أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1469.jpg&w=220&q=100&f=webp

إبراهيم البعيز

لماذا يدخن الأطباء؟

ذكر لي أحد الأصدقاء من الأطباء أنه يعمل على التخطيط لحملة تتعلق بالتوعية الصحية، فسألته: «ألا تعرفون متخصصاً في الاتصال والإعلام ليتولى المهمة؟». فعبّر لي بعدم قناعته قائلاً: «أنتم منظّرون وبعيدون عن الواقع الصحي». فسألته: «هل تعرف لماذا يدخن الأطباء وهم الأعرف بمضار التدخين؟». حين لم يجب، ألمحت له بأن الإجابة لدى المنظرين.

لا شك ولا جدال حول مضار التدخين الصحية، ومع ذلك كنا نرى كثيراً منهم يدخنون السجائر والشيشة والمعسل. وهذا يشير إلى أن سلوك الإنسان ليس مبنياً على منطق الصح والخطأ، أو المضر والمفيد، أو الحلال والحرام. بل يتأثر بشكل كبير بالبيئة الاجتماعية ومدى تقبلها لذلك السلوك. وهذا ما كانت تتجادل حوله نظريتان؛ نظرية الديناميكية النفسية التي ترجّح أهمية القناعة والمنطق وبالصح والخطأ في تغيير سلوكيات الأفراد. ووفقاً لهذه النظرية تم التخطيط للكثير من الحملات التوعوية في مجالات الصحة والسلامة والأمن، لكنها في الغالب تفشل في الوصول إلى الأهداف المرجوة.

لذا أتت نظرية الديناميكية الاجتماعية، التي ترى بأن سلوك الفرد محكوم في الغالب بمحيطه الاجتماعي، وما به من معايير للمقبول والمستهجن من السلوكيات. تبنت حملات التوعية بمضار التدخين في الولايات المتحدة هذه النظرية، مما مكّنها خلال ثلاثين عاماً أن تخفض نسبة المدخنين إلى النصف. فهي الآن الأقل على مستوى العالم من حيث نسبة المدخنين بين البالغين، مع أنها تحتل المرتبة الثانية عالميا (بعد الصين) من حيث إنتاج السجائر.

بدأت واستمرت تلك الحملات بدعم مالي سخي من شركات التأمين، كونها المستفيد الأول مالياً من الوعي الصحي. وركزت على صغار السن والمراهقين بإظهار التدخين سلوكاً غير مقبول اجتماعياً، ولا يتناسب مع الشخصية المتسمة بالرقي وأصحاب المهن المتميزة. ويبدو أنه تم التنسيق في ذلك مع شركات إنتاج المسلسلات التلفزيونية والأفلام السينمائية ليرتبط التدخين بالصورة النمطية للمجرم. والأهم أنه قد تم تعزيز هذه الحملات بسلسلة من التنظيمات والقوانين التي تمنع التدخين في الأماكن المغلقة، بل وصل الأمر إلى منعه في سيارات شركات التأجير.

من هذه التجربة، ومن التطبيق العملي لما يسميه البعض مجرد تنظير، يمكن فهم التفاوت بين الإنجاح والإخفاق في الحملات التوعوية المستهدفة لتغيير السلوكيات الخاطئة. مما يؤكد على عدم التركيز فقط على الأبعاد المنطقية (المفيد مقابل الضار – الصحيح مقابل الخطأ – الحلال مقابل الحرام)، بل من الضروري إدخال المعيار الاجتماعي في المعادلة. وهنا تأتي أهمية التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، وتبدأ مع صغار السن والمراهقين. لكن الكبار قد لا ينفع معهم إلا الأنظمة والقوانين المعلنة والواضحة والمطبقة بدون تساهل يشكك في مدى جديتها.

00:08 | 30-11-2025

فوز ترمب.. هل للعنصرية مكان في الانتخابات الرئاسية ؟

منذ منتصف الثمانينيات والمؤشرات الاجتماعية تبين أن تغيرات قادمة ومؤكدة في التركيبة الديموغرافية للمجتمع الأمريكي، وسيترتب عليها تحول البيض من العرق الأنجلوسكسوني إلى أقلية في عدد الولايات خاصة الغربية والجنوبية مثل كاليفورنيا وتكساس. بدأت ملامح ذلك التغيير تظهر مؤخراً وبشكل واضح. وانعكس هذا على الفضاء السياسي، وتجسد في مدى قدرة الرجل الأبيض على أن يحدد نتائج الانتخابات. كانت البداية على مستوى حكام الولايات، ومن ثم انتقلت إلى المجالس التشريعية، ومؤخراً وصلت إلى من يجلس في المكتب البيضاوي. وهذا ما حدث فعلا قبل 16 عاماً بفوز باراك أوباما بالانتخابات الرئاسية عام 2008، وبقائه في البيت الأبيض لفترتين متتاليتين. ظن الكثيرون منا بأن المجتمع الأمريكي تمكن أخيراً من التخلّص من العنصرية، حيث لم يعد العرق الأبيض والمذهب البروتستانتي شرطاً للفوز بالرئاسة. لكن هل كان هذا الاستنتاج صحيحاً. من وجهة نظري لا.

