أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1227.jpg&w=220&q=100&f=webp

يوسف بن طراد السعدون

خيار «هوبسون» للسلام في الشرق الأوسط

يُحكى عن توماس هوبسون (1544–1631)، مالك إسطبل خيل في كامبريدج – إنجلترا، أنه كان يفرض على زبائنه استئجار الحصان الأقرب إلى باب الإسطبل، دون السماح لهم باختيار ما يرغبون من خيول. وهكذا لم يكن أمامهم سوى قبول ما عُرض أو الامتناع عن الاستئجار كليّاً. ومن هنا شاع مصطلح «خيار هوبسون» ليعني حرية ظاهرية، لكنها في جوهرها لا تتجاوز عرضاً واحداً: إما القبول أو الرفض.
وعند التأمل في حال القضية الفلسطينية، يتضح أن إسرائيل وأمريكا لا يعرضان سوى خيار هوبسون ذاته. إذ لا يريان أمام الفلسطينيين ومحبّي السلام حول العالم كافة، سوى أمرين: القبول بإسرائيل مستبدّة تقتل وتدمّر وتستولي على الأراضي وتنتهك القوانين والأعراف الدولية من دون محاسبة، أو الموت للفلسطينيين ومن والاهم.
فهذا الكيان الصهيوني لم يتوقف عن ممارسة الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني منذ إعلان دولته وحتى يومنا هذا، من دون رادع أو عقاب.
فلقد سطّر التاريخ صفحات سوداء بمجازره في دير ياسين، الطنطورة، كفر قاسم، خان يونس، تل الزعتر، صبرا وشاتيلا، وجنين. وصولاً إلى حربه على غزة التي خلفت خلال عامين: أكثر من 62 ألف شهيد، ونحو 157 ألف جريح، فضلاً عن أكثر من 10 آلاف مفقود يُعتقد أنهم تحت الأنقاض. وتشير الإحصاءات إلى أن خمسة من كل ستة قتلى فلسطينيين في غزة كانوا من المدنيين. ونزح نحو 90% من سكان غزة قسراً. ودُمرت 90% من المنازل، إضافة إلى هدم جميع جامعات غزة الاثنتي عشرة، وتدمير 80% من مدارسها ومساجدها، وعدد كبير من الكنائس والمتاحف والمكتبات، ولا يوجد هناك أي مستشفى يعمل بكامل طاقته.
وحلفاء إسرائيل من القوى العظمى لا يتردّدون في دعم هذا النهج الجائر، ويسعون إلى تثبيته. فحجم المساعدات التي قدّمتها الحكومة الأمريكية لإسرائيل لدعم عملياتها العسكرية منذ 7 أكتوبر 2023 تجاوزت 33 مليار دولار. ودعمها السياسي واضح جداً في التحيّز السافر لإسرائيل وحماية مصالحها وتبرير احتلالها وعدوانها.
وقد انتفض المجتمع الدولي بكل أطيافه ضد الممارسات الإسرائيلية اللا إنسانية تجاه الفلسطينيين، والذي تجلى أخيراً في:
- مطالبة شعبية وحكومية دولية لوقف الانتهاكات الإسرائيلية ومحاكمة المجرمين المرتكبين لجرائم الإبادة الجماعية للفلسطينيين، وعلى رأسهم نتنياهو.
- انعقاد في 22 سبتمبر 2025 مؤتمر رفيع المستوى بمقر الأمم المتحدة، برعاية سعودية وفرنسية وبمشاركة قادة دول وحكومات، بهدف إرساء تسوية سلمية للقضية الفلسطينية. حيث اعتمد «إعلان نيويورك»، وأكد بيانه الالتزام الدولي الثابت بحل الدولتين الذي يرسم مساراً لا رجعة فيه لبناء مستقبل أفضل للفلسطينيين والإسرائيليين ولشعوب المنطقة كافة. وقد حظيت الجهود التي بذلتها المملكة العربية في هذا الصدد، بتقدير عالمي كبير، وحتى من داخل إسرائيل نفسها. حيث وقّع 9 آلاف إسرائيلي عريضة تدعو للاعتراف بالدولة الفلسطينية باعتبارها السبيل الوحيد للسلام.
ولمواجهة هذه الضغوط الدولية وفي سبيل خلق ضوضاء سياسية وإعلامية بهدف تشتيت انتباه الرأي العام. وتحويل الخطاب السياسي العالمي من إدانة ومطالبة بوقف العدوان والاحتلال، إلى بحث البدائل والخيارات، ونسيان ما ترتكبه إسرائيل من جرائم:
1- أعلن ترمب في 29 سبتمبر 2025، خارطة طريق للسلام في غزة، تتضمن 20 بنداً تفتقد التفاصيل والخرائط والجداول الزمنية المحددة. وتُقر الخطة في البند 19 بإمكانية قيام دولة فلسطينية، واصفةً إياها بأنها «طموح الشعب الفلسطيني». ولكنها لا تنص على أن الولايات المتحدة الأمريكية ستعترف بهذه الدولة. وتدعو أيضاً إلى حكومة انتقالية لإدارة غزة. حيث تصف بالبند 9 مستويين للحكم المؤقت، هيئة دولية شاملة ولجنة فلسطينية تكنوقراطية غير سياسية. وستُسمى الهيئة الدولية «مجلس السلام» برئاسة ترمب مع أعضاء ورؤساء دول آخرين سيتم الإعلان عنهم، بمن فيهم توني بلير (الذي عليه ملاحظات لما قام به أثناء إدارته للحكم في بريطانيا). وهذا الأمر سوف يُعيد العالم إلى عصر الاستعمار، بفرض وجود حكم أجنبي على أرض عربية.
2- وتبع ذلك، «إعلان ترمب للسلام الدائم والازدهار» في 13 أكتوبر 2025، وكان أبرز ما تضمنه، التأكيد على:
- أن السلام الدائم هو الذي يمكّن الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء من تحقيق الازدهار مع حماية حقوقهم الإنسانية الأساسية، وضمان أمنهم، والحفاظ على كرامتهم.
- تفكيك التطرّف والتشدّد بجميع أشكاله.
- السعي إلى التسامح والكرامة والفرص المتساوية لكل شخص، وضمان أن تكون منطقة الشرق الأوسط مكاناً حيث يمكن للجميع متابعة تطلعاتهم في سلام وأمن وازدهار اقتصادي، بغض النظر عن العرق أو المعتقد.
- الترحيب بالتقدّم المحرز في إرساء ترتيبات سلام شامل ودائم في قطاع غزة، وبالعلاقة الودية والمثمرة بين إسرائيل وجيرانها الإقليميين.
ولم يتضمّن الإعلان الاعتراف بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة آمنة، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، التي تمثّل مرتكزات السلام في المنطقة. بل تجاوزها وحرص على المطالبة بتوسعة إطار اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول الجوار ضمن ما يسمى «الاتفاق الإبراهيمي»، ودون التزام واضح من إسرائيل بقبول سلام شامل وعادل ودائم مع دول الجوار وفقاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
وانطلاقاً من مبادئ الحق والإنسانية والعدالة، وتأكيداً على ضرورة سعي المجتمع الدولي نحو أمن شامل قائم على احترام القانون الدولي: على محبي السلام حول العالم كافة، التمسّك بالمطالبة بضرورة تحقيق السلام العادل على أساس حل الدولتين، ويكفل قيام الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
فأرض فلسطين منذ أن سُرقت من أصحابها الشرعيين، وهي تنزف ألماً وتصرخ مستغيثة: أين العدالة وأين الإنسانية؟ فلا يُسمع سوى أنين ضحايا المجازر، ولا يُرى إلا القتلى الفلسطينيون ورماد الحرائق وركام البيوت المهدّمة. نتيجة جرائم كيان صهيوني غاصب أقام وجوده على أنقاض القرى الفلسطينية وجماجم الأطفال الأبرياء.
خاتمة: من أقوال الشاعر دسمان بن مناحي السبيعي:
منامك فوق حزم العز ساعة
ولا ذلٍّ على دمث المضارب
وناس ما تودك صد عنها
عطتك وجيهها والا الغوارب
ليا شفت الشوارب كيف حالك
لا ترجي خير من ذيك الشوارب
وما دام إنك تشوف الفار حولك
اتوقع طيحتك يا سد مأرب
00:30 | 16-10-2025

«اربطوا عوض وخلّوا التيس».. يا عرب

يحكى أن شيخاً مسنّاً كان يتناول العشاء مع أبنائه في فناء داره، فانطلق نحوهم من زريبة مجاورة تيسٌ جامحٌ، فطلب الشيخ من أبنائه أن يسارعوا لربط ذلك التيس. وكان أحد الأبناء واسمه عوض، رعديداً أرعنَ، قام متخبطاً من مقعده إما خائفاً أو لتولي تلك المهمة. فاصطدم بالمصباح الوحيد الذي كان يضيء الفناء وكسره فغدا المكان مظلماً، وعندما تحرك وضع قدمه الأولى في منتصف صحن العشاء، وتبعتها القدم الثانية إلى بطن أبيه فأوجعه. عندها أخذ الشيخ يصرخ بأعلى صوته على بقية أبنائه، قائلاً: «اربطوا عوض وخلوا التيس».

