أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1377.jpg&w=220&q=100&f=webp

هاشم داغستاني

(654)

على طاولة المقهى الصغيرة اتسع بنا الحلم ونحن نرسم بشغف فصول قصة المجد التالية.. نفكك أحجية اللامستحيل، ونردد نشيد الوطن «بلادي بلادي منار الهدى ومهد البطولة نحو المدى». كنا متشبعين بنشوة الممكن، نتنفس رؤية مملكتنا الطموحة، ونؤمن بحق التربع على عروش التميز والسيادة. حينها كان الوطن يحمل في جيده ثلاث ميداليات أولمبية فقط، منظومة رياضية تعاني من نضوب الموهبة الواعدة، وغياب مربك في ترابط مسارات الرياضي الاحترافية وقلة جليّة في مسابقات الفئات السِّنية والحصص الرياضية المدرسية والأكاديميات الفاعلة. كنا ونحن نروي آمالنا للصفحة التي اكتظت جنباتها بالأرقام والأهداف والتطلعات.. والجرأة، نتجاوز اللحظة ونسافر بعيدًا هناك حيث يترقب الحلم انبلاج نور التحقيق في الأفق. أن نؤسس لحاضنة رياضية نخبوية، أكاديمية عالمية تكون أرضًا للموهبة ومرجعًا فنيًا ومعرفيًا للاكتشاف والتطوير. كينونة متناغمة تجعل من الموهبة ذاتها محورًا استراتيجيًا تطوف حولها الممكنات وتتعدى حدود الملاعب حتى نحقق البطولة ونبني الإنسان. كانت جميع الإرهاصات تستوجب ميلاد الـ«مهد»، الطموح الذي ولد كبيرًا بين الكبار، الأكاديمية الرياضية الوطنية ذات المنهجيات الفنية الفريدة والخبرات العالمية المتفوقة والقيادات الوطنية الشغوفة المتألقة.

بدأنا ببعض الأدوات والكرات، وكثير من الشغف، ودعوة مفتوحة لأبناء هذا الوطن الزاخر بالموهبة والتنوع والإبداع. آلاف المواهب اصطفت لتجارب الأداء، مخترقين حاجز «الكورونا» حينها، يحملهم آباؤهم إيمانًا بهم ويقينًا بما تكتنزه أجسادهم الصغيرة من إمكانات. كانت كل تجربة من تجارب الأداء كرنفالاً صاخبًا من الطاقة الغامرة والبهجة المُعْدية في المكان. هذه البداية كانت إحدى نوافذ التأكيد على الحاجة الملحة لأكاديمية نوعية، تعيد تعريف خارطة الرياضة الوطنية، وتجسر الفجوة العميقة في المنظومة الرياضية الشاملة. لذلك أخذنا نُقلّب التجارب العالمية ونشخص الممارسات السابقة وندرس الرياضات ذات الأولوية ونغرس المرتكزات الاستراتيجية ونعد دراستنا الأولية لتحويل هذا المشروع الوطني الواعد إلى كيان رسمي مستدام. هذا الطموح المتجذر كان مستمدًا من العناية السامية من قبل قيادتنا الرشيدة وعطائها الوافر وتمكينها اللامحدود للقطاع وإنسانه والذي توّج بالموافقة التاريخية السامية الكريمة رقم (654) على إنشاء أكاديمية مهد الرياضية.

نعم تحوَّل الحلم إلى كيانٍ ينبض أملًا وعملًا، إلى حقيقة تتنفس تلك الطاقة الكامنة في نفوس آلاف المواهب في شتى الأمصار والأقطار، إلى أرض خصبة ترويها قطرات العرَق الندية على جباه الرجال الحالمين الأخيار.. بأننا نستطيع. أصبح الحلم حقيقة نابضة حية مكَّنتها مرتكزات ترتيبات الأكاديمية التنظيمية واعتماد مجلس إدارتها الأول. هذه الممكنات وأكثر كانت حجر الأساس للبدء بشكل استباقي في تأسيس المنظومة ووضع أطر الحوكمة الرشيدة لها وتصميم نماذجها التشغيلية وإعداد اللوائح والإجراءات والهيكلة الوظيفية والخطط والاستراتيجيات، استعدادًا للقفزة الطموحة التالية على مضامير العمل والتغيير.

كانت مرحلة البناء مفعمة بالتعلم المستمر والعمل الدؤوب كفريق ألمعي متحد واحد. مرحلة تلفعك من قيظ التجربة تارة وتهبُّ عليك من نسيم الإنجاز تارة أخرى. لم تكن مباريات التأسيس سهلة أبدًا! فالكر والفر والتقليب والتعديل وغيرها أنماط شكلت هوية المرحلة وطبيعتها الغامضة. كنا نعمل على مدار الساعة نوازن بين برامجنا الرياضية ونجوِّدها وننكب على ترصيص لبِنات المنظومة الداخلية ونسويها بإتقان. كانت أصوات الأطفال وشقاوتهم البريئة تعبر نوافذ مكاتبنا خلسة لتبعث فينا نفسًا باردًا من الأمل وتذكرنا بمن نكون. كنا نعيش خططنا حقيقة كل يوم! كأننا نخط بقلم حي يجسد الأرقام والأفكار والطموحات واقعًا على الملاعب ومنصات التتويج.

