أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/global_files/author-no-image.jpg?v=1

حمود أبوطالب

إسرائيل وإيران.. اشتعال الحريق الكبير

كل المعطيات خلال الأيام الماضية كانت تنبئ بحدث كبير في المنطقة، المفاوضات بين أمريكا وإيران متعثرة، تكرار تصريحات الرئيس ترمب أنه غير مسموح أبداً بامتلاك إيران سلاحاً نووياً وبأي طريقة تحقق ذلك، قرار وكالة الطاقة الذرية بأن إيران تنتهك التزاماتها النووية وتخصّب اليورانيوم بنسبة قريبة من صنع قنبلة نووية، إعلان أمريكا إخلاء موظفي سفاراتها في بعض دول المنطقة، ورغم هذا التأزيم لم يتغير موقف إيران بإصرارها على حقها في تطوير برنامجها النووي، فسنحت الفرصة التي تتمناها إسرائيل لتنفيذ هجوم كبير غير مسبوق على إيران، سبق التخطيط له، ووصفته بالاستباقي، فهل لو كانت إيران أبدت مرونة أكثر في مفاوضاتها مع أمريكا بشأن الملف النووي، وقدمت بعض التنازلات المشروطة لكسب الوقت وتهدئة التوتر المتصاعد، هل كانت ستحول دون الهجوم عليها؟

لا يمكن الجزم بذلك، لأن المفاوضات لم يُغلق بابها بعد، والعالم كان بانتظار ما سوف تسفر عنه الجولة التي كانت مقررة اليوم، لكن إسرائيل لم يكن بوسعها تفويت فرصة كهذه، فأي تقدم إيجابي في المفاوضات سوف يجعل أمريكا تتراجع أو تعيد النظر في موافقتها على مهاجمة إيران، ستكون في حرج حقيقي أمام المجتمع الدولي، ولذلك شنت إسرائيل هجومها الكبير في وقت ملتبس، وعندما وصفته بالاستباقي فإن ذلك لا يعني وجود معلومات مؤكدة بأن إيران ستشن هجوماً وشيكاً عليها، وإنما استباقاً لاحتمال تغير موقف إيران إيجابياً في المفاوضات القادمة.

لقد كرست إسرائيل سرديتها بأن إيران هي الخطر الوجودي عليها، وأن مشروعها النووي يستهدف في الأساس تدميرها وإزالتها من الخارطة، وهذا غير ممكن عملياً حتى لو كانت إيران تردد شعارات صاخبة ضد إسرائيل منذ زمن طويل. إيران ليست متاخمة لإسرائيل حتى تشكل خطراً جغرافياً عليها، وقد قامت منذ العام الماضي بتعطيل وتحييد التنظيمات التابعة لها وفي مقدمتها حزب الله، كما أن إيران لا تملك التفوق العسكري النوعي على إسرائيل في ميزان القوة العسكرية الذي يجعلها خطراً وجودياً عليها، إسرائيل هي التي تملك التفوق بالعتاد الأمريكي المتطور الذي تخصها به أمريكا دون سواها، ولذلك فإن تبرير إسرائيل لهجومها بأنه استباقي لمنع الخطر عليها لا يمكن استساغته. الخطر الحقيقي يتمثل في تسويغ استخدام القوة العسكرية والاعتداء على أي دولة مهما كانت طبيعة الاختلاف معها، لمجرد توقع احتمالات غير مؤكدة بشكل قطعي، وتجاهل وانتهاك القوانين والأعراف الدولية، وهذا ما فعلته إسرائيل.

لقد اشتعل حريق كبير في المنطقة، نتائجه خلال يومين فقط في منتهى الخطورة، واستمراره دون احتواء عاجل سيؤدي إلى مآلات مرعبة، ولكن كيف يمكن احتواؤه مع الانحياز المعلن لبعض الدول المؤثرة في المجتمع الدولي لإسرائيل، وفي مقدمتها الدولة الأقوى والأهم: أمريكا؟ هذا هو السؤال المقلق.
00:06 | 15-06-2025

وقالها ترمب: صنعتم معجزتكم بطريقتكم

من أكبر وأهم المشاكل المستعصية مع الغرب إصراره على فرض قيمه الثقافية والاجتماعية على مجتمعات العالم كنموذج إجباري لا بد من قبوله وتطبيقه، وبسبب هذه الذريعة حدثت كثير من التدخلات التي أدّت إلى أزمات وحروب وفوضى. هذا الخطأ التأريخي الفادح الذي ظل الغرب يمارسه طويلاً عبر مؤسساته الرسمية وغير الرسمية يمثل انتقاصاً لثقافات وتقاليد وأعراف وتأريخ وإرث مجتمعات العالم، ومن خلاله رسّخوا فكرة فاسدة أنه لا يمكن لمجتمع أن يتقدم ودولة أن تتطور إلا بالانسلاخ من جيناتها وتهجين نفسها بجينات غربية.

