعي العام والشارع، وهو ما سمح لإيران بالتغلغل عبر بوابة المرجعيات الطائفية لابتلاع هذه الدول، ولكن واقع الشارع اليوم أثبت حقيقة أخرى بعيدة عن تلك الآراء والانطباعات تماماً، فالمعادلة التي أمامنا تشير بوضوح إلى أن الشعوب العربية لديها وعي «كامن» ولكنها تنساق وراء الأحداث أياً كانت اتجاهاتها ويخفت صوتها ومطالبها بالاحتجاج وإحداث الإصلاحات السياسية في أوقات الطفرة والوفرة وبحسب تفاوت نسبتها في حين يرتفع مستوى وعيها ومطالبها وقت الجوع والشقاء وانتشار الفقر والبطالة، ولذلك لم تكن مطالب إحقاق الديمقراطية ومعالجة انعدام العدالة الاجتماعية والسياسية وتنامي النفوذ الإيراني وتفشي الطائفية وصراعات المرجعيات، إشكالية أساسية أو الشغل الشاغل في الشارع العربي، فجميع هذه العوامل البشعة لم تحرك الشعوب لا في العراق ولا في لبنان طيلة السنوات التي تفشت فيها هذه الظواهر، فما كان يشغل بال هذه الشعوب تفاوت ما بين تأمين مدخولات مادية مرتفعة أو سد رمق العيش كحد أدنى، سواء تحقق هذا الهدف في رحاب الديمقراطية أو وفقاً للوضع القائم، أي أن تغيير واقع ما مرتبط بالحالة المعيشية السائدة، فكلما ازداد الفقر والجوع زادت المطالب السياسية وتفاعل الشارع مع طروحات النخب ويظهر مدى إلمامه بالغث والسمين منها.
لقد أصبحت هذه العوامل الاقتصادية المتردية هي الوقود والدافع الذي فعَّل وأحيا وعي الشعوب في العراق ولبنان ضد النفوذ الإيراني وأشعل في دواخلها الاعتزاز بوطنيتها وعروبتها وكرامتها والرغبة الصادقة في التخلص من ذل التبعية للمرجعيات الدينية المسيسة لخدمة أجندات طهران ومواجهة فساد الطبقة السياسية، مساهمة في توحيد رؤية ورسالة الشارع وأهدافه من هذه الاحتجاجات، حيث مزق أبناء الشعب العراقي صور عملاء إيران وأحرقوا علمها، وردد أبناء النجف -مركز الحوزة العلمية الشيعية-، أهزوجة: «يا كاع ترابك كافوري» التي تعد من أشهر الأغاني الوطنية للجيش العراقي إبان حرب الثماني سنوات مع إيران، وفي كربلاء -المدينة المقدسة لدى شيعة العراق-، رفع الشعب العراقي لافتات «إيران سبب مآسينا»، وفي لبنان ومن بيروت إلى معاقل «حزب الله» و«حركة أمل» في النبطية وصور، كان شعار الشعب اللبناني «كلن يعني كلن نصر الله واحد منن»، وهكذا تكون رسالة الشعبين العراقي واللبناني واضحة في مرتكزاتها الساعية لاستعادة أوطانهم التي اختطفها النفوذ الإيراني بالتجييش الطائفي والتبعية ومحصلتها البائسة.
والآن.. وبما أن الوعي الجمعي لدى شعوب العراق ولبنان بمختلف أطيافها، صحا من سباته، ستجد هذه الشعوب أن مطالبها ستصطدم في نهاية المطاف أمام تحولات القوى الناعمة للنفوذ الإيراني، والمتمثلة في المرجعيات الطائفية المؤدلجة التي قوضت مطالبهم وسلبتهم حقوقهم وجعلتهم قطعانا من المريدين على مدى عقود، ومتأهبة للتحول إلى قوى خشنة ولن تتوانى عن الجنوح إلى العنف في سبيل تداول السلطة والإبقاء على نفوذها، إلا أن على الجماهير الغاضبة أن تدرك أنه لن يكون أمامها حلول لمستقبل زاهر ينشدونه إلا بتشييع الطائفية إلى مثواها الأخير أو القبوع في مربع «اللا أمل».
