-A +A
محمد الساعد
في 21 يناير 2003 نشرت صحيفة «إيلاف الإلكترونية» تقريراً لافتاً عنوانه:

السعودية.. ضغوط من أجل إبعاد وزير النفط السعودي!!


التقرير يحكي قصة تعثر مفاوضات مشاريع الغاز التي بدأتها الحكومة السعودية مبكراً وتحديداً في نهاية العام 2000 مع شركات النفط والغاز الكبرى حول العالم، كان السعوديون يرون وقتها أن مستقبلاً مذهلاً للغاز قادماً لا محالة، أرادوا الاستعداد له ووضع أقدامهم في سوق واعدة، لكن تلك المفاوضات تعثرت بالرغم من توقع الكثير لها النجاح، إلا أن شيئاً غامضاً كان يقف في طريقها ويسعى بها إلى جدار صلب أدى إلى إفشالها مرات ومرات، ما دفع شركات الطاقة الكبرى للانسحاب من المفاوضات وإغلاق الملف حتى جاءت الإدارة السعودية الجديدة 2015، وتولى عقب ذلك الأمير عبدالعزيز بن سلمان ملف الطاقة لاستئناف مكانة المملكة النفطية واكتشافات مكامن الغاز وتعظيمها، بدعم من الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

يقول نص تقرير صحيفة إيلاف الذي سلط ضوء مر دون أن يلفت أحداً:

تمارس شركات غربية ضاقت ذرعاً بالمفاوضات مع السعودية حول مشاريع غازية بقيمة مليارات الدولارات من أجل إبعاد وزير النفط السعودي علي النعيمي، وذلك وفق مصادر مقربة من الملف، وبعد أن اعتبرت شركات نفطية أمريكية أنها لن تستطيع الحصول على أي تنازل من الوزير السعودي بدأت ومنذ مطلع العام 2002 حملة على تشدده في المفاوضات الرامية إلى بدء تشغيل المشروع الغازي السعودي، وأعلنت صحيفة فايننشال تايمز نقلاً عن مصادر صناعية عن قرب إزاحة وزير النفط السعودي في تعديل حكومي.

نشرة «بتروستراتيجي» النفطية المتخصصة أفادت بأن وزير النفط السعودي يحظى بدعم في المفاوضات التي يقوم بها حول ثلاثة مشاريع أطلق عليها اسم «مبادرة للغاز السعودي»، وتوضح النشرة النفطية المتخصصة أن الشركات النفطية المشاركة في المفاوضات غير متفقة بالرأي حيال هذا الموقف من مشاريع الغاز التي تعتبر أول انفتاح لقطاع الطاقة في السعودية منذ تأميمه.

وتنص مبادرة الغاز السعودية، وهي مشروع تقدر قيمته بـ 25 مليار دولار، التي أطلقت رسمياً في حزيران/‏يونيو 2001 على إمكانية مشاركة شركات أجنبية تنشط في شؤون النفط والغاز في التنقيب ومن ثم استثمار احتياطات الغاز الطبيعي في المملكة في إطار شراكة مع شركة «أرامكو» السعودية الوطنية.

وقالت «فايننشال تايمز»، إن النعيمي الذي كان رئيساً لشركة أرامكو سابقاً، عارض هذا المشروع حتى قبل إطلاقه رسمياً، مشدداً على أن عودة الشركات الأجنبية إلى الأراضي السعودية بعد تأميم القطاع في 1975 سيطرح مشاكل إستراتيجية على المملكة.

وتستمر المفاوضات حول مشروعين من ثلاثة الأول مع كونسورسيوم برئاسة أكسون موبيل المتحالفة مع بي. بي إموكو وفيليبس بتروليوم والمشروع الثاني مع شل وتوتال فينا ألف وكونوكو. أما المفاوضات حول المشروع الثالث بإدارة أكسون موبيل بالاشتراك مع أوكسيدنتال وماراتون فمعلقة في الوقت الحاضر. (انتهى نص إيلاف).