العنصرية متأصلة ومتجذرة في ثقافة الرجل الأبيض وإن لم تظهر بشكل واضح دائماً، وأظنها لا تزال عصية على التغيير على الرغم من كل الجهود والمبادرات القانونية سواء على مستوى الولايات أو المستوى الفيدرالي. وجذورها تعود إلى السنوات الأولى لقيام الدولة الفيدرالية. وبسببها قامت الحرب الأهلية حين صدر قانون إنهاء الرق، واعترضت عليه ولايات جنوبية بدعاوى اقتصادية، وتأثيره على اليد العاملة في القطاع الزراعي. قد يكون ذلك صحيحاً إلى حدٍّ ما، إلا أن النزعة العنصرية والفوقية لدى الرجل الأبيض لا يمكن استبعادها. والمؤشر على ذلك أن العنصرية والقوانين التي تحميها بقيت في عدد من الولايات إلى منتصف السبعينيات؛ حيث لم يسمح بالتزاوج بين الأعراق أو دفن الملونين في مقابر البيض، وغيرهما من القوانين.

أول ترشح لرجل أسود من أصول أفريقية للرئاسة الأمريكية كانت محاولة جسي جاكسون في عام 1984، لكن لم يتمكن من الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي، حيث كان في الترتيب الثالث للمتنافسين على كسب ترشيح الحزب بعد والتر مونديل، وقاري هارت. لكنه لم ييأس، وعاود المحاولة مرة أخرى في عام 1988، وأيضاً لم يتمكن من كسب ترشيح الحزب الديمقراطي له. كان على المرشح الثاني من أصول أفريقية (باراك أوباما) أن ينتظر 20 عاماً لكسب ثقة الحزب الديمقراطي، وأيضاً الناخب الأمريكي في انتخابات نوفمبر 2007.

كنت في الولايات المتحدة في يناير 2008، وتصادف أن وصلت واشنطن في طريق العودة إلى الرياض يوم تنصيب الرئيس باراك أوباما، ورأيت عدداً هائلاً من المواطنين الأمريكان من الأصول الأفريقية والأقليات الأخرى ممن حضروا للاحتفاء بهذه المناسبة التاريخية. رأيت الفرحة في عيون من شاهدتهم في المطار، وسمعت عبارات التفاؤل في كلمات من تحدثت معهم في ردهة الفندق. كانت بالفعل مناسبة تاريخية، ولتقديري للشعب الأمريكي للسنوات التي قضيتها في ثلاث ولايات في الوسط الغربي، عشت معهم فرحة التفاؤل.

لم يكن هذا التغير ليمر مرور الكرام على الرجل الأبيض، ويبدو أن رجل الأعمال والملياردير دونالد ترمب هو المناسب للمرحلة. لم يكن له من الخبرة والسيرة السياسية المتوقعة والمطلوبة لمنصب رئيس أقوى دولة في العالم، فقد أتى من خارج الدائرة السياسية، لكنه يملك الكاريزما المطلوبة للمنافسة، وعدم التردد في التلميح بالعنصرية حتى إن بدت بشكل علني وواضح ولا يقبل أي تفسير آخر، إلى درجة أن شبكة تويتر حجبت حسابه حتى إن كان لا يزال في البيت الأبيض.

لم يسمح الرجل الأبيض أن تمر خسارة مرشحه مرور الكرام، حيث قام ما يزيد على 2000 شخص بمهاجمة مبنى الكونجرس حين الاجتماع لتأكيد فوز بايدن بالرئاسة، سعياً منهم لتعطيل الاجتماع احتجاجاً على النتيجة التي ادعى ترمب أنها غير صحيحة. لم يقتصر الأمر على هذا الاحتجاج، بل تمت إعادة الترتيب لضمان عودة ترمب. وعزز من حماس الرجل الأبيض العنصري أن البديل امرأة ملونة، وساعدهم من التمكن من الفوز حالة الفوضى التي عاشها الحزب الديمقراطي قبيل الانتخابات بسبب إصرار بايدن على الترشح لفترة ثانية، وبعدما ظهرت بوادر عدم قدرته على الفوز في المناظرة الأولى، تم الضغط عليه وإقناعه بالتنحي، وحينها لم يكن أمام الحزب من خيار سوى كاميلا هاريس، وهو ما جعل ترمب يعبّر عن سعادته وتفاؤله بالفوز.

ظن البعض منا باستبعاد فوز ترمب وبفوز كاميلا هاريس، وذلك بالنظر إلى نتائج كثير من استطلاعات الرأي التي تشير إلى ذلك. لكننا ربما غفلنا عن نقطتين:

النقطة الأولى: أن الاستطلاعات فيها قدر من هامش الخطأ، وهو معروف في كل الاستطلاعات التي تقوم على عينات عشوائية، ومعظم تلك الاستطلاعات مشكوك أساساً في عشوائية عيناتها، وبالتالي هوامش الخطأ التي أشارت لها ليست بالضرورة دقيقة، وربما تكون أعلى مما ذكر فيها.

النقطة الثانية: العنصرية التي يلمح وأحياناً يصرح بها ترمب ليست مدعاة للفخر. وربما لم يصرح الكثيرون من مؤيدي ترمب في استطلاعات الرأي بتأييدهم له، أو أنهم لم يشاركوا أساساً في تلك الاستطلاعات.