على طاولة المقهى الصغيرة.. كانت حكايتنا!

حلمٌ جريء احتضنته تلك الورقة البيضاء البسيطة وانبجس متحررًا من زواياها ليصنع الأمل القريب. كانت تلك الطاولة بمثابة فجوة زمنية مفرغة من الفوضى، نقطة ارتكاز قفزت بنا بعيدًا فوق ضوضاء التشكيك والتحطيم والمستحيل. ثورة بنَّاءة أعادت تشكيل مبادئ اللعبة من جديد. مهد هي ذاتها جنين بوعي وطن! يماثل نمو الطموح في عيون كل موهبة. الطريق طويلة.. وما زال للدهشة فصول يكتنزها مستقبل هذا الكيان العامر بقاداته وتطلعاته ومواهبه. والآمال كبيرة على مستقبل الموهبة القادمة لتحمل تلك الأمانة النَفِيسة كرَسيٍّ قويم على أكتاف الوعد. لذلك «جا الوقت» لمهد أن تحتوي بادرة المجد الأولى منذ البزوغ، وتقف كسارية شاهقة تُخبر أن بطلًا سعوديًا مر يومًا من هنا.

@Hashemdagh
00:00 | 15-08-2023

تفوز «العارضة» دوماً

لا يمكنك أن تغلب العارضة أبداً! حتى وإن ظللت تستمع إلى خطابات التحفيز المتناثرة في فضاءات التواصل الاجتماعي أو حتى لو أخبروك أنك تستطيع. ستظل العارضة ترتفع في كل مرة سنتيمترين.. ثلاثة.. أربعة أو ترتفع أكثر.. حتى تسقطك منهزماً أمامها بلا أمل. هذه الحكاية التراجيدية هي لأحد أفراد العائلة الأولمبية التسعة الحديثة، المولودة عام 1896 والتي شكلت أحجية معقدة أمام أعظم رياضييها على مر التاريخ. الوثب العالي، أو كما تُسمّى أيضا بالوثب العامودي، الرياضة التي يجد الإنسان نفسه وحيداً أمام عارضة مصْمتة، متجرداً من كل شيءٍ إلا قدرته، وسرعته، وقوته، وقدم واحدة مرتكزة على الأرض تقفز به فوق المصير. هي الرياضة التي تتراقص على شعرة نحيلة بين الجشع للمزيد والطموح المرتبط بمعجزة التمرين. واقعية بتصرف، لا تحتمل المفاجآت ولا تقبل أن تخضع لعبثية الصدفة. لعبة عادلة تحترم قوانين الفيزياء وتنحاز لشريعة النتيجة بعد الجهد والبذل.

رياضة الوثب العالي عجيبة جداً! فعارضتها لا تفتأ تقامرك إنْ تغلبت عليها لتختبر ثباتك وفهمك لقدرتك ووعيك بذاتك. تلاعب الحماسة فيك وتدفعك لأنْ تحاول أكثر حتى تسقطك منهزماً أمامها كما فعل من كانوا قبلك. لن تتوقف العارضة أبداً عن التحدي والارتفاع فوق قدرتك الآنية، فلا حد لها ولا شعور بالخذلان ينهش هيكلها البلاستيكي الفارغ. فهي إحدى تلك الرياضات التي تعتقد في الوهلة الأولى أنك تصارع العارضة وتجالد المستحيل للقفز فوق الممكنات، في حين أنها غير ذلك تماماً. فمنافسك الحقيقي هو أنت.. أنت وحدك.

أنت من يحدد ما يكون تحدّيك الحالي والقادم، وما الحد الفاصل بين الممكن والمستحيل، ومتى تنسحب فائزاً من ساحة المنافسة للإعداد للسنتيميترات القادمة. لا بأس أن تتوقف عن المحاولة أو أن تكتفي بنتيجة المرحلة، خصوصاً إنْ حققت هدفك. ولا بأس أيضاً أن تنسجم مع واقعية الإمكانات ونتاج مستواك الذي بلغت به حدك الأخير، وترحل فائزاً ببساطة. الخسارة الحقيقية هي حين ينفصل الطموح عن واقعية النتيجة الحتمية. وتظل تخسر محاولاتك الثلاث الأخيرة وتعود منكسراً بذاكرة الهزيمة وحدك.

يدفعنا جشع الفوز -وليس الطموح- لأنْ نستمر مهما بلغت خسائرنا لأننا موهومون بأن ما سيأتي لاحقاً سيكون أفضل بالتأكيد أو أنه يمكننا الفوز لو واصلنا مهما كان مستحيلاً. الفوز في مثل هذه الرياضات يبدأ أصالة في ساحات التدريب.. هناك أولاً قبل كل شيء. حين تعرف يقيناً متى ولماذا وكيف تفوز. حين تتعلم أدبيات التخطيط الجيد وإستراتيجيات الانسحاب الإيجابية وتضبط ميزان التوقعات بدقة.