* كاتب سعودي
khalid_tashkndi@
01:29 | 20-12-2019
حان وقت فرض «الضرائب»
قرأت مؤخرا أن وزارة النقل متجهة نحو إسناد بناء وتشغيل مشاريع الطرق السريعة إلى القطاع الخاص، وفرض رسوم على استخدام الطرق التي تربط بين المدن، والتي سينفذها القطاع الخاص، وذلك لتغطية تكاليف بنائها وتشغيلها، وتذكرت أنني قبل قرابة أربع سنوات، أي قبل الأزمات والتحديات الحالية التي نواجهها في ظل انخفاض أسعار النفط، كتبت مقالا بعنوان: (فرض الضرائب.. توجه تنموي حان وقته)، كنت أنظر حينها إلى الأمر بأنه «ضرورة قصوى» لتسريع عجلة المشاريع التنموية وتحسين مستوى الخدمات، ولم يكن القصد من فرض الضرائب زيادة الأعباء المادية على كاهل المواطن، بل العكس تماما من ذلك، حيث إن الأنظمة الضريبية بشتى أصنافها وتطبيقاتها يجب أن تخدم مبادئ أساسية وهي الإنتاجية (أي أن يوفي الإيراد الضريبي ما تحتاجه الدولة في الإنفاق على المشاريع المنشودة)، والعدالة الضريبية على المكلفين بدفعها بنسب متفاوتة وهم ذوو الدخل الثابت المرتفع والقطاع الخاص والوافدون بمختلف درجات دخلهم، بحيث يكون الاستحقاق الضريبي طبقا للمقدرة التكليفية وبما يتفق وقاعدة العدالة الضريبية، على أن تجبى هذه الضرائب بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية التي حددت شروطا لإجازتها.
للأسف، لم يكن هذا الطرح متقبلا من الكثيرين في ذلك الوقت، بل إن بعض الصحف الإلكترونية ورواد التواصل الاجتماعي وجهوا لي انتقادات شديدة بسبب هذه المطالبة دون محاولة التمعن في أهمية الأنظمة الضريبية التي سار عليها العالم الأول بأكمله لدعم تحقيق التنمية والتطور والنماذج التي انبهرنا وطالبنا بها، ولكن دون أن نسأل عن المقابل.
ولم يكن هذا المطلب غريبا أو مفاجئا حتى يستهجنه البعض، ففي مطلع يناير من عام 2002م، أي قبل 14 عاما من يومنا هذا، قال وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف خلال أحد لقاءات مجلس الأعمال السعودي الأمريكي (USSABC): «أيام كان دخل الفرد في السعودية من أكبر الدخول في العالم، في تلك الأيام الطيبة لم نفكر في فرض ضرائب لا على الموظفين ولا على العمال ولا على التجار ورجال الأعمال، والآن نفكر في فرض ضرائب لتعزيز هيكل الميزانية». لكن لم تُطبَّق تلك الرؤية في ذلك الوقت، ربما نتيجة لمخاوف عديدة من احتمالية التهرب الضريبي ورحيل رؤوس الأموال إلى الخارج إلى حيث الملاذات الضريبية الآمنة وسرية الحسابات البنكية في أماكن متعددة من العالم، وبالتالي قد تقع الضريبة على كاهل ذوي العمل الوظيفي وليس على أصحاب الأعمال الحرة، بمعنى أن الذين يجب أن يدفعوا لن يدفعوا كما في عديد من دول العالم الثالث.
ولكن الظروف الحالية باتت مهيأة بشكل كبير في الاستفادة الفعلية من إقرار فرض نظام ضريبي شامل في ظل الحاجة الماسة لهذا المورد المالي الإستراتيجي، خاصة مع انتهاء عصر سرية الحسابات البنكية وانحسار الملاذات الضريبية حول العالم بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية والأمنية التي يمر بها العالم منذ اندلاع أحداث سبتمبر 2001م.