الخلاصة أن فوز ترمب بالرئاسة ليس لسيرته وإنجازاته السياسية في فترته الأولى بقدر ما يكون لقدرته على التعبير عن رأي من لم يعجبهم وصول باراك أوباما إلى الرئاسة في عام 2008، ولا القبول بفوز كاميلا هاريس في عام 2024.
00:07 | 10-11-2024

أقسام الإعلام ومعضلة امتداد التخصص

وفاء لجامعة الملك سعود ممثلة في قسم الإعلام، تبرع الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز المهنا لإنشاء كرسي علمي لدعم البحوث والدراسات والفعاليات التعليمية والأكاديمية في مجالات الإعلام المتخصص بشكل عام، والإعلام البترولي بشكل خاص. الدكتور إبراهيم المهنا ليس بعيداً عن الإعلام أكاديمياً، فهو من الدفعة الأولى التي تخرجت من قسم الإعلام، ولتميزه تم تعيينه معيداً ليحصل على منحة لمواصلة الدراسات العليا في الولايات المتحدة، حيث حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعتين عريقتين (جامعة إلينوي والجامعة الأمريكية في واشنطن)، ومعروفتين بتميزهما في الدراسات الاتصالية والإعلامية.

وهو أيضاً ليس ببعيد عن الإعلام مهنياً. بعد عودته بشهادة الدكتوراه وبدء العمل في الجامعة، استقطبته وزارة البترول والثروة المعدنية (وزارة الطاقة حالياً) ليتولى مسؤولية العلاقات الإعلامية، والمعنية بتوضيح السياسة البترولية للمملكة وحرصها على استقرار السوق العالمية للنفط. تولى تلك المهمة لأكثر من ثلاثين عاماً، شهدت الكثير من الأحداث الساخنة وتداعياتها السياسية والاقتصادية. وتعرف خلال تلك الفترة على حقيقة مرة، وهي البون الشاسع بين الصحافة العربية والصحافة العالمية في مستوى التخصص في الإعلام البترولي. لذا حرص خلال عمله في الوزارة على تنظيم عدة لقاءات وندوات عن الإعلام البترولي، كما شارك في العديد من الندوات المماثلة على المستويين الخليجي والعربي. وكثيراً ما كان يشير في حضوره ومشاركاته في اللقاءات والندوات التي ينظمها قسم الإعلام بجامعة الملك سعود إلى ضرورة أن تعمل كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية على تعزيز الإعلام المتخصص. وبعد تقاعده وتأكيداً على جديته وحرصه على أهمية الإعلام المتخصص، بادر بالتبرع لإنشاء كرسي للإعلام المتخصص في جامعة الملك سعود.

له مني ومن بقية الزملاء جزيل الشكر والامتنان على هذه المبادرة الكريمة، مع صادق الدعاء بالتوفيق للفريق الأكاديمي برئاسة الدكتور مطلق المطيري، والزملاء والزميلات العاملين معه على وضع الخطط الاستراتيجية والتنفيذية للمشاريع العلمية والتدريبية التي سيتولى الكرسي دعمها.

وأجد هذه المناسبة فرصة لدعوة كليات وأقسام الإعلام في الجامعات السعودية للتنسيق مع إدارات الجامعات على استثناء تخصص الإعلام من شرط امتداد التخصص عند التعيين لأعضاء هيئة التدريس أو المعيدين. والمقصود بامتداد التخصص هنا هو أن يكون التخصص في مرحلتي البكالوريوس والماجستير في مجال الإعلام. تخصص الاتصال بشكل عام والإعلام على وجه الخصوص من العلوم الاجتماعية القائمة على التداخل البين والواضح بين العلوم، وهو ما يعرف بمتعدد التخصصات interdisciplinary، ومعروف أن تخصص الإعلام نظرياته العلمية نمت وتطورت في رحم تخصصات عدة، منها على سبيل المثال العلوم السياسية (الاتصال السياسي)، والدراسات الاجتماعية (الإعلام والمجتمع)، واللغة (الاتصال الخطابي)، والقانون (السياسات الاتصالية وقوانين الإعلام)، والاقتصاد (اقتصاديات الإعلام)، وغيرها من التخصصات.

أظن أن استثناء التعيين لأعضاء هيئة التدريس في كليات وأقسام الإعلام من شرط امتداد التخصص سيكون خطوة إيجابية، وسيشكل نقلة نوعية في دعم دراسة وتدريس الإعلام المتخصص في الجامعات السعودية. فمن كانت شهاداتهم الجامعية في العلوم السياسية أو الاقتصاد أو التربية أو أحد المجالات الطبية ستكون لهم مساهمة قيمة ودور فعال في تعزيز الإعلام المتخصص في الاتصال السياسي والإعلام الاقتصادي والإعلام التربوي والإعلام الصحي.. وهكذا.

قبل عدة سنوات كنت مع الزميل الدكتور عبدالعزيز بن سلمة في رحلة عمل لزيارة عدد من الجامعات البريطانية للتعرف على تدريس الإعلام فيها، وعرفنا أنهم يحرصون في توظيف الكوادر الأكاديمية وفي القبول في برامج الدراسات العليا على من كانت تخصصاتهم خارج مجال الاتصال والإعلام، وذلك من قناعة متأصلة أن المزج بين التخصصات يمثل قيمة مضافة في دراسة وتدريس الإعلام.

