أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author
--°C
تحميل...
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
⌄
لوحة القيادة
خروج
الرئيسية
محليات
سياسة
اقتصاد
فيديو
رياضة
بودكاست
ثقافة وفن
منوعات
مقالات
ملتيميديا
المزيد
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
الرياضات الإلكترونية
سعوديات
ازياء
سياحة
الناس
تحقيقات
تكنولوجيا
صوت المواطن
زوايا متخصصة
مركز المعلومات
تصفح عدد اليوم
كنانة دحلان
في يوم النمر العربي
يوافق العاشر من فبراير كل عام «يوم النمر العربي»، الذي أقره مجلس الوزراء عام2022م، في الوقت الذي توَّجت فيه الأمم المتحدة هذه الجهود الوطنية باعتماد هذا التاريخ يوماً عالمياً للنمر العربي بهدف نشر الوعي بأهمية الحفاظ عليه بعد أن تم إدراجه من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة عام 1996م في قائمة الحيوانات المهددة بالانقراض.
يمثل النمر العربي، الذي ظهر في أفريقيا قبل 500 ألف عام، وامتدت موائله الطبيعية من البحر المتوسط الى الخليج العربي، رمزاً للقوة والجمال في الثقافة السعودية ويحمل تاريخاً عريقاً مثيراً للإعجاب، لذا يعتبر من الموروثات الثقافية والتاريخية والبيئية الهامة.
وكانت أولى صوره المكتشفة بالجزيرة العربية عبارة عن رسم داخل كهف في منطقة (الشويمس) جنوب شرق العلا.
إلا أنه أضحى من الحيوانات المهددة بالانقراض، حيث تشير الدراسات إلى أن أعداده في كامل نطاق التوزيع الجغرافي في الجزيرة العربية لا تتجاوز 200 نمر في ظل حزمة من المهددات، منها: التمدد العمراني والأنشطة الزراعية وممارسات الرعي والصيد الجائر الذي تراجعت معه أعداد الفرائس، إضافة الى الاتجار المجرّم بالأنواع البرية.
لقد جاء إنشاء الصندوق العالمي لحماية النمر العربي بتوجيه سمو ولي العهد عام 2019 ضمن إطلاق مشروع محمية شرعان الطبيعية بمحافظة العلا المخصصة لإطلاقه وإعادة توطينه في ظل استراتيجية الهيئة الملكية لمحافظة العلا التي تُعنى بالبيئة والطبيعة والتراث والآثار ليؤكد حرص المملكة على الحفاظ على هذه الأنواع النادرة من الحيوانات وتعزيز الاستدامة البيئية وفق رؤية المملكة 2030.
لذا يعمل المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية ضمن منظومة الشركاء على حماية البيئات الطبيعية للنمر العربي وإكثار منظومة فرائسه بهدف إعادة تأهيل أنظمته البيئية المتوازنة.
لقد تواصلت جهود المملكة لحماية النمر العربي ويتجسد ذلك في إطلاق برنامج لحمايته، إضافة الى إطلاق صندوق لإعادة هذا النوع إلى موائله الطبيعية والمحافظة على بقائه، كما ساهمت المملكة في دعم منظمة «بانثيرا» التي تُعنى بحماية القطط الكبيرة، إلى جانب التوجه نحو إكثاره وتوفير البيئات الحاضنة له في محميات طبيعية تساهم في المحافظة عليه، وقد تم تعزيز ذلك كله من خلال عدد من الشراكات التي وقعتها الهيئة الملكية لمحافظة العلا مع الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة ومنظمتي «كاتموسفير» و«بانثيرا» في ظل استراتيجية إعادة تأهيل النظم البيئية بما يتماشى مع الأهداف الوطنية، ومن ذلك مبادرة السعودية الخضراء..
إن اليوم العالمي للنمر العربي يشكل فرصة لجذب انتباه العالم إليه وتعزيز برامج التوعية بمكانته وأهمية الحفاظ عليه وحمايته من الانقراض في ظل ما يحمله من قيمة تاريخية وثقافية ودلالات متنوعة في الموروث الشعبي، إلى جانب إبراز أهمية الحفاظ على سلامة النظام البيئي والثروات الطبيعية من خلال حماية الحياة الفطرية واستعادة موائلها الطبيعية.
00:15 | 14-02-2025
التنوع الأحيائي ومتلازمة صناعة المستقبل
قد لا يدرك البعض أبعاد الجهود المبذولة التي تستهدف حماية الحياة الفطرية من خلال تنفيذ برامج بيئية لإكثار وإعادة تأهيل الكائنات المهددة بالانقراض، واستعادة الأنواع المنقرضة، وإثراء التنوع الأحيائي، وأثر ذلك كله في معادلة تنمية البيئة وازدهارها واستدامتها.
لذا نجد بعض هؤلاء لا يقفون على مخرجات الجهود المبذولة للحفاظ على الأنواع المختلفة في المنظومة البيئية، مما يشكل تحدياً أمام مساعي تعزيز التوعية البيئية وغرس ثقافتها في الوعي المجتمعي.
ما دعاني إلى كتابة ذلك، هو تلكم الاستفسارات التي وردت من بعض الإخوة المواطنين عقب إعلان المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عن ولادة أربعة أشبال للفهد الصياد في مدينة الرياض، وهو الحيوان المنقرض في الجزيرة العربية منذ أكثر من 40 عاماً. وكان فحوى سؤالهم الكبير الذي أثار الاستغراب لديّ ولدى الكثير من المهتمين بالشأن البيئي، هو: «ما الذي سنجنيه من إكثار تلك الحيوانات (المفترسة) أو استعادة الأنواع المنقرضة منها؟».
تملَّكتني الدهشةُ من فحوى هذه الاستفسارات التي أثارت شجوني وحرَّضتْ قلمي على كتابة هذا المقال!
