-A +A
علي بن محمد الرباعي
هناك كلامٌ عليه الكلام، وهناك كلام زي أي كلام، وهناك كلام أي كلام. وبما أن الكلام ما عليه جُمرك فالكل يرى أن من حقه أن يتكلم، بالحق وبالباطل وبين بين، وليس من حق أحد أن يمنع أحداً من البوح والتحليل والتوقعات فأحد أمثالنا الشعبية يقول (رأس ما يتكلّم دُبّاه).

هناك من يتكلم في السياسة ويشعرك أنه على علم ببواطن الأمور، وهناك بلهاء يقحمون أنفسهم في قضايا الدين ويتكلمون عبر منصات متاحة بما يوحي أنهم ثنوا الركب بين يدي العلماء، ويقتحمون مواضع كان يهابها الإمام مالك.


الكلام يتحول من فطرة إلى عادة إلى شهوة تدخل في دائرة الثرثرة ولذا يعلّق بعض منا على الشخصية الهذرة بقول (الله ما أكثر كلامه). وكم ورد من آيات وأحاديث تؤكد فضل الصمت وخطر الكلام.

هذه الأيام اتخذ الكلام منحى يتناوب فيه (الكلمنجية) للحديث عن (الاستراتيجيات) التي لم نكن نسمع بها إلا على أرض المعارك. وترديد المصطلح (إستراتيجية) في تزايد مستمر حتى داخل بيوتنا غدا أطفالنا مغرمين بترديد المفردة، وأحسبها مفردة واقعية تتناقلها أيدي حالمين.

يبدأ دخول الإسلام لمن ليس من أهله بنطق الشهادتين ثم يطبق المسلم بالعمل، صلاة وصوماً وزكاةً وحجاً، كلها أفعال وأعمال تضاف إليها المعاملات والأخلاق التي هي ذروة سنام التديّن.

في ميدان العمل الدنيوي يؤكد أهل الخبرة الإدارية أن ثمانين في المئة من الإستراتيجيات عمل وإنجاز وتطبيق وعشرين بالمائة تنظير أو كلام، وبحكم قلب بعض المسؤولين للمعادلة شبعنا من كلامهم ولم نر شيئاً من أفعال.

ستشتعل قروبات الواتساب بالحكي والقص واللزق مع مطلع الشهر الكريم، ليتحول شهر الخير إلى كلام، لأن روح التدين المثمر والخلاق لا زالت عسيرة المنال على بعض الفارغين.

البعض يرى أننا أمة الكلام بحكم أن أسلافنا العرب لم يكن لهم منجز سوى الشعر والبلاغة والفصاحة، ولا ضير أن تتكلم شرط ألا تنفصم الأقوال عن الأفعال، فالكلام وسيلة، والإنجاز غاية.

من الظلم أن يستهلك كلام المسلسلات والبرامج والطلبات وقود الصوم وثوابه، فما أسرع ما يظلّنا شهر الرحمات وما أسرع ما نقول انتهى، لكنّا لا نعلم كم كانت نسبة كلامنا فيه مقابل نسبة العمل؟