أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1620.jpg&w=220&q=100&f=webp

أحمد عبد الرحمن العرفج

#كيف_نستثمر_أحلام_النوم

#ناصية:

من الأمور التي حسّنت من ذاتي وطوّرت من قدراتي تلك الأفكار التي أهجس بها وأتذكرها قبيل النوم مباشرة.

إنها أشياء أحبها، وقد خزنتها في رأسي منذ سنوات حتى أستحضرها وأنا على وسادتي الخالية إلا من الطموحات والأحلام الكبيرة.

نعم، هناك عشرون فكرة أتذكرها وأستدعيها وأطورها في لحظات دخولي على بوابات النوم؛ لعلّي أرى شيئاً من هذه الأفكار في المنام..

وهذه العشرون هي:

١- نجاحات حققتها.

٢- كتب جيدة قرأتها.

٣- كلمات ثناء سمعتها.

٤- أعمال خيرية فعلتها.

٥- مفردات وأبيات شعرية محفزة حفظتها.

٦- أموال مباركة استثمرتها.

٧- مقالات حب نشرتها.

٨- مدن جميلة زرتها.

٩- برامج ناجحة قدمتها.

١٠- سويعات فرح عشتها.

١١- أكلات ومشروبات لذيذة تناولتها.

١٢- حكمة عالمية صادفتها.

١٣- موعظة إسلامية تأملتها.

14- مادة جذابة درستها.

15- مواقف لطيفة عملتها.

16- ملابس زاهية لبستها.

17- صحة استشعرتها.

18- نعمة خافية أظهرتها.

19- وظيفة كريمة باشرتها.

20- مهارة اكتسبتها.

إنني أغذي عقلي بهذه الأفكار قبيل النوم لعلها تتمدد وتنمو داخل أحلامي لتجذب ما يشبهها من أفكار النمو والإشراق والازدهار.!

إنني أفكر بها وأرددها وأنا على وسادتي وأنا مغمض العينين معتمداً على مثلين هما:

الأول: مثل حجازي يقول:

(الجيعان يحلم بسوق العيش)، لذلك أختار بنفسي نوع الجوع حتى أحلم بسوقه وأحصل على خبزه وعيشه.

الثاني: مثل نجدي يقول:

(أحلام أهل نجد حديث قلوبها)، لذلك أحدّث نفسي عن قلبي بما أريد أن أراه لكي أراه.

الشاهد هنا أنني أستدعي الأفكار المثمرة حتى تتكاثر في عقلي وتتزاحم في أحلامي حتى تجذب ما يشببها.. فالجمال يجذب الجمال والنمو والنجاح يجذب النجاح.. والمتشابهات تتجاذب دائماً.!

وأخيراً... أعلموا أن الأفكار تداهمنا في فترة قبيل النوم بقوة!

لماذا؟!

لأن هذه الفترة هي الفترة الوحيدة التي يختلي فيها الإنسان بنفسه..

أما بقية يومه فهو يعيش الزحمة المحشوة بالعمل الكثير والضغط الكبير.!
00:05 | 16-12-2024

ما هي الرجولة؟ وكيف نعرف المرجلة؟

قبل أيام، اتصلت بي إحدى قريباتي وقالت:

يا أحمد؛ ابني «محمد» كبر، وأريدك أن تعلمه المرجلة «الرجولة».

لا أخفيكم أنني سعدت بمكالمتها، وتورطت في نفس الوقت، وسبب سعادتي أن كلامها هذا فيه اعتراف منها برجولتي لدرجة أنها طلبت مني أن أكون مدرسة لابنها، ولها مني جزيل الشكر.

أما الورطة التي وجدتها أمامي فهي تتمثل في:

أولًا: تعريف المرجلة.

ثانيًا: أدواتها ومواصفاتها التي إذا فعلها الإنسان أطلقنا عليه صفة الرجولة.

وقبل أن أكمل حديثي دعونا نفرق بين الذكر وبين الرجل فنقول: هناك فروق منها:

1- الذكورية إجبار، والرجولة اختيار.

2- الذكورية شكل، والرجولة مواقف.

3- الذكورية جنس وانتساب، والرجولة صفات واكتساب.

يقول أهل المعرفة: لقد كان الرسول بين الناس رجلًا وبين الرجال بطلًا، وبين الأبطال قدوة ومثلًا..!

حين ذهبت إلى المكتبة فوجدت كتابين أحدهما يحمل عنوان «رجال حول الرسول»، أما الآخر فيحمل عنوان «الرجولة عماد الخلق الفاضل» وهو للأديب السعودي القدير «حمزة شحاتة»، قرأت الكتابين ووجدتهما يتناولان مخرجات الرجولة ولا يتحدثان عن كيفية الوصول إليها.

بعد ذلك رجعت إلى ذاكرتي وما تحمله من تاريخ شعبي عن المرجلة، فوجدتها خليطًا من العادات والتقاليد، وفي بعض الأحيان هياطًا وتكلفًا، وأثناء ثالثة هي سلوم وعلوم من التراث الشعبي.

أما المرجلة التي عاصرتها في طفولتي فهي تعني الفزعة ومساعدة الناس، وتعني أيضًا الفتوة والزعران والقبضايات واليابات والعتاولة والمشكلجية.

أما عن مظاهر هذه المرجلة أيام الحارة فكانت بحركات مثل:

«التبختر في لبس الحذاء بحيث ندخل الرجل في الحذاء ونتوقف عند المنتصف ولا يلبس بشكل كامل، شرب الدخان، وكوي اليد بجمرة السجائر وهذه الحركة تدل على قوة التحمّل، وضع الشماغ على الكتف أو إمالة العقال، حمل سكين أو مفك في الجيب، تشمير أكمام الثوب، إطالة الشوارب.. إلخ».

كل ما ذكرته سابقًا عن الرجولة «المرجلة» التي قرأتها وعشتها لم تقنعني ولا أفتخر بها؛ لذلك لن أعلمها لابن قريبتي «محمد»، لهذا السبب لجأت -كعادتي- إلى القرآن والسنّة ثم كتب المفكرين والفلاسفة لأستخرج منها المفاهيم العميقة الصادقة التي تدل على الرجولة:

أولًا: الرجولة كما وردت في المفهوم الديني:

1- ذكر الله وإقامة شعائره، قال تعالى: «رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» وهم يفعلون التالي:

التسبيح

الاهتمام بالآخرة

إقامة الصلاة

إيتاء الزكاة

يخافون يومًا تتقلب فيه القلوب والأبصار

2- الصدق، يقول الله جل وعز: «مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ».

الصدق بكل أشكاله مع النفس ومع الآخرين.

3- قوي في قول الحق، قال تعالى: «وقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِن آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إيمانَهُ أتَقْتُلُونَ رَجُلًا أنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ».

4- حب الطهارة، لقوله تعالى: «رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ»

والطهارة قسمان:

الطهارة الظاهرة، مثل النظافة.

الطهارة الباطنة، مثل طهارة النفس والروح والقلب والعقل، لقوله تعالى: «وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ».

5- الإعانة على الخير، قال تعالى: «وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ».

6- التركيز والإخلاص، قال تعالى: «مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ».

7- الرجل من يملك نفسه عند الغضب، قال ﷺ: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب».

8- القوامة، فالرجال قوامون على النساء، والقوامة بكل أنواعها وتشمل النفسية والمادية والعاطفية وتحمل المسؤولية.. إلخ، وهي تكليف واختصاص ولا تقلل من شأن المرأة، بل وضعت لها لأن المرأة مهمة وتستحق الخدمة.

9- إعلاء كلمة الله، قال عمر بن الخطاب: «تمنوا، ثم قال: فقال عمر: أتمنى أن يكون ملء هذا البيت رجالًا من أمثال عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وحذيفة بن اليمان، فأستعملهم في طاعة الله».

10- أن الرجل قبل أن ينصح الآخرين يبدأ بنفسه، ويكون قدوة لغيره، وفي ذلك يقول ابن القيم:

إِن الْكَمَال: «أن يكون الشَّخْص كَامِلًا فِي نَفسه مكملًا لغيره، وكماله بإصلاح قوّتيْه العلمية والعملية، فصلاح الْقُوَّة العلمية بالإيمان، وَصَلَاح الْقُوَّة العملية بِعَمَل الصَّالِحَات، وتكميله غَيره بتعليمه إياه، وَصبره عَلَيْهِ، وتوصيته بِالصبرِ على الْعلم وَالْعَمَل، فَهَذِهِ السُّورَة على اختصارها هِيَ من أجْمَعْ سور الْقُرْآن للخير بحذافيره، -وَالْحَمْد لله- الَّذِي جعل كِتَابه كَافِيًا عَن كل مَا سواهُ، شافيًا من كل دَاء، هاديًا إلى كل خير..».

11- إن الرجل يقيم الأشياء بحسب فائدتها ومنفعتها وقربها من الفضيلة، فلا يتابع التافه ويزهد بالجيد، وفي ذلك يقول ابن القيم:

«إذا رأيت الرجل يشتري الخسيس بالنفيس ويبيع العظيم بالحقير فاعلم أنه سفيه».

