أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/okaz/uploads/authors/1621.jpg?v=1764598933&w=220&q=100&f=webp

المختار ولد داهي

العلاقات الموريتانية – السعودية: جذور وجسور

بمناسبة الذكرى الخامسة والستين للاستقلال الوطني للجمهورية الإسلامية الموريتانية، التي تحلّ في 28 نوفمبر من كل عام، يسعدني أن أرفع أسمى التهاني إلى أبناء الشعب الموريتاني كافة، ولاسيما الموجودين في المملكة العربية السعودية، بهذه الذكرى المجيدة التي تجسد مسيرة تأسيس دولة راسخة، قوية بتنوع أعراقها، وغنية بموروثها العلمي والنضالي، ومسنودة بمواردها البشرية الكفؤة والطموحة. دولةٌ تمضي بثقة، بجهود مواطنيها، نحو ترسيخ العدل والأمن والاستقرار وتحقيق تنمية عادلة وشاملة.


وأتوجه بجزيل الشكر للمملكة العربية السعودية على ما يوليه خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين من عناية ورعاية للجالية الموريتانية التي يتجاوز عددها 20 ألف مقيم، يتمركز أكثر من ثلثيهم في المدينتين المقدستين. وتشهد الجهات السعودية المختصة على تميز هذه الجالية خُلقًا وانضباطًا وابتعادًا عن كل ما يخلّ بالمروءة والسلوك القويم.


ولا شك في أن بين الشعبين الشقيقين تقاطعًا تاريخيًا عميقًا؛ فالهجرات العربية القديمة، خصوصًا بعد انهيار سد مأرب، أسهمت في تشكيل البنية السكانية والثقافية في بلاد شنقيط. كما هاجرت مجموعات من قبائل بني حسان الجعفرية من منطقة نجد ضمن التغريبة الهلالية، واستقرّت في موريتانيا لتؤدي دورًا بارزًا في حياتها الاجتماعية والسياسية حتى اليوم.


وتبرز الشواهد الحضارية لهذا التقاطع في مظاهر عديدة يلحظها الزائر السعودي لموريتانيا أو الزائر الموريتاني للمملكة؛ من اللسان العربي الفصيح المتقارب بين البلدين، إلى التشابه في العادات والتقاليد، والصناعات الحرفية، والأسلحة التقليدية، ومنتجات الواحات، وأدوات الزينة، وآليات التنظيم الاجتماعي، وثقافة تنمية الإبل. وقد لاحظتُ خلال زياراتي للمتاحف والمعارض التراثية في المملكة تماثلًا لافتًا في التراث المادي وغير المادي، مما يبرهن على عمق الروابط التاريخية بالرغم من تباعد الجغرافيا وتنوع المؤثرات.


ومع قيام الدولة السعودية الثانية ثم الثالثة، استقر عدد من العلماء الموريتانيين في الحجاز بعد أدائهم مناسك الحج، وحظوا بتقدير كبير لعلمهم وأخلاقهم، وكان لهم إسهام معتبر في النهضة العلمية السعودية. وقد اكتسب كثير منهم الجنسية السعودية، وبقي لقب «الشنقيطي» إلى يومنا هذا رمزًا للعِلْم والقرآن حفظًا وتلاوةً وتفسيرًا، تقديرًا لإرث علمي مشهود.


ومنذ نشأة الدولة الموريتانية الحديثة عام 1960، اتسمت العلاقات الموريتانية – السعودية بالمودة والتعاون والتنسيق في المحافل الإقليمية والدولية. وكانت زيارة الملك فيصل بن عبدالعزيز –رحمه الله– لموريتانيا عام 1972 محطة تاريخية خالدة، حملت تقديرًا كبيرًا للشعب الموريتاني قبل انضمام موريتانيا لجامعة الدول العربية بعام واحد.