القصة التي ترويها تلك الحكاية تختصر حال أمتنا العربية، وترشد لما يتوجب أن تقوم به لوقف نزيف المعاناة من الأزمات التي تواجهها في كافة نواحي الحياة. حيث إنها تؤكد على أن المصيبة الكبرى مصدرها الأساسي المخاطر والأخطاء الكامنة في الذات والقدرات، ولا بد من تلافيها مقدّماً قبل الإقدام على مواجهة أي بلاء يعترض السبيل.

فإذا ما نظرنا للوضع السياسي والأمني، نجد أن العالم قد عاد إلى عصر تفصل فيه الحروب النزاعات وتُفرض فيه الاتفاقات بالقوة. وكما ورد بمقال «القوة تبطل الحق» المنشور بمجلة (فورين افيرز) 13 يوليو 2025، فإن «تهديدات ترمب بالاستيلاء على أراضٍ كغزة وغرينلاند تعكس تحوّلاً خطيراً نحو إحياء شرعية الغزو وإضعاف حظر استخدام القوة، وهو ما يهدّد بانهيار النظام الدولي الذي رسّخته معاهدة كيلوغ-بريان وميثاق الأمم المتحدة». وقد استغل الصهاينة والغرب وغيرهم من الكارهين للإسلام والعروبة، هذا الظرف، فقادوا حملة لإعادة رسم خرائط منطقة الشرق الأوسط تمهيداً لترسيخ موقع ما يسمونه إسرائيل الكبرى. فأثاروا الفتن الطائفية، ثم شنّوا الحروب في غزة وفلسطين، وسوريا، ولبنان، والعراق، واليمن، وليبيا، والسودان.

وما كان لهؤلاء الأعداء القدرة على تحقيق غاياتهم، لولا الدعم والمساندة التي قدّمها لهم العديد من أمثال «عوض الأحمق»، الذين يتواجدون بيننا كأفراد وقيادات في حماس وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن وليبيا والسودان. وآخرون يتواجدون في كيانات عربية أخرى محددة أضحوا مخالب للأعداء بتدخلاتهم السافرة بالمال والسلاح لإشعال حرائق الأزمات بالعالم العربي، وإعانة الأعداء على إثارة الفتن والبغضاء بين أبناء الأمة العربية. ولا يتوانون عن شن حملات وبرامج إعلامية سمجة ودسائس سياسية وأمنية خبيثة نحو قيم الإسلام والعروبة، ولبعض الدول العربية ذات المواقف المشرّفة تجاه قضايا أمتها، كالمملكة العربية السعودية.

وما يشهده العالم العربي، الممثل من 22 دولة عضو بجامعة الدول العربية، يشابه تماماً ما عاشته الأندلس قبل ألف عام. فملوك الطوائف أنشأوا بالفترة 1020 – 1030 ما يقارب 22 دويلة. وكانت أوضاعهم، كما هو حالنا اليوم، تتصف بعدم الاستقرار والتناحر وحياكة الدسائس والمؤامرات فيما بينهم والاستعانة بالأعداء على بعضهم البعض. لذلك ما كان مستغرباً أن ينتهي بهم المطاف فريسة سهلة لألفونسو السادس، الذي امتهن كرامتهم وقتل الكثير منهم وسيطر على أراضيهم واستباح ثرواتهم.

وقد وصف ابن حزم الأندلسي، في رسائله عن ملوك الطوائف، الحال آنذاك، قائلاً: «والله لو علموا أن في عبادة الصلبان تمشية أمورهم لبادروا إليها، فنحن نراهم يستمدون النصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم، ورجالهم يحملونهم أسرى إلى بلادهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعاً فأخلوها من الإسلام، وعمروها بالنواقيس». وأوضح الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، رحمه الله، بخطابه أمام الحجاج عام 1930م، الحال الراهن بقوله: «الحقيقة المرة التي يجب أن نعترف بها هي أننا نحن المسلمين لا نحب بعضنا بعضاً، بل نكيد لبعضنا حتى عند الأعداء ولا نجد في ذلك غضاضة في أنفسنا. إنك لا تجد رابطة بين المسلمين تشد أزرهم، ولا ألفة تدفع عنهم العاديات، فالملك عدو الملك، والتاجر عدو التاجر، وهلم جرا»، وفقاً لما ورد في كتاب «السعوديون والحل الإسلامي» لمحمد جلال كوشك.

فهل يأخذ العرب العبرة من التاريخ، وهم يرون حالهم يتردى كحال عهد ملوك الطوائف، وصورة الفونسو السادس تعاد ماثلة أمام أعينهم بدولة إسرائيل وشخصية المجرم الصهيوني نتنياهو وأعوانه؟ فإذا ما أرادوا السلامة والاستقرار عليهم ان يستأصلوا أولاً خلايا الضعف والخطر لديهم، فيعملوا متحدين من خلال منظماتهم الإقليمية، كمجلس التعاون لدول الخليج العربية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، على تحديد والتشهير وربط أشباه «عوض» المتواجدين بالجسد العربي والإسلامي وشل حركتهم. بعد ذلك سوف يستطيعون مواجهة «الوحوش الجامحة» التي تهاجمهم، فأمور السيطرة عليها عندئذ لن تكون عسيرة.

وإذا ما رغبوا في إصلاح أوضاعهم المعيشية، عليهم أن يبادروا أيضاً للتخلص من أشباه «عوض الأهوج» القابعين بمراكز التحكم من قيادات إدارية ومستشارين وعاملين في المؤسسات الاقتصادية والمالية والثقافية والاجتماعية والإعلامية. فقد ابتلي العالم العربي والإسلامي بالكثير ممن في غفلة من الزمن، تبوّأوا مناصب عليا ومواقع ريادية مكّنتهم من تخطيط وتنفيذ مسارات مستقبل أوطانهم، وهم يفتقدون المهارة والقدرة على إدراك أبعاد ما يقومون به أو نتائجه على الشعوب والأوطان. فأصبحوا يتخبطون برعونة جوفاء ودون هدى واضح معتقدين أنهم مصلحين مطورين، بينما هم يعيثون فساداً بأوطانهم.

وهذا ما قاد إلى الأزمات والتدهور الاقتصادي والمالي والثقافي والاجتماعي والإعلامي لدى العديد من الدول العربية والإسلامية. وهؤلاء تصدق عليهم الآية الكريمة ﴿الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا﴾ [الكهف: 104].

والحقيقة الواضحة التي يجب أن يدركها كافة العرب، أن المتاهة والتعاسة تتجليان بوضوح عندما تتغيّر القيم والسلوكيات والمفاهيم. عندها سوف ترى الحقائق باطلة، والأكاذيب حقيقة. ومع شديد الأسف هذا هو واقع عالمنا العربي في العصر الراهن.

خاتمة:

من أقوال الشاعر فيصل الرياحي البقمي رحمه الله:

بعض العرب وأحوالهم مستوره

من فوقنا الضرس وتحتنا النابي

عشرين دوله وأكثر أكثر منها

صرنا حطب للنار والحطابي

فيها المنافق يلعن المتمرد

وفيها الحرامي يشمت النصابي

وفيها المداهن ينتخي بالخاين

وفيها الغبي يضحك على المتغابي

وأبوابهم وديارهم مفتوحه

للقرد والخنزير والسنجابي
00:07 | 22-07-2025

«فلسطين أرض عليها شعب.. ليست لشعب بلا أرض»

تهجير شعب وإحلال آخر مكانه، أو أسلوب التطهير العرقي الاستعماري، يمثل المحور الأساسي للفكر الصهيوني وأعوانه الذي يردد شعار «فلسطين أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض».

وقد صيغت الخطة الإستراتيجية «انفصال تام: إستراتيجية جديدة لتأمين الكيان القومي» (A clean break: a new strategy for securing the realm)، عام 1996، انطلاقاً من ذلك الشعار، وكمسار لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى. وتولى إعدادها مركز الفكر الإسرائيلي «معهد الدراسات الإستراتيجية والسياسية المتقدمة (IASPS)»، الذي أسّسه روبرت لوينبيرغ 1984 بواشنطن دي سي. وضمت المجموعة المشاركة بالإعداد كلاً من: ريتشارد بيرل (مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق)، ودوجلاس فيث (وكيل وزير الدفاع الأمريكي للسياسات سابقاً)، ودافيد وورمسر (مستشار نائب الرئيس الأمريكي السابق تشيني) وزوجته ميراف وورمسر، وروبرت لوينبيرغ وآخرين. وجميعهم يهود صهاينة يحملون الجنسيتين الأمريكية والإسرائيلية، وكانوا مؤثرين خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش وروّجوا بقوة لمفهوم «الشرق الأوسط الجديد».

وأشارت الخطة إلى أن الحكومات الإسرائيلية السابقة استجابت لمبدأ الأرض مقابل السلام، وهذا ما وضع إسرائيل في موقف التراجع. لذلك يتوجب عليها تبني نهج جديد يستند لمبدأ السلام مقابل السلام، باستخدام القوة والاعتماد على الذات، واحتواء وزعزعة استقرار الدول التي تشكّل تهديدًا لكيانها. وأكدت على أن الصراع العربي الإسرائيلي لا يحل بسلام شامل مع العالم العربي بأكمله، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، ولكن بإجبار العرب بالقوة على قبول كل ما استولت عليه إسرائيل.

