أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/843.jpg&w=220&q=100&f=webp

خالد عبدالعزيز الحارثي

سوريا الجديدة.. اختبارات تؤكد الاستحقاق

يعيش العالم منذ الثامن من ديسمبر دهشتين؛ الأولى حيال تسارع أحداث عمليات «ردع العدوان» العسكرية التي أدت إلى سقوط النظام البائد في 12 يوماً، والدهشة الثانية حيال سرعة التراكم التنظيمي والالتفاف الشعبي لبناء الدولة الذي تنجزه الحكومة السورية، وانخراطها في المنظومة العربية والدولية بحكمة وروية، وهذان أمران يبعثان على طمأنة العالم بعهد جديد من السلم والتعايش والرخاء لكل السوريين ولدول الجوار والمحيط العربي والمجتمع الدولي.

في حين إن اتخاذ تدابير بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها ظلت متروية نظراً لتحديات تواجهها الحكومة السورية، إلا أن هناك حالة منطقية وراء التروي تجد مكانها في الوضع السوري الراهن.

الحالة الأولى: تواجد قوات الاحتلال الإسرائيلي في الجولان السوري والمنطقة العازلة ومحيطها، والقيادة الإسرائيلية الحالية تبحث عن مبررات لشن هجمات جوية وصاروخية على البنية التحتية المدنية من مرافق وطرق ومرافق الطاقة والمياه، بعد أن ضربت المرافق والقواعد العسكرية للجيش السوري منذ الثامن من ديسمبر الماضي. وفي هذا التروي حكمة لتفويت الفرصة على الاحتلال الإسرائيلي في الاعتداء على مقدرات الدولة السورية وشعبها.

الحالة الثانية: حساسية بسط سيادة الدولة في بعض المناطق المتوجسة من مغبة ولائها للنظام البائد، وبالذات على الساحل السوري ومحافظة السويداء، أو لا تزال تحمل السلاح كما في الجنوب السوري وتراهن على مقايضته بمكتسبات في فترة لاحقة، وهو تروٍ محمود أثمر في جمع الكلمة، وكبح التعسف ضد الحكمة الجديدة، وتأليف الشعب لتهيئة مناخ إيجابي للفترة الانتقالية.

الحالة الثالثة: بغض النظر عن الانتشار المحدود للقوات اللبنانية مؤخراً إلا أن المنطقة كانت عمليات لوجستية لحزب الله اللبناني، ومصانع المخدرات ومراكز التعبئة والتوزيع للمخدرات والأعمال الإجرامية الأخرى، وللتروي في هذه المنطقة حكمة كبيرة، حيث تزخر بأعداد كبيرة من القرى والبلدات المنتشرة، حفاظاً على الأرواح والممتلكات، ولبدء مسار دبلوماسي مع الحكومة الجديدة في لبنان، والتوافق على الأهداف المشتركة من الانتشار في المناطق الحدودية.

وبفضل حكمة التروي في بسط سيادة الدولة على كافة الأراضي السورية والتدرج في ذلك، أمكن لقوات الحكومة السورية السيطرة على مقاليد الأمور في هجمات فلول النظام البائد المنظمة والمتزامنة على مرافق الدولة وقوات الأمن التي تجري من السادس من هذا الشهر مارس آذار الجاري، في عدة نواحٍ، أولاً: الناحية الشعبية، حيث اجتمعت القوى الوطنية المحلية في الساحل السوري ومحافظة السويداء، وأعربت عن رفضها التام لممارسات فلول النظام البائد، وطالبت بمحاسبتهم، وتدخل الدولة لحماية المدنيين والممتلكات. وهذا بحد ذاته هو تراكم جديد لبناء الدولة يوحد خيارات جميع الشعب السوري نحو المصير المشترك والحفاظ على وحدة الأراضي السورية.

وثانياً: كسبت الحكومة السورية احترام المجتمع الدولي عندما استطاعت القوات الأمنية والعسكرية تدارك الموقف وإيقاف الهجوم المنظم والمتزامن الذي نفذته الفلول، واسترداد المقرات والحواجز الرئيسية في مدن الساحل السوري بعد 12 ساعة فقط، لتثبت للمجتمع الدولي والمراقبين أن لا مراهنة على أمن الداخل السوري بأي ثمن، والاستعداد على الضرب بيد من حديد فيما يتعلق بأمن المجتمع السوري والدولة السورية.

وثالثاً وأخيراً: أن الحكومة السورية حافظت على تواصل مع الأشقاء العرب وموافاتهم بمستجدات الأحداث، وعن الشخصيات التي تقف وراءها، لمنع تعكير صفو العلاقات العربية أو دس المعلومات المغلوطة في عواصم القرار العربي.