هذه الرياضة قريبة جداً من واقعية حياتنا. المتأمل فيها يجد انعكاساً عجيباً بين قواعدها ومبادئها وبين أنماطنا السلوكية الشخصية والاجتماعية. فكما أن للعارضة سلوكاً عنيفاً ومشاكساً في التحدي والمناورة، هكذا الحياة لا تتوقف عن التحدي والتلون والتفنن في التعقيد والمراوغة كلما ارتفعنا وتقدمنا. لذلك إنْ وقفت أمام عارضة الحياة، لا تدعها تخادع طموحك وتستفز عنفوانك.. فهي لن تُهزم أبداً! ستظل قادرة على التحدي وعارضتها ترتفع أمام كل انتصاراتك وقفزاتك «الفوسبرية» شيئاً فشيئاً. لذلك تعلم متى تُقْبِل ومتى تنسحب، ومتى تحين لحظة انتصارك حتى لا تندفع بتهور نحو المجهول مملوءاً بالوهم ومن ثم تهيم مكسوراً أمام ذاتك بقسوة.

هناك لحظات يجب أن تقف قليلاً لتتأمل وتعيد صياغة توقعاتك وأهدافك، وتختار تحدياتك بإحكام، فليس لِزاماً أن تخوض كل تحدٍ تلقاه، وليس كل انسحاب وصمة عارٍ وانهزام. وهناك لحظات يجب أن تحسب خطواتك القادمة بعناية وهل هي كافية لتقوم بقفزتك التالية أم الأجدر أن تتوانى قليلاً حتى تكون مستعداً أكثر. تذكر دائماً أن معركتك الحقيقية هي تلك التي تكون أمام عارضة ذاتك، فما إنْ تتغلب عليها وتقفز فوقها حتى تنجلي لك الآفاق وتتشرب ثقة عميقة تفتح لك أبعاداً وتحدياتٍ جديدة. وتذكر أيضاً أن الفائز الأخير هو من يملك حق الاختيار في أن يكمل أو يوقف السباق، فكن دائماً الفائز الأخير.

Hashemdagh@
00:02 | 25-07-2023

قلعة فورست وول

100 عام متوقدة بشغف الرياضة، ظلت فيها أبواب استاد قلعة فورست وول في مدينة غوتنبرغ السويدية مشرّعة للمجد وحاضنة تاريخية للرياضة وشاهدةً على الحلم والجهد والتحقيق. حطم بين أسوارها العداء الأمريكي كارل لويس وقتها رقم الوثب الطويل للرجال وفاز بميدالياته العالمية الأربع، وسجل السويديان جوندر هاج وآرني اندرسون ورياضيون عالميون كثر أرقاما وإنجازات تاريخية مشرّفة على أرضها ومضمارها. بوتقة رياضية بسيطة في تصميمها، معقدة في تركيبها وامتدادها الثقافي، وعميقة في أثرها ودورها القيّم في حمل شعلة الحلم لما هو أبعد.

هذا العام، أُريدَ لهذا الصرح العتيق أن يفتح نافذة القرن للمستقبل ويصافح أبطال الرياضة الواعدين، ويمزج بين عبق الماضي ورؤية الغد. هذا العام، استضافت القلعة أحد أكبر ملتقيات ألعاب القوى في أوروبا وأكثرها تنوعا وتفردا في المشاركة والحضور، ملتقى غوتنبرغ لألعاب القوى للشباب. لقاء رياضي عالمي بامتياز يمتد لأكثر من ربع قرن، تتسع فيه الفرص وتذوب في ملاعبه الخبرات وتستشرف من خلاله الإمكانات والتوقعات. نسخة فتية من الدوري الماسي لألعاب القوى بطابع تعليمي وبيئة منفتحة للمحاولة والتحدي الصحي. أكثر من 3500 رياضي من 20 دولة يأتون كل عام ليقفوا على خطوط البداية منتظرين صافرة الانطلاق نحو المجد. كرنفال رياضي مبهج تجد في كل جنباته نبضا حيا وسباقا مثيرا وحضورا مميزا من المدارس والأندية والأكاديميات الرياضية المحلية والعالمية. هنا مسابقة للوثب العالي للفتيان لمن هم دون 12 عاما، وهناك مسابقة أخرى لرمي الرمح للفتيات لمن هن دون 17 عاما، وهناك عن قريب ثلاثة فائزين يعتلون منصات التكريم، يصفق لهم الجمهور الحاضر من الآباء والأمهات والمدربين بحرارة ودعم. كل ذلك وأكثر ينساب بإيقاع متناغم أنيق وسلاسة عجيبة دون توقف أو خلل. بعيدا عن التكلف والتعقيد وقريبا من طبيعة الرياضة في السرعة والفاعلية في التنفيذ.