12- الرجل يتواضع ويعفو وينصف، يقول عبدالملك بن مروان:

«أفضل الرجال من تواضع عن رفق، وزهد عن قدرة، وأنصف عن قوة».

13- الرجل الحقيقي لا يمارس الغيبة، قال رجل للأحنف بن قيس:

‏أَخبَرَني رجلٌ ثقة أنك تكلمت عني بسوء، ‏فقال الأحنف: الرجل الثقة لا يَنُمُّ بين الناس.

ثانيًا: الرجولة عند الفلاسفة والأدباء والشعراء:

1- الرجولة بالاعتماد على الذات والاستقلالية في الرأي، يقول الطغرائي:

وإنّما رجلُ الدُّنيا وواحِدُها

من لا يعوِّلُ في الدُّنيا على رَجُلِ

ويقول فولتير:

«كن رجلًا ولا تتبع خطواتي»

2- الرجل يصبر ويتجلد عند المصائب، يقول أبو تمام:

خُلِقنا رِجالًا لِلتَجَلُّدِ وَالأَسى

وَتَلكَ الغَواني لِلبُكا وَالمَآتِمِ

3- الرجل تعرفه بالتجارب والمصاحبة، يقول البشراوي:

إنّ الرجالَ صناديقٌ مُقَفَّلةٌ

وما مفاتيحُها غيرَ التجارب

4- الرجال لا يحلفون بالطلاق، يقول ناصيف اليازجي:

إذا هَلَكَتْ رِجالُ الحَيِّ أضحَى

صَبيُّ القومِ يحلِفُ بالطَّلاقِ

5- الرجل هو من يحترم الرجال، يقول الحصري القيرواني:

«وَمَن هابَ الرِجالَ تَهَيَّبوهُ وَمَن حَقَّرَ الرِجالَ فَلَن يُهابا».

6- الرجال لا يبكون إلا مرة واحدة، ولكنّ بكاءهم يكون مريرًا، يقول بلنس فيلد:

«إنّ الرجل لا يبكي إلاّ مرّة، ولكن دموعه عندئذ تكون من دم».

ويقول حسين عجيان العروي:

صدق صديقي أن النار تأكلني

هزيمة مرة أن يبكي الرجل

7- الرجال يحبون بسرعة ويكرهون ببطء، يقول البرتو مورافيا:

«الرجال يحبون بسرعة ويكرهون ببطء، والنساء يحببن ببطء ويكرهن بسرعة».

8- الرجال يفتخرون بتربية أمهاتهم لهم، يقول بلزاك:

«الرجال من صنع أمهاتهم».

وهناك كتاب بعنوان: «عظماء صنعتهم أمهاتهم».

9- الرجل داخله طفل لا يكبر، يقول نزار قباني:

لم تستطيعي، بَعْدُ، أن تَتَفهَّمي

أن الرجال جميعهم أطفالُ

10- الرجولة صعبة قوية، يقول المثل الروسي:

«إن تكون إنسانًا فهذا أمر سهل، أما أن تكون رجلًا فأمر صعب».

11- الرجولة تحضر وتغيب، يقول جان جاك روسو:

«الرجل رجل في بعض الأوقات، والأنثى أنثى في كل الأوقات».

12- الرجل هين لين مع المرأة، وفي ذلك يقول الفيلسوف شيلر:

«الرجل هو الرأس، ولكن المرأة تديره».

13- الرجل يحب وطنه، ويحن إليه، ولا ينقلب عليه، يقول ابن الرومي:

ولي وطنٌ آليت ألا أبيعَهُ

وألا أرى غيري له الدهرَ

وحبَّب أوطانَ الرجالِ إليهمُ

مآربُ قضَّاها الشبابُ هنالكا

إذا ذكروا أوطانَهُم ذكَّرتهمُ

عُهودَ الصبا فيها فحنّوا لذلكا

14- الرجولة تعني القدرة على التسامح، ولذلك يقول الفضيل بن عياض:

«الفتوة هي العفو عن الاخوان».

15- الرجل صبور وكريم، يقول الشافعي:

وَكُن رَجُلًا عَلى الأَهوالِ جَلدًا

وَشيمَتُكَ السَماحَةُ وَالوَفاءُ

وَلا تَرجُ السَماحَةَ مِن بَخيلٍ

فَما في النارِ لِلظَمآنِ ماءُ

16- الرجل من يترفع عن الحقد والغضب، يقول عنترة العبسي:

لا يَحمِلُ الحِقدَ مَن تَعلو بِهِ الرُتَبُ

وَلا يَنالُ العُلا مَن طَبعُهُ الغَضَبُ

17-الرجل هو الذي يخدم الآخرين ويساعدهم:

وأفضل الناس ما بين الورى رجل

تقضى على يده للناس حاجات.

حسنًا ماذا بقي:

بقي القول: إن هذه صفات الرجولة لمن أراد أن يتعلم المرجلة، أضعها بين أيديكم وقبل الختام أذكركم بأهمية الرجولة التي تبعث الحماس؛ لأن الرجولة مواقف وشهامة ونبل ومروءة، لذلك كنا بفطرتنا نفهمها بهذا المعنى حين نقول لأحدهم: «خليك رجال»، أما في مصر فيقولون: «خليك راجل» وفي القصيم تقول المرأة عن زوجها: «هذا رجلي» وفي المهنة والوظيفة يقولون: «رجل أعمال»، وكل هذه السياقات، تدل على أن مفاهيم الرجولة تدور حول الصدق وتحمّل المسؤولية والأمانة والوفاء بالعهد.
00:05 | 6-10-2024

الشاعر محمد أبو الوفا ومحمد عبده والأضحية..!

في كل عامٍ أذبح أضحيتين واحدة لأمي وأبي رحمهما الله، والثانية لشخصين أثَّرا فيّ وهما: الفنان الكبير فوزي محسون والشاعر المصري محمود أبوالوفا رحمهما الله.

وسبق أن تحدثت عن الفنان فوزي محسون وكيف أثَّرَ فيّ.

واليوم أتحدث عن هذا الشاعر العظيم الذي حورب وحُطّم وبترت ساقه وحاربه خلق كثير منهم الدكتور طه حسين الذي قسا عليه وجرّده من موهبة الشعر وعاش منعزلاً حتى مات وهو يردد:

في ذمة الله نفس ذات آمال

وفي سبيل العلا هذا الدم الغالي

بذلته لم أذق في العمر واحدة

من الهناء ولا من راحة البال

كأنني فكرة في غير بيئتها

بدت فلم تلق فيها أي إقبال

أو أنني جئت هذا الكون عن غلط

فضاق بي رحبه، المأهول والخالي

وهو القائل أيضاً:

عَهْدُ الصَّرَاحَةِ، ما بالُ الصَّريْح بِهِ

لا يَمْلِكُ النُّطْـقَ إلّا بالكنايات

أُحِـبُّ أَضْحَـكُ للدُّنْيَـا فَيَمْنَعُنِي

أنْ عاقَبَتْنِي على بَعْض ابْتِسَامَاتِي

وهو القائل:

أَنَا لا أَبْغِيْكَ رِيْحاً أو شَذًى

إِنَّني أَبْغِيْكَ قَلْبَـاً لَوْذَعِـي

إِنَّنِي أَبْغِيْك فَصْلاً خَامِساً

جَامِعاً كُلَّ الفًصُوْلِ الأَرْبَعِ

وقد عبّر الأستاذ عبدالقادر حميدة عن حالة أبوالوفا النفسية بأسلوبه الجميل المشرق فقال: «كان محمود أبوالوفا يعرف عن نفسه أكثر من كل الذين قرأوه، وكتبوا عنه. كان يعرف أن رصيده المبكر من الأحزان الكبار قادر على ابتلاع أي حزن جديد يهمي عليه من الآخرين، ولهذا ظل قادراً على الابتسام في وجه الحياة، ولكل مَنْ يلقاهم، ودوداً، ومحبّاً، وعطوفاً، ومتعاطفاً. كانت ابتسامته على الدوام تعبيراً عن وسامة روح، وصفاء قلب، وشفافية يبصر بها أحزان محبيه وأفراحهم! معارفه جميعاً كانوا من اللامعين، والغارقين في وهج الأضواء والجاه، لكنه ظل كل الوقت وحيداً، ومتوحداً، ومغموراً بضوء يشع من داخله هو، شفيفاً ورهيفاً، ومحلقاً به في عالم رحيب موصول بالكون، وبالتأمل فيما أبدع الله!».

الشاعر محمود أبوالوفا في ظروف العسر لا تراه إلا بمثل ما يكون مكتفياً، وميسوراً، ومضيئاً بوسامة الكبرياء والتعفف! وكان يعرف أن الشعر هو أعظم ما يملك، لأن الشعر هو الذي أخذ بيده من حضيض الظلمات، إلى مراقي النور، ولأن الشعر لديه هو أقصى درجات السمو، يرقي به جبل العذابات، مستطلعاً شاسع المساحات في هذا الملكوت، منشداً ما تبقي من أحزانه شعراً في مسرح من الفضاء، وجمهور من النجوم!

