أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/219.jpg?v=1766065986&w=220&q=100&f=webp

السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر

سلمان بن حمد.. وقصة الرؤية 2030

دائما ما تبدأ قصص النجاح برؤية، وأنجح الرؤى عندما تأتي من صميم الواقع لتعكس مكامن القوة والمسؤولية والالتزام وطموحات الأمة للتغلب على أي تحدٍ بإتقان ومهنية لتذليل أية صعوبات أو تهديدات. من هنا كانت رؤية البحرين 2030 التى عكست رؤية بعيدة المدى لولي عهد مملكة البحرين الأمير سلمان بن حمد آل خليفة التي اتسمت بأسلوب يسابق الزمن، فقد وضع سموه من أولويات اهتماماته معالجة ملفات مهمة تمس المواطن بشكل مباشر، لتحقيق التوازن الدقيق بين الواقع القائم بكافة أبعاده والتحدي الداخلي والتهديدات الخارجية.
كما تحمّل سموه مسؤوليات جساما، وأدار ملفات حساسة بعقلية مثقفة شابة وواعية تحمل مبادئ لم يحد عنها منذ توليه ولاية العهد في (مارس 1999م) ثم تعيينه نائباً أول لرئيس مجلس الوزراء في (مارس 2013م).
فقد كان لسموه دور أساسي في مواجهة الأحداث المؤسفة التي مرَّت بها المملكة في (فبراير 2011م)، عندما كلّفه الملك حمد ومنحه كامل الصلاحيات لإجراء حوار مع جميع الأطراف السياسية لاحتواء الأزمة، حيث قام سموه بجهود جبارة للتواصل مع المعارضة لبحث الحلول لتهدئة الأوضاع التي اتخذت من شعارات حماية حقوق الإنسان عناوين مضللة لمطالبها، وكانت سبباً مباشراً في إدراك سموه لخطورة الموقف وحساسيته في ظل التغييرات التي اجتاحت الأمة العربية.
هنا كانت الرؤية التي قرأت جزئيات وتفاصيل الموقف العام المتوتر داخلياً وإقليمياً ودولياً، فطرح (مبادرة النقاط السبع للحوار) التي استندت على المناقشات التي جرت بين سموه شخصياً وقيادات المعارضة، إلا أن مواقفها المتذبذبة والمتناقضة أدت إلى فشل جميع الجهود، حيث أطلَقت (وثيقة المنامة) وأعلنتها السقف الذي لا يمكن التراجع عنه للحل السياسي للأزمة، وأسست أطراف منها (التحالف من أجل الجمهورية) بهدف إسقاط النظام الملكي الدستوري وتأسيس (الجمهورية) كنسخة طبق الأصل من نظام ولاية الفقيه في إيران.
كما أسس سموه نهجاً ثابتاً للعمل على إرساء أسس الوحدة الوطنية وترسيخ دعائم الدولة الحديثة المستقلة ذات السيادة والقائمة على أهداف الاستدامة والتنافسية والعدالة كما ورد في (رؤية البحرين الاقتصادية 2030)، ودعم الإصلاحات الدستورية والتشريعية من أجل بناء المجتمع البحريني الملتزم بقيمه وتراثه وحضارته وإنجازاته.
وكانت لسموه رؤى سياسية وتنظيمية هائلة وجهود لا تعرف اليأس أو التردد تسعى لبناء الإنسان البحريني الحر في دولة المؤسسات التي تؤكد دوره وحضوره القوي كمواطن فاعل في عالم يموج بالتطورات المختلفة وغير المتوقعة على مختلف الأصعدة في إطار استراتيجية وطنية هدفها حماية الوطن من كافة التهديدات والصراعات الطائفية في المحيط الإقليمي.
ومن جانب آخر فإن لسموه رؤية في السياسة العالمية تقوم على:
• الشراكة الأمنية الإقليمية بين دول مجلس التعاون للحفاظ على الأمن والاستقرار والأمن المشترك في إطارٍ من التنسيق والتعاون والتكامل للوصول إلى الاتحاد الخليجي الذي يراه تطوراً طبيعياً يساعد على سيادة واستقلال دول المجلس.
• الشراكة من أجل صيانة السلم والأمن في العالم مع الحلفاء لتثبيت الأمن والاستقرار في المنطقة، وإيجاد الحلول السياسية والاقتصادية المناسبة في إطار من التعاون الدولي يكون فيه للأمم المتحدة دور أساسي يحقق أهدافها في ترسيخ قواعد السلم والأمن الدوليين وتنمية علاقات الصداقة والتعاون بين الأمم والشعوب.
إن الحديث حول الدور الهام لولي العهد يطول كثيراً، خاصة فيما يتعلق بتعزيز وتأكيد رؤيته نحو مجتمع بحريني تترسخ فيه مبادئ ودعائم الدولة الوطنية الحديثة القائمة على التوجه الديمقراطي ودولة المؤسسات وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والتركيز على برامج التنمية المستقبلية الشاملة التي تقوم على الشفافية والتعاون المجتمعي والمساواة والعدالة والمشاركة الشعبية وتوفير فرص العمل والرعاية الصحية وتدفق المعلومات المستمر للمواطنين دون عائق، مع الأخذ بعين الاعتبار الولاء الكامل والتام للدولة الوطنية وليس لأي جهة خارجية دينية أو سياسية، وإيمانه وثقته التامة بالمواطن البحريني كأساس للتنمية والبناء والتطوير ومشاركته في اتخاذ القرار لخلق بيئة مواتية تحقق التوافق بين عناصر المجتمع المدني والسلطة التنفيذية والتشريعية لتسهيل التفاعل والتعاون بين الدولة والمجتمع للمساهمة الفاعلة في أنشطة التنمية المتكاملة.