إن تلك الاستفسارات تؤكد أن تحديات نشر الوعي البيئي ما زالت قائمة، وأن هنالك حاجة للمزيد من تضافر جهود مختلف القطاعات ومنظمات المجتمع المدني لغرس الوعي البيئي وإبراز أهمية دور المواطن في إثراء منظومة المساعي المبذولة للحفاظ على البيئة، وما يحمله ذلك من قيمة مضافة وأثر عظيم على مسارات التنمية، في ظل التحولات الكبرى القائمة في بلادنا وفق رؤيتها التنموية التي وضعت ضمن مستهدفاتها حزمة من الاستراتيجيات التي تعزز الاستدامة والحفاظ على النظم البيئية.
ونقول: إن الجهود البيئية الرائدة المبذولة في بلادنا ضمن مسارات التنمية الشاملة والمستدامة جاءت لتعزيز المساعي العالمية لمواجهة أزمة انحسار التنوع الأحيائي التي تعود أسبابها الى الأنشطة البشرية، التي ساهمت في تدمير الموائل الطبيعية، من خلال الاستغلال المفرط لمساحات الأراضي بهدف التوسع الحضري أو الزراعي وما يترتب عليه من إزالة الغابات، إضافة الى الصيد الجائر والتجارة غير المشروعة في الأنواع الفطرية، إلى جانب التغير المناخي الذي يعطل النظم البيئية ويسبب تهديداً كبيراً للتنوع البيولوجي، الذي جاء امتداداً للتلوث الذي يقوّض سلامة الماء والهواء، واستخدام المواد الكيميائية السامة الذي يضر بالنظم البيئية والحياة البرية من خلال إذكاء ظاهرة الاحتباس الحراري بكل تداعياتها على الكائنات الحية.
وأمام هذه التحديات، لم نستغرب هذه المساعي المحلية والعالمية للحفاظ على النظم البيئية وإثراء التنوع البيولوجي فيها وتفاعلاته (البينية)، وتهيئة البيئة الملائمة لـ(التشكُّل التطوري) للأنواع الجديدة، عبر تنفيذ ممارسات مستدامة لضمان بقائها، في ظل الأدوار المحورية لذلك التنوع الأحيائي في الحفاظ على جودة الحياة والتأثير المباشر على رفاهية الإنسان، من خلال المساهمة النوعية في نقاء الهواء وتنقية المياه وتنظيم المناخ وتلقيح المحاصيل، والتخلص من السموم والملوثات وتوازن أعداد الفرائس في البرية.
إن حماية الحياة البرية لم تعد أمراً اختيارياً، فكل نوع من الحيوانات يساهم في استقرار منظومة التوازن البيئي، باعتباره حلقة من حلقات النظام البيئي، وبالتالي فإن انقراض أنواع معينة يسبب كسر العديد من السلاسل الغذائية، التي ينتج عنها موت كائنات أخرى، أو زيادة الفرائس التي كانت تتغذى عليها الأنواع المنقرضة بما يضر بالنظام البيئي، أو يشكل تهديداً يؤثر على سلامة البشر أنفسهم.
إن مشهد النظام البيئي الذي يحتضن ذلكم التنوع الفريد في بلادنا يحمل أبعاداً أخرى في ظل ما تضفيه تلك الأنواع الفطرية من قيمة ثقافية وجمالية، تتناغم مع منظومة الإرث الطبيعي التي تعزز السياحة البيئية وتساهم في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، خاصة في المجتمعات المحلية القريبة من المناطق المحمية.
ولا نغفل أيضاً الأبعاد الصحية لذلك التنوّع في ظل أهمية بعض الحيوانات لحماية الإنسان نفسه من مخاطر الأوبئة والأمراض.
إن فقدان التنوع البيولوجي ليس مجرد أزمة بيئية بل هو تهديد لأسلوب الحياة والاقتصاد والحالة الصحية والنفسية.. الأمر الذي يدفعنا إلى القول: إن الحفاظ على التنوع الأحيائي، ومخزون التنوع الجيني الوراثي الضروري للبقاء، وتعزيز برامجه، هو من أهم مقاييس استقرار النظام البيئي، وهو في الوقت ذاته حماية لمستقبلنا ولمستقبل الأجيال القادمة.
فهل نتوقف عند تلك الأبعاد لندرك القيمة المضافة لبرامج الإكثار في حماية الحياة الفطرية التي تعتبر أحد محركات النمو والازدهار في مسيرة التنمية الشاملة في بلادنا؟ ذلك ما نرجوه.
00:02 | 28-07-2024
نفائس «عروق بني معارض» في لوحات التراث الطبيعي
تعكس منظومة المناطق المحمية بالمملكة حجم الجهود المبذولة للارتقاء بهذه البيئات الطبيعية الخلاقة في ظل ما تحتضنه من ثراء بيئي وثقافي يشكل ميزاتٍ تنافسية فريدة، وقيمة اقتصادية واجتماعية معزِّزة لمسارات التنمية المستدامة.
كما تعكس هذه البيئات الفريدة التوجه العام للمملكة الذي رسمت رؤية السعودية 2030 خارطته لتحقيق التنمية البيئية من خلال إثراء التنوع الأحيائي وحماية الأنظمة البيئية وتحقيق التوازن فيها، وضمان استدامتها وازدهارها، وصولاً إلى التوسع في مساحات هذه المحميات لتشكل 30% من مساحة المملكة البرية والبحرية بحلول عام 2030 وفق مبادرة السعودية الخضراء، التي تزامن إطلاقها مع الإعلان عن الخريطة الوطنية للمناطق المحمية 30x30 التي أعدها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية عام 2021.
ومن بين هذه الكنوز الطبيعية برزت محمية (عروق بني معارض) التي يشرف عليها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية بكل ما تحمله من قيمة عالمية استثنائية بعد أن تم تسجيلها في قائمة التراث العالمي لليونسكو كأحد أبرز مواقع التراث الطبيعي العالمي، لتصبح سابع المواقع التراثية بالمملكة التي يتم تسجيلها في هذه القائمة.