ومن شعره العاطفي المتميز قصيدة «أحباؤنا» ولعلَّها آخر ما نظمه:

أَحِبَاؤُنا، أَنْتُم على البُعْدِ والقُرْبِ

بَعُدْتُمْ قَرِبْتُمْ ما لَدَيْنا سِـوَى الحُـبِّ

فكونوا كَمَا شِئْتُم وشَاءَ هَوَاكُمُو

فَأَنْتُم هَوَي رُوْحِي، وأَنْتُم هَوَى قَلْبِي

أُحِبُّكُمْو حُبّاً كأَنِّي نَهْلتُهُ

مِنَ الحُبِّ في قَلْبِ المُحِبِّيْنَ للرُّبِّ

ويقول أيضاً:

أَحْبَبْتُهَـا أَحْبَبْتُهَــا أَحْبَبْتُهــا

وَأُحِبُّ في الأَيَامِ يَوْمَ رَأَيْتُها

وَوَدِدْتُ لَوْ أَنِّي جَمَعْتُ لها المُنَى

وأَتَيْتُ بالدُّنْيَا لَهَا وَوَهَبْتُهَـا

ويقول أيضاً:

كُلُّ ما فِي الأَمْرِ أَنِّي هَائِمٌ

ولَقَدْ آثَرْتُ عَيْشَ الهَائِمِيْن

ويقول أيضاً:

لَمْ أَقُلْ غَيـْرَ ما حَسـِبْتُ مُفِيْـداً

لَيْتَ شِعْرِي، هل قُلْتُ شَيْئاً مُفِيْدا؟

فإذا عِشْتُ، عِشْتُ حُرّا ضَمِيرِي

مُسْتَرِيحاً لِمَـا صَنَعْـتُ سَعِيْـدا

وإذا مـِتًّ، مـِتًّ حُـرّاً لأَنِّـي

لَمْ أُضِفْ للحَيَـاةِ قَيْـداً جَدِيْـدَا

بل إذا مِتُّ لَـمْ أَجُـرَّ ورَائِـي

مِنْ كَلامِـي سَلاسِـلاً وحَدِيْـدَا

أما أشهر قصائده فهي قصيدة «عندما يأتي المساء» التي غناها الموسيقار محمد عبدالوهاب، والتي كان ذلك الموسيقار العظيم نفسه يعتبرها من أفضل ما غناه من القصائد، إن لم تكن أفضل الكلمات التي غناها على الإطلاق، على الرغم من وفرة ما غناه الموسيقار محمد عبدالوهاب من الروائع، إذ يقول في هذه القصيدة:

لم أجدْ في الأفق نجماً واحداً يرنو إليَّا

هل تُرى يا ليلُ أَحظى منكَ بالعطف عليّا

فأُغنّي.. وحبيبي والـمُنى بين يديّا

والغريب أن الفنان «محمد عبدالوهاب» أعطى الشاعر فقط (3) جنيهات على هذا النص الفاخر..!

أما الشاعر «أحمد شوقي» فقد أوصى نجليه «علي وحسين» بأن يشرف الشاعر «محمود أبوالوفا» على طباعة ومراجعة الجزء الأخير من الشوقيات.

أما عن تكريمه:

ففي عهد الرئيس السادات كان الشاعر محمود أبوالوفا من أبرز الذين كرمتهم أكاديمية الفنون، وقد منح ما سمي جائزة الجدارة وقيمتها ألف جنيه، ولكن القيمة المادية لهذه الجائزة لم تصل فيما يروى إلى جيب الأستاذ الشاعر؛ لأنه عهد في صرف الشيك إلى غيره لعجزه عن الذهاب بعكازيْه إلى المصرف، فاستحلّ هذا الغير قيمة الشيك لنفسه، واكتفى الشاعر بالفوز بلقب «الجدارة» عن جدارة.!

ويروي أنه عندما تقدم أبوالوفا من الرئيس أنور السادات لتسلم جائزة الجدارة أن سأله الرئيس إن كان في حاجة إلى شيء. فقال له يا سيادة الرئيس، إنني أقيم في منزل قديم متهالك يشبه الجُحر، ويكاد ينهدم فوق رأسي، فهلّا أمرتَ بمنحي شقّة مريحة أقضي فيها بقية عمري؟ فأمر الرئيس بمنحه شقة جديدة فوراً! ولكن مضت ثلاث أو أربع سنين حتى تحقق هذا الأمر الفوري بفضل البيروقراطية، وفوجئ أبوالوفا بأن الشقة الجديدة تقع في منطقة شبه صحراوية.

وأخيراً أقول:

إن الشاعر محمود أبوالوفا هو صاحب القصيدة الشهيرة التي يترنّم بها الفنان محمد عبده وغيره من أهل الطرب -رغم أن أغلب الناس لا يعرف أنها له-، حتى الشيخ قوقل إذا بحثت عن هذه القصيدة لا يعطيك اسم قائلها، بل يعطيك بعض أبيات القصيدة دون القائل.. أعني الشاعر الكبير «محمود أبوالوفا» في القصيدة التي تحمل اسم (تغريدة) التي يقول فيها:

ناحت على غصنها الزاهي فأبكانا

نواحها وأهاج القلب أشجانا

أ كلّ ما جنّ ليل زدتِ تحنانا

صدَّاحة الروض، ما أشجاكِ أشجانا

نوحي بشكواك، أو نوحي بشكوانا

ذاب الفُؤاد أسى إلا بقيَّتَهُ

أَلآنَ أَذرِفُها من عَينى الآنا

للحُبُّ عنديَ.. سرٌّ لا أبوح به

إلا دموعاً، وأناتٍ، وألحانا

في ذمةِ اللّه، قلبٌ، لم يَجِدْ سكناً

يأوى إلى ظلِّه.. فارتد حيرانا

إنَّ الذي صاغ آياتِ الهوى.. عجبا

لم يرْضَ غيرى أنا للحب عنوانا

حسبي. إذا الحب أضنانِي فمتُّ هوى

إن يذكروني.. قالوا: «كان إنسانا»
00:16 | 10-06-2024

#كيف_تحسِّن_حظوظك عبر 20 خطوة ؟

يمكن تعريف الحظ بأنه عقد قِران ولقاء بين الجاهزية والفرصة، بمعنى آخر أن تكون مستعداً بأدواتك وتقابل الفرصة المناسبة وتغتنمها، ولم يثبت في العلم ما يسمَّى بالمصادفة والعشوائية، بل هو الحظ سواء أدرك الإنسان ذلك أو لم يدرك.

وعلى الإنسان أن يبحث عن حظه في هذه الدنيا، وهو الترجمة الحرفية لمفهوم الانتشار في الأرض والمشي في مناكبها من أجل البحث عن الرزق، وقد ربط الله -جل وعز- الانتشار في الأرض والمشي فيها بالرزق.

نعم؛ منذ ولدت وأنا محظوظ ولكن؛ عندما اتبعت بعض الإجراءات التي بلغت 20 إجراءً، زاد حظي حسناً وجمالاً ويسراً وتوفيقا، وفي ذلك قلتُ:

إني سعيد لأن الحظ يمنحني من «طاقة الحسن» تيسيراً وتوفيقاً!

لقد طبقت هذه الإجراءات فتغير حظي إلى الأفضل والأجمل والأمثل، وهذه الإجراءات الـ20 هي:

1- استحضار النية الصالحة والإخلاص لله وطلب العون منه، لأن الإنسان مهما اجتهد ولم يطلب العون فلن ينجح، قال الشاعر:

إذا لم يكن عَوْنٌ من الله للفتى

فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُهُ!

2- الاستعداد لاستغلال الفرصة ودفع ثمن اغتنامها، والتحلي بروح المغامرة المحسوبة والشجاعة المطلوبة، وفي الأمثال يقولون: الحظ حليف الشجعان.

3- تنمية المهارات الملائمة للفرص التي أبحث عنها «العمل الجاد».

4- الإيمان بالحظ، وهو ما يسمى «التوفيق والتيسير والبركة واليسر والتساهيل وفتح الباب من الله -جل وعز.. إلخ»، لأن الحظ سلسلة إذا بدأت تدفقت، وفي ذلك يقول المفكر نورمال فينسنت بل: «إذا رسمت في عقلك صورة لآمال مشرقة وسعيدة، فإنك بهذا الشيء تهيئ نفسك وتساعدها لبلوغ أهدافك».

5- مصادقة المحظوظين، وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب: «شاركوا الذين قد أقبل عليهم الرزق، فإنه أخلق للغنى، وأجدر بإقبال الحظ»، لأن الحظ يعدي كما يعدي الجرب.

6- جرب أشياء جديدة، واذهب مع طرق لم تذهب معها من قبل.

7- تقدير واحترام الشبكات الاجتماعية التي تحيط بي، بقصد تبادل الخبرات والنظر إليها كعلاقات تدعم مهاراتي، على سبيل إثراء تجاربي وإغناء معلوماتي هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نوعت شبكة علاقاتي بحيث جعلتها متعددة الأطراف:

شبكه ذات طابع اقتصادي

شبكة ذات طابع فكري

شبكة ذات طابع إعلامي

شبكة ذات طابع رياضي

شبكة ذات طابع فكاهي.. إلخ

وللعلم إن أغلب الدراسات التي تتحدث عن الحظ تقول: «إن الإنسان يستفيد من الصدقات الضعيفة، والمقصود بالضعيفة هنا الصدقات البعيدة».