(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية
21:14 | 29-09-2016

دول مجلس التعاون ومجلس حقوق الإنسان المسيَّس

منذ انطلاق (الربيع العربي) نهايات عام (2010) في عدد من الدول العربية وإسقاط بعض أنظمتها، تعاني بعض دول مجلس التعاون خذلان أصدقائها التاريخيين قبل الأعداء، ليصل اليوم إلى شخصيات عربية وظفت جهودها لتنفيذ أجندات سياسية من أجل تحقيق سمعة سياسية ترشحهم لمراكز أممية أعلى، ويعكس ذلك الأمر كلمة المفوض السامي لمجلس حقوق الإنسان التي ألقاها خلال افتتاح الدورة (33) للمجلس بتاريخ (13 سبتمبر 2016)، وأعدها له مكتبه الخاص المعروف بمواقفه العدائية ضد دول الخليج العربي عموماً، حيث بينت كلمته مدى انسياقه وراء أسلوب التجاهل للجهود الحقيقية التي بذلتها البحرين لحماية حقوق الإنسان وحقها السيادي بالدفاع عن أمنها واستقرارها والتصدي لأية تدخلات خارجية، فيما أكدت بلاده الأردن رفضها لتلك الانتقادات ووقوفها إلى جانب البحرين في مختلف الظروف.
إن (مجلس حقوق الإنسان) ما هو إلا أحد أجهزة هيئة الأمم المتحدة، وتحكم عمله مبادئ ميثاقها، التي تجاوزها المفوض السامي وتعدى صلاحياته ومهامه، وخرق ما تضمنه البند (3) من المادة (1)، والبند (7) من المادة (2) تحديدا؛ لذلك فإنه بتحركاته المكشوفة، وتقصده البحرين ودول مجلس التعاون غير ذات مرة في الدورات السابقة للمجلس، وتجاهله المتعمد لجهودها تنفيذاً لأجندات سياسية معروفة، فإنه يهدم المقاصد الأممية جملةً وتفصيلاً ويشجع من حيث يعلم زيادة التوتر السياسي والأمني فيها.
على المفوض السامي إدراك دوره الحقيقي، وممارسة وظيفته بحيادية وموضوعية وفي الحدود التي حددها له ميثاق الأمم المتحدة، وعليه استيعاب حقيقة أن المناداة بعالمية حقوق الإنسان لا تعني فرض ما يتعارض مع ديننا الإسلامي الحنيف، فالدول المنضوية تحت هيئة الأمم المتحدة ذات سيادة، وهي المسؤولة عن حماية وتعزيز حقوق الإنسان فيها، ودور (مجلس حقوق الإنسان ومفوضه السامي) ينحصر في التعاون مع تلك الدول ومساعدتها للقيام بهذه المسؤوليات على الوجه الذي يتوافق مع أهداف الأمم المتحدة، لا العمل ضدها وتسييس قضاياها واستخدامها لتنفيذ مخططات خبيثة وتحقيق أهداف معروفة تسعى لاستهداف الأنظمة القائمة في الخليج العربي بالتنسيق مع إيران.
إن مواقف مجلس حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة تكشف مدى خضوعه لسياسات الدول المعادية للبحرين وعدد من دول مجلس التعاون، كما توضح ذلك الحقائق التالية:
1. فشل العمل السياسي والتحرك الدبلوماسي الخليجي في تحقيق تقدم إيجابي في قضايا حقوق الإنسان التي تحدد مسار العلاقات (الخليجية الأمريكية)، خصوصاً في ظل الحملة الأمريكية الواسعة ضد عدد من دول مجلس التعاون نظراً للتغير الإستراتيجي والرؤية السياسية الجديدة لمنطقة الخليج بعد هجمات (سبتمبر2001).
2. عدم وجود (لوبي خليجي) في الكونغرس الأمريكي والمجالس البرلمانية الأوروبية يساعد على تعزيز نفوذ دول الخليج ويُظهر تأثيرها على القرارات السياسية في تلك المجالس، ويقدم الصورة الحقيقية لحقوق الإنسان والتطورات الإيجابية في مجالات المشاركة الشعبية في الحكم، ويبني علاقات صداقة قائمة على ركائز سياسية وإستراتيجية تضع المصالح المشتركة فوق أي اعتبار.
3. اتباع أمريكا لسياسة العمل الجماعي مع دول مجلس التعاون في القضايا السياسية والتجارية والاقتصادية والأمنية والعسكرية لتحقيق مصالحها الذاتية، واتباع نهج العمل الثنائي في قضايا حقوق الإنسان وتجاهل كل ما يقدم في هذا الشأن، وعدم التنسيق والتباحث للوصول إلى أنجع الحلول التي تحقق التقدم والتطور في هذا المجال، واتباعها سياسة الضغط السياسي المستمر وبناء التحالفات داخل أروقة مجلس حقوق الإنسان لإصدار البيانات المغلوطة والضغط على المفوض السامي للسير في ذات الاتجاه الذي يشجع على اعتماد الإرهاب كوسيلة لتحقيق الأهداف.
ومن خلال متابعتي لمجريات أعمال الدورة الحالية، وجدت تحركاً خليجياً جماعياً للتصدي لكلمة المفوض السامي، وموقفاً خليجياً يبشر بالخير لمستقبل مجلس التعاون وإعادة ترتيب أوضاعه وتثبيت دوره في المجلس، وهو ما يتطلَّب:
- إعداد إستراتيجية خليجية موحدة لحقوق الإنسان.
- تفعيل لجنة حقوق الإنسان بالمجلس على أسس من الاستقلالية ومنحها صلاحيات أوسع في الرقابة لتقديم تقارير موثوق بمصداقيتها ومعتمدة ومنسجمة مع المعايير الدولية.
وقد تكون القمة الخليجية المقرر عقدها في مملكة البحرين في (ديسمبر 2016) فرصة لتحقيق ذلك كخطوة جادة في طريق حقوق الإنسان الذي استغل لتحقيق أهداف سياسية.

* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
21:16 | 22-09-2016

«جاستا» يضع العلاقات السعودية ـ الأمريكية على مفترق طرق

دخلت دول مجلس التعاون في خط المواجهة مع الصديق والحليف الأمريكي الذي ترتبط معه بتعاقدات ومصالح إستراتيجية تتجدد يوما بعد يوم خصوصا في ظل ما تعانيه المنطقة من تدهور أمني وتفاقم لنشاط التنظيمات الإرهابية المختلفة، وذلك بإقرار الكونجرس الأمريكي في الأسبوع الماضي قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب) والمعروف باسم (قانون جاستا)، الذي يهدف إلى توفير العدالة لضحايا الأعمال الإرهابية التي تُرتكب على الأراضي الأمريكية وتوفير الغطاء القانوني لأهاليهم لإقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد الأشخاص أو البلدان المشتبه في تمويلها لتلك الأعمال، وهو يختلف عن قانون الإرهاب السابق الذي كان يسمح لضحايا الإرهاب الأمريكيين برفع الدعاوى ضد الدول المصنفة رسميا من قِبل وزارة الخارجية الأمريكية كدول راعية للإرهاب كإيران وسورية، والتي ليست من بينها المملكة العربية السعودية.
وأصدرت عدد من دول مجلس التعاون والأمين العام للمجلس والأمين العام لجامعة الدول العربية بيانات عكست القلق البالغ من إقرار القانون الذي سوف يؤسس لسابقة خطيرة في العلاقات الدولية وسيهدّد استقرار النظام العالمي لتناقضه مع ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي.
وحسب النظام فإن القانون سوف يُرفع لمصادقة الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ستنتهي ولايته في (يناير 2017)، وأرى أنه من غير المتوقع أن تُقدِم الإدارة الأمريكية في الأشهر القليلة المتبقية من ولاية أوباما على خطوة كهذه وتجازف بعلاقاتها السياسية والأمنية والإستراتيجية، فقد أوضح المتحدث باسم البيت الأبيض أن الرئيس سوف يستخدم حق الفيتو ضد القانون لعدم تمريره، وذلك للأسباب الآتية:
1- الحفاظ على المصالح الأمريكية في ظل ما يمر به العالم من أوضاع اقتصادية متردية بسبب تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية.
2- حماية الاقتصاد الأمريكي ومواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة بضمان بقاء الأصول والسندات وأذون الخزانة والأوراق المالية السعودية المختلفة التي تصل إلى ما يقارب (750 مليار دولار).
3- تعارض القانون مع مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية.
4- التخوف من قيام بعض الدول بسن قانون مشابه على الأفراد والساسة والجنود الأمريكيين الذي شاركوا في أعمال عنف وقتل وتعذيب وإبادة، كما حصل لسكان مدينة هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية، وإبادة الشعب الفيتنامي، وتعذيب السجناء العراقيين في سجن أبو غريب، والمعتقلين في معتقل غوانتانامو.
ورغم الفيتو الرئاسي المزمع استخدامه، فإن هذا لا يمنع الكونغرس من إصدار القانون إذا ما أقره مجددا مجلسا الشيوخ والنواب بغالبية الثلثين، وهو أمر غير مستبعد في ظل هيمنة الجمهوريين على المجلسين، كما أنه قد يوافق عليه مباشرة الرئيس الأمريكي القادم وذلك تنفيذا لتعهداته الانتخابية لضمان الفوز بالرئاسة.
وبقراءة متأنية لتطورات الأحداث وتجدد المزاعم الأمريكية بشأن علاقة المملكة العربية السعودية بهجمات (سبتمبر 2001)، وظهور ادعاءات جديدة بوجود وثائق سرية بحوزة مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي عُرفت باسم (قضية ساراسوتا) تتعلَّق بدور السعودية في تلك الهجمات؛ يمكن استنتاج أن الأهداف من كل ذلك هي:
- الابتزاز والحصول على تعويضات مالية ضخمة لتعويض شركات وبيوتات المحاماة التي تبنَّت رفع الدعاوى وضخت أموالاً طائلة لإثارة الرأي العام الأمريكي للضغط على الكونغرس لإصدار القانون.
- إبقاء الأصول السعودية الضخمة تحت رحمة القضاء الأمريكي؛ لضمان عدم سحب الحكومة السعودية لأصولها أو استخدامها ضد المصالح الأمريكية مهما كانت الظروف، خصوصا بعد اعتماد السعودية لسياسة (التوجه شرقا)، التي ترى الإدارة الأمريكية فيها تهديدا لنفوذها في الخليج العربي الذي يعتبر عصب الإمدادات النفطية لكافة أنحاء العالم.
إن التغيير الإستراتيجي الواضح للسياسة الأمريكية الهادفة إلى إسقاط الأنظمة الخليجية عموما، يتطلَّب من دول مجلس التعاون منفردة أو مجتمعة تأسيس قنوات جديدة للتعاون مع الجانب الأمريكي تقوم على القواعد الآتية:
- تكوين (لوبي خليجي في الكونغرس الأمريكي) على الفور في إطار خطة عملية واضحة لكيفية التعامل مع الرؤية الأمريكية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والمساهمة الوطنية في إدارة شؤون البلاد ورعاية مصالح المواطنين لحماية سيادتها الوطنية واستقلالها وتعزيز علاقاتها ومصالحها مع الولايات المتحدة من أجل مستقبل أفضل للجانبين.
- البحث عن أسرار تمويل معارك وحملات الانتخابات الرئاسية الأمريكية ومجلس النواب لضمان وجود تأثير خليجي على قرارات الكونجرس.
*المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.
20:53 | 15-09-2016