إنني على ثقة أن كليات وأقسام الإعلام قد خسرت بسبب شرط امتداد التخصص كوادر أكاديمية واعدة. فهذا الشرط إن انطبق على التخصصات الهندسية أو الطبية وبعض العلوم الطبيعية الأخرى فهو بالتأكيد لا يفترض أن يُطبق على تخصص الإعلام.
00:03 | 21-10-2024

النفط بين السياسة والإعلام

ستكون دراسة صورة المملكة في المشهد الدولي بمحوريه السياسي والاقتصادي ناقصة إن لم تشمل ما يصدر عن مراكز الدراسات الإستراتيجية والمراكز الأكاديمية المتخصصة. فقد تنامت أهمية هذه المراكز في التأثير على صناعة القرار في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية. وترتكز أهمية تلك الإصدارات -مقارنة بما ينشر ويبث في وسائل الإعلام- على عمرها الافتراضي الأطول وتراكمية التأثير. حيث يستمر الاستشهاد بها في دراسات وتقارير لاحقة، وغالبا تتسم هذه الإصدارات ببساطة في اللغة والأسلوب مما ييسر فهم ما ورد فيها من آراء وتوصيات لتكون قابلة للتبني في دوائر صنع القرار في المؤسسات التشريعية والتنفيذية. ومما يؤكد تلك الأهمية دعوة كتابها للإدلاء بشهاداتهم في جلسات الاستماع للخبراء في كثير من اللجان البرلمانية.

من هنا تأتي أهمية كتاب صدر مؤخرا من جامعة كولومبيا بعنوان Oil Leaders: An Insider’s Account of Four Decades of Saudi Arabia and OPEC’s Global Energy Policy عن السياسة النفطية للمملكة وأوبك خلال أربعين عاما. يغطي هذا الكتاب محوراً تجاهلناه في كثير من مساعينا لفهم ومعالجة ما أصاب صورة المملكة من تشويه في المشهد العالمي وخاصة في الدول الغربية.

ترتكز أهمية الكتاب في كونه صادراً من مركز متخصص في سياسات الطاقة (The Center on Global Energy Policy ) تحتضنه كلية للشؤون الدولية (School of International and Public Affairs )، وفي واحدة من أبرز الجامعات الأمريكية المعروفة عالمياً بتميزها في الدراسات الإعلامية والدولية. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة من سبعة كتب تتناول قضايا النفط والطاقة في السوق العالمية.

لن تقتصر أهمية الكتاب على فهم السوق العالمية للنفط، بل أيضاً لتعزيز صورة إيجابية عن السياسة السعودية بحرصها على استقرار السوق النفطية لصالح الدول المنتجة والمستهلكة على حد سواء، وللاقتصاد العالمي بشكل عام، مما سيسهم أيضاً في تصحيح كثير من الانطباعات الخاطئة والمترسخة في أذهان الكثيرين حول العلاقات السعودية الأمريكية.

اتسم أسلوب الكتاب بالسلاسة والبساطة في اللغة، وهو ما تفتقده كثير من الكتب الصادرة من دور نشر أكاديمية؛ أسلوب يعطي القارئ شعوراً وكأن المؤلف جالس بجواره يتحدث إليه. فعلى الرغم من ابتعاده عن المنهجية الأكاديمية وما تتطلبه من أطر نظرية ومصطلحات متخصصة، إلا أن الكتاب حظي بتقدير وتقييم جيد من المتخصصين الأكاديميين. يرى الدكتور بسام فتوح مدير معهد دراسات الطاقة بجامعة أكسفورد بأن الكتاب يقدم نظرة ثاقبة وفريدة في آليات صنع القرار ويلقي الضوء على أحداث لا تزال مؤثرة في سوق النفط حتى يومنا هذا، وأن لا غنى عنه لكل المهتمين والراغبين بفهم أعمق لمتغيرات ومغذيات صنع القرار في سياسة الطاقة. ويؤكد الدكتور مارك فيلي أستاذ اقتصاديات الطاقة بجامعة رايس على أهمية الكتاب بوصف ما جاء فيه بـ«السرد الرائع» لكل الشخصيات والأحداث التي شكلت معالم سوق النفط على مدى أربعين عاماً. ويستشهد الدكتور فيلي بما للدكتور إبراهيم المهنا من خبرة وقرب من صناعة القرار السعودي لأكثر من ثلاثة عقود، ويختتم تقييمه بالتوصية بتقريره على الطلاب في تخصصات الطاقة، والجغرافيا السياسية، وصناعة القرار.

لم يقتصر التقييم الإيجابي على الأكاديميين فقط، بل جاءت الإشادة من جون ديفتيريوس، معد ومقدم برنامج «الأسواق الناشئة» في قناة سي إن إن الدولية، والدكتور دانيال يرغين الكاتب والمحلل الاقتصادي المتخصص في اقتصاديات النفط والطاقة.