هذه المحمية الناطقة بالجمال الطبيعي الذي تتعانق فيه البحار الرملية مع السلاسل الجبلية الشامخة في جنوب المملكة على طول الحافة الغربية لصحراء الربع الخالي، تمتد على مساحة تتجاوز 12,500كم2، مُحتضنةً أغنى تنوع أحيائي وطبيعي وجيولوجي في الصحراء، حيث تضم أكثر من 120 نوعاً نباتياً وتزدهي بقطعان المها العربي الحر الذي أعيد توطينه ضمن برامج المركز الوطني للحياة الفطرية في الإكثار وإعادة التوطين بعد اختفائه عام 1979، ليكون ذلك شاهداً على قصة العودة من غياهب النسيان إلى الركض في مضمار الطبيعة، إلى جانب أنواع لا حصر لها من الحيوانات والطيور، مما جعلها نموذجاً نوعياً نادراً للتطور البيئي والبيولوجي البديع الذي يصنع الدهشة من خلال الموائل المتنوعة والتشكيلات الأرضية النادرة فيه.
هذه المحمية الفريدة التي تمثل واحدة من قصص النجاح الاستثنائية في إنماء الطبيعة والارتقاء بتراثها، وتحدي الانقراض، تحملُ الكثيرَ من الأبعاد القيمية والحضارية التي تؤكد أن بلادنا رغم كل ما توليه من اهتمام لبناء الإنسان وتنمية المكان فإنها حريصة أيضاً على ازدهار البيئات الطبيعية بكل ما يحمله ذلك من قيمة مضافة في معادلات التنمية.
ولعل ذلك يحتم علينا الاستمرار في جهودنا التوعوية بأهمية حماية البيئة والتصالح مع مكوناتها واستعادة أدوارها التنموية.
كما يحتم أيضاً بذل مختلف القطاعات المزيد من الجهود للحفاظ على المنجزات وتنميتها، فتسجيل محمية العروق في قائمة التراث العالمي الذي تم بعد جهود ملموسة قدَّمها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في تواصله مع المنظمة واستقبال فرقها البحثية وتقديم التسهيلات والدعم اللوجستي لها، نقول: إن تسجيل المحمية يستلزم مواجهة كافة المخاطر والتحديات التي قد تواجه ديمومة بقاء المواقع المسجلة في قوائم التراث العالمي مستقبلاً في ظل تعدد وتغير المعايير التي تضعها اليونسكو للمواقع المسجلة في قائمة التراث العالمي بين فترة وأخرى.
ولعلنا ندرك أهمية تعميق الاستفادة من هذه المحمية وغيرها من منظومة المحميات في دفع عجلة التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تحفيز الاستثمارات السياحية في المناطق الطبيعية، وتعزيز أنشطة السياحة البيئية المتنوعة المرتبطة بسحر هذه البانوراما التراثية الطبيعية، بما يدعم استدامتها، وبما يساهم في تعظيم أثرها في تحقيق النمو الاقتصادي، إلى جانب تأثيرها الفعال في تنمية المجتمعات المحلية المجاورة للمناطق المحمية التي تؤسس لصناعة (جودة الحياة) من خلال توظيف أبناء المجتمعات المحلية واحتضان أفكارهم ومشاريعهم الابتكارية في ريادة الأعمال، إضافة إلى الاستفادة من هذه المحميات في تعزيز الصحة العامة من خلال ممارسة رياضة المشي وغيرها من الرياضات البدنية، والأنشطة السياحية المتنوعة كالتخييم والتزلج على الكثبان والمغامرات في مسارات تلك المحميات.
هذه المستهدفات التي حقق المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الكثير منها بالتعاون مع العديد من القطاعات ذات الصلة، ما زلنا نتطلع إلى توسيع آفاقها بمزيد من فاعلية التعاون والعمل التكاملي من قطاع الأعمال بما يصب في بوتقة التنمية ويدفع بعجلة النمو، ويساهم في تحقيق محاور رؤية المملكة التي تلامس: «حيوية المجتمع وطموح الوطن وازدهار الاقتصاد».
ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فإن إذكاء دافعية العمل التطوعي وما يحمله من قيمة أخلاقية في ميادين المسؤولية الاجتماعية يحتم تضافر جهود جميع القطاعات لاستثمار قدرات المتطوعين المحترفين في المجال البيئي لتعزيز آليات الحماية داخل محمية العروق وغيرها من المحميات، إضافة إلى استثمار جهودهم - إلى جانب الجوالين - في توعية الزوار بطرق المحافظة على هذه الكنوز الطبيعية الخلاقة وكيفية إنمائها وحمايتها من التلوث.
وفي الختام.. نستقطع من شجون الحديث ما نراه قلادة على عنق محمية عروق بني معارض وباقي المحميات الطبيعية، ونعني به تلك الجهود الملموسة التي بذلها المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في مجال التحول التقني وتعزيز الابتكار وإضافة تقنيات جديدة أضحت من العلامات الفارقة في تطوير هذه المحمية وغيرها، والتي نلمسها بوضوح من خلال تبني تقنيات طائرات الدرون في أعمال المراقبة والاستطلاع، وتطوير نظام مراقبة الطيور عن طريق الأطواق، والرصد الذكي لجميع بيانات التنوع الأحيائي، إلى جانب تطوير أنظمة المستشعرات البصرية وكاميرات الرصد والاتصالات اللاسلكية بالأقمار الصناعية.
وفي ظل هذه العطاءات البارزة، المتزامنة مع فاعلية الإدارة المستدامة التي ينفذها المركز وفق أفضل المعايير والتجارب العالمية، هل نرى مزيداً من الجهود الجماعية التي تعزز الأبعاد القيمية لهذه المحمية وغيرها من المحميات من كافة القطاعات، حتى نساهم معاً في وصول أعدادها إلى 100 محمية بحلول عام 2030؟ ذلك نرجوه.