بعد سنوات خرجت إلى العلن مذكرات الوزير علي النعيمي تحت عنوان «من البادية إلى عالم النفط»، ذكر فيها صراحة أنه كان وراء إفشال مبادرة الغاز السعودية، وأن تشدده هو ما أدى إلى إغلاق ملفها.

اليوم ونحن نرى العالم في مأزق كبير بسبب أزمة الغاز وندرة الموردين وقلة المعروض، نسأل: ماذا لو أن النعيمي خرج من قوقعة الشك والرفض حينها وسمح بمرور المفاوضات وانتقالها إلى مستوى الاتفاق والإنتاج؟ أين كان سيقف إنتاج السعودية من الغاز اليوم؟ خاصة أن الكلفة في ذلك الوقت معقولة، وكان الاستثمار في البنية التحتية قد انتهى وبدء الإنتاج والتصدير، ولكانت السعودية تطفئ عطش الأسواق للغاز، ولتسيّدت الإنتاج والتصدير وما ينتج عنه من نفوذ هائل في ظل أزمة تعصف بالعالم.

وكانت السعودية قد وقع اختيارها على ثماني شركات عالمية للاستثمار في ثلاثة مشاريع محورية لتطوير حقول الغاز، أسندت قيادة تنفيذ المشروع الأول لتطوير شمال الربع الخالي، والمشروع المحوري الثاني منطقة البحر الأحمر وشمال غربي السعودية، إلى شركة أكسون موبيل، بحيث تقود في الأول تجمعاً يضم شركات: رويال داتش شل، وبريتش بتروليوم، وفيليبس، فيما تقود في الثاني تجمعاً يضم شركتي: اكسدانتال بتروليوم، وانرون، فيما أسند تنفيذ المشروع المحوري الثالث (حقل الشيبة ومنطقة جنوب شرقي الربع الخالي) إلى شركة رويال داتش شل ويضم شركتي توتال فينا الف وكونوكو.

دعونا نرجع إلى تلك المرحلة الدقيقة التي أعقبت تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما رافقها من ركود اقتصادي وتراجع مبيعات النفط وبزوغ نجم الغاز في الأفق، إذ قاد الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية الأسبق -رحمه الله- ملف المباحثات المبدئية للاستثمار في الغاز مع الشركات الأجنبية، كما كشف حينها أن المفاوضات مع الشركات المستهدفة شملت أيضاً تطوير مشاريع للماء والكهرباء والبتروكيماويات.

وقال الأمير سعود الفيصل في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء: إن «اللجنة المعنية بالمفاوضات أنهت مهمتها في الوصول إلى اتفاقيات حول مشاريع الماء والكهرباء والبتروكيميائيات، ولم يبقَ إلا القضايا الفنية التي ستوكل إلى «وزير البترول» لإنهاء هذه المفاوضات بأسرع وقت ممكن».

فماذا فعل الوزير بعدما وصل الأمر إليه؟!

لا شك أن تصلب «النعيمي» حسب اعترافه في مذكراته قد فوّت على السعودية فرصة تاريخية كان من الممكن أن تدفع بها لسيادة سوق الغاز وصناعته، كما تسيّدت ولا تزال سوق النفط منذ ثمانين عاماً، لقد تسبب ذلك في تأخير مشروع الاستثمار في الغاز عقدين كاملين.

وبلا أدنى شك فإن السعودية بموقعها الاقتصادي الكبير استطاعت تأكيد مكانتها كمزود موثوق للطاقة إثر مشروع الرؤية السعودية والإصلاح الاقتصادي العميق والذي شمل صناعة النفط من المكامن إلى المصافي بالشراكة مع مجموعة أوبك بلس، إضافة إلى استعادة المبادرة في صناعة الغاز وغيرها من منتجات الطاقة والتي يقودها وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان حالياً.