وقد استمر الدعم السعودي لموريتانيا سخيًّا ومتعدد المجالات، من الشؤون الإسلامية، إلى التعليم الجامعي والعام، ومن الصحة إلى الطرق والسدود والطاقة والمياه والزراعة. ويُعدّ حصول موريتانيا على المرتبة الثالثة بين أكثر من 100 دولة في حجم تمويلات الصندوق السعودي للتنمية دليلًا على المكانة الخاصة والاهتمام الكبير الذي توليه المملكة لموريتانيا، رغم محدودية عدد سكانها مقارنة بالدول الأخرى المتقدمة للتمويل.


وتشهد العلاقات بين البلدين منذ أعوام تطورًا متسارعًا تحت قيادة فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وقد انعكس ذلك على تنامي التمويلات السعودية، وتعزيز التنسيق السياسي في القضايا الثنائية والعربية والإسلامية والدولية. كما دأب خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد على الإشادة بالعلاقة المميزة مع «الشناقطة» في مختلف المحافل.


ومنذ مباشرتي لمهامي سفيرًا للجمهورية الإسلامية الموريتانية في المملكة في منتصف فبراير 2025، شهدت العلاقات حراكًا ديناميكيًا لافتًا؛ إذ زار فخامة رئيس الجمهورية المملكة مرتين، وأجرى مباحثات مهمة مع سمو ولي العهد، كما تبادل العديد من الوزراء في البلدين الزيارات الرسمية التي أسهمت في تحديث ملفات التعاون القطاعي. كذلك زار وفود من المستثمرين السعوديين موريتانيا، مما أضفى حيوية جديدة على مسارات التعاون.


ويعمل البلدان اليوم على تأسيس جيل جديد من الشراكات في القطاعات الحكومية والخاصة، بما يحقق مصالحهما المشتركة ويؤدي إلى نتائج ملموسة على التنمية في موريتانيا بوجه خاص. وتعزز الثقة بنجاح هذه الشراكات الإرادة الصادقة والمعبرة بوضوح عن قيادتي البلدين في توسيع وتنويع محفظة التعاون التنموي.


وتأتي كل ذكرى وطنية في البلدين لتؤكد أن العلاقات الموريتانية – السعودية تمضي في مسار متصاعد من التقدم والرسوخ، تجذرًا للماضي المشترك وبناءً لجسور المستقبل.

* سفير موريتانيا لدى المملكة

17:33 | 1-12-2025

العلاقات الموريتانية - السعودية.. وتاريخ «الشناقطة»

لا شك أن العديد من سكان موريتانيا تعود أصولهم إلى المشرق العربي، ضمن هجرتين شهيرتين؛ إحداهما بعد انهيار سد مأرب إذ هاجرت مجموعات حميرية وتوقفت رحلتها الطويلة في بلاد شنقيط، فيما تمثلت الأخرى في هجرة المعاقلة الحسَّانيين من الجزيرة العربية إلى الصحراء الكبرى، أو ما سيعرف لاحقا بموريتانيا.

منذ تلك الأزمنة الغابرة، ارتبط الشناقطة بوشائج متشعبة ببلاد العرب خاصة السعودية التي أكرمت حجيجهم واحتضنت علماءهم ووظفتهم في الإدارة والقضاء والتعليم. فكانت نِعْمَ المضيف المرحب الحاضن لآلاف الموريتانيين الذين تميزوا علما واستقامة وما زال الخلف منهم عاضَّا بالنواجذ على نهج السلف.

ودأب ملوك السعودية وأمراؤها وأكابرها على إجلال وإكرام الشناقطة. ولعل التلال والأنجاد والأودية في بلاد شنقيط ما تزال تنشد مع العلامة الدَّنَبْجَه بن معاوية قوله في جلالة الملك سعود بن عبد العزيز رحمه الله:

يجود بماله طلِقُ المحيّا

إذا كعْبُ ابنُ مامة لا يجودُ

لعمرك ما أبٌ كأبيه عدلاً

ولا كجدوده عدلاً جدودُ

لقد حمدَتْ ولايتك الحبارى

وأمُّ الخشف والوعل الحيودُ

وأهل البحر الأحمر حامدوها

وحامدة عدالتك الهنودُ

ولو قال الإله لهم: تمنّوْا

تمنّوْا طول عمرك يا سعودُ

إنه الإكبار الذي توجته زيارة الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله لموريتانيا مخلّفا عظيم الأثر في نفوس كل الشناقطة.