لذلك كانت مفاجأة كبرى في خطاب الرئيس دونالد ترمب في المنتدى السعودي الأمريكي للاستثمار حينما أشار إلى هذا الجانب بنقد شديد في معرض التعبير عن إعجابه بالنهضة الضخمة التي تشهدها المملكة في كل مجال، موجهاً نقده لمن وصفهم، أو من يصفون أنفسهم بـ«صانعي الأمم» ويقصد بهم المؤسسات الليبرالية الغربية والنخبة السياسية المتطرفة، قال ترمب: «صانعو الأمم دمروا أكثر مما بنوا، لم يخلفوا سوى الفوضى، والشرق الأوسط الحديث ليس من صنع الغرب، بل بإرادة أهله الذين قرروا مصيرهم بأنفسهم، بسيادتهم، ورؤاهم الفريدة، وتمسكهم بهويتهم وحبهم لها». ويضيف مخاطباً سمو ولي العهد: «المعجزة التي حققتموها لم تأتِ بتدخلات غربية، ولا ممن يسمون أنفسهم بناة الأمم، بل من أبناء دولتكم ذات السيادة، لقد صنعتم معجزتكم بطريقتكم الخاصة، الطريقة العربية». ولم يتوقف الرئيس ترمب عند هذا الحد بل قال أيضاً: «لم يأتِ السلام والرخاء والتقدم من رفضكم تراثكم بل من اعتناق تقاليدكم الوطنية، واعتناق التراث الذي تحبونه حباً جماً». وفي النهاية يعلن ترمب عبارة حاسمة: (لا للتدخلات الغربية، ولن نفرض عليكم قيمنا).

نحن هنا أمام تحول غير مسبوق في نظرة الغرب إلى مفاهيم السيادة والوطنية والثقافة والقيم الخاصة ببقية مجتمعات العالم. إنه نمط تفكير مختلف تماماً عن الذي ساد لزمن طويل، وتسبّب في كوارث عانت منها كثير من الدول تحت لافتات كاذبة لا علاقة لها بالشعارات المعلنة. التجربة السعودية التي أبهرت الرئيس ترمب وبقية العالم هي أقوى دليل على استطاعة أي دولة أن تصنع نهضتها بمواصفاتها المحلية الوطنية وليس بوصفة خارجية مفروضة عليها.

نتمنى أن تسري هذه العدوى الجميلة من الرئيس ترمب إلى بقية النخب السياسية الغربية التي ما زالت تعيش وهم الفوقية رغم أن مجتمعاتها تعاني التحلل النفسي والاضطراب الثقافي والتيه الإنساني.
00:12 | 15-05-2025

في المملكة.. الوضوح عنوان المواقف

خلال الأزمات والأحداث المهمة، يتركز اهتمام الإعلام على الدول لمعرفة مواقفها، ورصد طريقة تعاملها، وتحليل خطابها، لمحاولة استخلاص توجهاتها. هناك دول تتيح للإعلام والمراقبين والمحللين فرصة الاجتهاد الذي قد لا يمثل بالضرورة موقفها الحقيقي، وذلك إما بسبب صمتها أو إطلاق تصريحات أو تعليقات ضبابية ملتبسة وحمّالة أوجه، نتيجة حسابات معينة أو اختلافات في وجهات النظر بين مكوناتها السياسية، لا تتيح الاتفاق على موقف محدد واضح.

خلال هذه الأزمة المتصفة بالخطورة الشديدة التي تعيشها المنطقة منذ شهر أكتوبر العام الماضي بسبب حرب غزة، ثم التصعيد الأخير بإشعال الجبهة اللبنانية التي بدأت في جنوبه واتسعت رقعتها لتصل أجزاء كثيرة منه، أصبحت المنطقة على مفترق طرق تتطلب التعامل بما يقتضيه الوضع من وضوح تام ومواقف غير قابلة للتكهنات وأخطاء التفسير.

