-A +A
نجيب يماني
بمثل ما تنتج العقول الكبيرة أفكاراً عظيمة ورؤىً تخترق حجب الزمان لتستشرف المستقبل ببصيرة واعية، وحدس يتأسس على قاعدة القراءة السليمة للتاريخ والواقع والمتوقع لاحقاً؛ فإنه من الضروري والمهم أن تتقاطع مع هذه الأفكار وتزاملها -بذات الحيوية والطاقة الخلاقة- جهود عملية تقدم كل ما بوسعها، وتستوفي كل ما تدخر من أجل أن تُنزّل هذه الأفكار إلى أرض الواقع، لتحقيق المستطاع في حلمها المشروع وهذا وحده ما يُخرج الأفكار النيرة من محابس التنظير إلى فضاء العمل المشرق، وكلما قصرت المسافة الزمنية بين التنظير والعمل كلما كانت الثمار الناتجة طازجة وناضجة بالخير العميم، والإنجاز المبهر..

إن وضع فكرة التحول الوطني 2020، المترافقة مع رؤية المملكة 2030 في سجل الأفكار الإنسانية العظيمة ليس بغلو أو تجاوز في القدر المعقول من الاعتداد بالوطن وقيادته؛ بل إنها الحقيقة التي أكدت على أن هذه الرؤية فكرة تسلقت سور الزمان وعبرت إلى آفاق رحبة، وأسست لمستقبل زاهر، يقود المملكة وشعبها إلى متراحب الساحات، وسمو الغايات، ولنا في تأكيد خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان - ما يسند هذا القول ويعضده، بأن هدفه الأول أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة، وأنه سيعمل معنا على تحقيق ذلك.. فجاءت هذه الرؤية الطموحة بحجم وطن كبير يمثل ثقلاً عالمياً في عالم اليوم، أبدعتها بصيرة مهندس المستقبل على إيقاع التحول الوطني، سمو الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد المبارك، فمن شمس رؤيته انسل هذا الشعاع الباهر وسكن قلوب الطامحين للعمل على تحقيق الرؤية والانطلاق بها، فكان لمؤسسة الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث شرف السبق، وتاج المبادأة بوضع خطة التحول الوطني 2020 حيز التنفيذ، لتصبح بذلك أول جهة حكومية تنال هذا الشرف، مستشعرة بأن التحول الوطني بكل أبعاده هو خطة عمل متكاملة تعني وجه المملكة لفترة ما بعد النفط، ويشمل هذا التغير الرؤية المستقبلية للعديد من البرامج التنموية والصحية..


وستتولى إدارة التغيير التركيز على موظف التخصصي لتغيره سلوكياً وتوجيه مفاهيمه للأفضل وسينعكس ذلك على المريض ودرجة رضاه وتتضمن أعمال إدارة التغيير الإجراءات والتقنيات والأدوات التي يتم استخدامها لدعم الإدارة والموظفين في تحولاتهم وتحقيقها كثقافة في المؤسسة وتحسين القدرات السلوكية للموظف ليكون مستعداً للتغير في مؤسسة غير ربحية.

إن تجربة التحول في المؤسسة كأول جهة حكومية صحية متخصصة في علاج الأمراض المستعصية، وزراعة الأعضاء، فضلاً عن كونها مركز أبحاث يرفد العالم بمستجداته، عملت منذ اليوم الأول انطلاقاً من سعة الرؤية على تحديد التحديات التي تواجهها وبناء القدرات المؤسسية اللازمة لرفع وتحسين جودة الرعاية الصحية الوقائية والعلاجية والتوسع في خصخصة الخدمات الحكومية، بغية إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والدوليين، وتعزيز ثقتهم باقتصاد الوطن بما يلبي تطلعات المؤسسة في رحلتها للتحول إلى مؤسسة مستقلة غير هادفة للربح وهذا ما أكده معالي الدكتور ماجد الفياض، المشرف العام التنفيذي، وهو يشرح معنى وفلسفة إدارة التغير في المؤسسة؛ عند افتتاحه للمركز الدائم للتحول في تخصصي الرياض وجدة ومستقبلاً المدينة بإذن الله، مبيناً أن إدارة التغير تعمل على إنزاله على أرض الواقع ليشمل الإنسان والمكان بما فيها المريض ومتطلباته، وعمل الكثير من الإصلاحات والتوسعات وزيادة القدرة الاستيعابية في كافة القطاعات الإدارية والفنية والطبية والتمريض كما سيتم تحسين نظام المستشفى وسيفتح المجال لمرضى آخرين للعلاج بعيداً عن الربحية المادية، وزيادة الاعتماد على المداخيل المادية الذاتية كالتأمين على المريض وتحويله للعلاج في التخصصي من قبل الدولة، وزيادة حصة إنفاق القطاع الخاص من خلال طرق بديلة للتمويل وتوفير الخدمات الضرورية. لقد تم الانتهاء من بعض المبادرات نحو التحول المؤسسي ومبادرات جار تنفيذها من برنامج التحول إضافة إلى اعتماد تنفيذ 32 مبادرة جديدة تنطلق بنظام الشركات، والتحول التشغيلي، وتجربة المريض، ومركز إنقاذ الحياة، والذكاء الاصطناعي، وبرنامج التطوع، وتعزيز كفاءة مركز الصرع، والرعاية الافتراضية، وزراعة الأعضاء، وغيرها.

سوف تشهد المؤسسة تغيراً شاملاً في كل مفاصلها يسعى للأفضل والأحسن ليستطيع المنافسة في سوق رحبة مفتوحة مما يكسب التخصصي المزيد لفتح المجال لمرضى آخرين من الداخل والخارج.

هذا غيض من فيض، يكشف أن تجربة المؤسسة ستكون تجربة فريدة؛ باعتبارها أول مؤسسة في قائمة التحول يتم الإعداد الجيد لها لتصبح موسسة غير ربحية لخدمة المريض.

وهذا ما ينسف هواجس البعض حول وضع المريض في التخصصي؛ والادعاء بأن الدولة لم تعد تغطي نفقات علاجه، وهذا غير صحيح، فالدولة -ومنذ التأسيس- تكفلت بعلاج المواطن ورعايته.

صفوة القول؛ إن التحول الوطني ركّز في رؤيته ومشواره؛ على الإنسان وغده، فأخذ بيده وجعله في صدارة خططه، ودائرة اهتمامه، بوصفه الثروة الحقيقية لهذا الوطن، ولهذا كان التركيز على إنسان التخصصي في مواقعه المختلفة، بتدريبه وتهذيب سلوكياته، وتغيير مفاهيمه لصالح الإنسان والمكان، وإعداده لمواجهة هذا التغير، والاستعداد له بكل طاقاته، من أجل راحة المريض، والعمل على رضائه، وتوفير الجو الصحي المناسب له، مع زيادة وعيه بالانتماء الوظيفي للمؤسسة، وحب الكيان الذي يعمل فيه، وشعوره بأنه جزء لا يتجزء منه ليكون نموذجا يحتذى به في قطاع الرعاية الصحية بحلول عام 2030.

* كاتب سعودي