8- التحدث إلى نفسي وعن نفسي بطريقة إيجابية، والتغزل بالحظ الذي أتمتع به، وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ يحِبُّ أنْ يَرَى أثَرَ نِعْمتِه على عبْدِه».

فاحذر الحديث إلى نفسك أو عن نفسك بطريقة سلبية، مثل: «أنا حظي تعيس، أو حظي سيئ أو رديء».

9- إحسان الظن بالله وظني أن الله يرزقني الحظ الحسن، وفي الحديث القدسي: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فليظُنَّ بي ما شاء».

10- تحديد أولوياتي واهتماماتي، والذهاب إلى أماكن الفرص التي أبحث عنها وأتوقع أن أجد فيها هذه الأولويات والاهتمامات، مثلاً: إذا أردت شراء سيارة ذهبت لمعارض السيارات.. وهكذا لم أنتظر الفرص بل ذهبت إليها.

11- إشعال قناديل الحماسة والحيوية والشغف في كل مرحلة من مراحل الأعمال التي أقوم بها، من أجل استدعاء الحظ الجيد وقبلها إتقان العمل الجاد بإخلاص.

12- وجود أهداف متعددة أسعى إلى تحقيقها وقياس مدى إنجازي في كل هدف، وتحري الخير والحظ الحسن، قال رسول اللهِ ﷺ: «ومَنْ يَتَحَرَّ الخَيْرَ يُعْطَهُ، ومَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ».

13- الفرح بنجاح الآخرين، لأنك إذا فرحت لهم سيرتد الفرح عليك فالجزاء من جنس العمل، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يُؤْمِنُ أحدُكُم حتى يُحِبَّ لِأَخِيهِ ما يُحِبُّ لنفسِهِ من الخيرِ»، والدعاء لهم بالتوفيق والبركة بظهر الغيب، وفي الحديث الصحيح يقول ﷺ: «ما من مؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك الموكل: آمين ولك بمثله».

14- الحياة أخذ وعطاء، وإذا قدمت المساعدة للغير وأنفقت مما أحب، وجدت من يساعدني وكما تدين تدان، لقوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}.

وقديماً قال الشاعر:

يجود علينا الخَيِّرون بمالهم

ونحن بمالِ الخيِّرين نجودُ

ويقول زيج زيجلار: «إنك تستطيع الحصول على كل شيء تريده في الحياة إذا قمت فقط بمساعدة عددٍ كافٍ من الآخرين للحصول على ما يريدونه».

15- تطبيق نظرية التعلّم المستمر، لأن العلوم تتجدد، وعلى الإنسان الذي يطلب الحظ الحسن أن يتجدد معها، لذلك ألزمت نفسي بتحديث مهاراتي ومعلوماتي بشكل مستمر، مطبقاً نظرية طلب العلم من المهد إلى اللحد.

16- الاستفادة القصوى من تجارب الماضي والتعلم من الأخطاء وعدم اليأس من المحاولة، مع إدراك أن الإخفاق إحدى المحطات التي تؤدي إلى النجاح، والفشل الحقيقي هو التوقف عن المحاولة.

17- التوقف عن سماع الأغاني التي تكرس مفهوم الحظ غير الجيد وتطرد الحظ الجيد مثل: أغنية أحمد سعد التي يقول فيها: «اختياراتي مدمرة حياتي»، أو أغنية طلال مداح -رحمه الله- التي يقول فيها: «كل ما دقيت في أرضٍ وتد.. من رداة الحظ وافتني حصاة». لأن تكرار التذمر والتشكي من سوء الحظ باستمرار يقود إلى الحظ النحس، وفي المقابل علينا التغني بالقصائد والأبيات التي تعزز جلب الحظ السعيد مثل: أغنية عبدالمجيد عبدالله التي يقول فيها: «سعيد الحظ قلبي عرف يختار حب.. أيامي مشت بي على مشوار دربك»، أو أغنية محمد عبده التي يقول فيها: «الحظ الليلة كريم محبوبتي معزومة من ضمن المعازيم»، أو كما يقول أبو سفيان العاصي:

إني سعيد لأن الحظ يمنحني

من طاقة الحسن تيسيرا وتوفيقا

18- صرف الانتباه الشديد لاصطياد الفرص حين تمر، ولعلي أطرح مثالا، وهو حديث «لقد سبقك بها عكاشة»، حيث استثمر هذا الصحابي الجليل الفرصة قبل غيره. وفي ذلك يقول الشاعر:

إِذا هَبَّت رِياحُكَ فَاِغتَنِمها

فَعُقبى كُلّ خافِقَةٍ سُكونُ

19- الاحتفاظ بالتفكير الإيجابي والتوجه الذهني السليم، لأن الإنسان سيجذب ما يفكر به، وفي ذلك يقول براين تريسي: «الإنسان كالمغناطيس يجذب إليه الظروف والأشخاص والأحداث التي تتناسب مع طريقة تفكيره».

20- نظرت إلى الحظ كمعادلة أبحث عن حلها، ووجدت أنها معادلة تشبه النظر إلى المرأة ثم الانتقال إلى خطبتها، ثم الزواج منها، مثلما قال أحمد شوقي:

نظرة فابتسامة فسلام

فكلام فموعد فلقاء

لذلك؛ استدرجت الحظ بخطوات 6 وهي:

1- النظر إلى الحظ

2- إرسال الابتسامة إليه

3- السلام عليه

4- الكلام معه

5- أخذ الموعد منه

6- الالتقاء به

حسناً ماذا بقي:

بقي القول: هذه 20 خطوة استخدمتها في جلب واستضافة الحظ السعيد، والحمدُّ لله أنها نجحت معي، وهي بين أيديكم الآن لمن أراد أن يجربها، جعلني الله وإياكم من أصحاب الحظوظ السعيدة، أما إذا جربتموها ولم تعمل معكم، فاعلموا أن بينكم وبينها مانعاً وحائلاً، وقد قال الخطيب جلال الدين القزويني:

«الإنسان كالمغناطيس جاذبٌ بِطبعه، فإذ لم يجذب فإنما كان ذلك بسبب حائل بينه وبين ما يجذبه».
00:05 | 23-05-2024

أكذوبة «الزمن الجميل» و«جيل الطيبين»..!

سأعترف لكم بالسر التالي..

قبل أيام اتصل بي صديق الطفولة والحارة «بكر أبو دمعة» وهو الذي يثق بي وبآرائي، قال لي يا أبا سفيان: بحكم قربك من الكتب والفلسفة والحكمة، ما رأيك بالعبارات التي نسمعها كثيراً مثل «جيل الطيبين، وأهل أول، والزمن الجميل»، هل هذا الكلام معقول ومقبول يا «أبو عرفج»..؟!

سأكون صريحاً وأقول: إن سؤال صديقي بكر فتح لي آفاق البحث والتحري حول التعمق في فكرة الزمن الماضي الجميل، وبعد أسبوع من الدراسة وتداول المعنى وزحزحته وتقليبه كما هي أوصاف المفكر «علي حرب»، وجدت أن مقولة جيل الطيبين والزمن الجميل مخرومة الصحة من عدة وجوه:

أولاً: إن من يردد عبارة جيل الطيبين، يثبت أنه دخل مرحلة الشيخوخة وتوقف عن النمو وليس لديه أحلام، والدليل أنني لم أسمع شاباً في العشرين أو حتى في الأربعين يقول: «آه راح زمن الطيبين».

ثانياً: إن ترداد عبارة الزمن الجميل والتباكي عليه، شتم للحاضر، والعرب تقول: «مدح الغائب تعريض وانتقاص من الحاضر».

ثالثاً: أزعم أنني قد اقتربت من مرحلة ما يسمى جيل الطيبين، والغريب أنني لم أكن أشعر في تلك الأيام بجماليات الزمن الذي يزعمون، حيث كنت طالباً في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، أسكن في بيت شعبي بديع، ويشاركني في السكن ثعبان ودود وقعت معه اتفاقية سلام، حيث لا أعتدي عليه ولا يعتدي عليّ، وأنام في غرفة مكيفها يصاب بأزمة قلبية كل أسبوع، أما المطبخ فقد احتلته الحشرات خصوصاً بعد الساعة 11:00 ليلاً.

رابعاً: إن من يردد عبارة راح جيل الطيبين يؤكد أن حاضره تعيس وفارغ، لذلك هو يستورد من ذاكرته الذكريات التي تنعش يومه وتملأ فراغه، إنه مثل صاحب البقالة أيام طفولتنا، لقد كان جاراً غريباً لأنه إذا انشغل بالبيع والشراء وازدحمت بقالته، لا يرجع إلى دفتر المديونية، أما إذا خمل السوق ونام، بدأ يراجع الدفاتر ويكلم أصحاب الديون لتسديدها.

خامساً: أصحاب عبارة الزمن الجميل، وقعوا ضحية الحنين إلى زمن مضى، فقط لأنه مضى، ولو عاد ذلك الزمن لكرهوه، وفي ذلك يقول الفيلسوف باسكال: «نحن نحب الماضي لأنه ذهب، ولو عاد لكرهناه».

