-A +A
إعداد: محمد المشرعي mmashraee2@
كانت اللغة العربية لغةً محكيةً مرتبطةً بسليقة أهل الجزيرة العربية وفطرتهم، تثريها بيئتهم بما يناسبها من تعابير وألفاظ. ومع بزوغ نجم الدين الإسلامي واتساع رقعة بلاد المسلمين، قادت فتوحاتهم شعوباً لم تنطق العربية قط، فأصبحت جزءاً من المجتمع العربي، فصارت الحاجة ملحة لضبط قواعد اللغة العربية حفظاً لها مما يداخلها ويخالطها من الشوائب التي تشوبها، وقد كان ذلك أمراً شبه مستحيل، لولا وجود عدد من علماء اللغة الذين رهنوا حياتهم لها، ومنهم تاج الدين أبو الفتح عثمان البَلَطي، أحد علماء العربية.

ولد عام 524هـ في بلدة «بَلَد»، على نهر دجلة، ويقال لها: بَلَط، أخذ النحو عن سعيد بن المبارك بن الدهان، والحسن بن صافي، روى عن القاسم بن الحسين البغدادي الشاعر المعروف بابن الطوابيقي شيئاً من شعره.


انتقل البَلَطي إلى الشام، وأقام بدمشق مدة يتردد منها إلى الزبداني للتعليم، فلما صار الحكم في مصر للأيوبيين سنة 567هـ انتقل إليها فحظي بها ورتّب له صلاح الدين الأيوبي مرتباً معلوماً على جامع مصر، يقرئ به النحو والقرآن. قال القفطي: «رأيته بمصر وهو يفيد الطلبة علمَي النحو والعروض، وكان بهما قَيِّماً، ولم أسمع أحداً يذكر صيانته».

جمع في النحو بين المذهبين البصري والكوفي، وكان متمكناً منهما أصولاً وفروعاً. صنّف «المنير» أو «النِّيِّر» في علم العربية، وصنّف «علل القراءات»، وكتاب العروض الكبير في نحو ثلاثمائة ورقةٍ، كتاب العروض الصغير، وكتاب العظات الموقظات، وكتاب أخبار المتنبي، وكتاب المستزاد على المستجاد من فعلات الأجواد، وكتاب علم أشكال الخط، وكتاب التصحيف والتحريف، وكتاب تعليل المبادات.

بقي في مصر حتى مات بها سنة 599هـ.