إضافة إلى أن الضريبة، كما في دول العالم المتقدم، هي مورد سيادي أساسي ولها ضرورة قصوى في دعم الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة ومشاريع البنية التحتية، وجزء أساس من المسؤولية المشتركة بين المسؤول والمواطن والمقيم كما هو الحال في جميع دول العالم من حولنا.
ولذلك فالحاجة لنظام ضريبي باتت ملحة للحد من الاستنزاف السلبي الخطير لاقتصادنا الوطني، ومن الأمثلة على ذلك حجم الحوالات المالية التي تصدرها العمالة الوافدة إلى الخارج، والتي تجاوزت 20% من موازنة الدولة، وأيضا النسبة الضخمة للمواطنين الذين لا يملكون مساكن، التي تجاوزت الـ53%، كما توقعت عدد من التقارير الاقتصادية خلال الخمس سنوات الماضية احتمالية زيادة هذه النسبة إلى 80% في حال عدم وجود حلول مبتكرة للحد من هذه المعضلة، هذا بالإضافة إلى ظاهرة «تعثر المشاريع الحكومية»، حيث كشفت هيئة الرقابة والتحقيق مؤخرا عن أن نسبة تعثر مشاريع خطط التنمية بلغت 72%، فيما بلغت المشاريع المنتظمة 5% أما المتوقفة فبلغت 6% والمتأخرة 17%.
كما أن أنظمة الدولة أوضحت مشروعية وآلية فرض الضرائب كما هو مدرج في المادة العشرين من «نظام الحكم»، التي تنص على أنه «لا تفرض الضرائب أو الرسوم إلا عند الحاجة وعلى أساس من العدل.. ولا يجوز فرضها أو تعديلها أو إلغاؤها أو الإعفاء منها إلا بموجب النظام»، ولدينا نظام واضح وصريح لضريبة الدخل الصادر بالمرسوم الملكي رقم: م/1 التاريخ: 15/ 1/ 1425هـ، ولكن نظام ضريبة الدخل الحالي استثنى المواطن ولم يفرض قيودا ضريبية قوية على الحوالات المالية، وعليه احتلت المملكة المرتبة السابعة في العام 2012 من حيث الدول الأقل تعقيدا في قوانين الضرائب على مستوى العالم، وفقا لتقرير «دفع ضرائب» الصادر عن «بي دبليو سي» العالمية، بالتعاون مع البنك الدولي.
لذلك، يجب أن نعي بأن النظام الضريبي على مستوى العالم المتقدم تسخر إيراداته لتوفير احتياجات المواطن في المقام الأول، وهو الذي أسهم في صنع تقدم العلم في الولايات المتحدة وأنظمة المواصلات المتقدمة في بريطانيا والبنى التحتية الخيالية في ماليزيا، وما إلى ذلك.
واليوم، أكرر ما طرحته سابقاً، بأن إقرار النظام الضريبي من المفترض أن يكون أوفر مادياً على المواطن، لأننا سوف ندفع نسباً مقتدراً عليها حسب مستوى الدخل ونعجل في تفعيل حلول أسرع لقضايانا الاقتصادية الأساسية مثل توفير السكن ومكافحة البطالة وتحسين الخدمات العامة وإنجاز المشاريع في أوقات قياسية.
ونعود لمسألة أهمية فرض الرسوم على الطرق السريعة وربطها بفكرة النظام الضريبي.. سنجد أننا لو دفعنا نسبة 1% من دخل الفرد - على سبيل المثال - لتحسين تعبيد الطرقات وصيانتها على مدار العام، أوفر بكثير من أن ندفع قيمة صيانة مركباتنا من آثار حفر الشوارع، وأن ندفع - على سبيل المثال - 5% من الدخل لدعم مشاريع تنموية لتوفير مساكن للمواطنين أفضل من تحمل أعباء الاقتراض من البنوك.. وقِس على ذلك.