سادساً: عبر التاريخ كان كل جيل يمدح زمانه وينتقص من الجيل الذي بعده وهكذا دواليك، ونسينا ونحن في هذه الدوامة الحديث القائل: «الخير فيّ وفي أمتي إلى يوم القيامة» أو قول الشاعر بداح العنقري:

البدو واللي بالقرى ساكنينا

كلٍ عطاه الله من هبّة الريح

إذاً؛ الطيبة والجمال موجودة في كل جيل.

سابعاً: إن أصحاب مقولة الزمن الجميل هم لا يحنون للزمن، إنما يحنون إلى أنفسهم عندما كانت مشاعرهم وعواطفهم وأجسادهم شابة قوية، ولقد صدق ذلك الكاتب الذي زار باريس بعد أن تجاوز الستين فقال أثناء زيارته: «ما أجمل باريس قبل 40 سنة، فقالوا له: هل كانت جميلة كما تقول؟ فقال: لا لم تكن باريس جميلة، وإنما كنت أنا شاباً في ذلك الوقت»، من هنا يمكن القول بأن الإنسان لا يتذكر أزماناً، وإنما يتذكر لحظات ومشاعر ووجدانا.

ثامناً: أصحاب مقولة الزمن الجميل، لا يبحثون عن جماليات ذلك الزمن، إنهم يبحثون عن طعم الأشياء القليلة التي كانوا يذوقونها بين فترة وأخرى، حيث كان الطعام شحيحاً، والشراب قليلاً، وهذا الحرمان أعطى للحياة مذاقاً آخر، وأتذكر أنني في المرحلة الابتدائية، كنت أتمنى أن أشبع من أكلة المطبق، بل إنني أخبرت أسرتي بأنني عندما أكبر سأعمل في محل مطبق حتى أشبع من ذلك المطبق اللذيذ، ولا زلت حتى ساعة كتابة هذا المقال أطلب من الأستاذة نظمية، وهي ماهرة بصناعة المطبق أن تصنع لنا شيئاً منه.

تاسعاً: زمن الطيبين كذبة كبرى تذكرني بأكثر التجار الذين يخرجون إلى الإعلام في الليل والنهار، ويقولون بدأنا من الصفر ونحتنا في الصخر، وهم يكذبون على المشاهد، كما يكذب علينا البعض ويحدثنا عن طيبة أهل أول وجيل الطيبين ومحاسن الزمن الجميل، إن من يصفون جيلهم بأنه جيل الطيبين، يذكرونني بالرجل الذي يتوسط أولاده ويحدثهم عن بطولاته عندما كان من فتوات الحارة، حيث يقول لهم بأنه ذلك الشاب الأقوى الذي يكفخ كل أبناء الحي، والحقيقة تقول إنه الشاب الخواف الذي يتكفخ من أبناء الحي.

عاشراً: عندما يقول أحدهم أنا من جيل الطيبين أو عشت في الزمن الجميل، فهو هنا يزكي جيله ويمدح نفسه ويتغزل بذاته، وهذا غير مقبول عند العقلاء.

الحادي عشر: من يقول جيل الطيبين يمتاز بقلة المروءة، لأن الإنسان الأصيل وفيّ ومخلص لكل مراحله، وفي ذلك يقول المتنبي:

خُلقتُ ألوفاً لو رجعتُ إلى الصبا

لفارقت شيبي موجع القلب باكيا..!

الثاني عشر: إن الحنين للزمن الجميل، هو سرقة واعتداء لهذا الحاضر الأصيل، بل هو مصادرة لجماليات ما نتنعم به من وسائل الترفيه وخيارات متنوعة، وجودة الحياة التي تستحق الحمد والشكر، وهذه الحالة تشبه من يتزوج زوجة أخرى بعد أن ماتت زوجته، ويظل باستمرار يخبر الزوجة الثانية عن فضائل وجماليات ومزايا وطبخ الزوجة الراحلة.

حسناً ماذا بقي:

بقي القول: الحمد لله إنني عشت في الزمن الذي يسمونه الزمن الجميل، وأدركت ما يسمى جيل الطيبين، وتعرفت على الذين بدأوا من الصفر، فوجدت كل هذه الأشياء هي أقرب إلى الكذب والمبالغة، أو هي محاولة لإظهار الذات بصورة الملائكية والكفاح والبطولة.

وأخيراً دعونا نردد مع محمد عبده:

«خلَّينا في الحاضر.. نِنسى الَّلي كان.. لا نِشغل الخاطر نحسب لرأي النَّاس

لا قالوا لا عادوا.. لا نقَّصوا زادوا..».

لذلك؛ أقول للمتباكين على الزمن الجميل: استمتعوا بهذه اللحظات التي تقرأون فيها مقالي، استمتعوا بيومكم، لأنكم إن طال بكم الأمد بعد عشر سنوات، ستقولون على هذه اللحظة إنها قطعة من الزمن الجميل، وتكملة لحديث جيل الطيبين.
00:07 | 7-05-2024

13 فكرة من آداب استخدام «الواتساب».. !

#ناصية

لدي يقين أن الجاحظ لو كان بيننا لأخرج لنا كتاباً بسيطاً بعنوان «آداب الواتساب».

ونظراً لأنني تلميذ نجيب للجاحظ سأقوم بهذه المهمة نيابة عن شيخي وأقول: إليكم آداب الواتساب وهي على النحو التالي:

أولاً:لا تدخل أي شخص في مجموعة واتسابية إلا بعد أن تستشيره، ولا ترسل للناس رسائل عامة إلا بعد أن تستأذنهم.

وكل من تعامل معي يعرف أنني في كل سنة أرسل رسالة أستأذن بها الناس وأسألهم، هل ترغبون في استقبال رسائلي أم لا!؟

نعم.. البعض تضجر من كثرة السؤال، ولكن لئن تتضجر من كثرة الاستئذان، أفضل من أن تشتكي من كثرة الإزعاج.

ثانياً:تجنَّب إرسال الأدعية، لأنها خالية من هيبة الدعاء وحرارته وصدقه، وهي أيضاً أدعية عامة فقد ترسل دعاء بالزواج لمتزوج ومتزوجة، وقد تدعو أدعية لا تليق، والأهم من هذا كله أن الدعاء الحسن هو دعاؤك لأخيك بظهر الغيب كما جاء في الحديث.

ثالثاً:تجنّب إرسال الرسائل التي ليست لك، فقد ترسل شائعات أو أخباراً مكذوبة، وقد ترسل مقاطع لشخصيات مشبوهة، لذلك الأفضل والأحوط ألا ترسل الأشياء التي لا تخصك.

رابعاً:تأكد أن حماية الحقوق الفكرية مطلوبة، فإذا أرسلت شيئاً فيجب أن تنسبه لصاحبه، حتى لا تقع تحت طائلة المساءلة والغرامة.

خامساً:ما عدد الرسائل التي ترسلها؟

اختلف العلماء في ذلك فقالوا: ثلاث مرات في الأسبوع، وهناك من يقول خمس مرات، وأنا أرى أنه لا مانع من أن يرسل الإنسان يومياً؛ بشرط أن تكون رسالة واحدة.

سادساً: أما أوقات الإرسال، فأكثر الناس يرون أن الواتساب هو مثل منزلك، وما يخضع لمنزلك يخضع للواتساب، فلا ترسل بعد الساعة ١٢، ولا تقول أنا أرسل والمستقبل يفتح كما يشاء، فأحياناً الناس تضع الجوال أمامها للأمور المهمة فلا تزعجهم.

سابعاً:وهذا مهم جداً، إذا كان لديك الوقت للإرسال، فيجب أن يكون لديك الوقت للقراءة، فلا ترسل للناس إلا بعد أن تقرأ ما أرسلوه لك، حتى لا تظهر بمظهر الأحمق أو صاحب الهياط، فأحياناً قد يرسل لك الشخص ويقول: إن أبي توفي أو أمي توفيت، وأنت ترسل له مقطعاً كله ضحك وسخرية، أو مقطع رقص وأغانٍ لا تليق بالموقف.

ثامناً: اعلم أن ما يعجبك قد لا يعجب غيرك، فلا تضع ذوقك هو المقياس، فإذا استحسنت مقطعاً لا ترسله لكل الناس، فهم ليسوا بمستوى عقليتك، وقد يستقبحون ما استحسنت، لذلك حاول أن ترسل المقاطع بذكاء شديد، وترسلها إلى الأشخاص الذين ترى أنهم ينسجمون مع هذا المقطع.

تاسعاً:احذر الرسائل المحولة التي تُدوّر مثل النفايات بشكل مستمر، لأن المرسل إذا استقبلها ورأى أنها محولة عدة مرات، عرف أنها رسالة مستهلكة ومبتذلة، وهي كالنقل العام تطوف في كل الأنحاء.

عاشراً:في المناسبات السعيدة كالأعياد وغيرها، حاول أن ترسل الرسالة إلى الأشخاص بأسمائهم وتعطيهم تقديراً وهيبة، نعم ذلك متعب، ولكن التعب هو الذي يأتي نتيجة الإخلاص والإتقان في العمل، إن أصحاب الرسائل الجماعية هم أناس كسالى، ويحاولون أن يتخلصوا من الواجبات التي عليهم بكل سهولة دون بذل أي جهد، إنهم مثل من يسلقون الرسائل سلقاً، حيث يرسلونها بكل ملل وسأم.