00:01 | 9-06-2024
الاختلال البيئي: استئناس «البابون» نموذجاً
يلعب التوازن البيئي داخل مجتمع الكائنات الحية دوراً محورياً في بقاء النظام البيئي ثابتاً نسبياً، بما يحافظ على التوازن الطبيعي ويساهم في تنظيم النظم البيئية وبقائها في حالة استقرار، من خلال التعايش بين الأنواع المختلفة والحفاظ على تطورها وتكاثرها واستقرارها في الإطار الطبيعي.
لذا جاءت الإستراتيجية الوطنية للبيئة متناغمة مع رؤيتها في تحقيق بيئة مزدهرة ومستدامة تحظى برعاية الجميع، من خلال توفير الممكّنات وإشراك جميع الأطراف لصياغة وتنفيذ سياسات وإستراتيجيات وأنظمة ومعايير ومبادئ تستهدف الحفاظ على البيئة واستدامتها وفقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030.
وعندما يتدخل الإنسان في البيئة على نحو غير مدروس يحدث الاختلال البيئي الذي يتجسد في اضطراب العلاقات المتبادلة بين أجزاء النظام البيئي وظهور مشكلات بيئية يستعصي حلها.
وتتعدد نماذج التدخل البشري العشوائي وتداعياته السلبية على الأنظمة البيئية، واختلال التوازن البيئي، ومن ذلك، تزايد أعداد قرود البابون أو (الرباح) وهي أحد مكونات التنوّع الأحيائي، واقتحامها للمناطق السكنية بكل ما تحمله من أضرار على البشر، باعتبارها حاضنة للعديد من الأمراض الفيروسية والبكتيرية.
ويعود ذلك إلى إقدام الكثيرين من عامة الناس على إطعامها من الغذاء البشري بكل ما يترتب على ذلك من تغير في خصائصها الحيوية وأنماط سلوكها، خاصة سلوكها الغذائي ونزوعها نحو العدوانية، وما يتمخّض عن ذلك من مخاطر اقتصادية وصحية، إضافة إلى الصيد الجائر للفهد العربي وهو خط الدفاع الأول الذي كان يساهم افتراسه لها في توازن أعدادها.
إن اختلال الصورة الطبيعية لمعيشة تلك القرود أتاح لها الاستئناس والانتقال قرب المدن والتجمعات السكانية، باعتبارها كائنات سريعة التكيف، في ظل غياب المُفترِسات كالنمور العربية والذئاب وغيرها فاندفعت تبحث عن غذائها من المزارع أو بقايا الأطعمة البشرية، أو ما يقدمه لها روّاد الطرق عند وقوفها على حوافها، وهي أماكن تشكل مساحات أكبر من تلك التي تعوّدت عليها في بيئاتها الطبيعية التي كانت تعيش فيها في اتزان بين مقومات حياتها وبين مهدداتها من الأعداء الطبيعيين!
ولعلنا نشيد هنا بجهود المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الذي يشرف على المناطق المحمية ويعمل على حماية الحياة الفطرية الحيوانية والبحرية وإنمائها، حيث أجرى العديد من الدراسات، وقدم الكثير من المبادرات، وعقد الكثير من الندوات وورش العمل، بهدف علاج هذه الظاهرة المعضلة بشكل مُمنهج في المناطق المتضررة، مُسخراً كافة الإمكانات لتحقيق الغاية في تقليل أضرار تزايد تلك القرود، وآليات تعديل سلوكها، وإعادة التوازن البيئي، مع طرح أساليب للتحكم في تلك الأعداد كالتعقيم والتحكم الهرموني وحظر التغذية، معتمداً في ذلك على مسح ميداني للفرق التابعة له، وقاعدة واسعة من البيانات والمعلومات المدخلة في خرائط إلكترونية، إضافة إلى إطلاقه عدداً من الحملات منها حملة «عدم إطعام القرود»، وحملة «أنت جزء من الحل» التي جاءت في إطار برنامج «تقييم أضرار تزايد أعداد قرود البابون».
ولكن الحل مع هذه المشكلة المتراكمة منذ 40 عاماً يحتاج إلى معالجة شاملة وجهود جماعية تتضمن تكثيف التوعية بمخاطر إطعام تلك الحيوانات وتأثير ذلك على سلوكها وعلى حدوث تغيرات فسيولوجية تتسبب في زيادة أعدادها، واتساع تمددها الجغرافي.
فهل ندرك الآن أهمية تأصيل مفاهيم التوازن البيئي، وهل نتناغم في سلوكياتنا مع دعوات الحفاظ على النظم البيئية، وحمايتها من تداعيات الاختلال؟.. ذلك ما نرجوه، والله الموفق.
01:19 | 7-09-2023
حماية البيئة.. رؤية ومبادرات مستدامة
ندرك أنّ الاستدامة البيئية تستهدف الحفاظ على البيئة ومواردها والحد من التأثير السلبي عليها لضمان وجودها للأجيال الحالية والمستقبلية، وبما يحقق التوازن بين البيئة والاقتصاد والمجتمع.
من هنا تمضي المملكة بجهود حثيثة انطلاقاً من رؤية 2030 نحو تحقيق قفزة نوعية في مجال التنمية المستدامة بجميع أشكالها، كمحور أساسي في التخطيط وتأسيس البنية التحتية وتطوير السياسات والاستثمار، ومن ذلك حماية البيئة وتنمية الغطاء النباتي وتقليل آثار التغير المناخي من خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة وتقليل انبعاثات الكربون وصولاً إلى الحياد الصفري، في ظل استراتيجية وطنية تستهدف حماية البيئة، والحد من التصحر، وتعزيز التنوع الأحيائي، بما يحقق بيئةً أكثر استدامةً، ويرتقي بجودة الحياة بمختلف مكوّناتها، ولتُلهمَ رؤيةُ بلادِنا العالمَ من خلال تعاملها المسؤول مع التحدّيات المعاصرة، عبر تبنّي رؤية شمولية للنظم البيئية الثمينة وتشجيع الممارسات الزراعية المستدامة مع الحفاظ على توازن المياه واستعادة التنوُّع البيولوجي وحماية الموائل الفريدة والمحميات الطبيعية.