لعل هذا الكتاب يمثل خطوة أولى في مسار لفتح نافذة باب للتواصل مع مراكز الدراسات الإستراتيجية والأكاديمية المتخصصة ولمشاركة متخصصين سعوديين في الكتابة عن المملكة في مختلف المحاور السياسية والاقتصادية والثقافية، كتابة تنم عن معرفة بمعايير الموضوعية التي تتطلبها الدوائر الأكاديمية والإعلامية الغربية، وبذات الأسلوب والخطاب الذي أتبعه وأجاد فيه الدكتور إبراهيم المهنا.
01:10 | 29-06-2022

الشباب وتقنيات الاتصال

نعيش في الوقت الحاضر طفرة في تقنيات الاتصال، وتباينت وجهات النظر تجاه هذه القضية بين متشائم يحذر من مخاطرها ومتفائل يبشر بفوائدها. وتأخذ هذه الظاهرة بعداً خاصاً حين يدخل الشباب في معادلة التقييم والتقويم لكل وسائل الاتصال الجديدة، وما ذلك إلا انطلاقاً من الخوف من التداعيات السلبية لهذه التقنية على منظومة القيم الثقافية بأبعادها الدينية والاجتماعية. ويبدو لي أننا نعيش أحياناً خوفاً غير مبرر، ويترتب عليها ردود أفعال غير مدروسة.

أساء بعض من الشباب وصغار السن (ولا استثني المصابين بعارض المراهقة المتأخرة) استخدام هذه التقنية، واستطاعت حالات الإساءة هذه أن تكسب اهتمامنا وتنال نصيب الصدارة في حديث المجالس والإثارة. وانطلقنا في إثر ذلك نستنهض الهمم بمقالات وخطب الوصاية على الشباب، ونتعامل معهم بأنهم ناقصو عقل وتربية.

لنكن موضوعيين قليلاً، ونتذكر أن للتقنية فوائدها الإيجابية التي تغطي على مضارها. فتقنيات الاتصال الحديثة والمتمثلة في الإنترنت والقنوات الفضائية وغيرها من التطبيقات ساهمت في صحوتنا من سبات غفوة ثقافية لم نجنِ منها سوى التمترس خلف خصوصية ثقافية خادعة.

ففي الوقت الذي نسعى فيه إلى إرشاد الشباب إلى الاستفادة الإيجابية من تقنيات الاتصال، علينا أن نتمعن في تلك الممارسات التي نصنفها في خانة الاستخدام السلبي، ونحاول أن نفهمها فهماً يتجاوز الوصف المشحون بالإثارة الإعلامية، ونناقش الأسباب بشكل موضوعي وبعيد عن المواقف المسبقة تجاه الشباب. وهذا الفهم العلمي لن يتأتى دون حوار اجتماعي علني لقضايا الشباب، ومثل هذه النقاشات ستساهم في التعرف على البدائل الإيجابية المتاحة للشباب في استخدامهم لهذه التقنية.

تصلني بين حين وآخر مقاطع سمعية ومرئية أنتجها شباب باستخدام التقنيات الحديثة، ولا أملك حين اطلع عليها سوى الوقوف احتراماً وإعجاباً لتلك العقول المبدعة، وأقتنع بأن شبابنا (من الجنسين) لا يحتاجون إلا لفرص تشجع الفكر الخلاق لتظهر مواهبهم الإبداعية. قد نختلف حول مضامين بعض من هذه المقاطع الصوتية والمرئية، لكننا أيضاً سنتفق حول أسلوبها المتميز في التناول والإخراج الفني.

علينا أن لا ننشغل بما نتوهم من سلبيات محتملة، وننسى ما نراه من إيجابيات مؤكدة، وأتمنى من أقسام الإعلام والقائمين على الأنشطة الطلابية في مؤسسات التعليم ومؤسسة الملك عبدالعزيز للموهبة والإبداع (موهبة) البدء في التفكير في برامج وأنشطة تشجع الشباب على التعامل مع تقنيات الاتصال في مساحة كافية من الحرية وتتسم بالتسامح مع الفكر الإبداعي، ولا يقتصر تقييمها وتقويمها على المضمون فقط لكن يشمل أيضاً أساليب المعالجة والتناول.
00:01 | 18-08-2021

إسرائيل وصورتها القاتمة

تناولت في مقالة الأسبوع الماضي تنامي التعاطف الغربي مع الحق الفلسطيني، والذي أتى على أنقاض جدلية المظلومية التي راهنت عليها إسرائيل لكسب تعاطف وتأييد الدول الغربية، وجاء في المقالة كيف ساهمت القنوات والمنافذ الإعلامية والاتصالية الجديدة على نشر ذلك الخطاب المناهض لها، خطاب بدأت معالمه تبدو واضحة في تصريحات سياسية ومظاهرات شعبية التي لم نكن نعهدها بذلك الوضوح والشفافية.

على الرغم من أن الإرهاصات الأولى لذلك الخطاب تعود إلى منتصف الثمانينيات، إلا أن البعض قد يظن أن ما نشاهده اليوم مجرد حالات استثنائية ومتفرقة، وربما ستنتهي عند أول بادرة لوقف إطلاق النار. هذا قد يكون صحيحا إلى حد ما، لكن إسرائيل والمنظمات الصهيونية الموالية لها في الغرب لا ترى ذلك، بل سارعت بتبني جهود ومشاريع إعلامية واتصالية تجسد مدى تخوفها من هذا الخطاب وانتشاره، وهو ما ستتناوله هذه المقالة.