ما أجمل أن يتحرى الإنسان الصدق ويبحث عن الأجر في كل رسالة يرسلها، ويبذل فيها الجهد والإتقان، ويكتبها بطريقة تليق بالشخص الذي تحبه وترسل إليه.

الحادي عشر:يقول ابن المقفع: «القلم بريد القلب»، لذلك إذا كتبت لأحدهم رسالة فحاول أن تكتبها من قلبك، وإذا لم تستطع، فلا داعي لها، لأن الناس تميز بين الرسائل المسلوقة على عجل والمكتوبة بإهمال، وبين الرسائل التي كتبت من القلب حيث تذهب إلى القلب.

الثاني عشر:إذا اعتذرت عن استقبال الرسائل من الآخرين فمن غير اللائق أن ترسل لهم، لذلك إذا اعتذرت عن استقبال رسائلهم فيجب أن تتوقف عن إرسال الرسائل لهم.

الثالث عشر:إذا كنت ترسل الرسائل بشكل يومي وأسبوعي، فمن الجيد أن تستأذن الناس مرة في السنة، مثلما يجدد الإنسان تحاليل دمه وجواز سفره بين فترة وأخرى، ومن الجيد فعل ذلك مع مجموعات الواتساب، لأن الناس تتغير والأفكار تتطور، وما كان مقبولاً بالأمس قد يكون غير مقبول الآن، ومن كان لديه وقت فراغ في الأمس الآن هو مشغول، لذلك من الجيد أن تستأذن مرة في السنة.
00:06 | 16-04-2024

هل تثقون بعبارة: «اتبع شغفك»..؟!

#ناصية

هناك مقولات تتجه إلى أن تكون من الأكاذيب الكبرى مثل مقولة «اتبع شغفك»..!

والسؤال هنا؛ أي شغف أتبع و«الشغف كائن حي ينمو ويكبر ويتغير مع الوقت»..!؟

وإليكم حكايتي معه:

في الطفولة كان شغفي أن أكون مربياً للحمام.. وحين دخلت المعهد العلمي قيل لي: «إن تربية الحمام من مخارم المروءة» فتركت هذا الشغف..!

ثم تطور عندي شغف آخر وهو أن أصبح «كداداً» أي سائق خط على «تاكسي أصفر اللون» ينقل الركاب من مدينة إلى أخرى!

لم أنجح في تنمية هذا الشغف لذلك تحوّل شغفي إلى مجال آخر، وهو أن أكون عضواً في إحدى فرق الطرب الينبعاوية وأنا أدرس في المرحلة المتوسطة.. حينها عاتبني مدرس العقيدة وقال: «هذا لا يليق بك يا أحمد.. وأنت من الطلاب المتفوقين في معهد جُدة العلمي»!

وللعلم فقد كانت تلك هي المرة الأولى والأخيرة التي أكون فيها من الأوائل.. أما بقية سنواتي الدراسية فقط كنت من العشرة الأواخر.

أما في المرحلة الثانوية فقد كان شغفي أن أكون تاجراً يبيع ويشتري في أدوات التجميل، وقد طبقت هذا الشغف على أرض الواقع حيث فتحت أنا وابن خالي محلاً لبيع أدوات التجميل، وأطلقنا عليه اسم: مركز «ما هب ودب» لأدوات التجميل.

وحتى أرسخ شغف التجارة في عقليتي الأدبية سجلت في قسم «الاقتصاد» لكي أتمكن من تنمية هذا الشغف، ومر الفصل الدراسي في الجامعة وأنا أدرس في قسم الاقتصاد، ولكنني تأكدت أن شغفي هذا كان مجرد فقاعة صابون تلاشت بعد ستة أشهر، وأغلقت المحل وانسحبت من قسم الاقتصاد!

بعد ذلك تحول شغفي، أحببت أن أكون شاعراً وأديباً وخطيباً، فاتجهت إلى دراسة اللغة العربية، وتنامى هذا الشغف في داخلي، ولكنني بعد عشر سنين اكتشفت الاكتشاف الذي وصل إليه الإمام الشافعي قبلي، وهو أن الشعر والأدب ليسا لي، ولا يليقان بقدراتي العقلية القوية، وأنني أكبر منهما «أمزح طبعاً».. وفهمت مراد الشافعي عندما قال:

وَلَولا الشِعرُ بِالعُلَماءِ يُزري

لَكُنتُ اليَومَ أَشعَرَ مِن لَبيدِ

في الثلاثين من عمري كان شغفي أن أكون رجلاً عادياً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وقد نجحت في الأولى وهي

«بلع الطعام»، ورسبت في الثانية.. نعم نجحت في الأولى فقد كنت رجلاً «أكولاً» محباً للطعام شغوفاً به، ولكنني لا أمشي في الأسواق. بسبب «فتنة الطعام» التي أصبح أمامها ضعيفاً.. فأنا مثل الشيخ طاؤوس اليماني الذي إذا مرَّ في طريقه على السوق فرأى تلك الرؤوس المشوية لم ينعس تلك الليلة!

وفي الأربعين كبر شغفي وفكرت أن أكون مؤلفاً للكتب والمصنفات وبدأت بتأليف كتاب: «اصطخاب المفردات»، واستمر معي هذا الشغف حتى الآن، حيث أنجزت أكثر من ثلاثين كتاباً.

هذه حكايتي مع الشغف، وهناك شغاف كثيرة لم أتعرض لها، ومن يدري لعل الزمن يمنحني فسحة من الوقت لأتحدث عن الأشغفة الصغرى التي كانت تدور وتحوم حول كل شغف كبير أمر به.

في نهاية هذه الفكرة هذه رسالة أوجهها أنا #عامل_المعرفة أحمد البالغ من العمر خمسين سنة إلى أحمد العرفج البالغ من العمر عشر سنوات.. وأقول:

أولاً: حاول أن تتأكد أن شغفك حقيقي وليس انبعاجة طارئة من ميول المراهقة وطفولة الحماسة وحماسة المتهورين.

ثانياً: حاول أن تجمع بين شغفك الذي تحب ومتطلبات سوق العمل التي يحتاجها السوق، لأن شغفك إذا لم يكن مطلوباً في سوق العمل فلا قيمة له.

ثالثاً: لا أقول لك «اتبع شغفك» وإنما أقول: «انجز عملك بشغف، وحماس وإخلاص»!

رابعاً: تأكد أن العمل عمل وليس هواية أو موهبة، والعمل يحتاج شجاعة وقدرة ومهارة وصبر، أما الشغف فهو من بقايا سذاجة الأطفال ونزوات المراهقة وحماسة المتهورين التي يجب أن يتخلص منها الإنسان إذا كبر وصار من البالغين الراشدين.

خامساً: ما أجمل أن تكون نوعية عملك فيها جزء من شغفك، مثلي عندما عملت لمدة أربع سنوات كأمين مكتبة في مدرسة القعقاع ابن عمرو في المدينة المنيرة!

سادساً: إذا كان لديك شغف فحاول أن تمارسه بعد أوقات العمل.. وهكذا كان سلفنا الصالح.. كان الواحد منهم لديه حرفة أو مهنة يأكل منها لقمته، أما شغفه الذي يحبه فيغذيه بعد أن ينتهي من دوام يومه في حرفته!

سابعاً: احذر من الذين يقولون «اتبع شغفك»، وحاول أن تطبق ما فعلته وهو أن أنجز عملي -مهما كان- بكل شغف.
00:01 | 20-02-2024

هل الكلمات تغير من واقع الحياة..؟!

الكون قائم على أن ما تفكر فيه وتتلفظ به، فإنه غالباً قد يتحقق ومن ذلك المصطلح الغربي «قانون الجذب»، أو كما قالت العرب: «البلاء موكل بالمنطق».

ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «أخذنا فألك من فيك»، أي أن واقعك مقسوم على توقعك، وحالك هو نتيجة خيالك، وكلما توقع الإنسان الأسوأ انجذب إليه، وكلما توقع الخيّر والطيّب انجذب له.

لقد قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء).

إن لسان المرء حصانه (كما تقول العرب)، وهذا اللسان له شأن عظيم قد يؤدي بصاحبه إلى منطقة الأمان والسلام؛ وقد يأخذه إلى فضاءات الخطر مالم يتثبت من منطوقه.

وقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً).

وقال الرسول ﷺ: (أمسك عليك لسانك).

وجاء في المثل: (البلاء موكل بالمنطق).

وقد وردت قصص كثيرة حول هذا المفهوم، سأذكر بعضها من خلال هذه اليوميات:

الأحد: يعقوب عليه السلام لما قال لبنيه في يوسف: ﴿إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ﴾ وبالفعل دبر أبناؤه المؤامرة، ثم رموه في البئر وجاؤوا إليه عِشاءً وقالوا: أكله الذئب، فابُتليَ من ناحية هذا القول.

ولمَّا قال لهم في أخيهم عند سفرهم إلى مصر: ﴿لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ أُحيط بهم وغُلبوا عليه، ورجعوا إليه من غيره.