لقد جاء إطلاق سمو ولي العهد لمبادرتَي السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر ليؤكدَ المُضيّ قُدماً نحو تحقيق هذه الاستراتيجية التي تسعى إلى الوصول إلى التنمية المستدامة عبر تعزيز الاقتصاد الأخضر، ومكافحة التغيُّر المناخي، وتطبيق الاقتصاد الدائري للكربون، والحفاظ على النُّظم البيئية، وزيادة المساحات الخضراء.
ولعلّ الاستعدادات الجارية لبناء أكبر مصنع على مستوى العالم في نيوم لإنتاج الهيدروجين الخالي من الكربون اعتماداً على مصادر الطاقة المتجددة، إضافة إلى إعلان شركة البحر الأحمر الدولية اكتمال تركيب 750 ألف لوح شمسي لتشغيل المرحلة الأولى من «وجهة البحر الأحمر» من خلال 5 محطات شمسية، نقول: لعل ذلك يجسِّدُ الحرصَ على تحقيق الاستراتيجية البيئية، والالتزام البيئي الطموح بالاعتماد على الطاقة المتجددة، ودعم الاقتصاد الأخضر في إطار تنويع مصادر الدخل.
لقد حقق القطاع البيئي خلال مسيرته حزمة من المنجزات، كان أبرزها اعتماد الاستراتيجية الوطنية للبيئة، ونظام البيئة الجديد، وإطلاق مبادرات عالمية للبيئة، وغيرها الكثير.
وقد جاء التحوّل في الأطر المؤسسية لقطاع البيئة، بُغيةَ ضمان جودة التنفيذ والاستدامة، بإنشاء 5 مراكز متخصصة في المجالات البيئية، وتوفير المُمكّنات اللازمة للنهوض بها، وهي: المركز الوطني للأرصاد، المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي، المركز الوطني لإدارة النفايات، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية إلى جانب إنشاء صندوق البيئة والقوات الخاصة للأمن البيئي.
إن جهود المملكة الخضراء تعمل على استعادة النظم (الإيكولوجية)، من خلال الاستثمار في التقنيات المستدامة وإطلاق الحملات والمبادرات إسهاماً في تعزيز التنوُّع الأحيائي، نظراً لما تمتلكه بلادُنا من مُقدِّرات بيئية وطبيعية تعزز قدراتها على استعادة النظام الإيكولوجي وتحقيق الأهداف المناخية الطموحة.
وقد اتسمت جهود المملكة تجاه الحفاظ على البيئة بتوزّعها على عدة مواقع، منها: الرياض الخضراء، حديقة الملك سلمان، نيوم، البحر الأحمر، السودة، مع ثراء برامجها ومبادراتها مثل: مبادرة الملك سلمان للطاقة المتجددة، البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة، إضافة إلى توقيع المملكة اتفاقيات دولية لحماية الحياة الفطرية، وإقرار أنظمة للمحافظة على البيئة وإثراء التنوع الأحيائي في المنتزهات الوطنية، ثم الحفاظ على الشُّعب المرجانية، وتطوير المحميات الطبيعية ومراكز أبحاث الحياة الفطرية وتوطين الحيوانات في المحميات مع الحرص على إعداد برامج توعوية وتدريبية للمجتمعات المحلية.
وأمام هذه المبادرات المُلهمة والممارسات المتميزة، فإنّ الأمر يستدعي توحيد الجهود تجاه القضايا البيئية وتكاملها من خلال التعاون بين الجهات الحكومية المعنية بالغطاء النباتي وأنسنة المدن، ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة كجمعيات البيئة ومجالس الأحياء لغرس ثقافة الإصحاح البيئي؛ وحماية النظم البيئية في الوعي الجَمْعيّ.
كما نرى إمكانية تعزيز الوعي البيئي وخلق ثقافة الاستدامة من خلال ترسيخ مفاهيم: «صداقة البيئة» و«مكان العمل المستدام»، «وريادة الأعمال الخضراء»، و«المشاريع الخضراء» التي تعزّز الولاء مع المستهلكين، إضافة إلى نشر مفاهيم «مزارع الرياح» و«استخدام الألواح الشمسية» في الذاكرة المجتمعية ومنظمات قطاع الأعمال، بما يقلل من البدائل الملوِّثة للبيئة.
إنّ الأفكارَ والممارساتِ والتجاربَ التي تُثري الاستدامة البيئية تحتاجُ إلى مزيد من الجهود الجماعية التي تحقق منظومة القيم وتغرس الوعيَ بأهمية هذا المسار في دفع عجلة التنمية وتحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي، وبلورة البُعد الإنساني وتعظيم الأثر الاجتماعي لكافة المبادرات، بما يتواكب مع رؤية المملكة 2030 وحرصها على تحقيق جودة الحياة انطلاقاً من محاور الرؤية في بناء: (مجتمع حيوي ووطن طموح واقتصاد مزدهر)، ومرتكزاتها المستندة إلى: (عمقها العربي والإسلامي، وقوتها الاستثمارية، وأهمية موقعها الجغرافي الاستراتيجي).
00:58 | 3-08-2023
دبلوماسية الرياضة في مدارات القوة الناعمة
أضحت الرياضة إحدى القوى الناعمة من خلال بُعدها الأساسي في إستراتيجية بناء الصورة الذهنية للدول، حيث صارت -إضافة إلى الإعلام والفن والسياحة والاقتصاد- تشكِّل على ساحة التأثير واحدةً من إستراتيجيات الدول في السياسة الخارجية للتعريف بها ولتعزيز مكانتها وحضورها في المحافل الدولية. لذا اتجهتْ كثيرٌ من الدول للاستثمارات الرياضية التي تلبِّي حاجاتها وتحقق مصالحها في ظل الأهمية (الجيوسياسية) للرياضة، حيث باتت المنافسات الرياضية الكبرى (المعولمة) أحداثاً جامعةً تؤثر على العقول بغضِّ النظر عن الفوارق الدينية والاجتماعية والسياسية.