شعرت إسرائيل بخطورة تنامي ذلك الخطاب المناهض لها، ومن أثره المحتمل في تشويه صورة حرصت على تحسينها بكل من أوتيت من وسائل للتواصل مع وسائل الإعلام الغربية والتأثير عليها، وتخوفت مما قد يترتب على ذلك من تداعيات وضغوط سياسية ستجبرها على تنازلات لا تنسجم مع مشروعها الاستيطاني للقضاء على الحق الفلسطيني.

لم تعوّل إسرائيل في مواجهة هذا الخطاب على جهد حكومي أو على سفاراتها، فقد حرصت على إبعاد جهودها عن الدعاية الحكومية الممقوتة في المجتمعات الغربية، واعتمدت على مواطنين وموالين لها في الولايات المتحدة، ممن عرفوا وتمكنوا من استثمار البيئة التشريعية لإعطاء جهودهم صبغة المؤسسات غير الربحية، ولتكون مسجلة كمؤسسات مجتمع مدني، ولتبعد عنها سمة الدعاية الحكومية، وتمكنها من التشدق بالحيادية والمصداقية لدى جمهورها المستهدف.

كانت بداية تلك الجهود في عام 1982، حيث تم تأسيس منظمة تعرف في الأوساط الإعلامية الأمريكية بـ«كاميرا CAMERA»، وهذا اختصار بالأحرف الأولى من اسم المنظمة (لجنة متابعة الدقة في تقارير الشرق الأوسط في أمريكا Committee for Accuracy in Middle East Reporting in America) تعمل هذه المنظمة على رصد كل ما يكتب في الصحافة الأمريكية، ليتم بعد ذلك إرسال ردود وتعقيبات على كل ما ترى أنه تصحيح لما يكتب ضد إسرائيل في الأخبار أو المقالات سواء في الأسلوب والصياغة أو في اختيار المفردات. ولهذه المنظمة مكتب في لندن لرصد ومتابعة ما يرد في وسائل الإعلام البريطانية.

ومع ظهور شبكة الإنترنت في التسعينيات، لم يعد الرصد الإعلامي مقتصرا على الوسائل الإعلامية الغربية، حيث تم إنشاء منظمة في عام 1998 باسم معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، وتعرف اختصارا بـ«ميمري MEMRI»، وهي الأحرف الأولى من اسم المنظمة باللغة الإنجليزية (Middle East Media Research Institute). تقوم هذه المنظمة بالرصد والمتابعة لما ينشر ويبث في الصحف والقنوات التلفزيونية في الدول العربية وعدد من الدول الإسلامية، واختيار كل ما يظهر الكراهية تجاه إسرائيل أو الدول الغربية وثقافتها، أو يتضمن فتاوى وآراء دينية شاذة. وترجمة ما تم التوصل إليه من مقالات ومقاطع فيديو إلى عدة لغات تشمل الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، وليتم بعد ذلك إرسالها إلى قوائم بريدية تضم أسماء شخصيات برلمانية وحكومية وإعلامية وأكاديمية في عدد من العواصم العالمية. والهدف هنا شيطنة العرب والمسلمين وتشويه ثقافتهم، وتصويرها بأنها عصية على التوافق والتعايش مع قيم الثقافة العالمية التي تحترم الانفتاح والتسامح. وهذا أسلوب يسمى في الإعلام بالحملات السلبية، والقائم على بيان عيوب الخصم بدلا من التباهي بالإيجابيات الذاتية، ولا يقوم بذلك إلا من شعر بمؤشرات الضعف والهزيمة إعلاميا، وأن صورته ليست في أحسن أحوالها، لذا يتم توجيه الأنظار إلى سلبيات الخصم.

بعد تنامي الخطاب المناهض لإسرائيل ووصوله إلى المحيط الأكاديمي، تم إنشاء منظمة لمراقبة الجامعات (Campus Watch) في عام 2002، وتعمل بالضغط على مسؤولي الجامعات بذريعة معاداة السامية لكل نقد ووجهة نظر لا تتفق مع وجهة نظر إسرائيل سواء ورد ذلك في كتاب في المكتبة أو في القراءات المطلوبة لمقرر دراسي أو في ندوة أو لقاء أكاديمي. وفي عام 2007 تم إنشاء جمعية أكاديمية متخصصة بدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا The Association for the Study of the Middle East and Africa لمواجهة جمعية دراسات الشرق الأوسط في أمريكا الشمالية Middle East Studies Association of North America، وهي جمعية عريقة تأسست في منتصف الستينيات، وعرفت مؤتمراتها بنظرة تتسم بقدر كبير من الموضوعية تجاه الشرق الأوسط وثقافته، وكثير ما يرد فيها تقديم أوراق علمية تتناول تاريخ الصراع في الشرق الأوسط، أو السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وفي الغالب لا تتفق مع المصالح الإسرائيلية ولا تخدم مصالحها.
00:09 | 28-05-2021

تعاطف غربي مع الشعب الفلسطيني: متى بدأ، وكيف ؟

يتداول العرب في منصات التواصل والتراسل الاجتماعي مقاطع فيديو وروابط لتغريدات شخصيات أكاديمية وسياسية وإعلامية غربية تتضمن التأييد والتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني. السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: كيف ومتى بدأ هذا التعاطف في المشهد الثقافي الغربي؟ وهذا ما تتناوله هذه المقالة.