21:14 | 29-09-2016
قضايا متفرقة تستحق التأمل
• (ارتفاع رسوم المدارس الأهلية).. على رغم أن وزارة التعليم تقول إنها منعت زيادة رسوم المدارس الأهلية إلا بموافقتها، وإن زيادة الرسوم تخضع للقواعد المنظمة للرسوم المدرسية، إلا أن كل هذه الإجراءات التنظيمية لم تكبح الزيادة السنوية في رسوم المدارس الأهلية بحجة ارتفاع تكلفة التشغيل وتكلفة استقطاب الكفاءات السعودية للتدريس في المدارس العالمية وندرتها.
والسبب الرئيسي والأساسي في هذا الارتفاع «النظامي» والمستمر للرسوم الدراسية، هو أن أنظمة وزارة «العمل» وبرنامجها «نطاقات» الخاص بالتوطين ورفع نسب السعودة في القطاع الخاص واللوائح التنفيذية لم تُعد وتصمم بشكل مرن ومنطقي وعقلاني وذكي حتى تميز الفارق بين قطاع الأغذية والتموين، على سبيل المثال، المتخصص في «ملء البطون» وقطاع التعليم الأهلي المتخصص في «تغذية العقول»!.
• (إيقاف «بخاري» وتغريمه).. بغض النظر عن حجم العقوبة التي صدرت بحق عضو الاتحاد السعودي لكرة القدم الدكتور عبداللطيف بخاري، على خلفية ما غرد به في حسابه الشخصي عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، بأنه يشم وجود ترتيبات دنيئة لتتويج نادي الهلال بلقب دوري جميل للمحترفين، كان لا بد أن تطاله عقوبة قانونية وفقاً للأنظمة، وهذا هو المنطق وما يجب أن يتم.
وعلى رغم تعاطف بعض الجماهير الرياضية معه، ودفاعهم عنه بحجة أن ما ذكره مجرد رأي شخصي من منطلق حرية التعبير، ولكن يجب على هؤلاء إدراك أن هناك فرقا بين أن توجه انتقادات من باب «حرية التعبير» وبين «الاتهام والإساءة»، وعلى كل مغرد في موقع «تويتر» ومواقع التواصل المختلفة أن يستفيد ويستخلص العبر من «درس بخاري» ويعي قيمة الحكمة التي تقول: (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن هنته هانك).
• (#بلاش_بربرة).. وهي قضية أزمة المراسلات الإلكترونية التي وقعت بين «وزير» وأحد المديرين التنفيذيين، إذ رفض الأخير تنفيذ أمر وزاري، معتبراً أنه إجراء غير نظامي، فرد عليه الوزير بـ«بلاش بربرة»، ثم أعلن المدير استقالته وقام بتعميم المراسلات على موظفي الوزارة، ولم تمض سويعات حتى وجد الغسيل منشورا على ساحات التواصل الاجتماعي، التي احتفى روادها بهذا المدير وحظي بتعاطف جماهيري كبير، ووصفوه بالبطل النزيه المخلص والمؤتمن.. إلخ.
ومن وجهة نظري، كان مقال الكاتب هاني الظاهري الأسبوع الماضي في «عكاظ» بعنوان: «شوفوني وأنا أستقيل» هو أبلغ رأي وأهم تعليق طرح حول هذه القضية، على رغم أنه كان من قلائل الكتاب الذين لم ينساقوا خلف الرأي الجماهيري السائد بأن ذلك المسؤول كان على حق، إذ يرى الظاهري أن ما فعله ذلك المدير كان محاولة ساذجة لتسجيل بطولة وهمية، وأن تسريبه المباشر أو غير المباشر للمكاتبات الرسمية كان أمراً «معيباً» وبهدف كسب تعاطف الناس وتحريض الرأي العام على مرجعه سواء كان على حق أو باطل، بل وأن ما فعله قد يعد من ضمن الجرائم الإلكترونية، وكان عليه أن يستخدم القنوات النظامية لتقديم شكوى وليس الأمر فوضى.
ولذلك أتفق مع رأي الكاتب الظاهري لأن الخطأ (إن وجد) لا يعالج بخطأ أفدح، وعلى رغم أن ما طرحه كان على النقيض من غالبية الآراء الجماهيرية في وسائل التواصل، إلا أن كاتب الرأي لا يجب أن ينساق مع أهواء الجماهير، بل يمارس مهمته الأساسية في طرح آراء مستنيرة تهدف إلى ضبط مؤشر الرأي العام نحو الاتجاه الصحيح والكفاح من أجل ذلك.