وعمل المجرم نتنياهو منذ 1996 على تنفيذ تلك الخطة، مستغلاً نفوذ إسرائيل وتأثيرها القوي في توجيه دفة الإدارة الأمريكية وفقاً لما يعظم مصالحها. فبمقتضاها، وبدعم أعوان الصهاينة في الخارج وداخل الشرق الأوسط، دُمر العراق وزُعزع الأمن والاستقرار وأُطيح بالأنظمة في سوريا ولبنان واليمن وليبيا والسودان وتونس والصومال، وخُلقت خلايا ساهمت بتناحر الفصائل الفلسطينية، وشُنت حرب إبادة على الفلسطينيين بغزة، واُُعلن ضم الجولان والدولة القومية اليهودية على أرض فلسطين.

وانطلاقاً من المبادئ الأساسية لتلك الخطة الإستراتيجية والأوهام الخيالية لبناء ما يسمى إسرائيل الكبرى من النهر إلى النهر، امتنع الصهاينة المتطرفون في إسرائيل وأمريكا، قبول منهج السلام «من خلال رفض التعايش السلمي، ورفض مبادرات السلام التي تبنتها الدول العربية، وممارسة الظلم بشكل ممنهج تجاه الشعب الفلسطيني، غير آبهين بالحق والعدل والقانون والقيم الراسخة في ميثاق الأمم المتحدة»، كما أفاد البيان السعودي.

وتصريحات نتنياهو وترمب الجنونية مؤخراً عن تهجير الفلسطينيين، تنسجم مع الخطة الصهيونية، ومناورة لإجبار العرب على تحمّل تكاليف إعادة إعمار ما دمرته إسرائيل في غزة. ولكن عليهما أن يدركا -كما أفادت الأستاذة روزان ماكمانوس بمقالها «حدود نظرية الرجل المجنون» المنشور في مجلة (فورين أفيرز) 24 يناير 2025- «أن الدراسات تشير إلى أنه من الصعب للغاية استخدام النظرية بنجاح. وفي الواقع نادراً ما تؤتي سمعة الجنون ثمارها على المستوى الدولي. فالزعماء ورؤساء الدول المعاصرون الذين يحاولون أن يبدو مجانين غالباً ما يفشلون في إقناع خصومهم. أما الذين ينجحون، فيجدون أن هذه السمعة تقنع خصومهم بأنهم غير جديرين بالثقة في الحفاظ على السلام».

وعلى نتنياهو وترمب استيعاب أن العالم يرفض وبشدة مبدأ الغاب «القوي دوماً على حق»، الذي استخدمته القوى الاستعمارية في القرن السادس عشر للسيطرة والهيمنة والتطهير العرقي للشعوب، وأن العلاقات الدولية لا تدار بعقلية المطورين العقاريين. فأرض فلسطين عاش ويعيش عليها المواطنون الفلسطينيون المسلمون والمسيحيون واليهود منذ آلاف السنين، وليست أرضاً بواراً ليجتمع فيها شتات اليهود الأشكناز، أو للاستثمار وبناء أبراج ومنتجعات وكازينوهات وملاعب غولف عليها.

وعلى الإدارة الأمريكية أن تستوعب أنها إذا ما رغبت حقاً بالمحافظة على الريادة الدولية لوطنها أن ترسم سياساتها لخدمة أهداف ومصالح «أمريكا أولاً»، كما روّجت، وليس «إسرائيل أولاً».

وعلى كافة الفصائل الفلسطينية إدراك أبعاد المخططات الصهيونية، وكيدها الماكر لتحقيق غاياتها وأطماعها التوسعية، بتوحيد مواقفهم والابتعاد عن التناحر في ما بينهم، وعدم تمكين الحاقدين للتكسب بالقضية الفلسطينية وتحويرها إلى قضية بيع وتهجير.

وعلى الدول والمنظمات العربية والإسلامية والمجتمع الدولي، حشد الدعم للصمود الفلسطيني، والعمل الدؤوب على ترسيخ مبدأ «فلسطين أرض عليها شعب، ليست لشعب بلا أرض»، قولاً وفعلاً.

والمملكة العربية السعودية برهنت على الدوام صدقية وجدية مساعيها نحو ترسيخ ذلك المبدأ. ويدل عليه مواقفها الثابتة، منذ أكثر من 77 عاماً، دعماً لحقوق الشعب الفلسطيني. ومن يغفل أو يجهل، عليه النظر في ما ورد بخطاب المغفور له الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، 20 فبراير 1948، رداً على خطاب الرئيس الأمريكي هاري ترومان آنذاك، الذي نص على أنه لن يناصر باطل الصهيونيين على حق قومه. ومواقف الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله رحمهم الله. وأخيراً بيان وزارة الخارجية السعودية الصادر في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، حفظهما الله، 9 فبراير 2025، الذي أكد على أن الشعب الفلسطيني صاحب حق في أرضه، وليسوا دخلاء عليها أو مهاجرين إليها يمكن طردهم متى شاء الاحتلال الإسرائيلي الغاشم.

خاتمة: من أقوال الشاعر سعد بن جدلان:

علم اللي كل يومٍ يقابلنا بثوب

ما يخدرنا كلامه مع من خدّره

التجارب عرفتنا الصدوق من الكذوب

والجبل لا سال نبته يجي بمغدّره

الأصايل كل يوم تلافح بالكعوب

والردي لا عيّن اللي يهينه قدّره

المقبّل تنفتح له دواليب القلوب

والمقفّي قلعة الوادرين اتودّره
00:14 | 13-02-2025

الحَقُّ أَبْلَجُ... والبَاطِلُ لَجْلَجٌ ياترامب

تضمن الخطاب السري للحاخام الأكبر إيمانويل رابينوفيتش، الذي ألقاه في 12 يناير 1952 بالمؤتمر الاستثنائي للجنة الطوارئ لحاخامات أوروبا، الذي عُقد في بودابست، قوله: «إن الهدف الذي ما زلنا نعمل من أجله منذ 3000 سنة قد أصبح بالمتناول، ولن تمر أعوام قليلة حتى يسترد شعبنا مكانه الأول بالعالم، ويعود اليهودي سيداً، وكل جوييم (غير اليهودي) عبداً.... منهجنا يتمثل بإثارة الشرق ضد الغرب والغرب ضد الشرق، وسنحارب الأمم التي تقف على الحياد لنجبرها على الانضمام إلى هذا المعسكر أو ذاك، ولن ندع أحداً يقف في وجهنا إذا أراد التخفيف من حدة النزاع... والهدف النهائي هو الحرب العالمية الثالثة التي ستفوق في آثارها ودمارها الحروب السابقة، وستكون هذه الحرب معركتنا الأخيرة في صراعنا التاريخي ضد الجوييم. وسنعمل على بقاء إسرائيل حيادية في هذه الحرب حتى تنجو من آثارها وتصبح مقراً للجان التحكيم والرقابة التي سيعهد إليها الإشراف على قضايا الشعوب الباقية... ولن تكون هناك أديان بعد الحرب العالمية الثالثة، فوجود الأديان ورجل الدين خطر علينا وعلى سيادتنا المقبلة للعالم، فإن القوة الروحية التي تبعثها في نفوس المؤمنين بها تبعث فيهم الجرأة على الوقوف في وجهنا». وقد نشر ذلك الخطاب ضابط المخابرات البريطاني /‏ الكندي وليام غاي كار، في كتابه «أحجار على رقعة الشطرنج» عام 1958.

ويندرج ضمن سياق تلك الاستراتيجية الصهيونية ما تلاه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من ورقة مكتوبة أمامه، الثلاثاء 4 فبراير، عن خطة للاستحواذ على قطاع غزة، وتهجير قسري لسكانها. ما يعني بالتالي أن السياسة الخارجية الرسمية للولايات المتحدة سوف تسعى إلى الاحتلال غير القانوني لأرض ذات سيادة، والتطهير العرقي لسكانها، وهما منهج إسرائيل، ويعدان جرائم ضد الإنسانية. والمتتبع لمسيرة نشوء واستمرار إسرائيل، يدرك وبوضوح أن تلك الخطة بالتأكيد صاغها وأقرها الكيان الصهيوني، وسلمت لحليفهم لقراءتها من على منصة البيت الأبيض.

وقدرات اليهود على إثارة الفتن والحروب راسخة على مدى التاريخ الإنساني. ولذلك ليست هناك غرابة أن دولاً غربية عديدة طردتهم من أراضيها بين القرن 13 إلى 16. فقد طردتهم: إنجلترا 1275، فرنسا 1306، سكسونيا 1348، هنغاريا 1360، بلجيكا 1370، سلوفاكيا 1380، النمسا 1430، هولندا 1444، إسبانيا 1492، ليتوانيا 1495، البرتغال 1498، إيطاليا 1540، وبافاريا 1551. وعانت منهم دول أخرى كروسيا وألمانيا وغيرهما من الدول خلال القرنين الماضيين، وابتُلي بهم العالم العربي حتى الآن باحتلالهم الغاشم للأراضي الفسطينية.