القفز على المضامير العالمية والاندماج في مثل هذه التجمعات الرياضية التعليمية، شرط لازم في النمو الرياضي الاحترافي والتوسع المعرفي الثقافي للنشء. فهذه اللقاءات وفيرة باللغات والثقافات والتجارب المتنوعة والتي تجعل عقل الموهبة متقدا وتبقي رغبتها في الاكتشاف والمعرفة متأججة على الدوام. لذلك نحن في حاجة ماسة لإيجاد مساحات محلية نابضة وحراك كرنفالي مستمر كهكذا أنشطة وفعاليات، تستميل الأجيال القادمة للبطولة وتحقيق أنماط سلوكية وصحية مأمولة. فمعيار الميداليات والتحقيق ضمن هذا النطاق العمري اليافع ليس المؤشر المأمول ولا الدليل الحقيقي على التفرد والنجاح، بل ما نبحث عنه هو الاحتكاك المستمر والتنافس الصحي والتواجد الكلي الفعّال، والذي يدفع الموهبة عشرات الخطوات للأمام في مسيرتها الرياضية القادمة. لذلك وجب أن نكون جزءا من هذا الحراك النوعي ونقدم تجربة استثنائية شاملة لأبطالنا، ننقلهم فيها من التجربة المحلية الراسخة إلى فضاء تنافسي جديد شاسع، تصقل فيه مهاراتهم الفنية والثقافية بإتقان. فنحن لا نهدف لبطولة الملاعب فحسب، بل لتحقيق التميز وصناعة قائد نوعي يتجاوز خطوط النهايات لبدايات حياتية واعدة.

Hashemdagh@
00:39 | 9-07-2023

أندية بلا أبواب !

إذا وقفت متأملاً أمام عراقة «لافتات» أنديتنا الرياضية اليوم، وأنت متوشح شعار ناديك أو تحمل حقيبة التمرين على كتفك أو حتى لإيصال ابنك للتدريب ليكون قصة المجد القادمة، وجدت ثلاث كلمات عتيقة حفرت معانيها أصالة على مدار عقود ماضية ولا تزال.. رياضي، ثقافي، اجتماعي!

ربما أغرق المختصون والمهتمون هذا الشعار حديثًا في المقالات واللقاءات الرياضية، حرصًا على التذكير أو دعوة للتفعيل أو ربما إضاءة لأهمية معانيها الثلاثة التي وبفضل الرؤية الميمونة لمملكتنا الطموحة لاقت كل الدعم والاحتضان في قنوات عديدة وتحت مظلات مبدعة كثيرة. هذه الكلمات وأكثر ما تستند عليه حقيقة تأسيس هذه المنظومات المتفاعلة، وما تتسع له من تمكين للمهارات، تحسين للصحة العامة، توثيق للروابط الاجتماعية وتنمية للاقتصاد والاستثمار الإنساني.

حديثي في هذا المقام يخص ذات الكيان الحاضن، والكينونة التي رعت الشباب وصنعت الذكريات واحتوت الطاقات. فلربما كانت للأندية مساحة محددة تشغل حيزًا ماديًا في خرائط المدن، ولكنها في الحقيقة تشغل فضاء شاسعًا في نفوس مرتاديها. ففيها تتسع الفرص، وتنمو في جوفها الأحلام والطموحات، وتلعب دورًا جوهريًا في تحقيق التكامل والترابط، وإعادة تشكيل هوية المجتمع المحيط. فللأندية قيمة متعدية تتجاوز المباريات والانتصارات والانتماءات الملونة، يترجمها ظليل الدعم والحرص المدفوق من الدول والمنظمات الدولية، لما لها من أثر تنموي واقتصادي واجتماعي فعّال. مشروع «الاستثمار والتخصيص» مثلًا، الذي دشنه ولي العهد، تأكيدٌ إستراتيجي لقيمة الأندية الوطنية، وإعلان مهم عن مرحلة جديدة تحمل هذا الإرث الرياضي الطموح إلى ما هو أبعد. قفزة جريئة للمستقبل واستشراف للامحدود وإطلاق للإمكانات الكامنة والتي تستطيع هذه المنظومات المتناثرة على بسيطة المملكة تحقيقه على المدى الوطني والعالمي.

نادي كاستل دي سانغرو الإيطالي، قصة قصيرة ملهمة لنادٍ مغمور ترجم سحر المستديرة في بناء وتوحيد مجتمع قرية صغيرة نائية في مقاطعة لاكويلا، وإنعاش اقتصادها المحلي من العدم وتنويع الفرص الوظيفية في القطاع الرياضي والسياحي وتحقيق المستحيل في دخول حرم أندية الدرجة الثانية من قاع درجة الهواة. هذه المعجزة كان وراءها مستثمر مؤمن من أبناء القرية ومدرب حالم وفريق يشتعل طموحًا وإرادة لتحقيق المستحيل. قصة أخرى تلك التي تأتينا من شمال شرقي الجمهورية الهندية، تحديدًا من مدينة ايزاول في ولاية ميزورام، والتي حقق فريقها المجد بالفوز بالدوري الهندي الممتاز. هذا الفوز التاريخي كان له الأثر في بث روح الأمل في مجتمع القرية، وخط حلمًا ممكنًا لأطفالها وشبابها، وفتح أبوابًا مشرعة للاستثمار وتطوير البنى التحتية لكرة القدم والأكاديميات الرياضية فيها.

كثيرة هي حكايا الإلهام التي تجاوزت أسوار تلك الأندية وصنعت مجتمعات فخورة ونموًا اقتصاديًا مذهلًا حول العالم. مشاريع عدة وحملات ثقافية ومستدامة قادتها كبرى الأندية العالمية لتتّحد مع الإنسان وتطور المكان. لذلك يمكننا القول مجازًا أن الأندية الرياضية حاضنات اجتماعية واقتصادية بلا أبواب! فهي الثقافة والرياضة، والفن، والتربية، والتمكين. ومراكز تنموية حية توظف الرياضة معبرًا لصناعة الأثر والتغيير.