الديمقراطية العربية من الانقلابات العسكرية إلى الإصلاحات الغربية (2)

تناولت في مقال الأسبوع الماضي أهمية التحالفات العربية الغربية في معالجة المظالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية القائمة منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام (1945م) والتي تسبَّبت في نشر حالة من الإحباط لدى الشعوب المقهورة وانعكس تأثيرها على تفاقم الإرهاب كظاهرة عالمية، وأوضحت ضرورة أن يكون لدى الجانبين (العربي والغربي) فهم أعمق للإسلام والمدنية الغربية، وأن تُبنى تحالفاتهما على أُسس صحيحة من التفاهم والقيم المشتركة ليتحقق في النهاية التوافق وتوحيد الطرق الكفيلة بتمهيد الأرضيات المشتركة لفتح أبواب السلام الذي طال انتظاره.
لقد اهتزت الثقة بين الغرب والعالم الإسلامي منذ فترة طويلة، إلا أنها انعدمت تماماً بعد تفجيرات برجي التجارة العالميين في (سبتمبر 2001م)، وظهور التنظيمات الإرهابية التي تدّعي الإسلام، والتي عمدت إلى نشر الفكر الديني المتطرف ومارست العمليات الإجرامية غير المسبوقة في التاريخ، فتشتَّتت الأفكار والرؤى والسياسات بين العالمين (الإسلامي والغربي)، وتقلَّصت مساحات التواصل بينهما وتداخلت المفاهيم واختلطت التعريفات، فلم يتمّ التوصل إلى تعريف عالمي موحَّد لـ (الإرهاب)، ما تسبَّب في عدم التفريق بين من يكافح لأجل تحرير وطنه من المحتلين (فلسطين على سبيل المثال)، والساعين إلى هدم القيم الإنسانية عبر اعتماد العنف وسيلة لتحقيق أهدافهم الخبيثة وبدعم من بعض الدول بكل أسف؛ ما مكَّن اليمين المتطرف في الغرب من تحقيق انتصارات سياسية مهمة بذريعة (فوبيا الإسلام)، وأصبح (الإسلام) عدواً صريحاً وعائقاً كبيراً أمام إعادة الثقة في العلاقات العربية الغربية.
إن (الحقوق والحريات المدنية والسياسية) التي يتمتَّع بها المواطن الغربي والتي تعدّ أساس التقدم والتنمية الغربية، هي محط إعجاب العرب الذين يفتقدون وجودها في عالمهم؛ لذلك وجدت فيها أوروبا وأمريكا وسيلة ناجعة للتدخل في الشؤون الداخلية العربية في إطار دولي مشروع تم الإعداد له من خلال الاتفاقيات والعقود الدولية المتعلقة بتعزيز مبادئ العدالة والمساواة وحماية حقوق الإنسان والتي أقرَّتها أجهزة الأمم المتحدة المختلفة، وذلك لتحقيق مصالح سياسية قائمة على مبدأ تقسيم الدول العربية إلى دويلات قائمة على أسس طائفية وإثنية وتغيير الأنظمة السياسية القائمة بأنظمة جديدة تتفق والرؤية الأمريكية الأوروبية في قيام شرق أوسط جديد.
كما وجدت إيران من تلك المبادئ فرصة ذهبية لتصدير مبادئ ثورة الخميني وفق ما ينص عليه الدستور الإيراني، وتعزيز نفوذها في المنطقة عبر ادعاء المظلومية وشراء ذمم أصحاب النفوس الضعيفة من مواطني دول المنطقة والعزف على أوتار الطائفية ليتحقق حلم قيام (الدولة الإسلامية الشيعية الكبرى) على امتداد الوطن العربي.
ووفقاً لتلك الأجندات المُخطط لها منذ زمن فإن دول مجلس التعاون وبالأخص المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين تتعرّضان إلى تهديدات مستمرة وضغوط هائلة من قِبل أصدقائهم وحلفائهم التاريخيين الذين تغيَّرت مواقفهم وإستراتيجياتهم ومصالحهم بعد هجمات (سبتمبر 2001م) والتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني في (يوليو 2015م) الذي أعطى إيران الضوء الأخضر لمد نفوذها ودعم نهجها وتأكيد دورها في إدارة شؤون المنطقة مقابل فتح الأبواب أمام المشاريع الاقتصادية والتجارية وإتاحة الفرص للاستثمارات الغربية فيها، رغم ما تقوم به من دعم للعنف والإرهاب وإثارة الفتن في دول مجلس التعاون والدول العربية المحيطة بها لتظل المنطقة في حالة اشتعال وعدم استقرار دائم تحقيقاً لأهدافها بعيدة المدى.
لذلك؛ فإن هناك مسؤولية تاريخية عظيمة تقع على عاتق العالمين (العربي والغربي) لحفظ الحضارة الإنسانية من تبعات الإرهاب، تتطلَّب منهما إعادة بناء علاقاتهما وفق أسس جديدة تتضمَّن الآتي:
رفض كل ما أُلحق بالإسلام من اتهامات كونه وراء أعمال العنف والإرهاب العالمي، والإيمان بعالمية الإسلام الحقيقي الذي كان له الدور الأساس في نهضة الحضارة الإنسانية بمبادئ التعايش والتسامح والانفتاح ورفض العنف والتطرف.
تحرير الصورة الذهنية السيئة للإسلام التي روَّجت لها أفكار وعمليات التنظيمات الإرهابية عبر تهيئة الأجواء العالمية لاستبدال الصراع بالحوار البناء.
إعادة النظر في منظومة الأمم المتحدة من حيث الآليات والأجهزة والمؤسسات التي تنظّم عملها بما يحقق أهدافها، وأهم أجهزتها (مجلس الأمن الدولي) الذي تقع على عاتقه المسؤولية الرئيسية عن صون السلم والأمن الدوليين والذي أصبح بكل أسف أداة تمرير ما يتوافق فقط مع مصالح الدول الخمس الكبرى التي تسبَّبت في استمرار وتفاقم القضايا الدولية والإقليمية دون حلول عادلة.
تلك كانت أفكار ورؤى في ما أراه من سبل نحو إعادة بناء الثقة في العلاقات بين العالمين الإسلامي والغربي التي تشهد أسوأ مراحلها على مر التاريخ.