الاثنين: يوسف عليه السلام لما قال في محنة امرأة العزيز: ﴿رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ﴾ وقد سُجِن ولبِث في حبسه بضع سنين.

الثلاثاء: روي عن امرأة فرعون أنها لما وجدت موسى عليه السلام في التابوت قالت لفرعون: ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا﴾.

فرد فرعون: قرّة عين لك، أما لي فلا.

قال محمد بن قيس: قال رسول الله ﷺ: (لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ، لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا).

الأربعاء: في صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ دخل على أعرابي يعوده، وكان النبي إذا دخل على مريض، قال: «لا بَأْسَ.. طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»؛ فَقَالَ الرجل: «قُلْتَ طَهُورٌ! كلا، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ، أَوْ تَثُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: فَنَعَمْ إِذن». فالأول ابتلي بما ذكر، وكان يسعه الصمت، والثاني لم يقبل دعاء رسول الله، فقال بلسانه ما وجده أمامه.

الخميس: في جامع ابن وهب؛ أن رسول الله ﷺ أُتي بغلام طفل صغير فقال: «ما سميتم هذا؟» قالوا: (السائب)، ومعناه؛ ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ. فقال: «لا تسموه السائب؛ ولكن عبد الله»، قال: (فغلبوا على اسمه فلم يمت حتى ذهب عقله).

الجمعة: في عهد عمر، رضي الله عنه، عندما سأل رجلاً عن اسمه وعنوانه؟ فكان الجواب سيئاً، ولذلك كانت النتيجة سيئة، إذ روى عن عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، قَالَ لِرَجُلٍ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: (جَمْرَةُ!)، فَقَالَ: «ابْنُ مَنْ؟!» فَقَالَ: (ابْنُ شِهَابٍ!)، قَالَ: «مِمَّنْ؟!» أي من أي القبائل أنت؟ قَالَ: (مِنَ الْحُرَقَةِ!)، قَالَ: «أَيْنَ مَسْكَنُكَ؟» قَالَ: (بِحَرَّةِ النَّارِ!)، قَالَ: «بِأَيِّهَا؟!»، قَالَ: (بِذَاتِ لَظًى!)، قَالَ عُمَرُ: «أَدْرِكْ أَهْلَكَ فَقَدِ احْتَرَقُوا»، قَالَ: (فَكَانَ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ).

السبت: لا تتوقعوا الخراب، السقوط، الجوع، فقد قال علي بن أبي طالب: (كل متوقع آت)، فقط توقعوا من الله الكريم سعة الرزق، وأحسنوا الظن بالله وثقوا به فخزائنه مليئة، وهو رب كريم رحيم.

الأحد: ولما جاءت نساء القبائل كعادتهن في كلّ سنة إلى مكّة المكرّمة، ليأخذن أبناء الأشراف للرضاعة، أمر عبد المطّلب أن يُؤتى بالمرضعات، ليختار منهنّ واحدة لحفيده الميمون، فأتت النساء إلى عبد المطّلب فلم يقبل الوليد وهو النبي ﷺ أن يرضع من ثدي أية امرأة منهنّ، وهكذا حتى لم تبق منهن سوى امرأة واحدة وهي الطاهرة حليمة السعدية فرضع منها، ولمّا جاءت إلى عبد المطّلب بعد إرضاعه سألها عن اسمها، فقالت حليمة السعدية فتفاءل بذلك وقال: حلم وسعد.

الاثنين: عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق، رضي الله عنهما، أن ابنة الجون لما أُدخلت على رسول الله ﷺ ودنا منها، قالت: أعوذُ بالله منك، فقال لها: (لقد عُذت بعظيم، الحقي بأهلك)، هذه المرأة لم يُقدِّر الله لها ما هو خير، فإنها لو بقيت من زوجات الرسول ﷺ لكانت معه في الجنة.

الثلاثاء: رُوي أن رجلًا من النصارى – وكان بالمدينة – إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: “حُرِق الكاذب”، فسقطت في بيته شرارةٌ من نار وهو نائم، فتعلَّقت النارُ بالبيت فأحرقته، وأحرقت ذلك الكافرَ معه؛ فكانت عبرة للخلق”.!

الأربعاء: ولَّى ابن حفصون قائدَه (عيشون) المُلقَّب بالخير على مدينة «رية»، فسار إليه الأمير المنذر بن محمد ليقاتله، فقال عيشون لأصحابه: «إذا المنذرُ ظفر بي، فليصلبْني بين خِنزيرٍ وكلب»؛ دلالةً على استهانته به، ويقينه من الانتصار عليه، فحاصره المنذر حتى عجز أهل «رية» مما حلَّ بهم، فسلموا إلى الأمير المنذر «عيشون»، فوجه به إلى قرطبة، وصلبه وعن يمينه خنزير وعن يساره كلب كما قال.

الخميس: ذكر الحافظ الذهبي رحمه الله في كتابه: سير أعلام النبلاء أن الوزير ابن الزيات، قال: ما رحمت أحداً قط، الرحمة خور في الطبع، ثم إن الحال تغير، فسجن في قفص جهاته بمسامير كالمسال، فكان يصيح: ارحموني، فيقولون: الرحمة خور في الطبع.

الجمعة: اجتمع الكسائي واليزيدي عند الرشيد فحضرت صلاة المغرب، فتقدم الكسائي فصلى فارتج عليه في سورة (الكافرون)، فلما سلم قال اليزيدي قارئ الكوفة يرتج عليه في سورة (الكافرون)، فحضرت صلاة العشاء فتقدم اليزيدي فارتج عليه في سورة الفاتحة فلما سلم قال له: احفظ لسانك أن تقول فتبتلى.. إن البلاء موكل بالمنطق.

السبت: روى الديلمي من حديث عبد الملك بن هارون بن عنترة عن أبيه عن جده عن أبي الدرداء مرفوعاً: البلاء موكل بالمنطق، ما قال عبد لشيء: واللَّه لا أفعله، إلا ترك الشيطان كل شيء، وولع به حتى يؤثمه.!

الأحد: في حديث إبراهيم النخعي، قال: إني لأجد نفسي تحدثني بالشيء فما يمنعني أن أتكلم به إلا مخافة أن أُبتلى به.!

الاثنين: إن حسن المنطق وتخير الألفاظ من توفيق وهداية الله للإنسان، قال الله تعالى: ﴿وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَىٰ صِرَاطِ الْحَمِيدِ﴾، ومن ذلك الأمنية المتفائلة يُحصّل بها العبد خيراً وبركة، وبضدها التشاؤم والحسرة، إذ يقول القاضي ابن بهلول:

لا تنطقن بما كرهت فربما

نطق اللسان بحادث فيكون

الثلاثاء: ومن التاريخ ما قاله المؤمل الشاعر، في امرأة من «الحِيرة» كان قد تعلق بها:

شفَّ المُؤمِّلَ يومَ الحِيرةِ النَّظرُ

ليتَ المؤمِّلَ لم يُخلقْ لهُ بصرُ

ومجنون ليلى يقول:

فلو كنتُ أعمى أخبِطُ الأرضَ بالعصا

أصمَّ فنادتْني أجبتُ المنادِيا

فعُمي الشاعر المؤمل بالعمى، أما مجنون ليلى فقد أصيب بصمم، فكلاهما وقع له ما تفوه به، ومن هنا يتضح أن الشاعرين أصيبا بما نطقا به.

الأربعاء: عندما نزل الحسين بن علي، رضي الله تعالى عنهما، وأصحابه بكربلاء في العراق سأل عن اسمِها؟

فقيل: (كربلاء!) فقال: (كربٌ وبلاء)، فكانت كذلك.

الخميس: من أمثال العرب في هذا: «لا تسخر من شيء فيحور بك»!

يقول الزمخشري: «يضْرب فِي كلمة، يتَكَلَّم بهَا الرجل، فَتكون باعثة للبلاء».

وقولُهم: «لا تُظهر الشماتةَ بأخيك فيعافيه الله ويبتليك».

وفي المثل المغربي: «الذي يعيب في الصباح يلحقه في العشية».

الجمعة: ورد أن أمين الرياض آنذاك الأمير فهد الفيصل، عندما جاء بالماء من الحاير إلى شارع الخزان تحداه الملك فيصل -رحمه الله- وقال: إذا أتيت بالماء كلمني في أي وقت حتى لو كنت نائماً!

وكلّمه، وقال لماذا كلمتني في هذا الوقت؟!

قال: أنت قلت لي كلمني حتى لو منتصف الليل.!

السبت: يقول الأمير سعود بن بندر في والدته حين اشتد بها المرض: (يا ليتني بينك وبين المضرة من غزة الشوكة إلى سكرة الموت)، وشاء الله أن يتوفى هو قبلها.

الأحد: قام الفنان طلال مداح -رحمه الله- بتمثيل فيلم وكان في أحد المشاهد يموت على المسرح، وبعد 42 سنة مات على خشبة المسرح.!

