-A +A
طلال صالح بنان
في الأول من الشهر الحالي أعلنت الولايات المتحدة وقف دعمها المالي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، التي أنشئت بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم: 302 (9 ديسمبر 1949)، عقب حرب 1948. تبلغ مساهمة واشنطن في ميزانية الوكالة، التي تصل إلى ملياري دولا في السنة، 370 مليون دولار. بذا تكون واشنطن هي أكبر الداعمين للأونروا.. ويأتي الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بمبلغ 160 مليون دولار، بينما تتصدر المملكة العربية السعودية بقية دول العالم، بمبلغ 148 مليون دولار سنوياً.

مما لا شك فيه إن خسارة الأونروا، للمساهمة المالية الأمريكية، التي تقارب ثلث موارد الوكالة، من شأنه إحداث خلل كبير في عمل الوكالة، قد يهدد بانهيارها. تكلفة امتناع الولايات المتحدة عن المساهمة المالية في ميزانية الأونروا لا تقف عند الخسارة المادية، بقدر ما تمتد إلى دفع العالم لتحمل تكلفة سياسية وأخلاقية، لا يتحملها الاستقرار الهش في المنطقة.


إن الخطر الناجز والمستطير لسلوك واشنطن هذا يتمثل في خرق أقوى وأغنى دولة في العالم للقانون الدولي، بما يتجاوز عمل الوكالة المباشر، إلى الإقدام على مخالفة صريحة لقرار الأمم المتحدة رقم: 302 الذي نص على أن مهمة الوكالة الأصلية، ليس في التخفيف من معاناة الفلسطينيين الذين أُجبروا على ترك دورهم وأعمالهم ومصدر رزقهم نتيجة لعدوان إسرائيل على أرضهم وطردهم منها بسبب قيام إسرائيل، فحسب... بل العمل على عودة اللاجئين إلى ديارهم، حيث بتلك العودة تتحقق الغاية الأساس من قيام الأونروا، إذن: الأونروا هي المرجع المؤسساتي والقانوني والأخلاقي الأممي لحق العودة للفلسطينيين، الذي يحاربه الصهاينة، في المنطقة والعالم.

هذه التكلفة السياسية والأخلاقية الباهظة لما أقدمت عليه واشنطن ضد الأونروا، تتجاوز أي محاولة لتدبير مبلغ المساهمة المالية لواشنطن، في ميزانية الوكالة الدولية. ربما الرئيس ترمب وإدارته، يحاولون اختزال المشكلة، في بعدها المالي، بينما تكلفة هذا الإجراء الفض تتجاوز إلى ما هو أبعد من التكلفة المالية، لتنال من سمعة ومكانة الولايات المتحدة ومسؤوليتها الأولى في الحفاظ على استقرار العالم وأمنه.. وإلى النيل من حق أصيل للفلسطينيين بالعودة، كأهم شرط من شروط أية تسوية لأزمة الشرق الأوسط، قابلة للحياة والاستمرار... بل قد لا نتجاوز الحقيقة، إذا ما ذهبنا في تحليلنا، إلى الزعم من أن هذا الإجراء الفض، الذي يفتقر إلى البعد الأخلاقي والمسؤولية الأممية، قد يتعدى أثره السلبي إلى ما تتصدى له الولايات المتحدة من زعم دعمها اللا محدود لإسرائيل، ظالمة وموغلة في الظلم.

بدايةً: لن يتسبب هذا الإجراء الأمريكي تجاه أكثر وكالات الأمم المتحدة مساهمةً في استقرار واحدة من أخطر بؤر عدم الاستقرار في العالم هذه الأيام، في وقف عمل الوكالة. العجز المالي الذي تواجهه الأونروا، لن يستمر، إذا سوف تسارع دول كثيرة بالإضافة إلى شخصيات ومؤسسات غير حكومية لملء فراغه، بالإضافة إلى إجراءات الترشيد في داخل الأونروا، نفسها.

الأهم: إن الهدف الأساس من وراء هذا السلوك الفض وغير الأخلاقي، تجاه واحدة من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة مساهمةً في استقرار العالم وأمنه، لن يحدث الغرض المبطن له، ألا وهو: التخلص من مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وتصفية القضية، برمتها... مما يسهل الأمر في التوصل إلى تسويات، لا تقف على قواعد صلبة، أخلاقية وسياسية وعملية، مثل ما يُشاع هذه الأيام عن ما يُسمى بصفقة القرن.

هناك أيضاً، جانب سلبي مظلم، حالت الأونروا دون اشتعاله، أو على الأقل، ساهمت بقوة في إخفاء جذوته تحت الرماد. ترى ما الذي سيحدث لو حدث وأوقفت الأونروا خدماتها ومساعدتها لغوث وتشغيل الفلسطينيين في 3 دول عربية (سورية ولبنان والأردن) وكذا في الضفة الغربية وغزة، حيث في الأخيرة يستفيد ما يقرب من نصف اللاجئين البالغين 5 ملايين فلسطيني، من خدمات وأعمال الأونروا. لا شك أن الاستقرار يكون مهدداً بما لا يكون من قبل في هذه المناطق، بل على مستوى المنطقة برمتها.

المشكلة الأساسية في إيقاف الولايات المتحدة مساهمتها المالية في ميزانية الأونروا، تكمن في عامل عدم الاستقرار الذي يمثله هذا السلوك الأمريكي الفض واللا أخلاقي، تجاه واحدة من دعائم الاستقرار في المنطقة. تكلفة باهضة تتجاوز أي محاولة لسد العجز المالي الناتج عن وقف الدعم المالي لواشنطن للأونروا. تكلفة لن يستطيع العالم دفعها.. كما سينوء بوزرها ضمير الإنسانية. وإن كان وقف هذا الدعم المالي الأمريكي للأونروا، ينبثق عنه بصيص أمل يلوح عن بعد، بحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.. والقضية الفلسطينية، برمتها، بطريقة غير تلك التي يخطط لها الصهاينة، في المنطقة والعالم.. زوال إسرائيل، نفسها.

احتمال لم يخطر ببال إدارة الرئيس ترمب.. ولا ببال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في تل أبيب، ولا ببال الصهاينة في المنطقة والعالم.

* كاتب سعودي

talalbannan@icloud.com