• (انفصال أنجلينا جولي وبراد بيت).. أثارت قضية طلب النجمة العالمية الفاتنة أنجلينا جولي الطلاق من زوجها النجم براد بيت صدمة كبيرة وجدلاً واسعاً على مستوى العالم، فكلاهما يملكان المال الوفير والشهرة الواسعة ورزقا بالأطفال إناثاً وذكوراً، و«جولي» سيدة حسناء فاتنة وفي غاية الجمال، وزوجها «بيت» رجل شديد الوسامة أنيق المظهر، واختارا بعضهما عن حب وتزوجا عن قناعة تامة، وعاشا بحسب الأنظار المسلطة عليهما حياة هانئة مفعمة بالرومانسية استمرت لقرابة 12 عاماً، وعلى رغم كل هذه النعم لم تنجح علاقتهما الزوجية وقررا الانفصال.
وفي رأيي الشخصي، أنه لم يعد في هذا الزمان معيار قوي وأساسي وثابت لضمان استقرار العلاقات الزوجية على مستوى العالم، الذي يشهد ارتفاعا متزايدا في معدلات الطلاق سنويا، وحتى عندما تجتمع نعم المال والجمال والبنين والحب والثقة والود والاحترام والدين وحسن الخلق تظل فرص نشوب الخلافات الزوجية والطلاق قائمة، ومعدلات الطلاق متصاعدة على مستوى غالبية دول العالم بما فيها الدول العربية والإسلامية، وحتى هنا في المملكة نعاني من تنامي ظاهرة الطلاق، إذ كشفت إحصائيات وزارة العدل العام الماضي وقوع ثماني حالات طلاق في الساعة، أي نحو 188 حالة يومياً، وأن لدينا حالة طلاق أمام كل خمس حالات زواج.
وسبب كل هذا التأزم في العلاقات الإنسانية على الأرجح أنه نتيجة لتغيرات متسارعة طرأت على ملامح الحياة البشرية ونتيجة لتطور التقنية التي خلقت لنا مجتمعات افتراضية تزاحم علاقاتنا الإنسانية الطبيعية في التواصل مع الأهل والأصدقاء وزملاء العمل، ونتيجة لهذا العالم الموازي الذي أنتجته لنا تقنيات التواصل الافتراضي ابتعدنا عن عالمنا الواقعي شيئاً فشيئاً حتى أصبح ارتباط الأسر الممتدة يأخذ في التلاشي، والأسرة النواة بدأت في التفكك، أي أن الفطرة الإنسانية الطبيعية برمتها اختلت.
21:16 | 22-09-2016
قانون «الغاب» الأمريكي!
بعد فشل المساعي الأمريكية لإيجاد أي دليل يثبت علاقة المملكة بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وعلى طريقة رعاة البقر، اتجهت الحكومة الأمريكية نحو تشريع قانون عجيب يخول لذوي ضحايا أحداث سبتمبر مقاضاة الحكومة السعودية تحت مسمى «قانون جاستا» (Justice Against Sponsors of Terrorism Act-JASTA)، أو حسب الترجمة النصية «قانون تطبيق العدالة ضد رعاة الإرهاب»، وهو بكل تأكيد تشريع غير دستوري ويضرب بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة عرض الحائط بتجاوزه سيادية الدول وحصانتها من خلال مضامين يغلب عليها المنظور السياسي وينحرف عن كل المفاهيم القانونية العالمية التي نظمت العلاقات الدولية ولا تسمح تحت أي بند في القانون الدولي لقضاء أي دولة في العالم بالنظر في دعاوى مواطنيها ضد دول أجنبية أخرى، ولكن هذه هي الإمبريالية الهوجاء التي ستفتح الباب على مصراعيه لإحداث فوضى عارمة في تنظيم العلاقات القانونية بين دول العالم بالسماح لمواطنيها بمقاضاة دول أجنبية أخرى والحجر على استثماراتها دون مسوغات قانونية لذلك.