الاثنين: يروي الكاتب (مصطفى أمين) أن الممثل المصري (أنور وجدي) قال يومًا للممثلة (زينب صدقي) وكان ممثلًا صغيرًا لم يشتهر بعد: «كم أتمنى أن يكونَ معي مليون جنيه! وإن أُصبت بأي مرض»،

فقالت له زينب: «وماذا يفيدك المال وأنت حينها تكون مريضًا؟»

فأجابها: «سأنفق بعضَ هذا المال على المرض، ثم أتمتع بباقي المال»..

تقول زوجته في مذكراتها: (فكان معه المليون جنيه وأكثر؛ ولكن الله ابتلاه بمرض السرطان في الكبد، فأنفق كل ماله، ولم يذهب المرض).

الثلاثاء: من تجاربي.. أغلب الأصحاب الذين يذهبون لمصر يتوقعون أنه إذا أكل هناك سيصاب بالتسمم، وبالفعل يتسمم.

أما أنا فأتردد على مصر منذ ثلاثين عاماً، وأُحسن الظن بالله ثم بمعدتي وبالطهاة، لذلك لم يحدث لي أي حالة تسمم طوال تلك المدة ولم يأتني من الطعام المصري إلا الصحة والعافية.

الأربعاء: الفنان جورج وسوف غنى عبارة (أطباء الكون ما تشفيني)، والآن شاعر النص والملحن توفيا، والمغني أُصيب بمرض نادر.

الخميس: قرأت في سيرة إحدى الفنانات العالميات في أمريكا، أنها كانت تردد على المسرح أغنية يقول مطلعها: «أريد أن أعيش في الظلام»، ولم تمر أيام إلا وقد أصيبت بالعمى لتعيش في الظلام الذي كانت تتمناه.

الجمعة: الأخت «نظمية دوس» التي تعمل معي منذ فترة، روت لي رغبتهم في السفر إلى اليمن قبل شهر رمضان المبارك، ولكن والدتهم رفضت، وقالت:

«نسافر بعد شهر رمضان، علني أموت قبلها، فأنا ولدت هنا، وأريد أن أموت هنا، وأدفن مع أمي وأبي»،

وقد تحقق لها ما تمنت وتوفيت -رحمها الله- يوم عرفة في جُدة، ودفنت في نفس المقبرة التي دفن فيها والداها.

السبت: في يوم من الأيام قال شيخنا أبو سفيان العاصي:

«اعتنِ بكلماتك لأنها ترسم خطة حياتك».

حسناً ماذا بقي:

بقي القول: إن البلاء محاط باللفظ والقدر موكل بالمنطق، وقد تتكلم بكلمة فيكتبها قلم القضاء في صحيفة قدرك، فلنمسك ألسنتنا عن قول السوء حتى نسلم، ولا نتكلمْ إلا بخير حتى نغنم.!

وأخيراً يا قوم:

سأختصر لكم الموضوع بهذه الناصية فأقول:

إذا توجستَ من الشر ستتخيله في كل مكان

وإذا توقعتَ الخير ستجده في كل إنسان
16:59 | 12-01-2024

كيف تستدرج وتستدعي السعادة.. !؟

السعادة كائن لطيف، إنها تشبه الفتاة الحسناء التي يؤثر فيها الكلام الطيب والمعاملة الحسنة. ومن خلال قراءة مئات الكتب عن السعادة، وجدت أن هذه الحسناء يمكن استدراجها واستدعاؤها عبر استخدام تقنية من تقنيات هذه الطرق التسع:

أولاً: إذا أردت أن تستدرج السعادة وتستدعيها، أحضر دفتراً واكتب عليه دفتر النعم، ثم سجل فيه كل نعمة تمتلكها وقد حُرم منها غيرك، مثل نعمة الوالدين والإسلام والوطن والعقل والبصر والمشي وهكذا..

وحين تبدأ بتدوين هذه النعم لن تنتهي، لأن التوجيه الرباني واضح ومقنع حيث يقول الله -جل وعز-:

«وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ».

إنك بعد تسجيل عشرات النعم ستشعر بشيئين:

١- ستشعر بالسعادة.

٢- ستشعر بأنك ثري.

ثانياً: إذا أردت أن تكون سعيداً، فحاول أن تسترجع حلماً كنت تتمنى تحقيقه ولم تستطع، حاول الآن أن تستعيد هذا الحلم وتتخيّل نفسك بمساعدة العصا السحرية أنك حققته، ثم طعّم هذا الخيال بالمشاعر التي تصاحب هذا الإحساس، وكرر هذا الشعور مرة أو مرتين حتى تغمر نفسك بمياه السعادة.

ثالثاً: إذا أردت أن تكون سعيداً، فلقّنْ عقلك الباطن بعبارات مثل: «أنا سعيد - أنا أعيش حياة طيبة - أنا أشعر بالامتنان لكل ما هو حولي.. إلخ».

ردد مثل هذه العبارات بصوت مسموع وبحماس ممزوج بقوة المشاعر، افعل هذا كل يوم، وسيتولى عقلك الباطن تحويل هذه الأفكار والأقوال إلى أفعال، وتأكد أن مفردات السعادة تجلب السعادة.

رابعاً: إذا أردت أن تكون سعيداً حاول أن تعفو وتصفح عن نفسك أولاً وعن -وهذا هو الأهم- الآخرين، لأن العفو عظيم وصعب، لذلك قال الله جل وعز: «فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ»، ولأن عدم العفو يجعل الإنسان يعيش في سجن الضغينة والأحقاد، ولا يشعر بالسعادة إلا إذا حرر نفسه من هذا السجن، وقد قال الإمام الشافعي:

لَمّا عَفَوتُ وَلَم أَحقِد عَلى أَحَدٍ

أَرَحتُ نَفسي مِن هَمِّ العَداواتِ

وحتى تختبر نفسك هل عفوت عن من أساء إليك أم لا، اسأل نفسك بكل صدق هل تتمنى لمن أساء إليك الخير والصحة والسلام؟ ثم أجب بصراحة، إذا كانت الإجابة بنعم، فأنت صادق في عفوك، أما إذا كانت الإجابة بلا، فاعلم أن تسامحك لفظي فقط وغير حقيقي.

خامساً: إذا أردت أن تستدرج السعادة، حقق بعض الإنجازات حتى لو كانت صغيرة، لأنها ستشعرك بالسعادة، وأنا لا أتحدث هنا عن إنجازات كبيرة بل الإنجازات البسيطة التي يستطيع أن يقوم بها أي أحد، مثل تأدية الواجبات، قراءة عدة صفحات من كتاب المشي لمدة نصف ساعة، كل هذه الإنجازات تسعد الإنسان وترفع من معنوياته وتجعله يعيش في حبور وسرور.

سادساً: إذا أردت أن تستدرج السعادة وتستجلبها، عليك بالعطاء، لأنَّ في العطاء لذة ليست في الأخذ، ويكفي أن المعطي يجد ملَكاً يدعو له ويقول:، «اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا»، والعطاء لا يكون بالمال فقط بل هو يشمل كل الخيرات مثل مساعدة الناس والابتسامة في وجوههم وتعليمهم ودعمهم وتشجيعهم. واعلم بأنك أول المستفيدين من العطاء، لأنه سيعود إليك، قال الله تعالى: «وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ»، الآيه تشمل الخير كله وليس المال فقط، ولقد شبه المفكر «وس هوبر» وظيفة العطاء بأنه مثل النهر الماء بداخله، وأن الإنسان إذا أغلق هذا النهر توقف عن التدفق وأصابه بالركود، بينما العطاء يجعل هذا النهر يتدفق من جديد ويجري بكل نشاط وحيوية.

سابعاً: إذا أردت أن تستدرج السعادة، فعليك بالحمد والشكر قال تعالى: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ »، وإذا شكرت وحمدت الله ستتوقع الخير والخير المتوقع سيأتي بإذن الله، ولأهمية الحمد فقد كانت أول كلمة في بداية القرآن الكريم، تلك الكلمة التي نرددها في كل صلاة عدة مرات وهي «الحمد لله».

ثامناً: إذا أردت أن تعيش سعيداً فعليك باستثمار اللحظة الحالية، لأن جلب الماضي وذكرياته -في الغالب- إما أن يصيبنا بالألم أو يصيبنا بالحنين والوجع..

إن الماضي قد ذهب وتولّى ولا نملك إعادته، بل نملك الاستفادة منه، وأفضل الناس من يركز على حاضره ليبني مستقبله، كما أن التركيز على الماضي يدل على أن الإنسان استسلم للحاضر وانتهت أحلامه وآماله، وبدأ يعتاش على الذكريات والماضي الذي تولى ولن يعود.

تاسعاً: إذا أردت أن تكون سعيداً فعليك بذكر الله، قال تعالى: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، ولقد جعلت هذا المبدأ وأعني به مبدأ ذكر الله في نهاية هذا المقال حتى يتم التركيز عليه؛ لأن ذكر الله يجلب الطمأنينة، والطمأنينة هي أعلى درجات السعادة.

حسناً ماذا بقي:

بقي القول: هذه تسع طرق لجلب واستدراج واستدعاء السعادة، جربوها وستجدون أن النتيجة فتاكة وفعالة، وقد جربتها من قبل ونجحت معي، وأرجو وآمل وأتمنى أن تنجح معكم.
00:04 | 1-10-2023