وكما يبدو أن هذا الاختبار الجديد للحكومة السورية، يوحد الشعب السوري على عكس الحسابات الخاسرة لفلول النظام البائد، ويدعم مصداقيته العربية والدولية، ولكنه في نفس الوقت يضع المزيد من التركيز على ضرورة العدالة الانتقالية، حيث نال الشعب السوري تعاطفاً دولياً لم يشهد له مثيل في القرن الواحد والعشرين، واكتسبت استحقاقات «حماية المدنيين السوريين» لدى المجتمع الدولي مفهوم الفورية والضرورة مع كل خيبة وإحباط للمجهود الدبلوماسي والإنساني، وتنظر محكمة العدل الدولية ملفات كبرى، تدين النظام البائد بانتهاكات «اتفاقية مناهضة التعذيب»، وهناك عقوبات دولية من ضمنها عقوبات «قانون قيصر» الأمريكية السارية المفعول في الاتحاد الأوروبي، لا تزال قائمة، سيتطلب المواءمة داخلياً للتعاون الدولي مع هذه الملفات في بنية الحكومة الانتقالية وتمهيداً للدستور فيما بعد أن تشتمل على المحاسبة وتحقيق العدالة للشعب السوري.
00:06 | 14-03-2025

الفجر الجديد في سوريا 8 من ديسمبر

فاجأ العالم تقدّم فصائل المعارضة المسلحة السورية عبر تحالف هو الأكبر ويحدث للمرة الأولى في عمر الثورة السورية التي بدأت في العام 2011م، وفي فجر هذا اليوم الثامن من ديسمبر 2024م دخلت الفصائل السورية المسلحة أخيراً العاصمة دمشق بالتزامن مع انسحابات مفاجئة من قوات الجيش السوري، وسيطرت قيادة العمليات العسكرية للفصائل السورية المسلحة على المباني الحكومية الرئيسية، وأعلنت البلاغ رقم (واحد) من التلفزيون السوري الرسمي بإسقاط نظام الأسد، والمحافظة على ممتلكات ومؤسسات الدولة، وبقائها تحت قيادة رئيس الوزراء السابق محمد غازي الجلالي، الذي أبدى عبر بيانه أنه تم التواصل مع هيئة العمليات العسكرية للفصائل السورية لضرورة بقاء مؤسسات الدولة في تقديم الخدمات والمحافظة على الأمن، وترك الشأن السياسي والعسكري للفصائل والقوى السورية التي ستسلم السلطة وتنتخب الحكومة التي يختارها الشعب السوري.

يعتبر إسقاط نظام الأسد، الذي امتد قرابة الخمسين عاماً، شأناً مهماً على المستوى الإقليمي والدولي على حدٍ سواء، ولا يمكن تجيير ذلك بالتدخل التركي الأخير، حيث إن انهيار النظام بهذه السرعة واستلام الفصائل السورية المسلحة السلطة لم يرد في أي حسابات تركية أو روسية.

اليوم تقف قيادة الفصائل السورية المسلحة وهيئة العمليات العسكرية على محك مأزوم ومسار مكلل بالصعوبات لاستعادة الدولة السورية، وسلطة المؤسسات الشرعية، وإحلال السلام على كامل الأراضي السورية، والعودة للمنظومة العربية والدولية تباعاً بما يوحي بالثقة في قدرة الدولة السورية للمشاركة في الفعاليات الدبلوماسية ضمن منظومة جامعة الدول العربية والمنظمة الدولية والقانون الدولي.

تاريخ النظام السوري السابق كان حافلاً بالعنف، وغير مكترث بالقانون الدولي، وتحمّل الكثير من الانتهاكات بحق شعبه، وبحق الشعوب المجاورة، ولا يخلو إرث بعض الفصائل السورية المسلحة من شبهات التطرف والارتباط بالمنظمات الإرهابية. العالم العربي والمجتمع الدولي يقف اليوم مراقباً لما تحمله الأيام القادمة من خطوات تأخذ سوريا الدولة إلى بر الأمان بعد كل هذه العقود من أزمة الهوية والانتماءات المأزومة شرقاً وغرباً، وهذا عبء كبير على قادة هذا الحراك لطرق باب الانخراط الجديد في العالم العربي والمؤسسات الدولية لتحقيق الرخاء للشعب السوري المتطلع للسلام والعيش المشترك والمساواة والعدالة.