ولا يخفى عن العيان أيضاً مكرهم الخبيث، فهم بارعون في تضليل الوعي العام ودفع الخصوم إلى مواقع دفاعية، من خلال خلق واقع وهمي تصبح معه الأفكار والمشاريع الخيالية خياراً مطروحاً للنقاش. فالخطة التي أطلقها ترامب الثلاثاء الماضي ترمي لإثارة ضجة إعلامية، تهدف إسرائيل من خلالها إلى تشتيت انتباه الرأي العام، وتحويل الخطاب السياسي العالمي من إدانة ومطالبة بوقف العدوان والاحتلال إلى بحث البدائل والخيارات، وأن تلعب بتلك الخطة كورقة تفاوضية لكسب التطبيع مع القوة العربية والإسلامية الكبرى (المملكة العربية السعودية).

ولكن الشرفاء بالدول العربية والإسلامية والعالمية والداخل الأمريكي والمنظمات الدولية أعلنوا استنكارهم وشجبهم لتلك الخطة. وأدركت القيادة والحكومة السعودية الرشيدة بحنكتها مرامي ألاعيب تلك الخطة؛ فأكدت الأربعاء 5 فبراير دعمها الثابت لقيام دولة فلسطينية، حيث تضمن بيان وزارة خارجيتها «أن موقفها من قيام الدولة الفلسطينية راسخ وثابت ولا يتزعزع، وليس محل تفاوض أو مزايدات». وأضافت أنها «لن تتوقف عن عملها الدؤوب في سبيل قيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ولن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك... وأنها تشدد على ما سبق أن أعلنته من رفضها القاطع المساس بحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة سواء من خلال سياسات الاستيطان الإسرائيلي، أو ضم الأراضي الفلسطينية، أو السعي لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه».

فعلى الفلسطينيين الحرص على وحدة موقفهم، لأن القادم سيكون أسوأ.

وعلى الصهاينة وأعوانهم أن يدركوا جيداً أنهم لن يتمكنوا من استدراج القيادة والحكومة السعودية لحبائل فخاخ المناورات الإعلامية والضغوط السياسية الزائفة.

وعلى الرئيس الأمريكي ترامب إدراك كما يقال بأن القرارات السيئة لا يتخذها إلا من ينزعون إلى تجاهل ما تراكم من معرفة وخبرة لدى الناس الذين لديهم اختصاص بتلك القرارات، ومن لا يشجعون المناقشات والحوارات مع المختصين. وإذا ما أراد أن يكون بطلاً للسلام ويحقق الاستقرار والازدهار للشرق الأوسط، عليه أن ينقل أحباءه الإسرائيليين إلى ولاية ألاسكا ومن ثم إلى غرينلاند بعد أن يضمها إليه.

وعلى العالم العربي والإسلامي أن يدرك الحكمة الصينية التي تتجلى بلغتها، حيث تكتب كلمة أزمة في شكل حرفين (wei-ji)، وتعني خطراً وفرصة. فالحرف الأول يدل على الخطر الذي نواجهه جراء الأزمة التي حدثت، والحرف الثاني الفرصة التي من الممكن لنا أن نغتنمها من أجل الاستفادة من الدروس التي تعلمناها خلال مراحل الأزمة، ونقلل من خطر حدوثها مجدداً أو على الأقل نكون مستعدين لها في المرة المقبلة.

خاتمة: من أقوال الشاعر عبدالله الطلحي الهذلي:

حنا على رجمٍ هبوبه عنيفه

ومن حولنا نوٍ له رعود وبروق

واهل الردا كلٍ ينادي حليفه

وابليس في درب الردا ساقهم سوق

الحر ما ياقع على لحم جيفه

يوم ان غيره يرخي الراس ويذوق

طرد السراب نهايته للكسيفه

يا اللي تقولوا كل مطرود ملحوق
00:04 | 7-02-2025

الرديء يطرد الجيد... دوماً

تناولت كتب (إغاثة الأمة بكشف الغمة، شذور العقود في ذكر النقود، والسلوك) للعالم أحمد بن علي المقريزي (1365م-1441م) قضية المصاعب الاقتصادية في مصر آنذاك. حيث أشار فيها إلى العلاقة بين الأسعار والنقود المتداولة وأن استخدام العملات الرديئة المسكوكة من معادن كالنحاس والحديد سوف يطرد العملة الجيدة المسكوكة من معادن نفيسة كالذهب والفضة من التداول في السوق، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى معاناة المجتمع من نقص وربما انعدام في حجم المعروض من العملات الجيدة المتاحة للتداول وارتفاع الأسعار. وأضحى ما طرحه المقريزي قانوناً اقتصادياً، بعد ذلك، عرف باسم «قانون غريشام» انتساباً إلى السير توماس غريشام مستشار ملكة إنجلترا بالقرن السادس عشر، الذي أكد على أن العملات الرديئة تطرد العملات الجيدة من التداول بين الناس.

وإذا ما أخذنا بالاعتبار أن أي شيء رديء لن تكون له قيمة معتبرة، في ظل وجود الجيد بجانبه. فمن البديهي ألا ينتظر من ذلك الرديء، إذا ما مُكن، أن ينتج أو يتيح الفرصة للجيد، بل سوف يطرده ويستقطب حوله كل ما هو رديء، ليستمر في التواجد. وقياساً على ذلك نستطيع بالتالي تطبيق مفهوم هذا القانون على كافة مناحي الحياة المختلفة، المحلية والدولية، السياسية والإدارية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والرياضية وغيرها من الأمور.

وذلك ما حفّز سبيرو أغنيو، نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عندما وصف قطاع الإعلام الأمريكي، ليقول إن الأخبار السيئة فيها تطرد الأخبار الجيدة. وافتراض عالم الاجتماع البريطاني غريغوري باتيسون، بأن للقانون تطبيقات اجتماعية، إذ دائماً تنتشر الآراء السطحية بين الناس على حساب الأفكار العميقة.

ويمكن على هذا المنوال، أن نرى تجليات واضحة لتطبيقات هذا القانون في مجال الإدارة ببعض الدول النامية، إذا ما أمعنا النظر في واقع القوى البشرية والقيادات الإدارية بالمؤسسات العامة أو الخاصة لديها. فهناك حالات نجد فيها أن الوظائف القيادية منحت لكوادر مواطنة ذات توجهات متطرفة تفتقد الانتماء والنزاهة، ولا تمتلك الإدراك والخبرة أو المؤهلات الكافية. وحينها تكون سبباً في طرد الكوادر الجيدة وإحلال أخرى رديئة توازيها وتماشيها بالسوء. وقد قدّم أستاذ الاقتصاد العراقي د. محمد طاقة تطبيقاً واضحاً لتلك الحالات، بمقاله «قانون غريشام العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة من السوق» المنشور عام ٢٠٢١. حيث أورد «عندما غزت أمريكا العراق واحتلته ودمرته، جلبت معها أردأ عملة على وجه الأرض، وسلمتهم زمام إدارة الأمور. وهذه العملة الرديئة، قامت بطرد أغلى ما موجود لدى العراق من عملات، وهم العلماء والأساتذة الجامعيون والأطباء والمهندسون والضباط والمثقفون، وأردوهم بين قتيل وسجين ومشرد ومهجّر». وهذا الوضع ليس قاصراً على العراق، فقد شهدته مناطق ودول عديدة أمثال أفغانستان وإيران واليمن وسوريا ولبنان وغيرها من الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

ونفس القانون ينطبق في حالة إسناد الوظائف القيادية الإشرافية والتنفيذية والاستشارية إلى الكوادر الأجنبية، جرّاء الانسياق لفكرة أن الكوادر الوطنية أقل قدرة وفعالية من الكوادر الأجنبية «عقدة الأجنبي» بسبب الرغبة الجامحة في استنساخ المسيرة التنموية الغربية. فعدم إدراك القيادات والمستشارين الأجانب لموروث وقيم المجتمع وتطلعاته الحقيقية، وسعيها لتعظيم مكاسبها وخدمة بعضها للأجندات الخفية، سيؤدي إلى تعطيل قدرات الكوادر الوطنية الجيدة وطردها نتيجة التهميش والإقصاء وعدم إتاحة الفرصة لها لاكتساب خبرات قيادية معمقة. وهذا يعد تهديداً فاضحاً لبرامج التوطين والتنمية المستدامة بالدول النامية وتدميراً لمستقبلها، ويحرم مؤسساتها من استثمار خبراتها التراكمية المكتسبة والبناء عليها للتطور. كما أن القرارات والمشورات التي تقترحها تلك الكوادر الأجنبية لن تكون بتاتاً على نفس مستوى جودة ما يستطيع أن تقدمه الكوادر الوطنية المدركة لكافة أبعاد هموم وتطلعات المجتمع.

واستناداً لكل ذلك، يتوجب على كافة الدول النامية أن تتنبه وهي تسعى لبناء برامجها التنموية بأن تبلورها لتصبح تطوراً ذاتياً وطنياً وفقاً لمقوماتها. والأهم عليها أن تتعلم السير أولاً، قبل أن تقدم على الركض. ومن الأهمية لها بهذا الأمر أن تتأمل مقولة «لا تحلق بآمالك مع طيور السماء، ولا تزحف بها مع ديدان الأرض» للكاتب الأمريكي جون شتاينبك، الحائز على جائزة نوبل بالآداب في روايته «عناقيد الغضب» عن الكساد العظيم.