ففي كثير من الأحيان تعبِّر الجماهير خلال الأحداث الرياضية عن مشاعرها الحقيقية تجاه الدول الأخرى، وهو ما يوضح لكل دولة الفرص التي يمكن أن تستغلها لبناء صورتها الذهنية عبر قوتها الناعمة.
إن فهم الدبلوماسية الرياضية واستخدامها في بناء علاقات طويلة الأمد بين الشعوب تنبَّهت له كثير من الدول، فعملتْ على تأهيل خبراء لإدارة الدبلوماسية الرياضية باحترافية، عبر عمل مؤسسي مقنن، واستثمارها في توطيد علاقاتها من خلال دراسة مشاعر الجماهير واتجاهات الرأي العام في ضوء دراسات متعمقة تستشرف توجهات الشعوب وتطلعاتها إزاء مستقبل علاقات بلدانها مع الدول الأخرى.
كما تلعب الدبلوماسية الرياضية أدواراً محورية في ترسيخ الارتباط الثقافي بين الشعوب وتحقيق التكامل الاقتصادي.
لذا فإن الرياضة ليست مجرد مباريات، لكنها مناسباتٌ يتم فيها التعبير عن الشعوب ومواقفها من القضايا العالمية المختلفة، وقد تستخدمها الدول لإدارة صراعها مع الدول الأخرى، أو تعزيز الحوار الدائم معها. لذلك أنشأت الخارجية الأمريكية قسماً للدبلوماسية الرياضية عقب أحداث 11 سبتمبر؛ بهدف الوصول إلى الشباب في الشرق الأوسط والتأثير عليهم عن طريق الرياضة.
من هنا فقد استغربتُ -وغيري كثيرون- من التعليقات السطحية التي صدرتْ من بعض أدعياء الوسط الرياضي على منصات التواصل الاجتماعي حول تعاقد نادي النصر مع النجم البرتغالي العالمي كريستيانو رونالدو، وحول المبلغ الذي دُفع له، متناسين الدور الفاعل الذي تلعبه الرياضة في توطيد علاقات الدول بعضها ببعض، وفي تقديم صورة ناصعة عن التحولات الكبرى القائمة في بلادنا في خضم سعيها لتنويع مصادر الدخل في ظل رؤيتها التنموية 2030 التي تعزز دور الرياضة والرياضيين وتعمل على إحداث نقلة نوعية في القطاع الرياضي عبر صناعة التميز وإطلاق مبادرات تحقق نهضة كروية ورياضية استثنائية، خاصة أن الرياضة السعودية باتت في دائرة الضوء العالمي، ووجود نجم مثل رونالدو في الدوري السعودي سيحقق -وفق هذه الرؤية الملهمة- ارتداداتٍ على قيمة الدوري، وسيساهم في نقل تجارب عظيمة واحترافية عالية لجيل قادم مولع بالرياضة، كما سيعزز الحضور السعودي في وسائل الإعلام العالمية، ويدعم فرص المملكة باستضافة بطولات رياضية كبرى، بما يرسخ صورة ذهنية مميزة للمملكة ورياضتها، ويشكل قيمة مضافة لجهود الدولة في تعزيز مكانتها في المجتمع الدولي.
ولعل استحواذ صندوق الاستثمارات العامة على نادي (نيوكاسل يونايتد) الإنجليزي العام الماضي يؤكد مضي الدولة في خططها لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، وتكريس حضورها العالمي باعتبارها عضواً فاعلاً في مجموعة العشرين، وحرصها على استثمار الدبلوماسية الرياضية لتنشيط ممارساتها الخارجية من خلال المناسبات الرياضية الدولية.
وأمام هذه الصفقة الاستثمارية المميزة لنادي النصر، ولتعزيز دبلوماسية الرياضة فإننا نقترح التوسع في أقسام الكليات الرياضية لتشمل عدداً من التخصصات من قبيل: الإعلام الرياضي، الاستثمار الرياضي، علم النفس الرياضي، القانون الرياضي، علم الاجتماع الرياضي، والطب الرياضي، إضافة إلى التوسع في إنشاء الأندية الصحية الرياضية والأسواق والمتاجر الرياضية المتخصصة التي تعزز ثقافة التواصل الرياضي في المجتمع.
لقد استثمر الغرب الإعلام والسينما والفن كقوى ناعمة خلقت نماذجَ وقدواتٍ، وعلينا أن نستثمر الرياضة في تحقيق مصالحنا، طالما كانت الرياضة أداة فعالة في تقوية العلاقات الدولية، ووسيلة لإرساء دعائم السلام والاستقرار، والإسهام في تحقيق التنمية البشرية، ونشر ثقافة التسامح والتعايش وتقبل الآخر، وتعزيز روح الولاء وتقوية التلاحم المجتمعي.
23:29 | 2-03-2023
تحديات استراتيجيات التطوير.. الإعلام أنموذجاً !
نتفق بداية أن الإعلام إحدى أهم أدوات الدبلوماسية الناعمة، التي تلعب دوراً بارزاً في تحسين صورة الدول خارجياً وإبراز منجزاتها داخلياً، كما تؤدي دوراً فعالاً في توطيد علاقة المنظمات بالجمهور.
