كتاب ومقالات

التعليم والتدريب وسوق العمل والاقتصاد

ماجد قاروب

ينبع مقال اليوم ويرتكز على وثيقتين صدرتا مؤخراً الأولى مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية الصادرة عن وزارة الموارد البشرية، وشملت عرضاً لأهمية إصلاح سوق العمل، وأبرزت أهم تحديات العلاقة العمالية من تغيير العمل والاستقالة والمغادرة، ومن ارتفاع عدد القضايا بأكثر من 150% سنوياً للثلاث سنوات الماضية، ومن أكثر من مليون بلاغ هروب ومثلهم من تأخير رواتبهم، ومن ثبات نسبة السعوديين بالقطاع الخاص عند 21%، ومن وجود 4 ملايين عامل سائب.

وتتطلع المبادرة إلى زيادة تنافسية العامل السعودي، وزيادة مرونة تحسين بيئة العمل المحلية، ورفع إنتاجية العاملين، وضمان حقوق أطراف العلاقة التعاقدية، وخفض تكاليف التوظيف الناتجة عن الاستقدام الخارجي.

وكان شركاء المبادرة من وزارات الداخلية والاقتصاد والعدل وهيئة حقوق الإنسان وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومجتمع الموارد البشرية واللجنة الوطنية للجان العمالية والمركز الوطني للدراسات الإستراتيجية والتنموية ومركز المنشآت العائلية ومجلس الغرف السعودية وشركة للدراسات والأبحاث، وانتهي شركاء المبادرة إلى إمكانية تحقيق إيجابيات لخفض حالات الهروب والقضايا.

وحقيقة ما غاب فعلياً عن هذه المبادرة، وهنا مكمن الخطورة، رأي مجتمع الأعمال الذي يُوظف ويستوعب العاملين في القطاع الخاص ورأي رجل القانون من القطاع الخاص لأن الجهات الحكومية ركزت على تخفيف المشاكل والقضايا دون أن تعلم حقيقة كل مسبباتها، كما أن من شارك من هيئات القطاع الخاص ليس مؤهلاً بطرح مشاكل قطاع الأعمال وأساسها الاقتصادي والقانوني وكيفية معالجتها بالصورة القانونية الدقيقة خاصة وأن قطاع الأعمال بكل أسف اعتمد تاريخياً على مناخ من العشوائية والاحتكار وتعايش مع الفساد بأنواعه بما فيه التستر بأشكاله ولم تكن لديه مؤسسات مجتمع مدني قادرة على الحوار المتكافئ مع الجهات الحكومية بأسلوب علمي يطرح الحلول القانونية والتشريعية وذلك لضعف دور ومكانة رجل القانون وانعدام أثر الهيئات المهنية للمحامين والمحاسبين والمهندسين وغيرها التي يفترض أن تكون الممثل والرابط بين القطاعين العام والخاص بعد انحسار الدور التاريخي للغرف التجارية ومجلسها في تمثيل القطاع الخاص.

وننطلق إلى الوثيقة الثانية التي أعدتها أكاديمية «مسك» وهي دراسة تقييم احتياجات سوق العمل السعودي التي أوضحت القطاعات المساهمة في توفير فرص العمل للقوى العاملة والمهارات والتخصصات المتوافقة مع الوظائف الأكثر طلباً.

وأوضحت الوثيقة فجوة في احتياجات القطاع الخاص من مهارات القوى العاملة الحالية والمستقبلية وفيما يحتاجه من مهارات العمل والمهارات الرقمية والشخصية، وأكدت على وجوب التركيز والتوفيق بين التعليم العالي واحتياجات القوى العاملة، وعلى أن أكثر من 60% من القوى العاملة لا تحصل على التعليم والتدريب المطلوب لسوق العمل، وعلى أن أكثر من 60% من خريجي الجامعات يدرسون تخصصات غير مطلوبة في سوق العمل.

كل هذا يجعلنا نطلب من وزارة الموارد البشرية الاستفادة القصوى والكاملة من الدراسة التي قدمتها أكاديمية «مسك» لأنها تربط التعليم بسوق العمل في ما هو قادم، وكذلك نطلب من الوزارة الاهتمام بالتدريب التأهيلي والتطويري للموجودين الآن بسوق العمل من طالبي الوظيفة والعاملين فعلياً في قطاعات الأعمال والصحة والمهن الحرة بما فيها القانون وغيره من العلوم الإنسانية.

ولن تحل مشاكل سوق العمل إلا بتصحيح بيئة ومناخ وفكر العمل وآدابه وأخلاقياته بصورة جذرية، وهذا التصحيح هو الذي سيؤدي حتماً إلى تطوير ما جاء بالمبادرة التي تحتاج إلى أدوات مؤسسية أكثر فعالية لدى الجهات الحكومية ذات العلاقة وإلى دعم وتطوير القضاء العمالي وإلي رؤية قطاع الأعمال للتوظيف والتدريب والتأهيل وفق أسس علمية بعد أن تتحول إدارته إلى مزيد من الاحترافية والحوكمة والالتزام والعمل وفق أخلاقيات ومبادئ النزاهة والشفافية والتنافس الشريف والبعد عن تعارض المصالح والفساد؛ لأن كل ذلك يصب في المصلحة العامة للاقتصاد والحقوق وجودة الحياة لتحقيق رؤية 2030.

كاتب سعودي

majedgaroub@