00:08 | 16-06-2023

الكابتن ماجد

في عام 1978، وعلى ملعب أنتونيو فيسبوكيو ليبرتي، بمدينة بوينس آيرس الصاخبة بأنغام التانغو وهتاف الجماهير المشتعلة، رفعت الأرجنتين كأسها العالمي الأول، وسجلت اسمها في تاريخ الذهب. ملايين العشاق شهدوا هذا العرس الكروي المتخم بالبهجة والإنجاز. شاشات التلفاز كانت نافذتهم وتذكرة عبورهم الأوحد نحو الحلم والوقوف مع منتخباتهم الوطنية في كفاحهم الرياضي الصاخب من ملاعب القارة اللاتينية. وهناك، بعيداً هناك، في إمبراطورية الشمس المشرقة، في منزل صغير بمدينة كاتسوشيكا بضواحي طوكيو اليابانية، جلس يوشي تاكاهاشي ابن الـ25 ربيعاً متسمراً أمام شاشة التلفاز، مأخوذاً بسحر المستديرة، ومفتوناً بإيقاعها المتناغم وتشكيلها الجماعي القويم، ومبهوراً بتناسق هيكلها القيمي مع المبادئ اليابانية الأصيلة. هذه الصافرة المتسللة إلى شغفه، كانت ريشة ميلاد الشخصية الخيالية الأكثر تأثيراً في تاريخ الرسوم المتحركة الرياضية، «الكابتن تسوباسا أوزورا» أو كما نعرفه في عالمنا العربي بـ«الكابتن ماجد».

يقول سابورو كاوابوتشي، الرئيس السابق لاتحاد كرة القدم اليابانية عنها «لا أبالغ لو قلت إن شخصية الكابتن تسوباسا ساهمت وبشكل ملهم في صناعة كرة القدم اليابانية».

لم يكن الكابتن ماجد نتيجة ثقافة كروية وطنية سابقة، فكُرة القدم لم تكن لعبة ذات ممارسة شعبية حينها، ولم يكن حتى تمثيلاً لبطل قومي يحاكي إنجازاته وأمجاده، فاليابانيون كانوا ثقافياً مشبّعين بلعبة البايسبول وأبطالها. بل كان حلماً جريئاً، ظاهرة عالمية خلقت حراكاً كروياً ممتداً في اليابان وما بعدها. مئات الملايين من قصص «المانجا» المصورة بيعت وتُرجمت لعشرات اللغات، متاجر رياضية أفضت خالية من القمصان والكرات، وأجيال أضحت مجنونة بكرة القدم تركلها في الردهات والطرقات. حتى قيل إنّه من شدة تأثر المراهقين بشخصية الكابتن ماجد، أصبحوا يقلدون تسديداته ومناوراته، ويميلون إلى اللعب في المراكز الوسطى، آخذين بنصائح وتوجيهات مدربه روبرتو هونغو.

لكن كيف يعقل لشخصية خيالية كرتونية أن تملك كل هذا التأثير؟ وكيف استطاعت أن تزيح هيمنة الألعاب الأمريكية وقتها وترتقي في سيادة الاهتمامات والرغبات الرياضية، وتصبح لعبة اليابان الأولى؟

إنها ببساطة سطوة الحلم، واستهداف الطفولة بقوالب قصصٍ سُكّرية، وصياغة شخصيات قريبة ممكنة التشبه والامتثال، وبالتأكيد لا نستطيع أن نغفل قوة اجتياح كرة القدم عالمياً وقتها وتربعها مكان الاهتمام عند الصغار قبل الكبار. يقول مؤلفنا يوشي تاكاهاشي «إنني وبدلاً من استخدام لاعبين محترفين في حياكة القصة، فضلت جعل الأطفال هم الأبطال، حتى تستطيع الأجيال القادمة أن ترى نفسها فيهم وتنمو مع فصول الحكاية». فالكابتن ماجد، ابن الـ11، كان يشبه وزملاؤه مئات الآلاف من أبناء اليابان الحالمين، الجوعى لشغف جديد وقدوات ملهمة مُشبّعة بالقيم والطموحات.

تسوباسا تعني باليابانية «الجناح»، وهو المعنى الذي ربما أراد به تاكاهاشي أن تحمله تفاصيل الحكاية، وتطير بأحلام اليابانيين إلى منصات التتويج والبطولات يوماً ما. للقصص المصورة والرسوم المتحركة دور كبير في تشكيل هوية الأطفال والسيطرة على حيّز حميمي في ذاكرتهم الشاسعة، فهي جرعات مركزة من البهجة والمتعة والألوان تثير عند الطفل رغبة الفضول والاكتشاف، وتتشربها بسلاسة عقولهم وقلوبهم وتذوب في خيالاتهم وسلوكياتهم وقيمهم بلا استئذان. يمكن لهذا الخيال الماتع أن يؤسس لحراك فني، ثقافي أو رياضي واعد، يخلق قدوات قيمية مُترعة بالأحلام والقيم ويصنع معجزات وإنجازات جديدة. يمكن القول إن الرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية ومثيلاتها اليوم تقوم مقام «الأبوّة المصورة» في توجيه السلوكيات وتأصيل الأخلاق. فـ«كرتونية القيم» أصبحت من أدق وأسرع معاول غرس المفاهيم وبناء طموحات الأجيال. أطفالنا خيالات خصبة وعقول متفتحة، تمتص بِنَهَم كل ما يعبرُ أمام أعينهم ويطرق بدهشة مسمعهم. لذلك كان حريّاً بنا أن نوظف الإبداع والخيال وننتج الأفلام ونساهم في صناعة قصصٍ عظيمة أخرى كالكابتن ماجد، محلية المعنى وعالمية الأثر، لعلنا بذلك نبلغ آفاقاً ملهمة جديدة يكون أبطالها أجيال المستقبل.