الأحب لقلوب الشعوب العربية أن تتبلور رؤية قادة التغيير في سوريا بشكل عاجل ولغة صارمة لا تقبل التأويل، لتوليد سوريا الجديدة بهوية وطنية، ودور فاعل نحو مواطنيها ومحيطها العربي، ودورها وموقفها تجاه التطرف والإرهاب، والامتناع عن التدخل في شؤون الدول الأخرى، والمشاركة في الفعاليات الدولية لمحاصرة الظواهر المشبوهة التي تزعزع الاستقرار في المنطقة.

المجتمع الدولي ككل ينظر لرؤية المبادرات بالانفتاح على أخطاء الماضي، والعمل الدستوري والتشريعي على عدم السماح لها بالتشكل، والمبادرة بشكل واضح بمشاريع وطنية للعمل الوطني البناء وحسن الجوار، وعودة المهجرين واللاجئين ضمن خارطة طريق بإجماع وطني تعيد إلى الدولة والشعب السوري الطمأنينة والمسار التنموي المأمول.
00:18 | 9-12-2024

مصائد الإرهاب في ملف السلام

صوّت مجلس الأمن 17 أكتوبر ضد وقف إطلاق النار وفتح المنافذ الآمنة للمساعدات الإنسانية، رغم إدانة مشروع القرار لهجمات «حماس» الإرهابية.

الدبلوماسي الغربي الذي يرتدي السترة الأنيقة في أروقة الأمم المتحدة ودهاليز السياسة الغربية، صوّت لاستمرار تهجير الفلسطينيين القسري وهدم مدنهم، وإجلائهم، «ليس» إلى الداخل الإسرائيلي «بل» إلى دول عربية أخرى لا دخل لها فيما يحدث من قريب ولا من بعيد.

قبل أسابيع قليلة كان السلام في الشرق الأوسط قاب قوسين أو أدنى بفضل الزخم السياسي الإقليمي والدولي الذي تقوده المملكة العربية السعودية لإقرار السلام في منطقة الشرق الأوسط، وقلب صفحة الإرهاب والحروب والعنف، إلى صفحة جديدة من تاريخ التعايش والسلام، والازدهار الاقتصادي والاجتماعي.

اقتنص الرئيس المصري الفرصة التاريخية، بدعوته رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، للتحرك مع الأشقاء الفلسطينيين. وبدعوة وبحضور رئيس السلطة الفلسطينية، عقد الأمناء العامون للفصائل الفلسطينية، اجتماعات عدة بدأت الأحد 30 يوليو 2023م في مدينة «العلمين» المصرية؛ أكدوا خلالها ضرورة تشكيل حكومية وطنية تقود الحراك السياسي بقرارات لتعزيز اللحمة الوطنية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه اليومية، على المدن والقرى والمخيّمات، ومدينة القدس.

الدبلوماسي الغربي الذي تُلزمه التبعات التاريخية، وتوجب عليه إنسانياً على الأقل، إن لم نقل سياسياً ودبلوماسياً وأخلاقياً، لم يتحرك لمساندة السانحة التاريخية وحمايتها، وكان يعلم:

1- تأزيم حكومة الاحتلال للأوضاع، حين دعت جماعات يمينية إسرائيلية الشهر الماضي لتكثيف اقتحامات المسجد الأقصى بمدينة القدس الشرقية، وأعطى وزير الأمن القومي الإذن الرسمي باقتحام الأقصى «على مدار الساعة مع إمكانية صلاتهم فيه»، فعزز جيش الاحتلال الإسرائيلي الإغلاق الشامل على الأراضي الفلسطينية والمعابر مع قطاع غزة.

2- تقاطر آلاف المستوطنين لاقتحام المسجد بعد تحويل مدينة القدس والمسجد الأقصى إلى ثكنة عسكرية لحماية المتطرفين اليهود، وبمرافقة رموز دينية وسياسية.

3- إدانة واستنكار العواصم العربية، والرياض التي تقود محادثات تعتبر الأهم في تاريخ القضية الفلسطينية.

1- تحذيرات «مجلس الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية مدينة القدس» من انفجار الأوضاع، ومطالبته «لجان منظمة اليونيسكو الخاصة بفلسطين المحتلة» القيام بواجباتها القانونية التي توقفت عن إصدار رصد وتوثيق الانتهاكات في القدس الشريف، في السنوات الأخيرة.

2- اعتماد حكومة الاحتلال بناء 12,855 وحدة سكنية استيطانية، في أول ستة أشهر من 2023م، كاسرة رقماً قياسياً مسجلاً سابقاً عن عام كامل.

التساؤلات محيرة، فانحياز الغرب لمخطط الاحتلال الإسرائيلي كان قبل الحرب العالمية الثانية، وانتهاك الغرب للقوانين الدولية ونقضه التزاماته ووعوده مع العرب والفلسطينيين مستمر منذ اندلاع الحرب العالمية الأولى.