خاتمة: من أقوال الشاعر عبدالله المسعودي الهذلي:

يا قاضياً حكمته من تحت كوعه

من لا يعرف الصقور ايتشواها

كم اكلت النار من صقر شيهاني

والريم ترعى ورى الضلع من غادي

يا خيال وابروق وارعود مسموعه

لكنّ ما يشرب الطير من ماها

ما فالسنة حب خوخٍ ورمّاني

والحال ما يسمن إلا من الزادي

مجنون ليلى سقى الضلع بدموعه

عشرين ليلة وليلة ما يلقاها

البطن جيعان والطرف سهراني

والراس مرشوش بالورد والكادي
00:02 | 1-11-2024

«من أبصر فلنفسه.. ومن عمى فعليها»

نشر الضلال والجهل، بواسطة إدارة الوعي الجماعي أو صناعة الرأي العام، أصبح سلاحاً فتاكاً في عصرنا الراهن يُستغَل لتعظيم المصالح وتحقيق السيطرة. حيث يستخدم لتغيير الحقائق واللعب على العقول، بنشر معلومات مضللة وقيم تؤثر على فكر ومعتقدات الشعوب، ليتسنى تحطيم قناعاتها وثوابتها ثم الهيمنة عليها. وهذا المفهوم شاع إبان فترة الرئيس الأمريكي رونالد ريغان، كوصف لعمليات إدارته الدعائية. ونظراً لأهمية إدارة الوعي الجماعي كسلاح مؤثر، تبنّت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) 2004 ذلك النشاط، واستحدثت 2022 إدارة خاصة به بمسمى (IPMO) Influence and Perception Management Office).

وهذا ما يفسر الانحرافات الفكرية والثقافية والاجتماعية المتسارعة، التي أصبحت تهوي بمعاولها على الأركان الرئيسة لكيانات المجتمعات في مختلف دول العالم، ومنها أمريكا نفسها. والمتتبعون يدركون أن هناك أيادي خفية في العالم (مسيطرة على الإعلام والمال والاقتصاد والسياسة) تقود التوجيه الدولي لعمليات نشر الانحلال وهدم القيم والأعراف والموروثات، سعياً للسيطرة والهيمنة.

وتزايدت حدة تلك الانحرافات تدميراً في عصرنا الراهن، مما يخشى معه أن: «يتقهقر العنصر البشري إلى العصر الحجري وبربرية العصور الوسطى، بل إلى مرحلة تخطاها الحلزون في نهاية العصور الجليدية. ولن يفنى العالم بسبب قنبلة نووية كما تقول الصحف، بل بسبب الابتذال والإفراط في التفاهة التي ستحول الواقع إلى نكتة سخيفة. فقيمة المظهر أصبحت توازي قيمة الجوهر والانحلال أضحى يغري البشر، هذا هو الواقع المرير في حقبة الدجل التي نعيشها... والغبي من لا يستعمل عقله للحظة، بل يذعن لغرائزه، مقتنعاً بأنه يتفاعل باسم الخير وبأنه دوماً على صواب»، كما قال الكاتب الإسباني كارلوس زافون في رواية «ظل الريح».

كما ساهمت العولمة ووسائل التقنية والاتصال الحديثة، والافتنان الأعمى بالحضارة الغربية والثقة المطلقة بمستشاريها وخبرائها، بتيسير تنفيذ مخططات صناعة الرأي العام بالدول النامية. وهذا ما يثير القلق بخصوص مستقبل أجيالها القادمة. مما يستدعي من هذه الدول التنبه إلى أن تقزيمها، الذي ينشده الأعداء، يمكن أن يتم من خلال: 1. زرع الفتن، بخلق مغالطات للقيم والأعراف. وانتشارها يعتمد على مدى استعداد المجتمع كعموم لتقبل الأفكار أو الأمور الجديدة كمسلّمات منطقية تتماشى مع متطلبات الحياة، حتى لو كانت مجرد أوهام مخالفة للتراث والمبادئ. وذلك ما يطلق عليه أرضية الجهل الجماعي. وإذا ما عاش الناس أسرى لقيود ذلك الجهل، فبالتأكيد سوف يرتبط مصيرهم عندئذ بما يقرره الآخرون لهم. وتجارب التاريخ تثبت لنا أن الأشخاص والدول الذين لا تقودهم قيمهم، سوف يخسرون مصالحهم وسيادتهم.

2. وإذا ما شاعت الأوهام بين الناس بشكل واسع وتقبل العموم لها واقتنعوا بمزاياها، سوف تتلاشى بعدها الرغبة بانتقادها وتبيان عيوبها، لتلافي الظهور ضمن الفئة القليلة غير الواعية المتهمة بمحدودية القدرة على الإدراك كالآخرين. وهذا بالتأكيد سوف يؤدي إلى تدني مستويات الوعي والقدرة لدى ذوي الشأن، كالوالدين والمسؤولين والمفكرين، ولا يصبحون فاعلين بالحد من انتشار الأوهام والجهل.

3. بعدها سوف يدفع الجهل والعزة بالإثم، التمادي في السير بدروب الضلال خلف الأهام، ويمهّد السبل للفساد والخديعة والاحتيال. فأتباع الجهل دوماً متحمسون له، اعتقاداً منهم بأن العقلاء أغبياء وهم المصلحون المدركون للحقائق. لذلك يقال إن الفرق بين الحكيم والجاهل، أن الأول يناقش في الرأي، والثاني يجادل في الحقائق.

تلك المراحل ضمنها الكاتب الدنماركي هانس أندرسن، في ثنايا قصته الخرافية «بدلة القيصر الجديدة» المنشورة 1837، حيث أورد: كان هناك قيصر يعشق الجديد من الملابس، أتى إلى مدينته غريبان ادعيا قدرتهما على حياكة بدلة فريدة من نوعها تتميّز بأنها ذات خيوط خفية لا يراها الحمقى عديمي الكفاءة. فأعجب القيصر بقدرتهما، التي شاعت على ألسن الناس، وتعاقد معهما، وزودهما بكميات الذهب والحرير المطلوبة لخياطة وتطريز البدلة الجديدة. وأخذا أياماً يتظاهران بأنهما يقومان بعملية النسيج، بتحريك أنوالهما فارغة بالهواء. وحين يأتي أعوان القيصر لمتابعة مسار إنجاز البدلة يرون الأنوال فارغة بينما يتظاهر المحتالان بالعمل، فيأبوا الإفصاح عن حقيقة ما يرونه، خشية أن يتهمهم الناس كحمقى غير صالحين للعمل. وبعد فترة أعلن الخياطان عن انتهائهما من المهمة، فحضر القيصر ونزع ملابسه ليرتدي بدلته الجديدة. وتظاهرا بإلباس القيصر البدلة تمثيلاً بالهواء. وعندما نظر القيصر في المرآة رأى نفسه عارياً، ولكنه سار إلى مجلسه مختالاً، لكي لا يظن أحداً أنه أحمق. وكان أعوانه ينظرون إليه عارياً أمامهم، ويشيدون بجمال البدلة الجديدة، ولم يجرؤ أحد منهم على قول الحقيقة خوفاً من أن يبدو أهبل عديم الكفاءة. عندئذ استلم المحتالان أجرهما وحملا الذهب والحرير وغادرا المدينة.

والقيصر في هذه الحكاية لقب وصفي لا يختص به منصب محدد، بل إنه ينطبق على جميع فئات المجتمع: كالآباء والأمهات في أسرهم، الأساتذة والموجهون في مدارسهم، الموظفون والقيادات الإدارية في مؤسساتهم، والمفكرون والوجهاء والإعلاميون فيما يقولون ويكتبون. وبدلة القيصر هي القيم والمبادئ والأخلاق والسلوكيات والفكر. والعبرة المستخلصة هنا، تتمثل في: أولاً: لا تصدق كل ما يقال، قبل أن تدقق مكنونه. ولا تولي ثقتك المطلقة لأي كان، وخصوصاً الغرباء، قبل أن تختبر حسن نواياهم.

ثانياً: ليس كل جديد جميل يتوجب ارتداؤه، فالبعض منها قد يؤدي إلى التعرية وضياع الذات. فكما أن التشبث بالقديم البالي غير حميد، فإن التجديد الأعمى أكثر سوءاً.

حفظ الله وطننا الغالي، من مكائد صناعة الرأي العام الدولية الخبيثة، وأدام عز ولاة الأمر الأوفياء وأعانهم على تحقيق ما ينشدونه من بناء ورخاء للمجتمع.

خاتمة: من أقوال الشاعر عبدالله المسعودي الهذلي: من قطع من يمينه ما شبع بالشمال لو يمرق على اللي له ثنعشر عصيب ومن يبا يشرب الماء من سراب الرمال قاحله ماحله ما به عجب يا عجيب الغشيم ما يدري أن النخل له سلال يحسب انه جريد أخضر وتمر رطيب ما نبا الكيله اللي ناقصه في الكيال جوع بطني عن السوق الردي ما يعيب.
01:22 | 12-09-2024

الغرق بمستنقع الديون.. عِبَر القرن الـ19

باعت إسبانيا مستعمرة فلوريدا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1819، مقابل (5) ملايين دولار، بموجب معاهدة (ادمز – اونيس). واضطرت الإمبراطورية الإسبانية لذلك، حيث كان كاهلها مثقلاً بالديون الخارجية التي أنفقتها لتمويل مغامراتها العسكرية ومصروفاتها المتعددة. وأدى تماديها في الاقتراض الخارجي إلى انهيار الإمبراطورية بسبب تخلفها عن السداد (7) مرات خلال القرن الـ19، وفقاً لما ورد بتقرير «هل ستغرق الديون الإمبراطورية الأمريكية؟» المنشور بصحيفة (وول ستريت) 21 يونيو 2024.