لا جدال في قوة العلاقة بين أمريكا وإسرائيل، وهذه العلاقة ليس فقط بين الحكومتين، بل هي علاقة دولة بدولة، مما ساعد في بناء جسور للدعم السياسي والإعلامي للكيان الصهيوني. لكن سعة الفضاء الثقافي والحرية الإعلامية والأكاديمية في الغرب لا بد وأن تسمح بظهور نقد لإسرائيل، وللسياسات الغربية الداعمة لها. بالطبع لم تكن تلك المواقف المناهضة لإسرائيل نتيجة إعلام عربي أو نشاط فلسطيني، بل نتيجة متغيرات على الساحة السياسية للصراع العربي الإسرائيلي تعود إلى أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات؛ بدأت بتوقيع معاهدة كامب ديفيد عام 1978، ثم اجتياح لبنان ومذبحة صبرا وشاتيلا التي تمت بأوامر وحماية الجيش الإسرائيلي عام 1982.

منذ ذلك الحين بدأت تتنامى الشواهد والأمثلة على ظهور خطاب ناقد لإسرائيل ولمواقف وسياسات الدول الغربية الداعمة لها. كانت الإرهاصات الأولى لذلك بصدور كتاب عضو الكونجرس والناشط السياسي بول فنلدي «من يجرؤ على الكلام» في عام 1985، الذي كشف تغلغل اللوبي الموالي لإسرائيل في السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومدى تحكمه في صناعة القرار للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. ولقي هذا الكتاب رواجا في الأوساط الأكاديمية والثقافية حيث تمت إعادة طباعته في عام 1989، ومرة أخرى في عام 2003. وتلا ذلك صدور كتاب آخر في عام 2008 بعنوان «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية» الذي كتبه أستاذا العلوم السياسية والعلاقات الدولية جون ميرشايمر (في جامعة شيكاغو) وستيفن والت (جامعة هارفرد).

لم يقتصر الخطاب الناقد لإسرائيل على المحيط الأكاديمي والثقافي، بل تسرب أيضا إلى الفضاء الإعلامي، ومن الأمثلة على ذلك ما قامت به الصحفية اليسون واير بعد زيارتها للأراضي المحتلة، واكتشفت حجم انحياز الإعلام الأمريكي والبريطاني تجاه إسرائيل وتجاهله معاناة الشعب الفلسطيني، وعلى إثر ذلك قامت بإنشاء موقع إخباري اختارت له عنوان «لو عرف الأمريكان»، وتحول المشروع لاحقا إلى مؤسسة مجتمع مدني لمناهضة تحيز الإعلام الغربي لإسرائيل.

على الرغم من تناثر هذه الشواهد، إلا أنها تعبر بشكل عام بأن صورة إسرائيل في الغرب – وخاصة في المجتمع الأمريكي – بدأت في التغير، ولم تعد في أحسن أحوالها. أتى هذا الخطاب المناهض لإسرائيل والمؤيد للحق الفلسطيني على أنقاض تصدع جدليات كانت تراهن عليها إسرائيل لاستدرار تعاطف الشعوب الغربية معها، وكسب تأييد المؤسسات السياسية العالمية.

الأولى: جدلية المظلومية، وأن إسرائيل في محيط عربي يكره وجودها ويهدد كيانها. تصدعت هذه الجدلية بمرور ما يناهز نصف قرن على آخر قذيفة من جيش دولة عربية تجاه إسرائيل.

الثانية: جدلية الحليف الإستراتيجي. فقدت هذه الجدلية قيمتها وقوتها بعد تفكك الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة. بل تبين أن إسرائيل كانت عبئا ثقيلا على الولايات المتحدة في حرب تحرير الكويت عام 1990، وفي غزوها للعراق عام 2003، حيث حرصت الإدارات الأمريكية والقيادات العسكرية على إبعاد إسرائيل عن الصورة وعدم الارتباط بها.

الثالثة: جدلية الدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة. تصدعت هذه الجدلية في سياق الممارسات العنصرية التي تنتهجها إسرائيل تجاه الفلسطينيين، وبإقرار قانون يهودية الدولة. لا يمكن – وفقا لمبادئ الثقافة السياسية الغربية – الجمع بين الديموقراطية والثيوقراطية في نظام سياسي واحد.

اليوم، ومع الطفرة والثورة في تقنيات الاتصال ومنصات التواصل الاجتماعي، انفتحت منافذ اتصالية وقنوات إعلامية بديلة وخارج نطاق منظومة الإعلام التقليدي، وساهمت في انتشار هذا الخطاب في الفضاء الثقافي والسياسي والإعلامي على حد سواء. يتسم هذا الخطاب بالبعد الإنساني بشكل واضح، جدليته تقوم على البعد الإنساني ومعاناة المواطن الفلسطيني، وعلى البعد الحقوقي للفلسطينيين بالعودة واستعادة حقهم المغتصب. وهذا يشير إلى أن الخطاب الديني والعروبي الذي جادل به العرب لم يجد في التأثير على الغرب، بقدر ما أتى به ذلك الخطاب المبني على الحق الإنساني. الجانب الآخر أن هذا الخطاب بدأ يظهر بعد انتفاضة الحجارة وانتهاء العمليات الإرهابية واختطاف الطائرات التي قامت بها الفصائل الفلسطينية ذات التوجهات اليسارية المعادية في خطابها السياسي للغرب.

