محمد الهتار
محمد الهتار
مهند الديبو
مهند الديبو
-A +A
محمد الهتار (جدة) alhattar@
3 أعوام مضت على زواجهما دون أن تنجب زوجته، فقررا مراجعة الطبيب للوقوف على الأسباب التي قد تكون حائلاً بين قدوم مولودهما الأول وتحقيق حلمها الذي خططا له منذ اللحظة الأولى لزواجهما بأن يصبحا أبوين. وفي عيادة الطبيب، وبعد فحوصات وأشعة تبينت سلامتهما، وصرف للزوجة بعض الفيتامينات والعلاجات المسرعة للإنجاب، ومضت أشهر والزوجان ينتظران موعد قدوم الفرح لكنه تأخر فاستسلما وقررا انتظار قدرهما.

في إحدى الصباحات، شعرت الزوجة بغثيان وتعب وعلى الفور ذهبت برفقة زوجها إلى أقرب مستشفى وهناك كانت الفرحة في استقبالهما، فالفحوصات التي أجريت للزوجة أظهرت أنها حامل في أشهرها الأولى، وأن حلمهما يقترب من التحقق.


بدأ الزوجان يعدان العدة لتجهيز غرفة خاصة للمولود القادم الذي سيقاسمهما الحياة، وعندما حانت اللحظة حبسا أنفاسهما ودخلت الزوجة إلى غرفة الولادة، ومنها انطلقت أول صرخة لطفلتهما التي أضاءت حياتهما فرحاً، لكن الفرحة لم تكتمل، فكلما جلست الأم بجوار مولودتها ولامست ساقها وأثنت ركبتها سمعت طقة، وكانت المفاجأة أن الطفلة ولدت «مخلوعة الورك»، كما قال الطبيب طبقا لما أظهرته الأشعة، وبدأ الأبوان في علاج طفلتهما.

التقلقل والعسر التطوري

لمعرفة كيف يتعرض المولود لخلع في الورك عند الولادة، سألت «عكاظ»، استشارية طب الأطفال والأمراض المعدية لدى الأطفال الدكتورة تسنيم زيدان فقالت: إن الخلع الوركي الولادي مصطلح لعدم ثبات أو فك مفصل الورك ويصيب الآلاف من الأطفال كل سنة عند ولادتهم، وتراوح أعراضه ما بين عدم ثبات المفصل بصورة خفيفة وفك كامل للمفصل من مكانه، وهناك تقريباً حالة واحدة بين كل 20 ولادة طبيعية مصابة بصورة معينة من «التقلقل الوركي»، وهناك بين حالتين و3 لكل ألف حالة تتطلب العلاج. وتشير زيدان، إلى أن الأطباء يستخدمون العديد من المصطلحات للخلع الوركي الولادي، وهي مرتبط بشدّة الحالة ووقت ظهورها، ومن هذه المصطلحات «العسر التطوري للورك» ويعني الرضع، أما مصطلح «عسر التطور الخلقي» فيعني وجود خلل يحوي شيئاً مفقوداً أو إضافياً في الأنسجة الطبيعية، وفي حال «عسر التطور للورك» المفصل الوركي عند الرضيع يكون في حالة جيدة باستثناء التقلقل وعدم الثبات، أما الخلع التام الكامل فيعني أن الورك خارج المفصل كلياً، ومفصل الورك مفصل من نوع الكرة والمقبس، ويكون مربوطاً بواسطة أربطة، والكرة هي رأس الورك والمقبس الجوف الحقي.

وبعض الحالات أظهرت أن الخلع الوركي بسبب أن الأنسجة الرابطة لينة ومرنة ما يؤدي إلى عدم تواجد رأس الفخذ في الجوف الحقي، وهذه الحالة قد تكون ذات درجة بسيطة وتحّل بشكل تلقائي، مبينة أن الأطفال المعرضين لخلع الورك هي البنت في أول ولادة أو عند تعرض أحد أفراد العائلة لخلع وركي، الجنين المقعدي (أي رأس الطفل للأعلى داخل الرحم)، نقص السوائل حول الجنين أثناء الحمل وإذا وجدت بعض التشوهات في العظام عند الولادة.

هل تسمعين «طقة»؟!

