-A +A
حمود أبو طالب
بعد انفجار موجة الإرهاب في المملكة عام 2003 وتوالي العمليات الإرهابية بشكل غير مسبوق تم إنشاء ما سمي بلجنة المناصحة للإرهابيين الذين يتم القبض عليهم من تنظيم القاعدة الذي نشأ في أساسه كأحد منتجات فكر الإخوان المسلمين الذي أصبحت له قاعدة عريضة في المملكة بفعل النمو المتواصل عبر عقود من الزمن، وتغلغلت كوادره في كثير من الأجهزة. وكان من أكثر الملامح غرابةً في تلك اللجنة إسناد مسؤوليتها إلى أشخاص لم يكن خافياً ميولهم للفكر المتشدد والأيديولوجيا الإخوانية، وبعضهم كان من نجوم مرحلة الصحوة التي كانت تناهض توجهات الدولة وتعارض سياساتها وتسعى إلى تثوير المجتمع ضدها.

كان مشهداً متناقضاً مع المنطق أن تأتي بفرسان الفكر التكفيري الذي أفضى إلى الإرهاب كي يناصحوا تلاميذهم وضحاياهم، بل كان توجهاً خطيراً حاولنا التحذير منه لكننا قوبلنا بهجوم عنيف متعدد الجبهات، وأتذكر مرة كنت مشاركاً في حوار تلفزيوني مباشر عن عودة بعض المفرج عنهم للإرهاب بعد خروجهم بتزكية لجنة المناصحة، وكان الطرف الآخر في الحوار أحد أعضاء اللجنة من النجوم البارزة آنذاك، وعندما ألمحت إلى تلك الإشكالية هاجمني ذلك المؤدلج هجوماً عنيفاً على الهواء وكاد أن يكفرني علانية. كنا ندور في حلقة مفرغة، إرهابيون يتم القبض عليهم أو يسلمون أنفسهم لتتم مناصحتهم بواسطة أشخاص يتلمسون لهم الأعذار ويرفضون حتى تسمية ما يجري إرهاباً، ثم يوقعون لاحقاً شهادات توبتهم وإطلاق سراحهم لنفاجأ بعد فترة قصيرة بعودتهم إلى خلايا الإرهابيين.


الكشف عن تفاصيل حكاية سعد الجبري يزيح بعض الغموض والتناقض في موضوع المناصحة الصورية العبثية للإرهابيين عندما اتضح أنه كان المسؤول عن ترشيح واختيار أعضاء المناصحة من الحزبيين المسيسين أصحاب أجندة تأميم المملكة لصالح حلم الحكم الإخواني ضمن مشروع الفوضى والتقسيم. كان الغدر من الداخل أشد من التآمر الخارجي، وكان متعمداً أن تشتد وتطول وتستفحل موجة الإرهاب حتى تنهك المملكة لتصبح جاهزة للابتلاع من تنظيم يخطط لفترة طويلة بمساندة أجهزة استخبارات أجنبية.

ذات مرة نقلت إحدى صحفنا عن أحد كبار المقبوض عليهم من عرّابي الفكر المسوغ للإرهاب قوله بأنهم اخترقوا أعلى المستويات في أجهزة الدولة حتى الأمنية والعسكرية منها، لم يكن سهلاً تصديق كلامه آنذاك لكن أثبتت قصة سعد الجبري أنه كان محقاً في قوله. ولذلك، وكما نؤكد باستمرار، لا بد من حملة تطهير شاملة بلا هوادة لاستئصال كائناً من كان، من تنظيم الخراب والغدر والخيانة. كل المعطيات من حولنا تشير إلى أنهم ما زالوا يعملون وينتظرون اللحظة المواتية، فلنسحقهم قبل أن يعبثوا بنا كما عبثوا ببلدان أخرى.