في المملكة لا يجد المتابع المهتم بما يجري أي صعوبة في معرفة مواقفها الحقيقية لأنها معلنة وكاملة الوضوح، وصادرة من القنوات الرسمية المخولة بذلك. نحن لا نتحدث عن المواقف التأريخية الثابتة تجاه قضية فلسطين منذ نشأتها، ولا عن نهجها السياسي بشأن الأزمات المتناثرة التي استجدت في المنطقة حديثاً، أو فلسفتها في العلاقات مع الدول المبنية على مبادئ ترسيخ السلم والاستقرار وحل النزاعات بالجهود الدبلوماسية، وإنما نتحدث عن التعاطي مع الأزمة الأخيرة التي تنذر بتداعيات غاية في السوء إذا لم تتم الإحاطة بها.

مواقف المملكة منذ بداية الأزمة ومع أي مستجدات فيها نجدها في البيانات الرسمية الصادرة من وزارة الخارجية، وفي الجزء السياسي من بيانات اجتماعات مجلس الوزراء الأسبوعية، وكذلك في كلمات وتصريحات سمو وزير الخارجية في المحافل الدولية والمؤتمرات الصحفية واللقاءات الإعلامية. لا توجد جهات أخرى مخولة بذلك، وبالتالي لا يوجد مجال للمزايدة على مواقف المملكة الرسمية، أو ادعاء مواقف مختلقة منسوبة كذباً إليها.

المملكة تسعى بكل ثقلها وعلاقاتها وإمكاناتها لمنع انفلات الزمام واتساع دائرة الحرب، وتعمل بإخلاص مع كل الأطراف المعنية إقليمياً ودولياً لتطويق الأزمة وإنهائها، أي أنها لا تحمل أجندة خفية أو نوايا مخبأة، وهذه هي سياستها الدائمة التي جعلتها دولة محترمة وموثوقة.
00:05 | 6-10-2024

المملكة.. غرباً وشرقاً

ما يميز السياسة الخارجية السعودية في مرحلتها الجديدة أنها منفتحة على كل الاتجاهات والمسارات التي تحقق مصالحها الوطنية، مع الحرص على حفظ التوازنات ومراعاة المسافات وفهم المساحات التي تتحرك فيها، وتوظيف ممكناتها ومميزاتها بشكل ذكي وعقلاني وعملي، يضيف لها دون التأثير على علاقاتها الاستراتيجية القديمة التي أعادت تعريف أسسها وقواعدها وشروط استمراريتها.

القلق من منافسة الصين الذي تحاول تضخيمه بعض المؤسسات السياسية والإعلامية الغربية لأسبابها الخاصة ومصالحها الذاتية لا يعني أن يكون عدوى إجبارية لبقية دول العالم التي لكل منها معاييرها ومفاهيمها في العلاقات الدولية، ولها مصالحها الخاصة أيضاً. الصين أصبحت حقيقة كبرى في العالم اقتصادياً وسياسياً، وعندما وجدت المملكة أن مصالحها تقتضي توثيق العلاقات معها فعلت ذلك وفق اتفاقيات وبرامج تعاون وشراكات في مجالات متعددة، أثبتت جدواها ومنافعها على الطرفين بشكل كبير، لذلك حظيت زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني للمملكة خلال الأسبوع الماضي باهتمام كبير وتغطية إعلامية واسعة، نظراً لما وصل إليه مستوى العلاقات، وما تحقق خلالها إلى الآن، بعد أن أصبحت المملكة الشريك التجاري الأول للصين في منطقة الشرق الأوسط، وأصبحت الصين الشريك التجاري الأول للمملكة. وقد تم خلال الزيارة عقد اجتماع أعمال الدورة الرابعة للجنة السعودية الصينية المشتركة رفيعة المستوى، برئاسة سمو ولي العهد ورئيس مجلس الدولة الصيني، والذي بُحثت خلاله سبل تعزيز التعاون المشترك بين البلدين في «جميع المجالات بما فيها السياسية، والأمنية، والعسكرية، والطاقة، والتجارة والاستثمار، والمالية، والعلمية، والتقنية، والثقافية، والسياحية».