Hashemdagh@
00:03 | 31-05-2023

خارج حدود الحلبة

كان الواقع يشير بسبّابته المرتعشة إلى نهاية مؤلمة.. كل المعطيات كانت تقف بصمت خارج الحلبة تنتظر فقط النتيجة المتوقعة.. محمد علي كلاي لا يمكن لِلَكماتك الثورية أن تهزم الواقع وتطيح بقوانين المنطق في زائير.. جورج فورمان، ملاكم يافع لم يذق طعم الهزيمة بعد، بطل العالم للوزن الثقيل، وفي سدرة أدائه الرياضي.. خاض ما يقرب من أربعين نزالاً غالبها أنهاها بالضربات القاضية وفي الجولات الثلاث الأولى، ومنتصرًا على خصوم أشدّاء تغلبوا عليك كـ كين نورتون و جو فرايزر. إذًا لماذا يا محمد نزال «زئير الأدغال» ولمَ المخاطرة بسجلٍ متخم بالإنجازات والألقاب واللكمات الحاسمة.. ستهزم يا محمد لا محالة.. استيقظ.. إنه جورج فورمان.

هذا الجريان المتدفق من الخوف والقلق كان حديث حال اللحظة ورأي جموع الخبراء والمحللين والرياضيين وقتها، وحتى فريق محمد علي ذاته كان يقف متدثرًا وراء ستار الهلع والانهزام. كان محمد يقف وحده معزولًا عن واقعهم ومعطياتهم ومنطقهم، متمسكًا بالخبرة والدهاء والإيمان، ومتصلًا بثقة متعتّقة عبر الزمان. صرخ فيهم جميعًا بعد أن أطاح بالمستحيل وأنهى فورمان بالقاضية.. إذا خفتم فتظاهروا بالقوة.. وتبسموا.. فلن نستطيع أن نجابه الخوف والمستحيل إلا بالأمل.

كلاي لم يكن في الحقيقة مجرد طفرة تاريخية فحسب، بل هو نتيجة لسلسلة مترابطة من الحيثيات والشخصيات العظيمة المجتمعة التي صنعت بعضها وخلّدت هذا النموذج الرياضي والإنساني المتفرد. جو مارتن، الشرطي والمدرب الأول الذي انتزع محمد من مسالك البلطجة الشوارعية، ووظّف غضبه في الحلبة الصحيحة. أنجيلو دندي، المحارب والمدرب المخضرم الذي ابتكر استراتيجية النصر لكلاي "الارتكاز على الحبل" في نزاله التاريخي ضد فورمان. وآخرون هم من قرعوا أجراس البدايات والتمكين في مسيرة محمد الخالدة، وكانوا ملهميه وعرّابيه نحو التميز والسيادة. محمد ذاته كان نقطة إلهام مشعة وتحوّل صارخ في أجيال رياضية لاحقة. نزالاته ضد الظلم والعنصرية المقيتة، رسائله المشبّعة بالأمل والإنسانية، وكلماته التي كانت مغلّفة بالبذاءة والاستفزاز أحيانًا، معاول حق صلبة هدّمت أصنام الخوف والجهل ومهّدت لصناعة تاريخ من العظماء والحالمين يهتفون بعده «نحن الأعظم على مر التاريخ».

أعظم ما يُخلّده العظماء هم عظماءٌ آخرون!

ما يُخلِّد العظماء ليست إنجازاتهم وألقابهم وكارزميتهم الطاغية فحسب، ولا فولتات الأضواء الساطعة عليهم وحملات التسويق المبهرجة بأسمائهم. ما يخلِّدهم تابعون أوفياء، يتمسكون بأمانة الرسالة وينطلقون في دروبهم مُكْملين السباق حتى النهاية وما بعدها. لم يكن ليتذكر التاريخ محمد علي كلاي لو لم يكن يقاتل خارج حدود الحلبة، ويبذر الأمل في مجتمعات مضطهدة، وينحت الحلم تمثالًا مُمْكنًا للأجيال القادمة. لم نكن لنتذكر بيليه، ومارادونا، ومايكل جوردن، وبالتأكيد محمد علي لو لم يولد رونالدو، وميسي، ومايك تايسون، وليبرون جيمس، وروي جونز جونيور، وكثيرون من العباقرة الذين تأثروا بوهج إنسانيتهم وقيمتهم الرياضية الفذة. كانت مهمتهم الحقيقية إلهام هؤلاء القادةِ الجدد، وتوليد أجيال من الرواد والمجددين يحْملونهم أحياءً في ذكراهم وإنجازاتهم.