وفي ظل مكانة مرموقة تتبوؤها بلادنا إقليمياً وعالمياً، فإننا ما زلنا نتساءل:
ترى هل حقق إعلامنا الأهداف المرجوة منه في نقل الصورة الحقيقية عنا، وهل تتناسب مخرجاته الممتدة طيلة العقود الماضية مع واقع بلادنا وطموحاتها في ظل الرؤية التنموية 2030؟
هل إعلامنا مؤثر فعلاً في الرأي العام المحلي والخارجي، أم هو بحاجة لإعادة صياغة استراتيجياته بشكل احترافي يخدم قضايا الوطن، في ظل الاتجاه الملحوظ صوب إعلام الإنترنت؟
لن نكون إلا واقعيين، عندما نقر بدايةً بأن ثمة تحولات إيجابية في وسائل الإعلام السعودية أضحت ملموسة في ظل الحراك التنموي الذي فتح فصلاً جديداً متناغماً مع أنساق الوعي المجتمعي، تم من خلاله، ليس إيضاحاً فقط، بل وصناعة الفرق ما بين الماضي والحاضر.
ولكننا حين نطرح كل هذه التساؤلات، فإننا نطرحها مدركين حجم التحول العالمي في الأدوات الإعلامية التي تستوجب علينا مضاعفة الجهود المواكبة لها بما يتسق مع مكانة بلادنا العالمية.
من هنا سنتوقف عند بعض المحطات التي نرى - من وجهة نظرنا - بأن الحديث عنها يمكن أن يمتد على صفحات عدة، بغية الوصول إلى تحقيق المأمول لإعلامنا في ظل سياسته المتزنة.
لعل أولى المحطات التي يجدر التوقف عندها: هي حاجة إعلامنا إلى صناعة الحدث، وعدم الاكتفاء بصياغة التعليق عليه، خاصة أن عمر الحضور الإعلامي السعودي قد قارب القرن من الزمان منذ تأسيس جريدة أم القرى عام 1924، مما يؤكد أن حضورنا الإعلامي بحاجة لبناء استراتيجية فعالة يتم مراجعتها دورياً مع تكثيف الرسائل الإعلامية المستهدفة وقياس أثرها على الجمهور محلياً وخارجياً مع مراعاة الفرق في المضامين المطلوبة لكلا الجمهورين.
إن الإعلام ليس مجرد أداة معرفية تنقل الخبر، بل هو أداة فعالة في تشكيل أنماط السلوك تحت ظل تحديات تكنولوجيا الاتصال والمعرفة الرقمية والإعلام الرقمي التفاعلي، وتحوُّل العالم إلى قرية كونية، مما جعل الجمهور المحلي ينبهر بوسائل الإعلام المنافسة لما تمتلكه من مهنية عالية ومرجعية تقنية توفر المعلومة السريعة لمريديها، مما ساهم في إيصال رسالتها بل وصناعة الدهشة لدى القارئ والمستمع.
إن تحرُّك الآلة الإعلامية الخارجية السريع في سباق نقل المعلومات المحموم يجعلنا نؤكد أننا بحاجة لبذل المزيد ومضاعفة جهود المواكبة مع تطوير رؤيتنا بمهنية إعلامية ممنهجة تستطيع أن تواجه هذا السيل المتدفق من مخرجات الإعلام الخارجي الذي يحاول بعضه تشويه صفحات المنجزات السعودية المتناغمة مع إيقاع مشروع بلادنا النهضوي.
إن هذا الأمر يستلزم التطوير المستمر لسياساتنا الإعلامية على أيدي متخصصين وخبراء (تكنوقراط)، يستهدفون استثمار المهارات والقنوات الوطنية وأدوات العلاقات العامة والبرامج الثقافية والفعاليات، ويساهمون في بناء منابر إعلامية معاصرة تلامس في مكوناتها وأهدافها حركة المشروع الإعلامي في قطار التنمية.
ينادي هذا بضرورة تكثيف المشروع التدريبي للكوادر الإعلامية وتأهيلها لخوض غمار الساحات الإعلامية المعاصرة بكل أنماطها وفنونها، من خلال الاستثمار في تدريبها وصقل قدراتها وتزويدها بالمعارف والاتجاهات والمهارات التي تعزز تنافسية الأداء لديها وتحفز قدراتها على التجدد، مع التركيز على ابتعاث الإعلاميين لاكتساب المهارات بكل اللغات العالمية، بما يؤسس مشروعاً إعلامياً معاصراً يستمد قوته من وحي الخبرة والممارسة.
إن صناعة الإعلام بحاجة للتجدد المستمر الذي يتطلب امتلاك الأدوات الإعلامية الفاعلة والبُنى الإعلامية التنظيمية والأذرع التنفيذية من خلال الكوادر المؤهلة المتخصصة في العمل الإعلامي.
ولعلنا لاحظنا الفرق لدى كوادرنا الإعلامية من العاملين في الصحف أو في القنوات الفضائية خلال إجراء الحوارات أو إعداد وتقديم البرامج، ممن تتفاوت قدراتهم وثقافاتهم وشغفهم وفقاً لمؤهلاتهم وخبراتهم وخلفياتهم الثقافية، مما يؤثر على معادلة المخرجات الإعلامية بين إعلامي وآخر، وهو الأمر الذي يكاد يتلاشى من مشهد الإعلام الخارجي.
إن للإعلام رسالة سامية ترتقي بالأداء وتعزز احترافيته بالإبداع والعناية بالكيف لا بالكم، وانتقاء برامج هادفة تنأى بالرسالة الإعلامية عن السفاسف واللغط الحِواري والتردِّي الفكري، بل تسهم في تجسيد الفلسفة الإعلامية الرشيدة عبر تزويد الجماهير بالحقائق المجردة احتراماً لعقولهم وإثراءً لثقافتهم وتعميقاً لوعيهم.
ما زلت أجزم أن خصخصة الإعلام، وفق ضوابط معينة، من الحلول التي تتيح الدخول في الاستثمارات الإعلامية في مختلف ميادينها، مما يعزز التنافس المثمر بينها ويرتقي بالمنتج الإعلامي الذي يلبي حاجات الجمهور ويُبرِز الصورة الحقيقية الناصعة لمشروعنا التنموي خارجياً، هو الأمر الذي يخفف العبء عن كاهل الجهاز الإعلامي الرسمي بما يضاعف فرصهِ في تحسين الأداء والتعامل الاحترافي مع مختلف التحديات.