السياسة الواقعية تقول إن للمملكة مصالح في الشرق مثلما لها مصالح في الغرب، وليس بالضرورة أن تتعارض مع بعضها لأنها مؤطرة ببروتوكولات واتفاقيات واضحة الآليات والأهداف، وما لم تحصل عليه المملكة هنا ستحصل عليه هناك، لأنها أصبحت شريكاً عالمياً موثوقاً يتسم بالجدية والمصداقية، يسعى الجميع إلى التعاون معه.
00:04 | 15-09-2024

جازان.. سياحة من العيار الثقيل

وعلى سبيل البهجة والإعجاب، امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بصور من منطقة جازان بعد الأمطار الغزيرة المتواصلة التي هطلت على ملامحها الجميلة وتفاصيلها العذبة، فزادتها جمالاً وعذوبة، امتلأت المواقع بصور متنوعة لجبالها وسهولها وضفاف أوديتها، مدنها وقراها، وكلها مكسوة باللون الأخضر الذي يشرح النفس، وتنوعت أوصاف المعلقين على تلك المناظر الخلابة لتصل إلى شبه إجماع على أنها درة سياحية فريدة بما تجمعه من تنويعات جغرافية متقاربة ونادرة الاجتماع في أي منطقة أخرى، وهذه حقيقة فعلية معروفة، وليس انجرافاً عاطفياً لشخص ينتمي إليها.

لن أتحدث عن جازان بصفتها سلة غذاء المملكة -وهذا أيضاً ليس وصفاً عاطفياً وإنما مصطلح أطلقته عليها منظمة الفاو منتصف القرن الماضي- ولكن سنتحدث قليلاً بقدر ما تسمح به المساحة عن جازان سياحياً، التي تحتاج إلى المزيد والمزيد كي تكون منطقة جذب سياحية على مدار العام وليس في فصل الشتاء فقط، كما هو التركيز عليها الآن من خلال موسم شتاء جازان الذي يتم بجهود مقدرة لأمانة المنطقة بإشراف الإمارة، ويتطور عاماً بعد آخر بقدر ما تسمح به الإمكانات المتوفرة.

جازان منطقة سياحية من العيار الثقيل إذا ما توفرت فيها صناعة سياحية متخصصة تستثمر كل مقوماتها المتنوعة على مدار العام. السياحة الجبلية ممكنة جداً وستكون ناجحة بالتأكيد إذا ما دخلت فيها شركات متخصصة في هذا المجال، سياحة الجزر والشواطئ الفيروزية ستكون مذهلة طوال العام أيضاً عندما يستثمرها رأسمال عالمي متخصص في هذا النوع من السياحة، وكذلك السياحة الريفية في سهولها وحول وديانها ومزارعها سيكون لها رواج وإقبال كبيران، خصوصاً أن هناك مهرجانات تقام الآن لبعض منتجاتها الزراعية مثل المانجو والفواكه الاستوائية، والفل والنباتات العطرية، وكذلك مهرجان القهوة، وكثير غيرها التي تشهد إقبالاً كبيراً من أهالي المنطقة وجوارها، لكن بالإمكان أن تكون مواسم جذب وطني، وربما على نطاق أوسع عندما تديرها شركات عالمية متخصصة في تنظيم المهرجانات وتحظى بترويج إعلامي احترافي واسع.

ما زلت أتخيل كيف للسائح أن يقضي نهاراً في طقس بارد لذيذ منعش حتى في عز الصيف وهو في جبال فيفاء أو في أعجوبة وادي لجب، ثم يمضي ليله بجوار النجوم ليصحو باكراً نزولاً باتجاه مزارعها الخصيبة ليقضي سحابةً من نهار متجولاً بينها، ثم يمخر عباب البحر مساءً متجولاً بين جزرها الجميلة حيث يستمتع بالعشاء من خيرات البحر على أنغام الموسيقى الشعبية الفلكلورية الحية، ليصحو فجر الغد على سيمفونية النوارس والقماري. إنه حلم ممكن جداً، يفعله أبناؤها بطريقتهم وإمكاناتهم المتوفرة، لكننا نريد أن يعيشه الآخرون من كل مكان بطريقة سياحية حديثة متطورة. أكرر التأكيد أن المنطقة قفزت تنموياً بشكل هائل خلال العقدين الماضيين، لكننا نطمح أن تقفز سياحياً بشكل أكبر وأجمل، ونحن قادرون على ذلك.
00:04 | 27-08-2024

