-A +A
إبراهيم إسماعيل كتبي
بعد مكاشفته عن واقع التعليم العام وتأكيده عدم الرضا عن أحواله، كشف وزير التعليم الدكتور حمد آل الشيخ أمام المئات من قيادات خبراء التعليم الجامعي والمهني عن جوانب من أوضاع جامعاتنا التي ليست بخافية على الكثيرين قبل المختصين والمتخصصين، وحسنٌ أن تأتي المكاشفة من قمة هرم الوزارة المسؤولة عن واقع ومستقبل التعليم، لأنه سيأتي يوم لا بد فيه من كشف حساب لما حققته وما لم يتحقق من إصلاحات وإنجاز، فأولى الخطوات تبدأ بالتشخيص السليم وبشفافية من أجل علاج صحيح ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.

الجانب المهم الذي تناوله معاليه بعلامات الدهشة، أن ما تم صرفه على البحوث الجامعية خلال السنوات السابقة، لا يتجاوز الـ100 مليون ريال، من بين 6 مليارات خصصت للإنفاق عليها، مؤكداً أن ذلك دليل على ضعف المواءمة والتنسيق مع مستهدفات رؤية 2030، داعياً إلى مبادرات جامعية لمناهج تعليمية فاعلة.


وهنا تبدو المفارقة بين توفر مخصصات كبيرة من الدولة للبحث العلمي الجامعي وإصرار الجامعات أو بعضها على العزوف عن الإنفاق الواجب على الأبحاث، ليس هذا فقط بل مصيرها البائس حيث تتقطع بها السبل لغياب حاضنات علمية تقنية وبالتالي عدم الاستفادة الحقيقية منها كمنتج علمي لصالح التنمية والمجتمع.

إن تقتير بعض الجامعات على الأبحاث، قد يٌفسَّر بأنها في نظر سياسة الإنفاق لا تساوي المال الذي ربما يكفي لبناء مبنى وننسى أن البشر أهم من الحجر، بينما تنفق الجامعات المتقدمة مليارات الدولارات سنوياً على أبحاثها وابتكاراتها ويلتقطها القطاع الخاص لديهم، وكلاهما يحصد ثمارها عشرات المليارات سنوياً، كقيمة علمية عالية تحقق قوة لاقتصاد بلادها وكمنتج تقني في النهاية يخدم البشرية.

فهل تكمن إشكالية جامعاتنا في عدم وجود خطط منهجية، أم في بيروقراطية إجراءاتها لاعتماد مخصصات البحث العلمي على ضآلتها، أم عدم التزام الأبحاث بالمعايير العلمية الابتكارية، وغير ذلك مما يعطل انطلاقتها بجدارة نحو المستقبل.

لقد أهملت بعض جامعاتنا في العناية الكافية بمراكز الأبحاث والباحثين بتخصصاتهم التطبيقية والإنسانية الاجتماعية، على أهميتها في التقدم وتطوير المجتمع، في الوقت الذي تعتمد فيه دول كثيرة على مئات المراكز العلمية التي تجد لها حضوراً عميقاً في كل مجال، وتحظى بدعم سخي من الشركات الكبرى، على عكس ما يحدث عندنا من القطاع الخاص، أو ربما له عذر ونحن نلوم، لضعف ثقته في المنتج الجامعي، رغم التجارب الناجحة للعديد من جامعاتنا في مجالات كثيرة، لكن المنظومة تحتاج إلى تكامل ورؤية واحدة تجمعها تجاه العناية بالمناخ البحثي وتطبيقاته.

إن حسن استغلال ميزانية البحث العلمي في الجامعات هو استثمار هادف يعود أثره على الجامعات أولاً وخريجيها والتنمية، وما نتمناه أن يجد هذا الاهتمام سبيلاً لدى الإدارات الجامعية وعمادة البحث العلمي، لتعزيز البيئة الخلاقة للعلم والابتكار والاختراع وخدمة المجتمع والتنمية في بلادنا، وجذب القطاع الخاص نحو منتج علمي متقدم وفق إستراتيجية واضحة المعالم والأهداف.

* كاتب سعودي