(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
21:59 | 8-09-2016

الديموقراطية العربية من الانقلابات العسكرية إلى الإصلاحات الغربية (1)

شهدت الدول العربية منذ خمسينيات القرن الماضي انقلابات عسكرية أطاحت بالعديد من الأنظمة التي انتهجت التعددية والديموقراطية بدرجات متفاوتة من أجل قيام أنظمة ديمقراطية أكثر تقدما، إلا أن تلك الأنظمة الجمهورية الجديدة تحولت إلى دكتاتوريات أضرَّت بالمسيرة التعددية في العراق ومصر على سبيل المثال؛ بسبب السياسة التي اتبعتها بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعدها آنذاك، والتي كان هدفها دعم خطط الإصلاح في الوطن العربي وفق رؤية ممنهجة عمودها الفقري المصالح الغربية، فقد كانت الأنظمة السياسية العربية أنظمة ملكية دستورية كما في العراق ومصر، أُطيح بها جميعا بعد الحرب العالمية الثانية بواسطة انقلابات عسكرية مدعومة من قِبل أمريكا وبريطانيا لتُنهي مرحلة متقدمة من العمل الديمقراطي الذي كان بحاجة للتطوير بدلا من الانقلاب الذي كان القصد منه استنزاف ثروات الأمة العربية ونفطها الذي يشكِّل عصب الصناعة الغربية، أما سياسياً فقد كان هدفها حماية أمن (إسرائيل).
إن الحملة الدولية الحالية للتغيير السياسي في الوطن العربي بذريعة حماية حقوق الإنسان ودعم حرية التعبير والتي تقودها دول كبرى في مجلس حقوق الإنسان أو في إطار العلاقات الثنائية والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الشرق الأوسط وبناء التحالفات العسكرية والأمنية والسياسية؛ تصطدم بانعدام التواصل الحقيقي مع قيمنا الإسلامية وبالتالي مع الشعوب والحكومات العربية؛ ومن هنا فما أوضحه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في خطابه الذي ألقاه أمام البرلمان التركي في (أبريل 2009م) بأن (أمريكا ليست ولن تكون أبداً في حالة حرب مع الإسلام) لا يعبِّر عن الواقع الحقيقي الذي يكشف انعدام الثقة والخلافات الحادة بين الشرق والغرب والتي ظهرت على السطح بعد هجمات (سبتمبر 2001م) وأعمال الإرهاب الدامية وغير المسبوقة التي طالت أهم العواصم الأوروبية مؤخراً والتي دفعت بالمرشح الأمريكي الجمهوري دونالد ترامب للتصريح بمعاداته للإسلام في العديد من الخطب والبيانات خلال حملته الانتخابية للوصول إلى البيت الأبيض، وليس غريباً أن تتوجّه مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون إلى ذات التوجّه ولو بصورة أقل، وفي ذلك أدلة تؤكد ضعف التحالفات العربية الغربية، وبُعد القيم المشتركة للحضارتين الإسلامية والغربية والمبادئ السمحة للتعايش والسلام.
لذلك؛ فإذا أردنا للتحالف العربي الغربي أن يحقق النجاح ونرى نتائجه الإيجابية كواقع ملموس؛ فإنه يجب أن يتولَّد لدى الجانبين فهم أعمق للإسلام، وأن يُبنى هذا التحالف على أُسس من التفاهم والقيم المشتركة؛ وأن تُبذل جهود مشتركة لمعالجة المظالم السياسية والاجتماعية القائمة منذ إنشاء منظمة الأمم المتحدة عام (1945م) والتي تسبَّبت في نشر حالة من الإحباط لدى الشعوب المقهورة وبالأخص الشعوب العربية؛ وانعكس تأثيرها على تفاقم الإرهاب كظاهرة عالمية وتوالي الحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط.
إن فشل الأمم المتحدة الذريع في إدارة القضية الفلسطينية رغم عدالتها واستخدام الدول الكبرى لحق النقض (الفيتو) بما يتوافق والمصالح الإسرائيلية لتعطيل القرارات الهادفة لحل الأزمة؛ ضاعف من حالة الإحباط العربي، وأخل بثقة العرب في حيادية الأمم المتحدة وقدرتها على رفع المعاناة الإنسانية والأمنية والسياسية عن الشعوب العربية، وأثبت بأننا نعيش في إطار مجتمعات عالمية متفاوتة تفاوتاً كبيراً في تراثها الإنساني الذي وقف عاجزاً أمام العدالة.
أما ما يعانيه العراق منذ (2003م) وما يجري في سوريا منذ (2011م) من صراع طائفي وتدهور أمني وتخبط سياسي خطير تقوده إيران بشكل مُعلن وبموافقة أمريكية وغربية؛ لا يُعدّ معاناة رهيبة لشعوب عربية مقهورة فقط وإنما هو سقوط مدوٍّ لقيم التسامح والتعايش والتواصل والمساهمات المشتركة وتراجع صارخ للانفتاح والتنوع والإنجازات بين الحضارتين العربية والغربية التي اجتمعت في الأندلس في القرن الثالث عشر الميلادي.
لذلك فإن فشل الأمم المتحدة وتراكم أخطائها وعدم حياديتها وعجزها الواضح عن حل مشاكل العالم، ساعد على بروز ظاهرة الإرهاب كظاهرة عالمية تتمدَّد بوضوح في العالم ولا تقف عند حد معين، ولا تردعها أي قوة كانت، وساعد ذلك الفشل كذلك على زيادة ثقة الإرهابيين بصحة ما يقومون به من أعمال دموية وجرائم غير مسبوقة في التاريخ، وهذا يشكِّل وحده تهديداً بالغ الخطورة على الحضارة الإنسانية ولا يمكن مواجهته إلا بوجود مجتمع عالمي عادل وقادر على تشجيع المصالحة العالمية وتحقيق المصالح المشتركة بشكل حيادي وموضوعي ودون تمييز بين الثقافات والأديان.
وللمقال بقية..


* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.