كثيرون هم من صعدوا الحلبات وانتصروا لذواتهم، وقليلون هم من تربعوا على عروش الذاكرة وتقلدوا أوسمة القدوات وخلّفوا عظماء مثلهم.

00:13 | 18-05-2023

في بيتنا موهوب

في فجر كل يوم جديد، يتنفس هذا الوطن ما يفوق الـ 7 ملايين شغف، مستقبلٌ يقود مستقبلا وحلمٌ يرسمه واقع مشرق. ذكريات الطفولة لا تكاد تفارق مخيلتي وأنا ابن العاشرة من عمري في صفوف مدارس الثغر النموذجية بجدة، إذاعة الصباحِ كانت منبري للدنيا وبوابة للعبور مني إلى كل روح يصلها صوتي وكلماتي. كانت تلك المنصة المربعة رغم محدوديتها، مساحة شاسعة تتشرب جموح تطلعاتي للمستقبل، وخشبة مسرح تقارع أعتق مسارح الأوبرا العالمية. لم تكن تلك النغمات الفنية حينها تطرب مشرف الصف وهو يطرق باب فصلنا منادياً كعادته عدداً معرفاً من الطلاب للمشاركة في مسابقة دولية أو تكريمهم لإنجازاتهم الأكاديمية. كنت أشعر أنني أحوم في مدار مفرغٍ من كل اهتمام مقيد الشغف مثقلاً بسؤال اقض مضجعي، ما هي الموهبة؟

تجيبني الجمعية الوطنية الأمريكية للأطفال الموهوبين أن الموهبة هي تلك القدرة الاستثنائية في الإنجاز والتفوق في مجالات الإبداع أو الفنون أو القيادة أو في أيٍ من المجالات الأكاديمية المتخصصة، بمعنى أن الموهبة لا تخضع للخارطة الأكاديمية وحدها إنما تسع كل الإبداع الذي تترجمه لوحة فنية، هيكلة معمارية أو قصيدة عامودية.

يعيش أطفالنا حالة من الرهاب النفسي والضغط الاجتماعي المستمر للتشكل التعسفي في قوالب الموهبة الضيقة التي لا تسعهم في الغالب، ويقود المفهوم السائد بعض المعلمين والمجتمع إلى تعزيز تلك التعاريف المحدودة في التميز العلمي والتفوق الدراسي فقط، مما ساهم في تحجيم اللامحدود من الإبداع وخنق منافذ التغذية الصحية للموهبة وتخريج جيلٍ مقبور الملامح والهوية.

إذاً، فالموهبة وطن كبير يسع الجميع، ورمزية نضج فكري واجتماعي تنعكس اقتصادياً وثقافياً على الأوطان ولغة موحدة تتحدثها الشعوب. هي حراك تنموي يساهم في توطين المعرفة وتصدير التميز للعالم، لذلك أعتقد أن الوقت قد حان كي يؤذن لعصر جديد يواكب الحراك النوعي والرؤية السامية التي تقودها الدولة نحو الإبداع، من خلال برامج وطنية داعمة تساهم فيها المؤسسات التعليمية لدعم الإبداع بشتى صنوفه وتعاريفه، نمكن بها المعلم كي يكون قناة اكتشاف وتطوير ونثقف الأسر كي يكونوا حاضنات محفزة للاستمرار والنجاح. هذه الساعة الذهبية تدق أجراسها في كل ثانية لتُعْلمنا أن موهبة واعدة تعيش بيننا، لذلك كن عين اليوم لرؤية الغد، وأبدأ في حدود فصلك أو منزلك، أو ربما في حدودك أنت، فقد تجد فيك طفلًا ضل طريق موهبته بالأمس يبحث عن بداية جديدة اليوم.

Hashemdagh@
18:49 | 20-03-2020

«الوفرة» في ساعة الصفر

في ذات اللحظة، تولد نفس وتموت نفس، كالبندول، يرقص بتوازن تحت سيطرة الجاذبية، قوة واحدة يتحرك في محورها قراران. هذه الأرض كبيرة للغاية تسع الجميع، عداد الميلاد فيها ثائر لا يتوقف، كأننا جزء من تركيبة ساعة ضخمة ثوانيها لا تنقطع. الماء، الهواء، الغابات والمحيطات، كل شيء في ظننا لا ينتهي وكل شيء متدفق لا ينحسر.

مفهوم الوفرة يسيطر على السلوك، يُفقد الإنسان القدرة على القياس والشعور بقيمة التفاصيل الصغيرة حوله، تسيطر عليه مفاهيم مختلطة كالأحقية والأنانية، وتتشرب عقليته الاعتقاد أن كل ما هو مباح مستباح بالكلية. تعاني الأرض كثيراً من هذه العقلية الاستهلاكية، مخلفات تفوق قدراتها الاستيعابية، مادية تلتهم كل الموارد الحالية وصنبور ماء لا يغلق من أجل إشباع ساعات من المتعة العابرة.

كل تلك الرسائل التسويقية الرأسمالية والتي تدعو إلى «اللامحدودية» في الخدمات والمنتجات، تشوه النظام الكوني وتغذي العقول بما هو فوق الحاجة من أجل تعظيم العوائد والربحية.

