-A +A
عبدالرحمن الجديع
شهدت منطقة الشرق الأوسط تحولات مهمة في مسارات الدبلوماسية الثنائية للدول الإقليمية والسياسات الدولية. ولعل أبرز هذه التحولات قيام الثورة الإيرانية، وما تمخض عن ذلك من تداعيات وافتعال للأزمات واتباع سياسات التصعيد لتحقيق مكاسب، والحفاظ على شرعية نظام الملالي.

وتشير الأحداث والوقائع إلى أنّ النظام الإيراني ما فتئ يثير الأزمات بدءاً من احتجاز موظفي السفارة الأمريكية بعد اندلاع الثورة الإيرانية، وحتى وقتنا الحاضر، حيث لاتزال طهران تتحدى الإرادة الدولية وهي تحاول إثارة القلاقل والفتن، وتسعى لتمدد نفوذها إلى مناطق النزاع بالوطن العربي واستغلالها للحروب الأهلية وصناعة الأزمات والتوترات الداخلية، إضافة إلى دعم الإرهاب، ومساندة الجماعات الخارجة عن القانون إقليمياً ودولياً.


ولا تزال إيران تمارس هذه السياسات الرعناء، فيما تسعى وبشكل حثيث لبناء قدراتها النووية وتهديدها الملاحة الدولية، في مخالفة صريحة للقانون والمواثيق الدولية.

لقد شكلت إيران عائقاً كبيراً في مسيرة التقدم والاستقرار والحياة الطبيعية لشعوب دول الشرق الأوسط، ولم تدخّر وسعاً في زعزعة الأمن في المنطقة، وبث الكراهية من خلال الممارسات العدوانية بهدف إشغال الشعب الإيراني وإلهائه عما يحدث في الخارج، بدلاً من الالتفات إلى الأوضاع الداخلية، ومواساة الشعب، ومداواة عذاباته في كافة المناحي الحياتية.

من ناحية أخرى، حاولت طهران عبر دبلوماسيتها خلق انطباعات لدى الدول الأوروبية بأنها دولة تحاول مواجهة المنظمات الإرهابية مثل داعش، وأنها تعمل على خلق توازنات تخدم المنطقة، وذلك في محاولة يائسة ومكشوفة للتسويق السياسي، وتحسين صورة النظام القاتمة ليس إلا.

في ضوء هذه المعطيات والتحديات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تصدّرها إيران لدول الشرق الأوسط عامة والدول العربية على وجه الخصوص، فلا بد من إيجاد صيغة فاعلة للتعامل مع هذه التحديات تقوم على التفكير الإستراتيجي لتحجيم الدور الإيراني، وكبح نفوذه العدواني في المنطقة العربية، لا سيما وأنها باتت متواجدة عبر أذرعها في الدول العربية بصورة تمس مختلف الأوضاع فيها، هذه الصيغة يمكن إيجاد آلية لها على المدى القصير والمتوسط والطويل، تكون على النحو التالي:

فعلى المدى القصير، يتعين الاستمرار في مواصلة حشد الجهود الإقليمية والدولية، والمضي في الضغط على إيران لإجبارها على تغيير سلوكها، وتحجيم نشاطها غير المشروع، وكسر الصلف الإيراني، حيث تشكلت انطباعات لدى المسؤول الإيراني بأنّ هذه العقوبات الاقتصادية وغيرها ليست جديدة عليهم، وأنّ بمقدورهم التعامل معها كما في السابق، وحتى المواجهة الدبلوماسية مع الولايات المتحدة ودول المنطقة بالرغم من أهميتها، لا تخرج عن إطار إطفاء الحرائق دون الذهاب إلى مراكز القرار السياسية والقضاء عليها.

أما على المدى المتوسط، فإنّ الممارسات الإيرانية والتغلغل الإيراني في الدول العربية وقدرتها على جذب ميول الشيعة العرب لجانبها أمر لابد من التعامل معه وفق إستراتيجية واضحة المعالم تأخذ بالحسبان البواعث التي تدفع الشباب العربي للانضمام إلى المليشيات الإيرانية رغم عروبتهم. أي لابد من تعزيز الوعي لدى الفئة الشابة، وتحريك الانتماء العروبي لدى هؤلاء الشباب، إضافة إلى ضرورة استيعابهم ودعمهم اقتصادياً لإنقاذهم من قبضة الابتزاز عبر صرف المكافآت والرواتب والطبابة وفتح المدارس لأبنائهم.

إنّ من المهم والعاجل الاستثمار بفئة الشباب وإقناعهم بأهمية الحياة بعيداً عن الحروب والدمار وعدم الانضمام إلى القوى والجماعات الإرهابية تحت أية ذرائع، وشرح مخاطر وأبعاد المشروع الإيراني على حقيقته، بصفته مشروعاً ليس ضد الأمة العربية وحسب، وإنما ضد التقدم وحياة الرفاهية لشعوب المنطقة والعالم.

ولعل تعزيز الصوت الجماعي للدول العربية، قضية في غاية الأهمية لمواجهة الطموحات الإيرانية التي بلا ضفاف، لذا لابد من تحوّل بعض الدول العربية من منطق الحياد إلى الانضمام الفاعل للصوت العربي، وتعزيز تماسك البنية العربية -العربية عبر منع أية اختراقات خارجية من قبل إيران وحلفائها.

أما على المدى الطويل، فالأمر يتجاوز مرحلة التمنيات والعمل الدبلوماسي والعقوبات الاقتصادية، إلى ضرورة التعامل مع إيران كحالة ناشزة تهدد الأمن والاستقرار الدولي، بينما العالم يتجه إلى النمو والتكامل والابتكار ودعم أهداف التنمية المستدامة.

هذا يستدعي نقل العمل إلى المحافل الدولية، وتعريف الدول الفاعلة بأنّ إيران أثبتت على مدى الأربعين عاماً أنّ نظامها يدعم الإرهاب ويهدد المصالح الدولية المشروعة في المنطقة، وبالتالي فإنّ ضرورة التوافق الدولي للتعامل مع الحالة الإيرانية بات أمراً يتطلب أخذه بجدية ومناقشته في مجلس الأمن الدولي؛ لاستصدار القرارات التي تخوّل المجمتع الدولي وضع حد لمثل هذا التهور في السياسات الإيرانية، ومواجهة الانفلات والتغطرس في الأساليب الإيرانية التي تستهدف المفاهيم الدولية التي تحكم العلاقات بين الدول.

المخاطر الواضحة الناجمة عن الممارسات الإيرانية هي، بلا ريب، مسؤولية دولية ينبغي على المجتمع الدولي التصدي لها، وإخضاعها لأنساق جديدة من التعامل من خلال الامتثال الخلاق للمواثيق الدولية والقانون الدولي، وضرورة خفض التوترات، واحترام سياسة حسن الجوار، والاعتراف بالمصالح المشروعة، وعدم التدخل في الشؤون الدولية، والكف عن التهديد بالقوة وزعزعة أمن المنطقة واستقرارها، والإسهام الفعال في بناء عالم يسوده الأمان والخير والرفاهية والعدالة الإنسانية.

* كاتب سعودي