لن يستطيع أحد أن يمنعك

عند الحديث عن الدول، لا شيء يمنع أياً منها من النمو والتطور لتحقيق مستويات حياة جيدة لمواطنيها بتوفر اقتصاد متماسك وأمن شامل وعدالة اجتماعية وصحة وتعليم وأنظمة وقوانين تسيّر حياة المجتمع وتنطبق على الجميع. هذا ممكن تحقيقه حتى دون توفر ثروات الطاقة المهمة كالبترول والغاز. ممكن حدوثه بالتخطيط السليم والفكر الابتكاري لاستثمار الموارد الطبيعية مهما قلت، لكن الأهم الاستثمار في العقول الوطنية، وتحديد أهداف الحاضر والمستقبل وفق رؤية واضحة. فعلت ذلك دول صغيرة حجماً وقليلة الموارد، وأصبحت تحقق معدلات عالية في نمو اقتصادها وحيوية مجتمعها، والأمثلة على ذلك كثيرة، وكلها تلتقي عند قاسم مشترك أعظم هو كيفية إدارة الدولة بحكمة ووطنية وإخلاص ومثابرة وقدرة على تجاوز العقبات، هنا نحن نتحدث عن الدول ذات المشروع التنموي الوطني الحقيقي الذي ينظر إلى تنمية الداخل، ويبني علاقاته مع الخارج بتوازن تحكمه المنافع المشتركة والمصالح المتبادلة والاحترام لسيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، والامتثال للقوانين الدولية والمواثيق التي تنظم علاقات الدول ببعضها.

في المقابل، هناك دول لها حظ كبير من الثروات الضخمة باطن الأرض وفوقها، ولديها مقومات بشرية كبيرة، لكنها متعثرة في بناء الداخل، تعيش في مستويات متدنية من التنمية، وترزح تحت مشاكل متراكمة، وتعيش أزمات متتالية مع نفسها ومحيطها القريب والبعيد أكسبتها سمعة غير جيدة، والسبب الجوهري لذلك هو عدم تفكيرها بمشروع وطني تنموي حقيقي يُسخّر إمكاناتها الكبيرة لصالحه، لأن أنظمة الحكم فيها لم تقم على هذا التوجه، فكرة الدولة الوطنية المزدهرة المستقرة المتصالحة مع العالم غير موجودة، وبدلاً من ذلك اختارت الاصطدام مع فكرة السلم والسلام، والاستقرار والتنمية، لصالح أفكار وشعارات لا تصلح ولا تتصالح مع حتمية التعايش الإنساني مهما طال بها الزمن. مثل هذه الدول تصاب بحساسية مفرطة من النموذج المستقر النامي المتطور المتوازن الذي يعرف جيداً الاشتراطات المنطقية لبقاء الأوطان واستمرار استقرارها ونمائها، هذه الحساسية يتم ترجمتها إلى صيغ كثيرة من الممارسات والأفعال تتدرج من الاستعداء المباشر إلى محاولات تشويه المنجزات التي شبّت عن الطوق وأصبحت لديها مناعة تجاه التشويش، سواء المنجزات السياسية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العلمية أو الاجتماعية.

مثل هذه الدول لم تستوعب معادلة بسيطة ومفهوماً بديهياً يتلخص في أنه لن يستطيع أحد أن يمنعك إذا كنت عازماً وجاداً في البناء الداخلي، ولن يستطيع أحد أن يؤثر عليك طالما جبهتك الداخلية متماسكة وولاؤها لوطن احترمها وانشغل بها تنميةً وتطويراً في كل الجوانب. مشاريع بناء الأوطان تدوم، ومشاريع الشعارات والمزايدات تسقط ولو طالت.
00:05 | 25-08-2024