وبعد أن عجزت الولايات المتحدة في إثبات المزاعم التحريضية التي تقف خلفها لوبيات صهيونية وإيرانية وبعض الجهات الإعلامية المحسوبة عليها بأن المملكة ضالعة في أحداث سبتمبر، انتهاء بتقرير الـ«28 صفحة» الخاص بالتحقيقات السرية التي تبعت الأحداث، والضغوطات التي مورست للكشف عن تلك الصفحات بحجة أنها تحوي أدلة تدين الحكومة السعودية، وهو ما أثبت مجدداً سلامة موقف المملكة التي اكتوت بنار الإرهاب ودأبت على مناهضته وتجفيف منابعه، ومع ذلك لم تتوقف تلك المساعي لتأخذ منحى آخر لا يعد دستوريا وفقاً للمتعارف عليه في القانون الدولي الذي يكفل عملياً محاكمة المتورّطين في أية أحداث إرهابية، ولكن هذا الأمر يتم وفقاً لإجراءات وتدابير مختلفة لا تقع تحت طائلة القضاء المحلي في بلد ما ووفقاً لرغبات مواطنيه.
وبالرغم أن هذا القانون لم يقر بعد ومن المرجح أنه لن يقر في نهاية المطاف سواء بالفيتو الرئاسي أو عدم الوصول لأغلبية الأصوات (الثلثين) داخل الكونغرس بشقيه، إلا أن مجرد الخوض فيه يعد بمثابة الانتحار الاقتصادي للولايات المتحدة؛ لأن مثل هذه التشريعات «غير الدستورية» ستدفع المستثمرين الأجانب لسحب أموالهم وعدم التورط في أي استثمارات ضخمة داخل الولايات المتحدة، وهو ما يدفع للتساؤل حول الأسباب التي تدفع حكومة الولايات المتحدة للخوض في هذه المغامرة ذات العواقب الخطيرة؟!
في هذا السياق، وبعيداً عن المؤامرات الصهيونية والإيرانية التي تحاك خلف كواليس الكونغرس، كشف أخيرا «رون بول» عضو الحزب الجمهوري في مجلس النواب وأحد المرشحين السابقين لخوض الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2008، عن تفسيرات منطقية لما يجري في الولايات المتحدة وما يدفعها لمثل هذه التوجهات التي حدثت أخيرا ضد المملكة، والتي تهدف في المقام الأول للحجر على مئات المليارات من الدولارات وفقاً لأحكام «عرفية» أو ما أسماه رون بول «القانون المالي للدفاع عن النفس» (Financial Martial Laws)، مشيراً إلى أنه يتوقع أن الحكومة الأمريكية سوف تقرها قريباً لإنقاذ نفسها من بوادر الانهيار الاقتصادي المحتمل الذي تخفيه حتى لو بلغ الأمر بها نحو السطو على الحسابات المالية للأفراد وحقوقهم القانونية والدستورية لحماية الدولار والاقتصاد الأمريكي من أي انهيار بات وشيكاً، مؤكداً أن الحكومة الأمريكية ستفعل ذلك إذا لزم الأمر، وأوضح أن الكثيرين يجهلون أن أمريكا فعلت ذلك في السابق من خلال وضع اليد على أموال مواطنيها، وستفعل ذلك مجدداً وتضع يدها على مدخرات التقاعد المقدرة بـ23 تريليون دولار والحسابات المصرفية للأفراد الخاصة بالمواطنين وسوق الأوراق المالية لحساب «الصالح العام»، وذلك من خلال سن القوانين التي تخول لهم فعل ذلك، وقال إن هذا هو المرجح في ظل وجود بوادر لانهيار مالي، واصفاً الوضع حينها إذا لم تفعل الحكومة ذلك بأنه كارثي؛ لأن العديد من الدول التي ضخت استثماراتها في الاقتصاد الأمريكي واشترت سندات حكومية باعتبارها الأكثر موثوقية وأماناً منذ عقود ستقوم بسحب ملياراتها، وحينها سوف يفلس الكثير من الأثرياء والعديد من الموظفين يفقدون وظائفهم ولن تكون هناك أي مدخرات في حسابات المتقاعدين، وستحدث فوضى اجتماعية تدفع إلى حاجة الحكومة الأمريكية لفرض مثل هذه الأحكام العرفية الديكتاتورية.