وأسرة تشينغ، آخر أسرة إمبراطورية بالصين، كانت القوة الاقتصادية العالمية الرائدة. لكن إنفاقها الترفي المتزايد واقتراضها الأجنبي الكبير بالقرن الـ19، أدى إلى تناقص استثماراتها في البنية التحتية اللازمة لمواصلة الإنتاج والتقدم فضعفت ثم انهارت، استناداً إلى صحيفة (وول ستريت). وهذا يفسر سبب خسارتها لحروبها ضد بريطانيا (حروب الأفيون 1839، 1856)، وإبرامها معاهدات مجحفة (معاهدة فان جنج، واتفاقية تيان جين) اللتين تنازلت بموجبهما عن بعض أراضيها (هونج كونج وكولون)، وتقديمها امتيازات تجارية مذلة للغرب ساهمت بتزايد عدد الصينيين المدمنين للأفيون من مليونين عام 1850 إلى (120) مليوناً عام 1878.

كما اقترضت الإمبراطورية العثمانية خلال الأعوام 1854 - 1879 على نطاق واسع، وفقاً لما ذكره البرت حوراني في كتابه «تاريخ الشعوب العربية». وبحلول عام 1875 أضحت ليست قادرة على سداد عبء الدين وفوائده. فتم إلزامها عام 1881 بإنشاء إدارة للديون العامة، تمثل الدائنين الأجانب، يكون لها حق الرقابة على الواردات العثمانية، وبالتالي السيطرة على إدارة سياسات الحكومة المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والمالية.

وباعت الحكومة المصرية ما تملكه من أسهم بقناة السويس إلى بريطانيا، عام 1875، بملغ زهيد يقارب (4) ملايين جنيه إسترليني، في سبيل سداد التزامات ديونها الخارجية، التي أنفقت مبالغها لتطوير العمران والاقتصاد والإدارة ومصروفات الخديوي إسماعيل الباذخة. وبعدما عجزت عن الحصول على ما تطلبه من قروض خارجية، استدانت من الداخل وزادت الضرائب. فانتهى الأمر بأزمة مالية، عام 1876، فتحت الباب للتدخلات الأجنبية بالشؤون الداخلية. وقد استحضر الكاتب المصري ناصر عراق في رواية «الأنتكخانة» تلك الحقبة وما شهدته من تزايد للنفوذ الأجنبي، لدرجة تواجد وزيرين (بريطاني وفرنسي) بمصر يراقبان ويوجهان سياسات الحكومة المصرية.

لقد غرقت تلك الإمبراطوريات والدول في مستنقع الديون، لأنها فشلت في استثمار الموارد المتاحة لديها الاستثمار الأمثل، ولم تقيّم بتمعن عند تنفيذ مشاريعها المختلفة المردود الفعلي منها، وهل سوف تعوّض إيراداتها المتوقعة التكاليف المنفقة عليها؟ وكانوا مندفعين للحق بركاب الدول الأوروبية المتقدمة بنسخ تجربتها، ولم يسعوا لبناء مسارهم التنموي الخاص، وفقاً لمقوماتهم. وأيضاً لأنهم وضعوا كامل ثقتهم باستشارات وإدارات ورؤوس أموال الدول الغربية لمساعدتهم في تحقيق طموحاتهم، غافلين عن أن تلك الدول لن تتنازل بسهولة عن مكاسبها وتميزها بدون مقابل.

والحقيقة الثابتة أن الديون ككرة الثلج. تبدأ صغيرة وقد تكون جذابة لأنها توفر سيولة وحجم الكرة لا يمثل تهديداً لصغرها. وعند الاستمرار بالاستدانة تصبح الكرة من الحجم المتوسط بالإمكان إيقافها، لكن ستتسبب بأضرار كالاضطرار لبيع الأصول. وإذا ما استمرت دوامة الاستدانة، فخدمة الدين سوف تتضخم وتصبح الكرة كالوحش من شبه المستحيل إيقاف تدحرجها والتهامها لكل ما يقابلها (أصول أو نمو اقتصادي). وعندئذ يكون قد فات الأوان وتصبح الدول أسيرة لخدمة تلك الديون، فتفقد سيادتها واستقرار ورخاء مجتمعاتها.

ويشهد عصرنا الراهن ارتفاعات ضخمة في حجم الديون العامة. فتقرير «عالم الديون 2024: عبء متزايد على الرخاء العالمي»، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، أشار إلى أن الديون العامة عالمياً بلغت (97) تريليون دولار لعام 2023. والأدهى أن مستويات الديون الخارجية أصبحت تتصاعد لدى معظم الدول النامية وبشكل كبير. بل إن بعضها انزلقت بالفعل نحو حافة أزمات قاسية قد تؤدي إلى غرقها في مستنقع الديون، ولم تأخذ العبر من التجارب السابقة للإمبراطوريات والدول.

خاتمة: من أقوال الشاعر مطلق الثبيتي:

من لا يقاسم فالطعام الذيابه

يموت جوع ولقمته مشتهيها

واللي يضيع فالملاقا ركابه

يجلس ويتركها لمن يمتطيها

واللي يحسب الرزق يؤخذ نهابه

اليا انهبوه القوم لا يرتجيها

ومن لا يفصل فوق جسمه ثيابه

يا شين لبستها بعد يشتريها

والفعل يفرق والملامح تشابه

ولا للمواقف غير من يحتميها
00:00 | 26-06-2024

المجون في دعم كيان صهيون

وجه 12 عضواً بمجلس الشيوخ الأمريكي بتاريخ 24 أبريل 2024، رسالة تهديد إلى المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، وفقاً لما نشره موقع (إكسيوس) الإخباري في 29 أبريل، وصحيفة (ذا دايلي غارديان) يوم 8 مايو الماضيين. وتضمنت تلك الرسالة تهديدات فجة للمحكمة وموظفيها والمدعي العام وعوائلهم، حيث ورد فيها:

• إصدار المحكمة لمذكرات اعتقال دولية بحق رئيس الوزراء والمسؤولين الإسرائيليين غير شرعي، وإذا تم إقرارها سيترتب عليها عقوبات قاسية بحقك أيها المدعي العام وحق مؤسستك.

• إصدار مذكرات الاعتقال المحتملة لن نفسره كتهديد لسيادة إسرائيل فقط، بل نعده تهديداً لسيادة أمريكا أيضاً، ويضع المحكمة في مصاف أكبر الدول الداعمة للإرهاب وعملائها.

• أمريكا لن تتسامح مع الهجمات المسيسة ضد حلفائها من قبل المحكمة الجنائية الدولية. وإذا ما استهدفتم إسرائيل سنستهدفكم، وإذا مضيتم قدماً سنتحرك لإيقاف الدعم الأمريكي للمحكمة بشكل كامل ونفرض عقوبات على موظفيكم والمتعاونين معكم وسنحرمكم وعائلاتكم من دخول أمريكا.

والمحكمة الجنائية الدولية منظمة دولية دائمة، تضم في عضويتها 124 دولة، وهي مختصة في محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وتلك التهديدات التي وجهها أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، بلا شك سيكون لها تأثيرات سلبية على استقلالية وحيادية المحكمة. كما أن محاولة عرقلة إجراءات المحاكمة وتهديد قضاتها وموظفيها والشهود، لا يعد بنظر المجتمع الدولي أمراً لائقاً وحضارياً.

وبعد اطلاعي على تلك الرسالة تذكرت ما قرأته سابقاً بخصوص «بلاتا او بلومو – Plata o Plombo»، التي تعني ترجمتها بالعربية «الرشوة أو الموت». وهي سياسة الفساد والعنف التي تبناها بابلو إسكوبار، زعيم عصابة المخدرات في كولومبيا، لبناء إمبراطوريته الإجرامية. فعندما ألقي القبض عليه عام 1975 وبحوزته كميات مهولة من المخدرات، سعت عصابته جاهدة لرشوة القضاة لتبرئته من التهم الموجهة إليه. وعندما فشلوا، اغتالوا الشرطة الذين ألقوا القبض على زعيمهم وأسقطوا التهم الموجهة إليه وغادر السجن، بل إنه انتخب عام 1982 لعضوية مجلس النواب بالبرلمان الكولومبي. وقد بلغ عدد القضاة الذين اغتالتهم عصابة إسكوبار، حتى مقتله عام 1993، ما يقارب 70 قاضياً. ونتيجة لذلك أصبحت الآن العصابات الكولومبية أكبر منتج للكوكايين، وأمريكا المستهلك الأكبر له، على الرغم من الجهود المبذولة لوقف تجارة المخدرات.