نجاح الحج.. المجد للنابهين والخزي للنابحين

مثيرة للاشمئزاز وباعثة للتقزُّز محاولات اختلاق قصص وأحداث كاذبة عن موسم الحج، إنه البؤس واليأس والانحطاط الذي يجعل من هذه الكائنات الممسوخة أخلاقياً لا تتورع عن استغلال ركن الإسلام الخامس لرواية أكاذيب متهافتة لا يصدقها أي عاقل، ولا تلبث سوى لحظات قليلة حتى ينكشف زيفها، وأيضاً هو الجهل الفادح الذي يرتعون فيه وجعلهم لا يتذكرون وجود تقنيات حديثة تستطيع كشف التزييف وفضح التمثيل الغبي والإخراج البدائي لقصص فجَّة ممجوجة عن الحج. لقد اجتمعت في هذه الفئات كل المثالب، من جهل وحقد وكذب وتدليس وتضليل، فأصبحوا أضحوكة أمام العالم الذي باستطاعته الآن معرفة أدق المعلومات عن أي حدث وفي أي مكان.

لقد تم إعلان نجاح كل خطط موسم حج هذا العام، الذي شهد مستجدات مثيرة ومهمة في التسهيلات التي تخدم الحجاج. المملكة، التي أصبحت من أفضل دول العالم في استخدام ثورة التقنية والذكاء الاصطناعي، وظفت هذه الإمكانات بكفاءة عالية في الأمن والصحة والنقل والاتصالات واللوجستيات وكافة الخدمات المقدمة للحجاج، بإدارة وتشغيل وإشراف كوادر وطنية؛ رجالاً ونساء، تتمتع بأفضل مستويات التأهيل والخبرة. وهذه هي الأجيال التي تصنعها الدول الحريصة على أن تكون في مراتب مشرفة بين مجتمعات العالم وفي سجلات التأريخ. كل الذين عملوا في الحج حصلوا على أفضل أشكال التعليم، وكثير منهم، إن لم يكن معظمهم، تم ابتعاثهم إلى أفضل جامعات ومعاهد العالم في مختلف التخصصات العلمية والتقنية؛ كي يعودوا لخدمة وطنهم بعقول متوقدة بالعلم، وليس محشوةً بالأيديولوجيات السامة التي حقنت بها بعض الدول شبابها فأهلكتهم وأهلكت أوطانها.

لقد رأى العالم في موسم حج هذا العام كل ما يسر الخاطر ويبهج النفس، وسوف يرى في العام القادم، بمشيئة الله، ما هو أفضل؛ لأن المملكة بدأت من الآن التحضير لموسم الحج القادم.

المجدُّ للعاملين النابهين، والخزيُّ للنابحين الكاذبين.
00:14 | 20-06-2024

دولة الحج

من أراد معرفة النموذج السعودي في علم وفن الإدارة عليه التمعن في كيفية إدارة موسم الحج، ومن أراد اكتشاف التطور الذي وصلته المملكة في كل المجالات عليه المتابعة الفاحصة لتفاصيل الخدمات المقدمة في الحج.

في الحج هناك دولة قائمة عملياً وفعلياً بكل أجهزتها في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة، ليس من خلال موظفيها في هذه الجهات أو رؤساء إداراتها، بل بوجود وزرائها ورؤساء كل أجهزتها ومؤسساتها في قلب الحدث، وبإشراف مباشر من رأس الدولة خادم الحرمين الشريفين وولي العهد.

لا شيء يشغل الدولة في هذا الموسم الديني العالمي سوى تسخير كل طاقاتها وإمكاناتها وخبراتها ليكون موسماً ناجحاً ومريحاً وآمناً لكل الحجاج باختلاف لغاتهم وثقافاتهم، والمسؤولون عن الحج لا يسترخون في مكاتبهم ويصدرون تعليماتهم بل يجوبون كل المواقع ويتابعون بأعينهم كل صغيرة وكبيرة على مدار الساعة، التقصير والتهاون والتراخي مفردات غير موجودة في قاموس إدارة الحج، ولا في أذهان العاملين في الحج من أصغرهم إلى أكبرهم.

وإذا أرادت أي دولة معرفة كيف يكون التنسيق والتكامل والعمل المؤسسي في أبدع أشكاله فما عليها سوى دراسة كيف تعمل الأجهزة الحكومية في الحج كمنظومة مترابطة تعرف بدقة واجباتها ومهماتها. ليس هناك مجال للاجتهادات الفردية والأفكار التجريبية، فقبل قدوم الحجاج تكون قد تمت تجربة حج افتراضي بكل احتمالاته، ووضعت الخطط وتم اختبارها واعتمادها لتكون جاهزة لدى كل جهة.