لأكثر من قرن، المماطلة والتسويف والتدرج في تغيير الواقع على الأرض بجهود الدبلوماسي الغربي والدعم الاقتصادي والعسكري والسياسي والتنسيق الاستخباري رفيع المستوى، لم يبقِ للتبريرات وجاهة تذكر.

أما استحداث الحجج بات مملاً، فالتذرع بهجمات الجماعات الإرهابية لتجريف منجز الشعوب العربية والإسلامية في تجفيف منابع الإرهاب، وتضحيات نضالها السلمي لإحقاق الحقوق في فلسطين الأرض والقضية، فهو «لبس للحق بالباطل» وتأييد لأهداف الجماعات الإرهابية، على حساب الشعوب العربية والشعب الفلسطيني كونهما المستهدف الرئيسي من أنشطة الإرهاب.

رمزية القضية الفلسطينية لدى الأجيال الجديدة الناقمة على «الانحياز الغربي المضاد للعدالة والشرعية الدولية»، جعل الحرب بالوكالة، واستقبال النازحين، وجهين لعملة الانحياز البغيض والتجاذبات الحزبية الغربية، تؤجج الجماهير، وتغذي الاحتجاجات، التي لم تخلُ من دعوات التطرف التي سمعها وشاهدها العالم عبر قنوات الإعلام.

الغرب لا يقوم بجهد مكافئ مع الدول العربية لمحاصرة التطرف وتجفيف منابع الإرهاب بحكم البعد الجغرافي أو عدم اكتراثه كثيراً بما يحدث في المنطقة، حسب «شعرة معاوية»، حتى لا يكون «عدم اكتراث مقصود».

أظهرت الاحتجاجات المضادة للاحتلال الإسرائيلي في شوارع عواصم الغرب شعارات متطرفة، قفزت على التجاذب الحزبي في العواصم الغربية. يعتبر ذلك، نذير شؤم للمنطقة والعالم، ويذكرنا بالتوافد الكبير للجماعات الإرهابية في العراق وسوريا بالأمس القريب من كل دول العالم ومنها الدول الغربية.

نية الغرب في صنع السلام مع الإنسان العربي كشريك للمستقبل الزاهر، تنقصها الأفعال والمواقف، وليس المقصود بالمواقف استقبال اللاجئين والنازحين من ويلات الحروب في الشرق الأوسط، فهذا «ذر للرماد في العيون»، ودعم مباشر لجهود الاحتلال الممنهجة لتهجير الفلسطينيين.

الرياض وقفت مع الحق الفلسطيني إبان عصبة الأمم المتحدة، وبتأسيس هيئة الأمم المتحدة، ولها تاريخ مشرف ومواقف شجاعة ومواتية في حينها، تنبثق من الحق والشرعية والعدل، وشاركت مفهومها مع الغرب لفهم حساسية القرارات والموقف والمنطقة. قَبِلها البعض كالرئيس الأمريكي روزفلت، ولم تناسب البعض كرئيس وزراء بريطانيا شرشل، وفي مجلس الأمن من يعارض لجم آلة القتل والتدمير الإسرائيلي الذي يحل على الفلسطينيين دون توقف منذ 75 عاماً.

الرياض الشريك الأساسي في جهود السلام والداعم الرئيسي للأعمال الإنسانية الدولية، أطلقت مبادرة السلام العربية عام 2002 في قمة بيروت، كخيار استراتيجي عربي وتبنته الدول العربية، فيما لم يحدث أي تطور في الأراضي الفلسطينية المحتلة سوى مزيد المعاناة والتشريد والتدمير والقتل والإرهاب المنظم من سلطات الاحتلال على مسمع ومرأى من الغرب.

الغرب المنحاز لقبح اعتداءات سلطات الاحتلال الإسرائيلي والداعم للتصعيد العسكري بات مكشوفاً، حتى في الشارع الغربي. فعلياً الغرب القابض على قرار المنظمة الدولية نفدت منه الخطب البلاغية والأعذار الواهية ولم تعد تقنع لا الشعوب ولا الحكومات العربية.

الموقف المتساهل «غربياً» من اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي على المقدسات الإسلامية والشعب الفلسطيني أصبح في مفترق طرق، لتحديد خيارات العالم المستقبلية التي يشارك فيها الدبلوماسي والسياسي الغربي مشاركة فاعلة، ومسؤول عنها بحكم تأثيره في المنظمة الدولية، وفي عواصم صناعة القرار الدولي.
00:04 | 25-10-2023