ومع وصول خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لسدة الحكم في المملكة، استبشر الموريتانيون خيرا وازدادوا تعلقا بتلك الأرض الطاهرة لأن الملك كثيرا ما نقل عنه اعتزازه بعلاقته بالشناقطة.

وإذا كانت علاقات الأخوة قد ترسخت منذ قرون بفعل التعاطي الثقافي والعلمي بين الشعبين، فإن زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، فبراير 2020، جاءت لتعطي دفعا قويا لتلك العلاقات الضاربة في القدم. إنها تعبير جدي عن سعة آفاق التعاون والتشاور بين الحكومتين والشعبين في ظل تطابق منقطع النظير في وجهات النظر حول القضايا الدولية والإقليمية. لقد مكث الرئيس الموريتاني، مكرما، ثلاثة أيام في المملكة السعودية أجرى خلالها مباحثات مثمرة مع ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، كما تم خلالها التوقيع على برامج ومذكرات تفاهم في مجالات مختلفة ومهمة.

وللدولة السعودية مواقف متعددة مع موريتانيا، فهي تؤازرها، في الوقت الراهن، في جهودها بمنطقة الساحل الرامية لمحاربة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار والسلم، كما ظلت السعودية تدعم موريتانيا من خلال مؤسساتها التنموية المختلفة خاصة الصندوق السعودي للتنمية وغيره من الآليات التنموية، فضلا عن الجمعيات الخيرية والإنسانية. فأصبحت بذلك أكبر ممول عربي للمشاريع التنموية في البلاد، كما تشهد وتصدعُ بذلك العديد من المنشآت التنموية والاجتماعية...

ويجدر بنا أن ننوه بالدور الرائد للمملكة العربية السعودية لإنجاح منتدى الاستثمار في موريتانيا، حيث شارك فيه وزير المالية السعودي، وأعلن عن استثمارات سعودية ضخمة في بلادنا، معتبرا أن هذا البلد يمكن للتعاون معه أن يفيد الشعبين الشقيقين. وقبل سنوات، أعلن البنك الإسلامي للتنمية (مقره جدة)، خلال اجتماعات شركاء موريتانيا في بروكسل، عن تقديم تمويلات لبلادنا تصل إلى 700 مليون دولار لدعم جهود التنمية.

ويساهم الصندوق السعودي للتنمية في موريتانيا بتمويلات ضخمة في صيغة هبات وقروض ميسرة لدعم مختلف مجالات التنمية، خاصة البنى التحتية والكهرباء والمياه والمناجم والتعليم والصحة،...

وفى مجال الصحة، قدمت المملكة العربية السعودية لموريتانيا عونا متنوعا: تشييدا وتوسعة لمستشفيات ومنحا لتجهيزات وتفويجا لبعثات طبية متخصصة عالية المستوى تعالج المرضى ذوي الأمراض المستعصية... والخطوات حثيثة الآن لتشييد أكبر مستشفى بنواكشوط يحمل اسم خادم الحرمين الشريفين.

إنهُ قليل من كثير، أردت تسطيره للإشارة الخاطفة إلى ما قدمته السعودية لموريتانيا من دعم جزيل وعون سخي كل الموريتانيين ألسنتهم رَطِبَةٌ من ذكره وشكره.

أتشرف اليوم بزيارة عمل للمملكة العربية السعودية تلبية لدعوة كريمة من أخي وزير الصحة بالمملكة العربية السعودية فهد بن عبد الرحمن الجلاجل وهي مناسبة لاستعراض محفظة التعاون بين بلدينا فى مجال الصحة واستشراف مزيد آفاق التعاون والاستفادة من تجارب المملكة العربية السعودية الشقيقة في تطوير المنظومة الصحية بكافة مكوناتها.
01:30 | 15-06-2022