صرنا نأكل البلاستيك ونستمتع بالكيماويات وننزع الحقوق من الكائنات حولنا من أجل شطيرة لحم أو كأس عصير. أصبحنا نستهلك المعاني، الصور والعلاقات وكل ما يمكن استهلاكه من أجل إشباع قيمة معرّفة أو غير معرّفة للفرد،‬ لا يعطينا الحق أننا نملك قيمة فاتورة كهرباء وماء، أن نستهلك أكثر دون اعتبار للأثر السلبي التراكمي الذي يسببه أفراد مجتمع ما بيئياً، اقتصادياً واجتماعياً. فالوعي وحس المسؤولية نحو المحيط هي المعايير التي تضع الإنسان ضمن خارطة التغيير والتوازن المطلوب.

تخيل أن ما يقرب من مليار إنسان حول العالم ليس لديهم مياه شرب نظيفة! بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية.. نحن نعيش حالة تناقض بين غريقين، مجتمع غارق في الأمراض والفقر المدقع وآخر غارق في الكماليات يستنزف كل الموارد الممكنة. هذا الاختلال في التوزيع العادل للموارد ينتج مجتمعات مشوهة ويترك لنا أرضاً تعاني وتحتضر. أنت جزء من كل، وسلوكك الفردي يؤثر قطعاً على المحيط من حولك.

إذاً ماهو دورك الآن؟ ما هو القرار الذي سيغير العالم من خلالك؟ كيف ستساهم في تعزيز مفاهيم الاقتصاد البيئي في أي منظومة تعيش أو تعمل فيها؟ يمكنك أن تغرس قيم حفظ النعم في أطفال مجتمعك، وتوظف جميع القنوات والتقنيات الحديثة لتخفض استهلاك الماء أو تلوث الهواء. اقتصد وأعد تدوير الموارد التي تستهلكها، وأخيراً أذكرك بالقاعدة العمرية الأصيلة «أوكلما اشتهيت اشتريت؟»
01:38 | 6-03-2020

التنمية في مضمار الرياضة

المجتمع هو شبكة معقدة من السلوكيات والاعتقادات والمناظير المتنوعة للآراء وحاضنة عجيبة للمفاهيم، فهو حالة يصعب احتواؤها في حدود معينة أو خطابها بلغة محددة، لذلك ومن أجل ذلك تنوعت منابر التغيير المجتمعي لتعين الرياضة كإحدى القنوات الرئيسة والمهمة في صناعة التغيير وقوة دافعة لتعزيز السلوكيات الإيجابية. ما يميز الرياضة عن غيرها من القنوات المؤثرة أنها اللغة البسيطة التي يفهمها المجتمع والكرة التي يتدافعها الأطفال فيما بينهم لتحقيق هدف.

عندما أنظر للرياضة بشمولية أجد في العالم توظيفاً عجيباً لها لتحقيق معالم مهمة وأهداف إستراتيجية لعلاج الفقر أو تحفيز التعلم أو حتى لتخفيض معدل الجريمة. فهي قناة مؤثرة ومرنة، تتشكل مع احتياج المجتمع الذي تنمو فيه وتتقولب حسب الأهداف التي تسعى لتحقيقها. لذلك كانت اتحادات دولية مثل اتحاد التايكوندو سبّاقا لتأسيس منظمة غير ربحية لتعليم اللاجئين حول العالم مهارات الدفاع عن النفس، واللجنة الأولمبية الدولية صممت برنامجاً يعزز من القيم والسلوكيات الإيجابية لدى الأطفال، وأخيراً منظمة تسمى مدربون في كل القارات، سعت للوصول لـ١٦ مليون طفل في ١١٠ دول لتحقيق المعادلة التعليمية الحديثة بالممارسة واللعب.

هذه النافذة المشرقة فرصة نعيد بها ترتيب المساحات والمرافق غير المستغلة، تطوير برامجنا التعليمية والتربوية، وحتى إستراتيجيات القطاع الرياضي المحلي لتتواءم مع الأهداف الدولية وتوثيق اتصالها مع القطاعات الوطنية الأخرى التي تصب نتائجها فيها. هي معبر سهل لتأصيل القيم والسلوك الإيجابي ومنصة مؤثرة تُعالج من خلالها العديد من التحديات الاجتماعية المعاصرة، ومنبر عالمي يُعبر عن هويتك ويعكس وعيك أمام الأمم.

البعد العملي الذي أسعى له في هذا المقال هو أن نبدأ في المساحات الحيوية التي نعيش فيها، مدارسنا، أحياؤنا، نوادينا أو حتى منازلنا ونبدأ في غرس القيم، علاج التحديات التي نواجهها، تعزيز الوطنية ومواءمة التجارب العالمية المؤثرة مع أهدافنا المحلية من خلال الرياضة. أن نؤسس لجيل نشط ومجتمع مبادر ومنظمات داعمة تستثمر مواردها في تأثير مستدام. أن نصمم منهجاً تربوياً متفاعلاً أو نؤسس ملعباً في حديقة مهملة في حي تكثر فيه الجريمة أو نبحثُ عن موهبة واعدة في مدرسة نائية تحقق إنجازاً وطنياً مشرفاً يوماً ما.
01:51 | 28-02-2020