توضح استشارية طب الأطفال والأمراض المعدية الدكتورة تسنيم زيدان، أن التشخيص لمعرفة تعرض الطفل لأي خلع وركي ولادي أو لخلع مفصلي يتم من خلال الفحص السريري للرضيع، ومن خلال سماع طقة في مفصل الورك قد تكون علامة للخلع المفصلي لكنها قد تكون أيضاً حالة وطقة طبيعية عند بعض الأطفال، تنتج بسبب بعض الأربطة داخل مفصل الورك والتي تودي إلى إخراج الأصوات في بعض الحالات، وعلى الرغم من نجاعة الفحص السريري إلا أن هناك صعوبة في تشخيص الخلع المفصلي عند الرضيع، كما أن هناك حالات يكون فيها المفصل الوركي طبيعياً بعد الولادة، ولكنه يخُلع في الأشهر الأولى للولادة، مشددة على حاجة وأهمية فحص الطفل خلال السنة الأولى من حياته، فالكشف المبكر يسهل العلاج الذي يتم عادة بواسطة مثبت الورك بنسبة نجاح تصل لـ90%، محذرة أن تأخر التشخيص يستدعي عمليات جراحية لإعادة الورك لمكانه الطبيعي، وفي حال الشك بوجود حالة خلع وركي ولادي، هنا لا بد من إجراء الأشعة فوق الصوتية للأطفال الرضع دون الـ4 أشهر من العمر واستخدام أشعة إكس للأطفال الأكبر سناً.

تمارين لتقوية العضلات

إفادات الدكتورة زيدان، جعلتنا نسترجع لما أشارت إليه بعض تقارير وزارة الصحة عندما أعلنت عن تمكن أطباء العظام بمستشفى القريات العام، من إنهاء معاناة طفل يبلغ من العمر عامين؛ كان يعاني من خلع ورك ولادي كاملاً للطرف الأيمن، من خلال عملية ناجحة، لزيادة تغطية الرأس المخلوع، مع خزع القسم القريب من الفخذ الأيمن؛ لتصحيح دوران الطرف السفلي، مع التثبيت بشريحة معدنية خاصة، ثم وضع جبيرة من الجبس.

وأيضا تمكّن فريق طبي بمستشفى الأطفال في الجوف، من تمكين طفلة في الخامسة من عمرها باستخدام المقعد المتحرك بعد خضوعها لبرنامج علاج طبيعي مكثف تضمن مزاولة تمارين زيادة المدى الحركي للمفصل، وتمارين تقوية العضلات، وتدريبات المشي، بعد أن كانت قد أصيبت بخلع وركي ولادي بالجهة اليمنى، وأظهرت الفحوصات الحركية معاناتها من تصلب شديد في مفصل الورك وضعف في عضلات الفخذ والساق الأيمن مع قصر للمدى الحركي لمفصل الورك وعدم القدرة على المشي بشكل مستقل مع تقلص وتر العرقوب.

وكان أستاذ الطب بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية محمد حمد الرميح، أوضح إلى «أن الخلع الوركي الولادي لدى الأطفال من أهم المشكلات الشائعة لدى الأطفال، وأن خيارات العلاج تختلف بحسب عمر الطفل ووقت الإصابة، وأن عدم معالجة الخلع الوركي ينتج عنه (عرج) يضطر معه الفرد إلى استخدام أحذية طبية لتعويض الفارق في النقص بخلاف تعرضه لنخر في العظم في سن مبكرة».

فيما أشار استشاري جراحة العظام والمفاصل الدكتور عبدالعزيز درة، إلى أن «الخلع الوركي لا يحدث لمجرد شد أرجل الطفل، إنما مرتبط بعدة عوامل منها إفرازات هرمونية تحدث في مرحلة ما قبل الولادة وتمر الهرمونات من الأم إلى الجنين وتؤدي إلى زيادة ليونة أربطة مفصل الورك، وعدم التطور الكافي للجوف الحقي للمفصل والوضع الجنيني داخل الرحم والنسبة ترتفع عند الأطفال ذوي البشرة البيضاء». ولأن الخلع الوركي حاز اهتمام وتخصص أطباء العظام عرضنا الأمر على أخصائي العظام الدكتور مهند الديبو، الذي بين أن خلع الورك هو اختلال في عملية تطور مفصل الورك؛ إذ لا تستقر الكرة العلوية لعظم الفخذ في المحجر أو تجويف الورك. وقد تكون الكرة العلوية من المفصل خارج التجويف كلياً أو جزئياً، وفي بعض الأحيان يتحرك جزء الكرة داخل وخارج التجويف، ويتم تشخيص خلع الورك الخلقي عادة عند الولادة، ويؤثر على أحد الوركين أو كليهما، وهو أكثر شيوعاً في الورك الأيسر، ويشيع خلع مفصل الورك بين الإناث بشكل يفوق الذكور، كما أنه غالباً ما يصيب المولود الأول في العائلة.