21:50 | 1-09-2016

قمة «24 سبتمبر» #نيويورك

ستشهد نيويورك يوم (24 سبتمبر 2016) أي بعد شهر من الآن، عقد قمة خليجية أمريكية هي الثالثة خلال أقل من عامين، في ظاهرة تبين الاهتمام الأمريكي لترتيب علاقاته المتوترة مع دول مجلس التعاون، في الوقت الذي تؤكد كل الشواهد عكس ذلك تماماً بسبب ما تمر به هذه العلاقات من ظروف هي الأصعب في تاريخها الحديث والتي تستوجب إعادة تأسيسها وفق معايير جديدة ورؤى واضحة قائمة على المصالح المتبادلة ودرجة عالية من الشفافية والثقة، حيث تتعرض تلك العلاقات لحالة من عدم الاستقرار بسبب تفاقم ظاهرة الإرهاب وانتشار الفكر الديني المتطرف وما تبعه من عمليات إجرامية غير مسبوقة في التاريخ تبنتها جماعات تدّعي الإسلام؛ ما هيأ الظروف المناسبة جداً لبروز اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا للوصول إلى الحكم.
فتلك الجماعات الإرهابية ودون اكتراث بالفطرة الإنسانية السليمة ودون مراعاة لتعاليم الدين تستهدف حياة البشر بوحشية ودون تمييز، وتضطهد الأقليات العرقية والدينية، وتعمل على تشريدها وهدم موروثها الحضاري والثقافي، وتهجم وتسيطر على مدن بأسرها، وتعلن الحرب على دول ذات سيادة، وتقيم دولاً إسلامية بقوانين وتشريعات تعود إلى عصور بائدة ليس لها صلة بالخلافة الإسلامية الأولى.
لذلك فإن القضاء على تلك الجماعات الإرهابية ومواجهتها يستوجب تفهم الجانب الأمريكي للأسباب الرئيسية التي ساعدت على ظهورها وانتشارها والمتمثلة في الآتي:
1- المشروع الإيراني الطائفي: الذي يشكِّل تهديداً خطيراً على كيان الأمة العربية والإسلامية، خصوصاً بعد نجاح الثورة الخمينية وتبني الدستور الإيراني لمبدأ (تصدير الثورة) ونظرية ولاية الفقيه التي تعتبر نظرية متطورة في الفكر السياسي الشيعي، أخرجت المذهب الشيعي من العزلة إلى إقامة دولة قوية، فقدَّمت إيران نفسها المسؤولة عن الطائفة الشيعية (المضطهدة والمظلومة) تاريخياً في شتى بقاع الأرض، وهي التي تملك مفاتيح خلاصهم وحريتهم، وأنها الوحيدة التي تقف أمام المخططات الإسرائيلية والأمريكية.
2- القضية الفلسطينية: المستمرة بسبب الفيتو الأمريكي ضد كل قرار من شأنه التوصل إلى حل للصراع العربي الإسرائيلي، لتؤكد الأمم المتحدة للعالم عجزها التام عن تحقيق أهداف ميثاقها، ولتظل فلسطين شماعة للدول الفاشلة والأحزاب الإرهابية المتطرفة لتأخذ من (تحرير فلسطين) وسيلة للمزايدات التي أضرت كثيرا بالأمة العربية.
3- تداعيات الأزمة السورية: بسبب توافق المصالح بين دول الإقليم والدول الكبرى التي تعمل جميعها لتحقيق أهدافها ومصالحها ضاربة بعرض الحائط تطلعات الشعب السوري، وكانت ومازالت السبب الرئيسي لاستمرار الأزمة منذ (مارس 2011) دون التوصل إلى حل سياسي.
لذلك لابد أن تبحث (قمة سبتمبر) -بشكل جاد وتنفيذ فوري- الحلول المثلى لظاهرة الإرهاب من خلال ثلاثة محاور رئيسية هي:
- المحور الأمني والعسكري: من خلال الضغط على الولايات المتحدة لإصدار قرار من مجلس الأمن يضع آلية دولية لتنفيذ القرار رقم (2178) الصادر في (سبتمبر 2014) المتعلِّق بمنع تدفق الإرهابيين إلى سورية والعراق.
- المحور المالي: التنسيق الملزم مع الولايات المتحدة بقطع الشريان المغذي للجماعات الإرهابية الذي يستوجب إيجاد آلية دولية لتنفيذ قرارات مؤتمر مكافحة تمويل الإرهاب المنعقد في مملكة البحرين في (نوفمبر 2014) والذي انتهى بإصدار (إعلان المنامة).
- المحور الفكري: التنسيق والتعاون لمحاربة أيديولوجيا التطرف التي هي الأساس الذي تقوم عليه الجماعات الإرهابية، بالوقوف صفاً واحداً للتصدي لهذا الفكر الضال بإعادة النظر في مناهج التعليم ونبذ وتجريم جميع الأفكار الارهابية ومسبباتها ومن يقف وراءها.
إن مصالح بعض الدول تقف وراء الصراعات الدامية في الشرق الأوسط، وتعطيل أي تحرّك جاد لوضع الآليات المناسبة لتنفيذ القرارات الدولية الخاصة بالإرهاب، واستغلال الأحداث الإرهابية لتنفيذ مخططاتها وتحقيق أهدافها في زعزعة أمن واستقرار المنطقة ودعم الأنظمة التي تتفق وتلك المصالح وتقويض أنظمة أخرى؛ لذلك فإن على دول مجلس التعاون واتخاذ خطوات سياسية جادة إذا لم تنجح مباحثاتها المقبلة مع الجانب الأمريكي، تقوم على إسقاط سنوات طويلة من الاعتماد على القوى الكبرى التي تبدَّلت مواقفها وإستراتيجيتها في منطقة الشرق الأوسط لأسباب مختلفة واتخاذ قرارات خليجية وطنية مصيرية بعيدة تماماً عن التحالفات التي لم تعد مجدية، وذلك بتنفيذ قرارات قمة الرياض (ديسمبر 2015)؛ لأن التراخي في إدارة هذا الملف وفي هذه المرحلة الحساسة ليس في مصلحة دول مجلس التعاون على المدى المنظور.

* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
23:00 | 25-08-2016

الصفحات «28» السرية

إثر هجمات (سبتمبر 2001م) الإرهابية في نيويورك شكَّل الكونغرس الأمريكي لجنة لتقصي الحقائق، لبحث وجمع أكبر قدر من المعلومات حول تخطيط وتمويل وتنفيذ تلك الهجمات، وانتهت اللجنة إلى تقرير فاقت صفحاته (800) صفحة، ظهر الجدال بشأنه في أبريل الماضي مع مناقشة الكونغرس لمشروع قانون (العدالة ضد رعاة الإرهاب) الهادف إلى توفير العدالة لضحايا الأعمال الإرهابية التي تُرتكب على الأراضي الأمريكية -ومنها هجمات (سبتمبر 2001م)- وتوفير الغطاء القانوني لأهاليهم لإقامة دعاوى قضائية أمام المحاكم الأمريكية ضد الأشخاص أو البلدان المشتبه في تمويلهم لتلك العمليات الإرهابية.
المثير في الموضوع هو حجب الفصل الأخير من التقرير من قِبل إدارة الرئيس السابق جورج بوش لأسباب تتعلَّق بالأمن القومي، ويتكوَّن ذلك الفصل من (28 صفحة) تتناول -بزعم الإدارة الأمريكية- دور المملكة العربية السعودية في تلك الهجمات، واستمرت تلك الصفحات محاطة بجدار من السرية حتى يوم (15 يوليو 2016م) حينما أعلن رئيس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بأن ذلك الجزء من التقرير سيُكشف للعامة بعد أن وافقت وكالات الاستخبارات وأجهزة إنفاذ القانون ووزارة الخارجية الأمريكية على نشره، وأن الصفحات المحجوبة برأت السعودية من هجمات (سبتمبر 2001م).
لقد ضغطت السعودية على الإدارة الأمريكية للكشف الفوري عن الصفحات السرية من التقرير منذ اليوم الأول لإعلانه، وذلك للأسباب الآتية:
الأول: إتاحة الفرصة أمامها للرد على أية اتهامات موجّهة ضدها حول مسؤوليتها عن تلك الهجمات، خصوصا أن حجب بعض صفحات التقرير عن الأوساط الدولية يثير الشك وربما يؤكده حول دعمها للإرهاب، ما جعل ذلك الموضوع مدار أحاديث ولقاءات وتحليلات الفضائيات والصحف العالمية والعربية. الثاني: من المؤكد أن تلك الصفحات تتضمَّن أدلة ومعلومات مهمة عن داعمين محتملين للإرهاب، ما سيمكِّن السعودية بالتعاون مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي من محاربتهم واجتثاث جذورهم.
الثالث: من المعروف أن السعودية تعدّ من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط؛ والشكوك التي أثارها ذلك التقرير طوال السنوات الماضية في تصرفات ونوايا المملكة تجعل من الصعب المرور مرور الكرام على هذا الأمر، وقد تسبَّب ذلك بطبيعة الحال بانعكاسات سلبية على علاقات الصداقة الإستراتيجية والتاريخية بين البلدين وتوترها. لقد عانت السعودية منذ سنوات طويلة من الإرهاب، وعملت على محاربته، ودعت في مختلف المحافل الدولية إلى استخدام كافة الوسائل للقضاء عليه، وشاركت المجتمع الدولي في ذلك بتقديم كافة أشكال الدعم المادي والميداني، رغم محاولة الإعلام الغربي إلصاق تهمة مساندة الإرهاب بها من أجل زعزعة أمنها واستقرارها وتقليص دورها الإقليمي والتشكيك في قدرتها على قيادة العالم الإسلامي والعربي، إلا أن قيادتها لعاصفة الحزم مكّنتها من تشكيل قوة عسكرية واقتصادية مؤثرة على سير الأحداث في المنطقة؛ وكانت هي الرد القاصم على الحملات العدوانية ضدها لما أعادته للأمة العربية والإسلامية من مكانة ودور في التحكم بمصيرها وقرارها وفَرض إرادتها والتأثير في مجريات الأحداث والتطورات والقضايا الدولية والإقليمية تبعا لمصالح شعوبها، وعلى وجه التحديد وقف التمدد الإيراني.
ورغم جميع الحملات الإعلامية والسياسية ضد السعودية؛ تبقى الحقيقة التي يثبتها واقع الأحداث بأنها -ومنذ سنوات طويلة- هي صاحبة الدور الأساسي في محاربة التطرف والإرهاب واجتثاث الأرضية الأيديولوجية التي تغذيه في مختلف بقاع العالم، وما يؤكد ذلك مبادراتها ودورها المحلي والإقليمي والدولي التي يتمثَّل أبرزها في إنشاء (مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب) الذي كانت هي صاحبة المبادرة لإنشائه تحت المظلة القانونية للأمم المتحدة بهدف وضع آليات تبادل المعلومات والخبرات بين الدول لمكافحة الإرهاب، وتبرعت بمبلغ (110 ملايين دولار) لتأسيسه. ورغم الجهود السعودية الجبارة في هذا الميدان، فإن ذلك غير كافٍ للسيطرة على الإرهاب العالمي، ويتبقى الاعتراف بأن التعاون الدولي في هذا المجال دون استغلال لتنفيذ أجندات تخدم المصالح الذاتية لبعض الأطراف، هو سبيل الخلاص والتحرر من قيود الإرهاب، فالملاحقة الأمنية رغم أهميتها لن تكون مثمرة إذا لم ترافقها برامج فكرية وخطط عملية دولية للقضاء على الفكر الإرهابي، والإنصاف في ذلك بعدم تحديده في إطار ديني إسلامي، وهنا يبرز الدور الأممي الهام للتوصل لاتفاق دولي لتعريف (الإرهاب)، وإعداد برامج واتفاقيات دولية عادلة تضع النقاط على الحروف حول الالتزامات والطرق الصحيحة للحد من الفكر الضال والمتطرف.

(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.
22:26 | 18-08-2016

... في ميزان العلاقات البحرينية الأمريكية!