الخبرات المتراكمة للمملكة في إدارة الحج جعلتها تعرف كيف تديره بمهارة واحترافية، والإيمان بمسؤوليتها تجاه كل مسلمي العالم جعلها لا تبالي بحجم النفقات المالية على الحج مهما كانت الظروف الاقتصادية، وجعلها تحرص على أن يكون كل موسم نجاحاً يتفوق على نجاح الموسم السابق.

تابعوا المشاهد التي تنقلها وسائل الإعلام من مشاعر الحج إلى كل العالم لتعرفوا حقيقة ما يحدث.
00:21 | 16-06-2024

فلسطين والعالم.. لحظة اختبار تأريخية

لا بد أن نعتبر القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية الذي يأمر إسرائيل فوراً بوقف الهجوم العسكري أو أي أعمالٍ أخرى في محافظة رفح، وذلك استناداً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، تحولاً مهماً في التعامل مع دولة الكيان الصهيوني التي تمتعت بالحماية والحصانة منذ نشوئها، وجعلها ذلك تمارس أسوأ أشكال الغطرسة والصلف والتمادي في ممارساتها البشعة بحق الشعب الفلسطيني، والاستمرار في مشروع تصفية قضيته والتهام أرضه، مستهترةً بكل القوانين الدولية، وجاءت حرب غزة وتهجير سكانها، وبدء عمليات جديدة في رفح، لتؤكد أن هذا الكيان المارق لم يعد يعبأ بالعالم ولا يخشى من حساب أو عقاب أو ردع.

محكمة العدل الدولية هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وقد أشار أمينها العام، بحسب المنشور في الموقع الرسمي للمنظمة، إلى أنه بموجب ميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، فإن قراراتها ملزمة، وأكد أنه على ثقة من أن الأطراف سوف تمتثل على النحو الواجب لأمر المحكمة. وأوضح المتحدث باسم الأمم المتحدة، أنه وفقاً للنظام الأساسي للمحكمة، سيحيل الأمين العام الإخطار بالتدابير المؤقتة التي أمرت بها المحكمة إلى مجلس الأمن. وهنا ربما نكون أمام لحظة اختبار تأريخية لبعض الدول التي تلهج بضرورة حماية أمن وسلام الشعوب وحقوقها، وحمايتها من الاستبداد والإبادة، لأنها ستكون أمام مفترق مفصلي، إما أن تنحاز للعدالة في قضية عادلة للشعب الفلسطيني بإرغام إسرائيل على الامتثال لقرار المحكمة، وإما تسقط آخر ورقة توت تحاول التستر بها، وتفقد ما تبقى لها من مصداقية، وهي قليلة على أي حال.

لقد تبنت الدول الغربية وأمريكا في مقدمتها أسطورة الشعب المضطهد الذي تجب حمايته حتى لو كانت دولته عنصرية متطرفة تحتل أرضاً يملكها شعب آخر، وتمارس بحقه التنكيل الممنهج. هذه الذريعة المتهافتة، أي حماية الشعب المضطهد، لم تعد قادرة على التمويه بأن الغرب يحمي كياناً سياسياً صهيونياً تسبب في كل المشكلات التي تشهدها المنطقة العربية، والأزمات الإقليمية المتتالية، كياناً يضع أقنعة المظلومية وهو الظالم الحقيقي الأكبر، ويتجمل بمساحيق الدولة الديموقراطية المتحضرة وهو يتبنى أشد الممارسات البدائية بحق الإنسانية.

لقد بدأت شعوب العالم تعي حقيقة إسرائيل وتعبر عن رأيها، وذلك ما نراه الآن حتى في عقر دار الأب الروحي والراعي الرسمي، أمريكا. كما أن الدول بدأت تستوعب حق الشعب الفلسطيني في الاعتراف بدولته المستقلة، وذلك ما فعلته مؤخراً النرويج وإسبانيا وإيرلندا، وسوف تتبعها دول أخرى نتيجة الجهود الدبلوماسية الكثيفة التي انبثقت عن القمة العربية والإسلامية غير الاعتيادية بقيادة المملكة. لقد تغيرت المعادلة العالمية بشأن إسرائيل، ولن تستطيع الدول الحامية لها الدفاع عنها إلى ما لا نهاية.
00:14 | 26-05-2024