-A +A
نجيب يماني
بعد أن تكررت حوادث الدهس وأزهقت أرواح بغير حق، نطالع أخبارها بخوف ورعب، تؤرق مضاجعنا خوفا على أرواحنا، تعددت أسبابها وتنوعت مصادرها ولكن أهمها غياب وسائل السلامة في شوارعنا. ففي الوقت الذي استطاع المرور إنقاص حوادث السيارات بنشر التوعية والتثقيف المروري ووضع الضوابط والقوانين لردع المستهترين وسن العقوبات المغلظة على مستخدمي الطريق العام حفاظاً على أرواحهم ومركباتهم وسلامة الآخرين، خاصة تلك العقوبات المغلظة على قاطعي الإشارة وما أحدثه نظام ساهر في تربية سلوك السائقين وأجبرهم على احترام السير في الشوارع، إضافة إلى حزمة قرارات منعت استخدام الجوال وألزمت بربط حزام الأمان وتقيد السائق بوضع الأطفال في الأماكن المخصصة لهم ووجود رجل المرور في الشوارع يصور المخالفات ويلزم بدفع الغرامات وغيرها من القوانين والأنظمة لقيادة آمنة حدّت من نسبة الحوادث المرورية بعد معاناة طويلة من الفقد والألم وضياع سنوات العمر على أسرة المستشفيات وإهدار المليارات على الممتلكات والعلاج. وفي المقابل لم تقم (الأمانة) بواجبها وتعطي أهمية مستحقة للمنشآت الطرفية الحيوية في شوارعنا مثل إنشاء جسور الطرق العلوية لعبور السائرين عليها حماية لهم من حوادث الدهس والصدم، فلو أخذنا مدينة جدة على سبيل المثال لوجدنا أنها مدينة تخلو من الكباري العلوية لعبور المشاة ولقطع الشارع، وإن وجدت فهي قليلة وغير مؤهلة لأن تتماشى والتوسع الذي تشهده مدينة جدة وبالتالي تعجز عن استيعاب العابرين الذين يقطعون الطريق على مدار الساعة. كما أن تصميمها البدائي وشكلها الكئيب لا يتماشى وأوضاع كبار السن والعاجزين وأصحاب الاحتياجات الخاصة والسيدات الحوامل وأطفال المدارس وكافة المستخدمين لها فهم يجدون مشقة وصعوبة في صعود ونزول درجات هذه الكباري، وبالتالي يفضل البعض تحمل المخاطر وقطع الشارع. في طريق الملك وهو شريان رئيسي ممتد يربط شمال جدة بجنوبها ويمر على عدة مناطق سكنية ومولات تجارية ومصالح حكومية لا يوجد عليه أي كوبري علوي يستخدمه المشاة للعبور عليه في أمان وسلام وخاصة بعد أن جعلوا منه طريقا للموت في هندسة غريبة زادت من حوادثه وكثرة مشاكله، وقد رأيت بأم عيني ومعي صديق شاهد عيان، شخصين يعبران هذا الطريق يدفعان أمامهما ثلاجة ينقلانها من ناحية إلى أخرى وسط ضجيج السيارات وأبواقها المزعجة واستنكار السائقين وضحكات المغلوبين على أمرهم وكادت أن تحدث كارثة لولا لطف الله ورحمته وصبر السائقين وأناتهم، وهي مشكلة تعاني منها مدينة جدة عامة فتخلو شوارعها من كباري علوية مجهزة بسلالم كهربائية ومصاعد إليكترونية بأشكال جميلة وواجهات زجاجية مكيفة تبعث البهجة وتشجع المشاة على استخدامها بيسر وأمان، وقد سألت عددا من رجال الأعمال لماذا لا يستثمرون أموالهم في بناء هذه الكباري وتشييدها خدمة للمجتمع وفي نفس الوقت تعود عليهم بدخل مادي مميز عن طريق الإعلانات، وكانت الإجابة أن اشتراطات الأمانة وطول إجراءاتها وما تفرضه على المستثمر من رسوم أرضية وهوائية وعلى الفراغ مع دراسات وطلبات تعجيزية تجعل المستثمر يفكر ألف مرة قبل أن يدخل في هذا المجال، فواجب الأمانة أن تعيد دراسة إنشاء هذه الجسور وتضعها في قالب استثماري مقبول ومشجع ليستطيع المستثمر الحصول على التصاريح اللازمة بعيدا عن هذه التعقيدات القاتلة خاصة وأن أمانة جدة اخترعت من تلقاء نفسها بناء أرصفة عالية في شوارعنا لا تمت إلى عوامل الأمن والسلامة بصلة، من أراد أن يعبرها فعليه أن يكشف عن ساقيه ويعرف كيف يقفز عليها دون أن ينكسر منه شيئا، علاوة على ما تمثله من مشاكل في حالة الحوادث وهطول الأمطار وهي أرصفة عالية لا مثيل لها في كل العالم ترفضها حقوق الإنسان ويرفضها الذوق العام. إن شوارعنا تحتاج إلى إعادة هندسة بعد طول سُبات من الأمانة تردم فيها الحفر وتزال منها المطبات العشوائية وتعاد بناء الأرصفة التي تفصل بين خطوط الخدمة والشوارع الرئيسية وطلائها بلون فسفوري مميز أو تضع عليها علامات يهتدي بها السائقون، وأن تسوي فتحات المجاري بالأسفلت بدل هذه الفجوات الأرضية العميقة مع إزالة الصبات الأسمنتية التي شوهت الزمان والمكان، على الأمانة أن تدرك أن هناك رسوما يدفعها المواطن عند إصلاح سيارته وعند شراء قطع غيارها وعند ذهابه للورشة نتيجة للمعاناة من حال الشوارع، فهذه الرسوم لابد أن تقابلها خدمة مميزة ناهيك عن أن هذه الحفر والمطبات حين يحاول أن يتفادها السائق ذات اليمين وذات الشمال أو يقف فجأة حتى لا يسقط فيها، إنما يعرض نفسه لخطر حادث مفاجئ قد يكلفه الكثير والسبب الأمانة التي تهمل إصلاحها. أتحدث هنا عن الشوارع الرئيسية فالوضع في الشوارع الخلفية أدهى وأمر حسب جولة «عكاظ» التي أكدت أن أحياء الخمس نجوم بغياب الرقابة وانتكاسة الخدمات فقدت لقب الراقية شمال جدة هذا هو الحال، لا بد أن تسارع الأمانة وتشارك بكل طاقاتها حتى تستطيع المواءمة مع رؤية الوطن الجديدة تستنهض الهمم وتحرك دوافع العمل بجد وإخلاص، وتكون على قدر الرؤية ومستواها فنحن في وطن يخلق من جديد.

* كاتب سعودي