نشرت صحيفة الوسط البحرينية بتاريخ (29 يونيو 2016م) تغريدة لمندوبة الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن على حسابها في (تويتر) من باب حرية الرأي والتعبير الذي كان الهدف منه أبعد من ذلك بكثير ويتضمَّن رسائل واضحة يمكن قراءتها من بين السطور.
وما يثير الاستغراب حقاً هو سماح الدبلوماسية المحنكة والخبيرة في الشؤون الدولية لنفسها بأن تغرد بتلك التغريدة التي تؤكد مدى التدخل الأمريكي في الشؤون الداخلية البحرينية منذ الأحداث المؤسفة في (فبراير 2011م)، وهو أمر لا يتفق بتاتاً وعلاقات الصداقة التاريخية بين البلدين ومع مبادئ النظام الأساسي لمنظمة الأمم المتحدة الذي يحرِّم كافة أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، والتي تعدّ أمريكا أهم الدول الموقعة عليه وهي الراعية والضامنة له.
فالتصريحات الأمريكية المتكررة على لسان مندوبها الدائم في الأمم المتحدة ودفاعها المستميت وقلقها على محاكمة أحد المواطنين بقضايا تتعلَّق باستغلاله لمكانته الدينية في جمع أموال دون ترخيص، تبيّن حجم التدخل الأمريكي في الشأن البحريني، رغم أنها -أمريكا- على دراية باستغلال المذكور لأمواله في تمويل أعمال العنف والإرهاب، خصوصاً بعد فتواه المشهورة (اسحقوهم)، كما تدرك أن جزءًا كبيراً من تلك الأموال تم تحويله لمنظمات تموّل عمليات إرهابية في العراق وسوريا ولبنان تحت غطاء ديني، وهو أمر لا يتفق والحملة الأمريكية لمحاربة الإرهاب والقضاء على (داعش) بالتعاون مع حلفائها في المنطقة ومنهم مملكة البحرين، كما أنها وبريطانيا على علم بأن الكثير من (أموال الخُمس) يتم تحويله إلى حسابات المعارضة في لندن التي تحتضن مجموعات إرهابية يتم منحهم حق اللجوء السياسي بسرعة كبيرة مثيرة للاستغراب، كما هو مستغرب أمر تمويلهم لمصاريف بقائهم وإقامتهم في أغلى مدن العالم، وتمويل أنشطتهم وأجهزتهم الإعلامية!.
إن الدعم الأمريكي السياسي والمالي والإعلامي واللوجستي اللا محدود لتحقيق التغيير المطلوب في منطقة الشرق الأوسط، الذي يشمل البحرين كنقطة انطلاقة إلى بقية دول مجلس التعاون، يمكن تفسيره في الإطار الآتي:
أولاً: حسمت أمريكا أمرها بعد أحداث (سبتمبر 2001م) وإعداد خطة لتشكيل (الشرق الأوسط الجديد) عبر تغيير الأنظمة القائمة إلى أنظمة تعددية تحت شعارات حماية حقوق الإنسان والإصلاح السياسي والاقتصادي.
ثانياً: رأت أمريكا ضرورة إعادة النظر في تحالفاتها القديمة، ووجدت في إيران ركيزة الأمن الأساسية في المنطقة، رغم تجربتها القاسية مع الثورة الإيرانية ونظامها الذي يعتبر أكثر الأنظمة المستبدة في العالم، وهو الذي يقف وراء العديد من أعمال العنف والإرهاب التي تعرَّضت إليها المصالح الأمريكية.
ثالثاً: (المصالح الذاتية) هي بوصلة أمريكا في علاقاتها وتحركاتها وتحالفاتها، ولا يوجد في قاموسها أدنى التفات لمصالح غيرها من الدول؛ لذلك ليس من المفاجئ تخليها بسهولة شديدة عن أصدقائها عند تعرضهم لظروف ومتغيرات خطيرة لا تمسّ مصالحها الاستراتيجية. لذلك تمر العلاقات الخليجية الأمريكية بحالة من التوتر في الفترة الماضية لأسباب عدة؛ منها التوقيع على الاتفاق النووي في (يوليو 2015م)، والذي دعا الرئيس الأمريكي دول مجلس التعاون وباستخدام دبلوماسية الضغط إلى مباركته بذريعة ضرورته للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
إلا أن واقع الأحداث ينطق بغير ذلك، فبعد التوقيع على الاتفاق الكارثي، تفاقمت حدة أعمال العنف بالوكالة والتهديدات والتصريحات الإيرانية المستفزة وغير المسبوقة ضد دول مجلس التعاون وقياداتها على كافة المستويات؛ بهدف تثبيت دورها الإقليمي والاعتراف به كأمر واقع بموجب ذلك الاتفاق.
وتبقى التساؤلات الأهم؛ كيف ستتعامل دول المنطقة مع السياسة الأمريكية الجديدة؟ وكيف ستتخلَّص من الارتباط الأمريكي المتمكّن منها في هذه المرحلة الحساسة؟
أستطيع إيجاز الإجابة في أمرين إن تحققا فإن الأمور ستتغير لا محالة لصالح دول المجلس وشعوبها، وهما:
1ــ مزيد من الإصلاحات واستكمال خطوات التغيير الهادفة.
2ــ إيجاد صيغة توافقية بين دول مجلس التعاون المستعدة لإقامة (الاتحاد الخليجي) خصوصاً بعد إقرار (رؤية الملك سلمان بن عبدالعزيز) في قمة الرياض في (ديسمبر 2015م).
وخلاصة القول، إن البقاء في حالة التشرذم الحالية، وبُعد دول مجلس التعاون عمَّا يجري من تطورات، وعدم اكتراثها بالأحداث الجسام المؤثرة على واقعها ومستقبلها، سوف يصل بالمنطقة العربية في نهاية الأمر إلى أسوأ مما يمكن تصوره.
20:49 | 11-08-2016

تركيا .. وقرارات قمة نواكشوط

بدأت القمة العربية في نواكشوط يوم «25 يوليو 2016» بحلم جميل تحقق وانتهت بقرارات مكررة ستبقى حبراً على ورق دون تنفيذ، خصوصاً أنها ذُيِّلت بتحفظات بعض الدول العربية تبعاً لمصالحها وارتباطاتها بقوى خارجية في مقدمتها إيران.
فقد أدان البيان الختامي للقمة التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للدول العربية، ودعاها إلى احترام مبدأ الحوار والامتناع عن استخدام القوة أو التهديد بها؛ إلا أن «العراق» أبدى تحفظاً على عنوان البند المتعلق بذلك؛ مبرراً تحفظه أن «التدخل الإيراني يطال بعض الدول العربية وليس كلها»، بينما نأى «لبنان» بنفسه عن تلك الإدانة، في موقف غريب ومعتاد ابتدعه الساسة اللبنانيون في عالم السياسة والدبلوماسية حينما تُدان إيران في القمم العربية أو اجتماعات وزراء الخارجية العرب.
كما دعا البيان تركيا إلى سحب قواتها من العراق بموجب العلاقات الثنائية بين الدول العربية وأنقرة؛ كما تمَّت الموافقة على إدراج «بند دائم» على جدول أعمال مجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة يتعلق بـ«دعوة تركيا إلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية للعراق» إلى حين تحقيق الانسحاب التركي من الأراضي العراقية، وهو من القرارات المستغربة لتمريره دون أي تحفظات من الدول العربية ذات العلاقات الإستراتيجية مع تركيا.
ويمكن تحليل أبعاد ذلك القرار في ما يلي:
أولاً: حقَّق العراق انتصاراً دبلوماسياً مهماً على صعيد علاقاته العربية، والتزاماً عربياً دائماً بإدانة تركيا في المؤتمرات الدولية والإسلامية باستغلاله للإجماع العربي في قمة نواكشوط لممارسة مزيد من الضغوط الدبلوماسية على تركيا.
ثانياً: قد لا يكون لدى تركيا متسع من المجال حالياً للرد على هذا القرار؛ لانشغالها بترتيب بيتها الداخلي بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة في «15 يوليو 2016»، إلا أن الدبلوماسية التركية لن تقف مكتوفة الأيدي أمامه، خصوصا أنها أعلنت في أكثر من مناسبة أن وجود قواتها على الأراضي العراقية هو وجود موقت، هدفه حماية حدودها وأمنها القومي؛ نظراً لضعف حكومة بغداد التي تسيطر إيران على قرارها السيادي ويحتل تنظيم «داعش» مساحات شاسعة من أراضيها.
ثالثاً: يعتبر قرار القمة العربية ضد تركيا بمثابة جرس إنذار لإعادة النظر في علاقاتها وسياستها الخارجية تجاه مصر التي تعرَّضت في الآونة الأخيرة لتوتر وتصعيد غير مسبوق، انعكس بشكل سلبي جداً على المصالح التركية مع عدد من الدول العربية المهمة التي تدعم حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي.
إن قراءة سريعة لانعكاسات فشل الانقلاب العسكري في تركيا على علاقاتها مع الدول العربية تؤكد أن العالم سيكون أمام تركيا جديدة، ستشهد مزيداً من الانفتاح الإيجابي والمثمر، رغم بعض المشاكل العالقة التي من أهمها العلاقات التركية المصرية.
كما لم يعد مستحيلاً أن تقف العلاقات التركية الإسرائيلية، التي عادت من جديد بعد القطيعة التي سبَّبها الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية في «مايو 2010»، حاجزاً أمام تعزيز العلاقات العربية التركية، والتواصل غير المحدود بين المجتمعات العربية والتركية بكافة توجهاتها وتنظيماتها التي أحدثت تغييرات مهمة في إطار التاريخ والجغرافيا والدين والمصير المشترك.
أما بالنسبة لتعزيز العلاقات الخليجية التركية التي تمَّ تأطيرها في «الحوار الإستراتيجي الخليجي التركي» فتكمن أهميتها في الآتي:
- تعزيز العمق الإستراتيجي لدول مجلس التعاون في موازاة ترتيباتها الأمنية والإستراتيجية مع حلفائها التقليديين في منطقة الخليج، خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية بعد التوقيع على الاتفاق النووي وانعكاساته على أمن واستقرار دول المجلس التي أصبحت مُهددة أكثر من أي وقت مضى.
- المساعدة على اتخاذ مواقف خليجية مستقلة، والبحث عن خيارات بديلة لمواجهة التمدد على اتخاذ مواقف خليجية مستقلة، والبحث عن خيارات بديلة لمواجهة التمدد الإيراني الذي تمكَّن من تعزيز نفوذه في العراق الذي يعاني من السيطرة الإيرانية على قراراته السيادية ومن أوضاع صعبة بسبب احتلال «داعش» لأجزاء من أراضيه، إضافة إلى اشتداد الصراع الطائفي الداخلي وخشية دول المجلس من انتشاره.
هكذا تتلخَّص صورة قمة نواكشوط وقراراتها المتناقضة، فلو تحقَّق جزء يسير من قرارات القمم العربية التي بقيت معلبة على أرفف الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة منذ «قمة أنشاص - مايو 1946» حتى «قمة نواكشوط – يوليو 2016» لكان لدول العرب حضور أقوى على الساحة الدولية، وستكون لها صولات وجولات مشهودة، وستتمكن من فرض إرادتها على المجتمع الدولي وستحقق مصالحها ومصالح شعوبها وسط عالم لا يعترف إلا بالقوة.

* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.
21:13 | 4-08-2016

الشعب التركي يعيد كتابة التاريخ

في يوم (15 يوليو 2016) كتب الشعب التركي تاريخا جديدا ملهما في المنطقة، بعد استجابته الفورية لدعوة الرئيس أردوغان لحماية الديموقراطية والنزول إلى الشارع رفضا للانقلاب الذي قادته مجموعة من القوات المسلحة التركية؛ فحسم الشعب الموقف وانتصر لنظامه الديموقراطي وحمى مكتسباته وحافظ على مستقبل بلاده وواجه المجموعة الانقلابية بكل بسالة وتصميم، وأكد على أن الحكم سيستمر للشعب عبر التداول الشرعي للسلطة من خلال العملية السياسية البرلمانية، وأن (الجيش) سيبقى مؤسسة خاضعة تماما للسلطة المدنية في البلاد، وأن تركيا لن تعود لحكم العسكر الذي ركنها لفترة طويلة على هامش التاريخ، ليتم إعلان فشل الانقلاب العسكري خلال أقل من ثماني ساعات؛ وذلك لسببين رئيسيين هما:
الأول: الوعي السياسي المتجذر في الشعب التركي الذي وقف وقفة وطنية عظيمة لتأييد الشرعية وحماية المؤسسات المدنية المنتخبة، وإصراره على استكمال المسيرة الديموقراطية تحت قيادة الرئيس أردوغان وحكومته، ما يجعل هذا الشعب الواعي رقما صعبا في المعادلة التركية الداخلية يجب أخذه بعين الاعتبار.
الثاني: الموقف الموحد لأحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني بمختلف توجهاتها الرافض لاتخاذ (الانقلاب) كخيار سياسي ووسيلة سهلة وسريعة للوصول إلى الحكم، فالممارسة الديموقراطية متعمقة في النظام التركي الذي أسسه أردوغان، والحكومة والمعارضة أمناء على استمرار النظام الديموقراطي ومستقبله مهما احتدت الخلافات بينهما؛ لإيمانهما المطلق بأن حلها يتم دستوريا تحت قبة البرلمان.
إن الإجراءات الصارمة التي اتخذها أردوغان ضد المشاركين في الانقلاب الفاشل سواء في المؤسسة العسكرية أو القضائية أو التعليمية، والتحركات الأمنية المشددة لمكافحة (التنظيم الموازي) وهو المتهم الأول بالوقوف وراء الانقلاب، وإعلانه عن إعادة هيكلة القوات المسلحة، وعدم استبعاده إجراء تعديلات دستورية قريبا، واحتمالية تمديد حالة الطوارئ المفروضة على البلاد؛ سوف يؤدي بلا شك إلى إسدال الستار نهائيا أمام أي حركة انقلابية قادمة.
كما أن سيطرة أردوغان السريعة على الحدث، وقدرته على منع انزلاق البلد في الفوضى، ووقوف الأحزاب المعارضة صفا واحدا ضد الانقلاب؛ سينعكس بكل تأكيد على زيادة ثقة الشعب التركي بالرئيس، وسيكون له تأثير قوي في تخفيف حدة الخلافات السياسية بين (حزب العدالة والتنمية) والأحزاب الأخرى، مما سيمهد الأرضية اللازمة لإجراء حوار سياسي بينها للتوافق على تعديل الدستور ومعالجة كافة الملفات عبر التوافق بين جميع الأطراف.
وبما أن جميع الانقلابات في تاريخ تركيا الحديث تبنتها المؤسسة العسكرية، فإن فشل الانقلاب الأخير وتبعاته يعد فرصة ذهبية أمام الرئيس أردوغان وحزبه الحاكم لإعادة هيكلة القوات المسلحة وضمان ولائها وحرصها على حماية النظام الديمقراطي وبقائها تحت أوامر وتعليمات القيادة السياسية، خصوصا أن العمر الزمني لحكمه غير كاف لاكتساب رضا المؤسسة العسكرية عن الخلفية الإسلامية لقيادات حزب العدالة والتنمية.
إن فشل الانقلاب، وما ترتب عليه من تطهير في صفوف الجيش والقضاء، وسلسلة الإجراءات الصارمة التي تم اتخاذها لحفظ المستقبل الديموقراطي التركي، والمصالح العليا لتركيا، وما اتجهت إليه السياسة الخارجية التركية مؤخرا من إعادة ترتيب علاقاتها السياسية مع (إسرائيل، وروسيا)، وما يتردد عن رغبتها في إعادة النظر في علاقاتها مع (سورية)، يتطلب من أردوغان إعادة حساباته في علاقاته مع مصر التي كانت السبب الرئيس لتوتر علاقات تركيا مع بعض الدول العربية.
من جانب آخر، وعند الحديث عن قائد الانقلاب الفاشل فإن الكثير من الدلائل تشير إلى أن المعارض البارز والمقيم في الولايات المتحدة الأمريكية (محمد فتح الله غولن) هو من يقف وراء التخطيط لذلك الانقلاب، وعند التمعن في الدور الذي يقوم به هو وأتباعه، ومقارنته بالوضع في البحرين، فإنه يذكرنا بالدور الذي تقوم به بعض قيادات المعارضة التي تسعى لإحكام السيطرة على الشارع من خلال إصدار التوجيهات لأتباعها بهدف إنشاء (دولة موازية) تحت شعارات حماية حقوق الإنسان وادعاء المظلومية، والاستعانة في ذلك بالدعم الإيراني اللامحدود.
لذلك فإن الموقف الوطني الموحد للمعارضة التركية في ذلك الحدث التاريخي رغم الخلافات السياسية بينها وبين الحزب الحاكم، هو ما يجب أن تستفيد منه المعارضة البحرينية البعيدة كل البعد عن (الوطنية) التي تدعيها برفضها جميع الحلول المطروحة منذ (فبراير 2011) لمعالجة الأزمة وتبعاتها.


(*) المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.
20:54 | 28-07-2016