واستشهد العضو الجمهوري رون بول بحدوث مثل هذه القوانين الوضعية المخيفة عدة مرات في تاريخ أمريكا وبعدة أوجه، من بينها ما حدث في العام 1933 حين وقع الرئيس فرانكلين روزفلت على مشروع قانون يجبر جميع أفراد الشعب الأمريكي على تسليم جميع الذهب الذي يملكونه قبل دخول اليوم الأول من مايو 1933 إلى الاحتياطي الاتحادي حتى لا تجمد أموالهم مقابل سعر أساسي، وهو ما أفقد الشعب الأمريكي 41% من مدخراته، وأضاف بول عددا من الشواهد حتى في السنوات الأخيرة حول دراسة وصياغة وسن قوانين متعلقة بفرض الضرائب على المواطنين لحماية الاقتصاد الأمريكي والحكومة من الإفلاس الوشيك، مؤكداً أن الحكومة الأمريكية ستفعل أي شيء للتخلص من كارثة دينها العام الذي تجاوز 19 تريليون دولار، ولذلك يتوقع أنها ستقوم بإجراءات وتصرفات صادمة وغير متوقعة خلال الأشهر القليلة القادمة، ناصحاً المشاهدين بالبحث عن أماكن أكثر أمانا لترك أموالهم واستثماراتهم فيها.
أقف عند هذا القدر من الحقائق حول الوضع في الداخل الأمريكي والذي من الواضح أنه انعكس على السياسة الخارجية الأمريكية التي يبدو أنها قررت أن «تتغدى بنا قبل أن تتعشى على شعبها» من خلال تمرير قانونها الجديد لمصادرة استثمارات سعودية بمئات المليارات، وليس أمامنا سوى المضي قدماً نحو بناء توازنات جديدة في علاقاتنا الإستراتيجية الخارجية؛ لأن أمريكا تتراجع على جميع الأصعدة بما فيها الأخلاقية.
20:53 | 15-09-2016
ولاية المرأة.. حقل ألغام الصحوة
أثار رواد التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع القليلة الماضية جدلاً واسعاً على موقع «تويتر» حول قضية «الولاية» التي كان النقاش فيها شبه محسوم لعقود لصالح الرجل، ليوقظه الجيل الافتراضي بهاشتاق «إسقاط ولاية الرجل» و«سعوديات نطالب بإسقاط الولاية»، وهاشتاق مضاد بعنوان «لن تسقطي الولاية وسمعيني صياحك»، وهو ما يدفع الكثيرين لطرح العديد من التساؤلات الشائكة فقهياً حول مناقشة مسألة إسقاط ولاية الرجل على المرأة، أو ما تنص عليه الأنظمة، وقابلية الاجتهاد الفقهي في إعطاء المرأة مزيداً من الحقوق المشروعة في ظل المتغيرات الزمنية وظروف الحياة.
وبروز مثل هذا النوع من السجالات أخيرا لا شك أنه نتيجة لتفاقم العديد من القضايا الاجتماعية ذات العلاقة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كثرت في السنوات الأخيرة حالات عضل الفتيات العاملات عن الزواج بهدف استفادة «أولياء أمورهن» من الراتب، واعتدنا أن نشاهد ونسمع عن حرمان أرملة ستينية من السفر بسبب عدم موافقة ابنها العشريني، أو أن تحرم امرأة نابغة في تخصص ما من الالتحاق بالبعثة في جامعة عالمية لعدم موافقة ولي الأمر، أو أن تحرم سيدة مطلقة لديها عدد كبير من الأطفال من العمل والحصول على وظيفة تسد بها أدنى احتياجاتها بسبب تعنت ولي أمرها، أو أن تساوم امرأة على إرثها مقابل موافقة وليها في شأن ما كالزواج أو السفر أو العمل، وهذا الحد من التسلط والتعسف ما هو إلا انعكاس للآراء المتشددة التي أوجبت ولاية مطلقة للرجل، وجاءت تحديداً في الخطاب الصحوي الإسلاموي الذي بلغ حد الغلو في انشغاله المبالغ كثيراً بقضايا المرأة والتركيز على تغييب دورها كشريك في المجتمع وجزء لا ينفصل عنه.