والمتأمل في ممارسات عصابة إسكوبار، والكونغرس والإدارة الأمريكية، يجد تشابهاً كبيراً في الأساليب التي يتبعونها. فكلاهما يتبنى سياسة التهديد والرشوة لتسويق بضاعته. وإذا ما كان هدف العصابة الأولى تسويق المخدرات، فإن العصابة الثانية، على الرغم من معارضة العديد من مواطنيها، تسعى لدعم الكيان الصهيوني على التوسع والتمادي في ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، والترويج للصهيونية والفساد. ما شجع إسرائيل على انتهاك كافة معايير القانون الدولي، ودون وجل.

لذلك انتفض المجتمع الدولي، 10 مايو 2024، رافضاً الممارسات الإسرائيلية. فصوتت أغلبية ساحقة (143 دولة بالأمم المتحدة) بتأييد العضوية الأممية الكاملة لفلسطين، واعتراض فقط 9 دول على رأسها: إسرائيل، أمريكا، والأرجنتين والمجر. وهذا الأمر أفقد السفير الإسرائيلي أعصابه فمزق ميثاق الأمم المتحدة بعنجهية من على منصة الجمعية العامة. ولا يفوت التنويه في هذا المقام، بمواقف المملكة الراسخة لدعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، وما بذلته من جهود وتضحيات عظيمة منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى وقتنا الراهن، حيث طاف مسؤولوها الأرض واستضافت أراضيها العالم من أجل ذلك الهدف.

والنتائج النهائية لما سيتبناه المجتمع الدولي من مواقف لكف يد إسرائيل من العبث في الأعراف والقوانين الدولية، بالتأكيد يسيرها ما سيحدث بالنسبة للأمور التالية:

1- هل ستصدر المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي ومسؤوليه ومعاونيه على ما ارتكبوه من جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين؟ أم أن مذكرات اعتقالها تقتصر فقط على الرؤساء والمسؤولين الأفارقة؟

2- إن التهديدات التي وجهها الأعضاء الـ12 بمجلس الشيوخ الأمريكي تشكل جريمة ضد تنفيذ العدالة، بموجب المادة 70 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. فهل سيتم إقامة قضية ضدهم ومحاكمتهم؟

3- هل سيترتب على انتفاضة الشارع الأمريكي ضد ما تقدمه حكومته من دعم مطلق لإسرائيل، نتائج ملموسة في الانتخابات القادمة تساهم في تغيير شخصيات ومواقف وسلوكيات الإدارة والمشرعين الأمريكيين تجاه إسرائيل وانتهاكاتها المخزية؟

4- هل ستتوحد مواقف الفصائل الفلسطينية؟

5- هل يتكاتف العالم العربي والإسلامي ويحشد طاقاته لاستثمار التعاطف والدعم الدولي الراهن للقضية الفلسطينية؟

6- ما العمليات التي سينفذها عملاء وأعوان إسرائيل وأمريكا بمنطقة الشرق الأوسط، لإشغال الرأي العام العالمي عن القضية الفلسطينية؟

7- هل يتمكن العرب من استخلاص العبر لكيفية التعامل مع أمريكا؟ فإسرائيل عملت لعقود لتكوين جماعات ضغط بالساحة الأمريكية، على كافة المستويات، للدفاع عنها، ليس بالضرورة محبة فيها، ولكن لأن مصالحهم أصبحت تخضع لنفوذ إسرائيل على كافه المستويات السياسية والاقتصادية والإعلامية.

خاتمة: من أقوال الشاعر فيصل بن طوالة:

ابشرك ما يقود الوجه مذهبهم

ولا يرفع الراس من هذي سواياهم

حمامهم طار من فرية مخالبهم

وغربانهم من طمان النفس ترقاهم

اكذبهم اصدقهم واصدقهم اكذبهم

وارداهم اطيبهم واطيبهم ارداهم

ينعاف غيم تسوقه لي هبايبهم

وينعاف ضو يجي باسباب ضوضاهم

اذا خسرت المبادي يمكن اكسبهم

وبيعتهم بتغنيني عن شراهم

ما اقول الا يا عل الله يذهبهم

والله يعمي بصرهم كان ما عماهم.
00:19 | 15-05-2024

الزين جنوب أفريقي.. والشين أمريكي

حددت محكمة العدل الدولية يومي الخميس والجمعة القادمين (١١، ١٢ يناير) موعداً للنظر بطلب جنوب أفريقيا محاكمة إسرائيل بتهمة ارتكاب إبادة جماعية في حربها على غزة، وانتهاكها لالتزاماتها في «اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها». فالتحية والتقدير لجنوب أفريقيا على شهامتها بمواجهة تهديد جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.

ويأمل دعاة السلام أن تصدر محكمة العدل الدولية حكماً بوقف الحرب على غزة، وإذا ما رفضت إسرائيل الامتثال له سيحال الملف إلى مجلس الأمن الدولي. وعندها سوف يكون من العار على الدول الحليفة لإسرائيل، كأمريكا، استخدام حق النقض (الفيتو) ضد هذا القرار. فالوفاء بالوعد الذي انبثق عن الاتفاقية يتطلب تنفيذها بالكامل من جميع الحكومات المصادقة، ومنها إسرائيل، ومحاسبة الجناة وأعوانهم.

فاتفاقية «منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها» معاهدة دولية تجرم سياسات القتل الجماعي المنظمة التي تقوم بها حكومة أو جهة معينة ضد طائفة أو جماعة من الناس على أساس ديني أو عرقي أو سياسي. وهي تعد أول معاهدة لحقوق الإنسان، اعتمدتها الأمم المتحدة ٩ ديسمبر ١٩٤٨، اعترافاً منها بأن «الإبادة الجماعية قد ألحقت، في جميع عصور التاريخ، خسائر جسيمة بالإنسانية، وإيماناً منها بأن تحرير البشرية من مثل هذه الآفة البغيضة يتطلب التعاون الدولي». وتضمنت مادتها الأولى «مصادقة الأطراف المتعاقدة على أن الإبادة الجماعية، سواء ارتكبت في أيام السلم أو أثناء الحرب، هي جريمة بمقتضى القانون الدولي، وتتعهد بمنعها والمعاقبة عليها». وعرفت مادتها الثانية الإبادة الجماعية بأنها «أي من الأفعال المرتكبة على قصد التدمير لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، كقتل أعضاء من الجماعة، أو إلحاق أذى جسدي أو روحي خطير بهم، أو إخضاعهم عمداً لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي». واستناداً للمادتين الثالثة والرابعة، يعاقب على أفعال الإبادة الجماعية، والتآمر والتحريض المباشر والعلني على ارتكابها، سواء كانوا حكاماً دستوريين أو موظفين عامين أو أفراداً.

وتمادي الكيان الصهيوني في ارتكاب الإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني، مستمر منذ إنشاء دولته، قبل ٦ أشهر من اعتماد تلك الاتفاقية، وحتى الآن. فالتاريخ شاهد على مجازر صبرا وشاتيلا ودير ياسين والطنطورة وخان يونس وكفر قاسم ومخيم جنين. ويشهد العالم حالياً العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الذي خلّف ما يقارب ٢٣ ألف قتيل، بالإضافة إلى ٥٨ ألف جريح، كان ٧٠٪ منهم أطفالاً ونساءً فلسطينيين. وأكدت أيضاً وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، أن نحو ٩٠٪ من سكان قطاع غزة نزحوا بصورة قسرية.

وإسرائيل التي تنتهك معايير القانون الدولي الإنساني على مرأى ومسمع من العالم دون أي وجل، ما كان لها أن تفعل ذلك لولا المساندة التامة من أمريكا. فالإدارة الأمريكية التي تعبث بالمعايير الإنسانية والقوانين الدولية والمجاهرة بالتهديدات بحجة حقوق الإنسان خدمة لمصالحها، هي أكبر مزود للأسلحة والمال والدعم السياسي والاقتصادي والإعلامي لإسرائيل، واستخدمت حق النقض (الفيتو) بمجلس الأمن الدولي ٨٠ مرة لمنع إدانة إسرائيل، بالإضافة إلى ٣٤ مرة ضد مشاريع قوانين تساند حق الشعب الفلسطيني، على الرغم من معارضة العديد من مفكريها وساستها ومواطنيها الشرفاء حتى اليهود منهم.

والإدارة الأمريكية، الملطخة يديها بدماء الأبرياء، تدعي بمكر خبيث أن تعزيز حرية الدين أو المعتقد هدف أساسي لسياستها الخارجية. وصنفت، وفقاً لبيان وزير خارجيتها الصادر ٤ يناير ٢٠٢٤، المملكة العربية السعودية مع ١١ دولة أخرى كدول مثيرة للقلق بشكل خاص لتورطها في انتهاكات جسيمة لحرية الدين أو تسامحها معها بشكل خاص. وأغفل ذلك التصنيف تماماً إسرائيل التي يقوم كيانها ويستند دستورها على العنصرية الدينية، وما يعانيه السكان غير اليهود لديها من انتهاكات لحرية أديانهم.

وإدراج المملكة بالتصنيف، في نظري، سببه لأنها قلب العالم العربي والإسلامي ومحرك أساسي لمواقفه الموحدة. حيث تمكنت من عقد قمة عربية وإسلامية مشتركة غير عادية لبحث العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، بالرياض ١١ نوفمبر ٢٠٢٣. كان من أبرز قراراتها «الطلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية استكمال التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وتكليف الأمانتين العامتين في المنظمة والجامعة متابعة تنفيذ ذلك، وإعداد مرافعات قانونية حول جميع انتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، التي ترتكبها إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال، ضد الشعب الفلسطيني».