ويعد سبب خلع الورك عند الرضع مجهولاً، إلا أن توفر بعض العوامل قد يزيد من فرصة إصابة الطفل بالحالة، وتشمل هذه العوامل التاريخ العائلي للإصابة، إذ تزيد احتمالية إصابة الطفل بنسبة 10-15% في حال إصابة أحد الأبوين، قلة السائل الأمنيوسي حول الجنين أثناء الحمل؛ ما يفقده قدرته على التحرك في الرحم بشكل طبيعي، الوضعية المقعدية للجنين أثناء الحمل، المولود الأول للعائلة؛ ضيق الرحم وقلة مرونته مقارنة بحالة الرحم عند تعدد الولادات وتعدد الأحمال (التوائم).

أحيانا لا يؤلم

عن أعراض وآلام الإصابة بالخلع الوركي، قال الدكتور مهند، إن خلع الورك عند الأطفال حديثي الولادة لا يسبب أي ألم، أما أعراضه فتتمثل في عدم تشابه الانثناءات الجلدية تحت الأرداف أو على الفخذين في كلا الجانبين، وجود فرق في طول الفخذ في أحد الجانبين، وجود نقص في حركة أو مرونة أحد الفخذين أو الساقين، وجود عرج عند البدء في المشي.

وعن كيفية تشخيص خلع الورك، قال أخصائي العظام الدكتور مهند، إن الأطباء يستخدمون مجموعة من الفحوصات الجسدية، واختبارات التصوير مثل الموجات فوق الصوتية أو الأشعة السينية، وغالباً ما يكون تشخيص خلع الورك البسيط صعباً، خصوصاً إذا أصاب كلا الوركين؛ لأن الوركين يكونان متماثلين في هذه الحالة، بينما يكون من السهل تحديد الورك المصاب إذا تأثر ورك واحد فقط لأنه يمكن مقارنته بالورك الآخر.

جبيرة تحت التخدير

أخصائي العظام الدكتور مهند الديبو، أوضح أنه غالباً ما يتم فحص ورك الطفل كجزء من الفحص البدني لحديثي الولادة في غضون 72 ساعة من الولادة، ويتضمن الفحص تحريك مفصل ورك الطفل برفق للتحقق من وجود أي مشكلات في المفصل، كما يتم فحص ورك الطفل بالموجات فوق الصوتية بين 4 و6 أسابيع إذا شك الطبيب بوجود خلع في الورك للطفل، ويتم أيضاً إجراء فحص بالأشعة السينية عند الاشتباه في حدوث خلع مفصل الورك عند الرضع للأطفال الذين يبلغون من العمر 4 أشهر أو أكثر لتأكيد التشخيص أو للتأكد من أن الورك طبيعي.

وعن علاج خلع الورك، قال الدكتور مهند: العلاج يستند إلى شدة المرض، وإصابة أحد مفاصل الوركين أو كليهما، وعمر الطفل، وغيرها، فمن دون جراحة يتم استخدام جهاز يسمى (بافليك)، وهو جهاز خلع الورك للأطفال الذين تقل أعمارهم عن 6 أشهر لتثبيت الوركين في موقعهما الصحيح. ويوصى بارتدائه بشكل مستمر لمدة تراوح بين 6-12 أسبوعاً، ثم يتم ارتداؤه بشكل جزئي (عادة في الليل) لمدة 4-6 أسابيع أخرى. ويخضع الطفل أثناء استخدامه للجهاز للتصوير بالموجات فوق الصوتية والفحوصات البدنية للتحقق من ثبوت مفصل الورك في موقعه، وفي حال عدم فعالية جهاز خلع الورك في إعادة تثبيت مفصل الورك في موضعه الصحيح، فإنه يمكن وضع جبيرة خلع الورك للأطفال لتثبيته تحت تأثير التخدير للأطفال الذين تبلغ أعمارهم من 6-18 شهراً، مضيفاً أن العلاج في حال الجراحة عادة يتم في حال تأخر علاج خلع الورك وفشل العلاجات الأخرى، وذلك من خلال استئصال أجزاء من المفصل أو العظم وإعادة تشكيله لإصلاح أي تشوه في عظم الفخذ أو الحوض.