قد يبدو أن ما نشاهده ويصل إلينا حالات استثنائية ومتفرقة وعديمة الأثر. وهذا صحيح إلى حد ما. لكن إسرائيل والمنظمات الصهيونية الموالية لها في الغرب لا ترى ذلك، بل سارعت بتبني جهود ومشاريع إعلامية واتصالية تجسد مدى تخوفها من هذا الخطاب وانتشاره، وهو ما سيكون موضوع المقالة القادمة.
00:02 | 23-05-2021

رسالة مفتوحة لوزير التعليم

صاحب المعالي الدكتور حمد بن محمد آل الشيخ سلمه الله

وزير التعليم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تعودنا من الجامعات أن تتسابق في التباهي بفعاليات وأنشطة احتفاء باليوم الوطني. وهذه بالطبع جهود تذكر وتشكر، ولو أن معظمها لم يختلف كثيرا عما تقوم به المدارس المتوسطة والثانوية. ولا يخفى على معاليكم ما للجامعات من مسؤولية عظمى في التنشئة الوطنية، وفي تعزيز روح الانتماء التي ستحفظ لنا بمشيئة الله ذلك المكتسب الذي أنجزه الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ورجاله الأبطال -تغمدهم الله بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته-. فقد أنجزوا أعظم وحدة عرفها العرب في تاريخهم المعاصر، وحدة ظلت ولله الحمد متماسكة لأكثر من تسعين عاما، ولم تهزها الرياح العاتية التي مرت على المنطقة العربية خلال العقود الماضية.

ترتكز أهمية الجامعات في التنشئة الوطنية من كونها تحتضن قيادات المستقبل الواعد من أبناء وبناء الوطن، ممن سيتولون متابعة المسيرة التنموية. تحتضنهم في مرحلة عمرية حرجة من نموهم الفكري، حين تبدأ تتشكل الاتجاهات وقيم الثقافة السياسية ومشاعر الانتماء الوطني.

شهد التعليم العالي خلال السنوات العشر الماضية تطورا كميا ملحوظا، حيث تجاوز عدد الجامعات الحكومية والأهلية ستين جامعة؛ غطت كل المناطق الإدارية وكثيرا من المحافظات الكبرى. فعلى الرغم ما لذلك من جوانب إيجابية في اتساع وزيادة القدرة الاستيعابية للتعليم الجامعي، إلا أنه قد تكون له آثار سلبية على مقومات الوحدة والاندماج الوطني في المستقبل المنظور. هناك اعتقاد خاطئ لدى كثير من مسؤولي القبول في الجامعات الحكومية بأن القبول في الجامعة مقصور على أبناء المنطقة، مما قد يتسبب في انعدام أو التقليل من فرص الالتقاء والتعارف بين أبناء الوطن من مختلف المناطق، وما يمكن أن يثمر من فرص للتواصل الثقافي بينهم في الجامعة، تواصل يتجاوز قاعات الدرس والمعامل ليشمل الأنشطة الثقافية والفعاليات الاجتماعية. وغني عن القول إن مثل هذا التواصل سيبني تجارب لا يستهان بها في تشكيل الوحدة والاندماج الوطني بين أبناء المملكة من مختلف المناطق.

كانت لي ولمن هم من جيلي ممن جمعتنا مقاعد الدراسة في جامعات الملك سعود والملك عبدالعزيز والملك فهد فرصة شرف الالتقاء والتعرف وتكوين صداقات مع زملاء من كافة مناطق المملكة. لم تكن تلك الفرصة لتتحقق لولا أننا اضطررنا لأن ننتقل من مناطقنا ومدننا وقرانا للالتحاق بالجامعة.

لعل معاليكم يعمل بالتنسيق بين الجامعات على تبني نظام يمنع قصر القبول في الجامعات على طلاب منطقة بعينها، ويضيف إلى معايير الاعتماد المؤسسي للجامعات ضرورة تحقيق نسبة لا تقل عن 25% من طلابها من خارج المنطقة. ويمكن للوزارة أن تتبنى مشروعا يعزز من قدرات وجهود الجامعات للوصول إلى هذه النسبة، ومن ذلك مثلا تعديل برنامج المنح الدراسية الداخلية بحيث يشمل طلاب الجامعات الحكومية القادمين من خارج المنطقة، وأن تمنح الوزارة مكافأة مجزية للطالب المتميز من خارج المنطقة، وهذا سيشجع الطلاب المتميزين للدراسة في جامعات خارج مناطقهم. ففي الوقت الذي نصرف مبالغ مجزية على برامج الابتعاث الخارجي، يجب أن يوازي ذلك برامج للمنح للابتعاث الداخلي.

وتفضلوا معاليكم بقبول أطيب تحياتي

كاتب سعودي

IbrahimBeayeyz@
00:19 | 7-10-2020