وكان الأولى بالإدارة الأمريكية، المتصهينة، استيعاب مصلحتها بأن السعودية بقيادتها الوفية الأبية المخلصة، كيان شامخ راسخ على قيمه السامية ومواقفه الصادقة، لا تزعزعه سخافات تصنيفاتها وتقاريرها المسيسة. وللتأكد من ذلك، عليها إعادة قراءة «إعلان جدة» الصادر ١٩ مايو ٢٠٢٣ في ختام القمة العربية التي ترأستها المملكة، وخصوصاً البند ٩ الذي أكد على «التعبير عن التزامنا واعتزازنا بقيمنا وثقافتنا القائمة على الحوار والتسامح والانفتاح، وعدم التدخل في شؤون الآخرين تحت أي ذريعة، مع التأكيد على احترامنا لقيم وثقافات الآخرين، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها واعتبار التنوع الثقافي إثراء لقيم التفاهم والعيش المشترك، ونرفض رفضاً قاطعاً هيمنة ثقافات دون سواها، واستخدامها ذرائع للتدخل في الشؤون الداخلية لدولنا العربية».

خاتمة: من أقوال الشاعر راجح بن سالم العجمي:

ضعاف الروابع تبتلش والقروم تشوم

ولا هي بلا شامت من الشين مليومة

ولا شفت في جو الصداقة غبش وغيوم

عطيت الدروب اللي مع الأرض مرسومة

ولا مثل عز النفس لو ما معك مطعوم

وعن أهل الشماتة خل الأسرار مكتومة

وأنا أقول لو إن في وجيه الرخوم وسوم

عرفنا نميّز قيمة النذل بوسومة

علشان نجلس مع رجال الوفا ونقوم

ونبعد من اللي عند الاجواد مذمومة

يقولون وكر الحر ما يعتليه البوم

أنا شوف عيني وكر حرٍ تحت بومة
00:16 | 9-01-2024

خداع ملَهّي الرعيان

تدل الشواهد على أن السياسات الأمريكية والغربية تنطلق من أساس تقسيم البشر إلى عرقين: أبيض متميز يستحق الحياة والسيادة، وغيرهم ممن يتوجب الهيمنة عليهم. والمتأمل في أسلوب تنفيذ تلك السياسات بمنطقة الشرق الأوسط، يجد تشابهاً كبيراً بينها وبين خداع طائر «ملهي الرعيان» الذي اعتاد على استدراج الرعاة بعيداً عن حلالهم، ليتوهوا عنها، ويتمكن العدو من افتراسها. فالسياسات الغربية التي استهدفت تحطيم العالمين العربي والإسلامي، ما كان لها أن تنجح لو لم ينشغل العرب والمسلمون بدوامة الصراعات والفتن، والدليل على ذلك:

1- صدر وعد بلفور عام 1917، وتولى بعدها المستعمر البريطاني، ولمدة 30 عاماً، قمع إرادة الشعب الفلسطيني، حتى تم إنشاء الكيان الصهيوني 1948 على الأرض الفلسطينية العربية. واستمر الغرب يدعم هذا الكيان الغريب بكل قوة حتى الآن، وأصدق إثبات قول الرئيس الأمريكي بايدن خلال زيارته التضامنية إلى تل أبيب الأربعاء الماضي «لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها، وسوف نستمر في دعمها». فوجود إسرائيل في قلب الأمة العربية يخدم هدفهم الرامي لترسيخ الهيمنة على المنطقة وسلب ثرواتها، لأنه يشغل أغلب دولها وشعوبها بالحروب، بدلاً من التركيز على البناء والتنمية وإعلاء المكانة العربية والإسلامية عالمياً. ولتضليل العرب والمسلمين عن القضية الفلسطينية وتحطيم وحدة موقفهم، تظاهرت أمريكا بأنها محبة للسلام وسعت لاستدراج الدول العربية لإبرام اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، ولو أنها كانت صادقة بمسعاها لحرصت على بذل جهودها لتحقيق السلام على أساس حل الدولتين وفق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، التي دوماً تدعو لها وتؤكد عليها المملكة العربية السعودية وقيادتها المخلصة.

2- دأبت أمريكا والغرب، في سبيل دفع دولنا للرضوخ والاستجابة لكافة مطالبهم، على تهديدنا بفرض الإدانات والعقوبات بادعاءات مغرضة عن عدم الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والتمييز والاضطهاد العنصري وعدم حرية واحترام الأديان. وعندما تنتهك إسرائيل جميع تلك المبادئ، فهذا يعدونه حقاً مشروعاً للدفاع عن النفس ضد المناضل الساعي لتحرير أرضه ودفع الظلم عن قومه، ويسارعون في دعمها بتوفير المساندة السياسية والمالية والإعلامية والعسكرية؛ فالعرب بنظرهم جدير بهم الإبادة، فهم ليسوا كالأوكرانيين والصهاينة من ذوي العرق الأبيض. وفي هذا الصدد اعترفت مجلة (فورين أفيرز) الأمريكية بمقال نشر 21 يوليو 2023 بعنوان «القوة في النفاق الغربي» بتأصل النفاق وازدواجية المعايير في السياسة الخارجية الامريكية، وعدتها دليلاً على تفرُّد القوة الأمريكية التي بنت سلطتها وكرست نفوذها استناداً على ذلك.

3- عملت أمريكا والدول الغربية على زرع بؤر الفتنة الطائفية والتنظيمات المتطرفة والإرهاب بمنطقتنا. ودعموا مشاريع التغريب ونشر الانحلال الأخلاقي، لإبعادنا عن مقومات ديننا وثقافتنا. وكان نتاج ذلك النزاعات والدمار، وظهور الأحقاد والفتن، وتفتيت كيانات عديد من الدول، واضمحلال الهوية العربية والإسلامية. ولا ننسى دورهم، في إدارة الفوضى الخلاقة وثورات ما أسموه بالربيع العربي، وحرب العراق، والنزاعات في مناطق مختلفة بالمنطقة. وقد أكد هذا الاستهداف، جيمس بار في كتابه «الصحراء تشتعل لورانس العرب وأسرار الحرب البريطانية في الجزيرة العربية». حيث ذكر أن نيد لورانس (ما عرف لاحقاً بلورانس العرب) ضمن تقرير كتبه حول سياسات مكة في فبراير 1916 أنه «إذا تمكنا من إجراء التسويات اللازمة ليكون هذا التغيير السياسي عنيفاً، نكون قد قضينا على خطر الإسلام، بتقسيمه وزرع الفتنة في عقره، ولن يكون الإسلام على قدر كبير من الأهمية». كما أكده الجنرال الأمريكي المتقاعد ويسلي كلارك، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بمقابلة إعلامية عام 2007، حيث قال «بعد أيام من حادثة 11 سبتمبر، اتصل بي أحد الجنرالات بالبنتاغون وأفادني أنه اتخذنا القرار بخوض حرب مع العراق. وبعد بضعة أسابيع سألت ذلك الجنرال هل ما زلنا في طريقنا للحرب مع العراق؟ فأجابني أن الأمر أسوأ من ذلك، فهذه المذكرة الصادرة من مكتب وزير الدفاع، تصف كيف سنقضي على سبع دول في خمس سنوات، بدءاً من العراق ثم سوريا ولبنان وليبيا والصومال والسودان وانتهاءً بإيران». هكذا هي همجية سياستهم.

إن الأخطار التي تحدق بمنطقة الشرق الأوسط والأمة العربية والإسلامية عديدة، وتتسرب اليها بفتن وسياسات خادعة خلفها أمريكا والغرب، ونتاجها التهديد لأمن وسلامة الأوطان وضياع ثرواته. وعلى الرعاة بالأمتين العربية والإسلامية الحذر وتكريس الجهود لحماية رعاياهم من تلك الفتن. واستناداً للحديث الشريف «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته»، فإن مفهوم الراعي لا يقتصر على القادة السياسيين، بل يشمل كافة الرجال والنساء العرب والمسلمين، الذين يتوجب عليهم الاحتراس من الوقوع في براثن مكائد السياسات الأمريكية والغربية، وإلا سوف يجدون أنفسهم ضياعاً تائهين عن رعاياهم. وعليهم أيضا إدراك أن قوة الأوطان والرفاه، دعائمها الثقة بالذات، والتمسك والاعتزاز بالقيم الإسلامية والعربية، فهي الحصن المنيع الذي يحمي، بعون الله عز وجل، من شرور الأعداء. وعلى الدول العربية والاسلامية النظر في لماذا هذا الاصطفاف الواضح من الدول المؤثرة عالمياً، مع إسرائيل؟ وأن يستخلصوا العبر، ليتمكنوا من تغيير مواقف تلك الدول على المدى الطويل.

خاتمة: من أقوال الشاعر حميدان الشويعر:

الفتنة نايمة دايم

مير الأشرار توعيها

فان جتك الطلبة في حقك

اضرب بالسيف معديها

حاذور الذلة والمدة

لو نصف أموالك تعطيها

الأرنب ترقد ما توذي

ولا شفت الناس تخليها

والسبع الموذي ما يرقد

ما يوطا بأرض هو فيها.
00:00 | 22-10-2023