كما أن قضية «الولاية» أيضاً بها العديد من المتناقضات فيما يخص الأنظمة واللوائح، والتي تعد غير واضحة بل ضبابية إلى حد بعيد، فبالرغم من أن نظام العمل الساري حالياً لم يعد يشترط عند توظيف المرأة موافقة مسبقة من ولي الأمر كما كان في السابق، إلا أن هذا النظام لا يفرض على الشركات ومؤسسات القطاع الخاص عدم اشتراط موافقة ولي الأمر، إذ تضع الكثير من الشركات هذا الشرط عند توظيف النساء تحسباً من إقدام أولياء الأمور على منعهن من الذهاب للعمل وما يترتب على ذلك من أضرار مادية على صاحب المنشأة.
وحول مسألة سفر المرأة إلى الخارج، فإن نظام وثائق السفر في المملكة لم «ينص» بوضوح على شرط موافقة الولي للمرأة بالسفر، إذ إن المادة الثامنة والعشرين تحت الفصل السابع من هذا النظام وهي المادة الخاصة بسفر المواطنات للخارج، فهي تنص على أن «سفر المواطنات للخارج يتم وفقاً للتعليمات المرعية»، ولم تُذكر ما هي هذه التعليمات ضمن مواد النظام نهائياً؛ أي أنه لا يوجد نص نظامي قانوني يشترط حصول المرأة على موافقة ولي أمرها عند السفر إلا من هم دون سن الـ21، حيث تنص المادة التاسعة والعشرون من النظام على أنه «لا يجوز سفر من هم دون سن الحادية والعشرين للخارج إلا بعد حصولهم على تصريح من قبل إحدى إدارات الجوازات يتضمن موافقة ولي الأمر أو بموجب إقرار خطي من ولي الأمر مصدق من أي جهة حكومية».
أما بالنسبة إلى الجوانب الشرعية، فتوجد مؤشرات عديدة تدل على أن باب الاجتهاد الفقهي في مسألة الولاية ممكن، وأن فرض هذه الولاية ليست محل إجماع، وهناك من علمائنا الأفاضل من أجازوا سفر المرأة بلا محرم، وأوضحوا أن سبب عدم جواز سفر المرأة بدون محرم هو الخوف عليها من الاعتداء خصوصاً في السفر قديماً، أما مع الوسائل الحديثة كالطائرات فالمدة في الغالب يسيرة ولا يستطيع أحد الاعتداء عليها، وبالأمس، أكد عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المنيع في تصريحات إلى «عكاظ» بأن المرأة ولية نفسها في كافة أمور حياتها ولا ولاية عليها إلا في النكاح، ولها مثل ما للرجل من حقوق.
بل وحتى في مسألة ولاية المرأة، هناك من يرى بأنه ليس في الإسلام ما يحرم ولاية المرأة، مستندين في ذلك إلى قوله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)، حيث ساوى الله بين الرجال والنساء في إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما من الولايات العامة، ومشاركة النساء في مبايعة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الكبرى، بها دلالة على مشاركة المرأة في صناعة القرارات السياسية المهمة، وبناء على ذلك، ولّى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه الصحابية الشفاء بنت عبدالله العدوية القرشية أمر الحسبة.
والقصد من كل هذا، هو أن الجدل المثار حول قضية «الولاية» هو نتيجة للمتغيرات والأحداث التي طرأت مع الزمن وتغير أنماط الحياة التي باتت تستدعي اجتهادات وفتاوى جديدة تستوعب هذه المرحلة، أو بمعنى أدق، تطبيق فقه الأحداث أو الواقع الذي نعيشه لنتساير مع طبيعة هذه الحياة.
ktashkandi@okaz.com.sa
@truefact76
21:59 | 8-09-2016
اقرأ المزيد