لعلي أستحضر هنا مقولة العالم الألماني أتوجروت عن الإعلام، بأنه «تعبير موضوعي لعقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها في نفس الوقت».
فهل نرى إعلامنا وقد حقق هذه الأهداف؟
هذا ما نرجوه.. بل ونعمل جاهدين في سبيل تحقيقه.
01:20 | 17-11-2022
إعلام التواصل للداخل والخارج !
ندرك القيمة التي يلعبها الإعلام الخارجي للدول كإحدى أدوات الدبلوماسية الناعمة من حيث قدرته على التأثير في إبراز إنجازاتها والدفاع عن مكتسباتها، وترسيخ مكانتها وسمعتها كدولة فاعلة قادرة على صناعة التغيير وتكوين صورة ذهنية إيجابية لدى الجمهور الداخلي والخارجي، لتكون قادرة على تشكيل منظومة تحميها في ظل التحديات الخارجية والمهددات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي ظل تسيُّد لغة التواصل عبر وسائل الإعلام بين الشعوب وتوازيه مع التواصل بين الحكومات، يجب أن يصبح التمثيل الشعبي المكوَّن من الشخصيات العامة والنخب المؤهلة في شتى التخصصات ملازماً للتمثيل الرسمي الحكومي في إيصال الرسالة المستهدفة عبر البرامج والأنشطة المختلفة التي تساهم في صياغة الوعي لدى الشعوب الأخرى حول الصورة الإيجابية للدولة المعنية.
وإذا أردنا الحكم على أي تجربة إعلامية لا بد من الارتكاز إلى مجموعة من المحددات التي تُعتبر معياراً لتقييم التجربة:
فتجربة المملكة الحديثة في الإعلام الخارجي تشكل نموذجاً حضارياً وإنسانياً ملهماً خاصة مع التحولات الدراماتيكية الكبرى التي لامست مختلف مفاصل وقطاعات الدولة في ظل رؤية المملكة التنموية 2030، والتي فرضت محدّداتُها التوسعَ في منظومة المصالح والاستثمارات الخارجية من خلال نقل التجربة السعودية الحضارية إلى العالم الخارجي وترسيخ نموذجها الإنساني الرائد ودعم مصالحها الخارجية وفق توازنات القوى العالمية، مع إبراز المقومات السياسية والاقتصادية والتاريخية والجغرافية والإنسانية والثقافية القيمية التي تشكل مصدر ثراء لهويتها الجديدة.
نقول: رغم إدراكنا لهذه الفلسفة في صناعة الإعلام الخارجي كإحدى أدوات الدبلوماسية الناعمة على المستوى الرسمي إلا أننا نتابع باندهاش تركيز معظم القطاعات والهيئات الحكومية وشبه الحكومية بل والشركات والمؤسسات الكُبرى على استهداف المجتمعات الخارجية إعلامياً دون اهتمام يُذكر بالمجتمع المحلي رغم أهميته القصوى في التعاطي مع مخرجات وبرامج وأنشطة تلك الهيئات والمنظمات المختلفة!
فحين نراقب عن كَثَبٍ آليات التعاطي الإعلامي في معظم تلك المنظمات والهيئات نلاحظ أن أبوابها قد فتحت لمن يجهلون التعاطي مع الثقافة السعودية، وذلك لافتقادهم أدوات التواصل معها، بل نجد تلك المنظمات لا تعير اهتمامها بالتكلفة المالية الفعلية لبعضهم وتداعيات وجودهم على رأس أجهزة الاتصال المؤسسي فيها.
قد نتفهم حرص هذه المنظمات على الاستفادة من التجارب الخارجية بهدف جلب الاستثمارات وتوقيع الاتفاقيات وعقد الشراكات التي تعتبر مصدر إثراء للدخل القومي، ولكن: ماذا عن الداخل السعودي، هل سقط من ذاكرة الأهداف الحيوية لتلك المنظمات؟
هل حقق هؤلاء الهدف المطلوب منهم لتلك المنظمات على الداخل السعودي بموازاة تأثيرهم الخارجي؟
أجزم أن المسافة بينهم وبين المستهدف الداخلي طويلة جداً بسبب اختلافات الثقافة واللغة، وبسبب الحرص على التناغم مع شريحة محدودة من المجتمع.
هذا الواقع يتطلب ضرورة إعادة صياغة مكونات السياسة الإعلامية في تلك المنظمات والهيئات وفق رؤية وإستراتيجية جديدة يشترك في صياغتها المتخصصون لتعزيز وسائل وأدوات الوصول للجمهور المحلي، مع التركيز على التطوير الإعلامي المستمر من حيث الفكر والاحترافية والخطط والكوادر النوعية والتحسين المستمر والاعتماد على التحول الرقمي لتمكين الرسالة الإعلامية الداخلية بالتوازي مع العناية بمستهدفات الإعلام الخارجي.
لا بد أن يدرك القائمون على تلك المنظمات أهمية صناعة المحتوى الإعلامي الداخلي بما يلبي الاحتياجات المحلية وبما يتوازى مع حجم اهتمامهم بالإعلام الخارجي، وهذا يستدعي إعادة تأسيس البُنى التنظيمية الإعلامية في تلك المنظمات والتي تبدأ بالتواصل المجتمعي بلغة إعلامية جذابة تفرض احترام المتلقي المحلي كما هو المتلقي الخارجي من خلال عمل استبيانات لمؤشرات قياس الأداء ومستوى تفاعل الرأي العام معها، والتأكد من وصول الرسالة الإعلامية إلى الداخل بالتوازي مع الخارج.
إن تفاعل الجمهور المحلي مع المحتويات الإعلامية، بما يصاحبها من برامج موجهة وفعاليات يشكل نقطة تحوّل في نجاح تلك المنظمات في إيصال رسالتها التي تراعي الأنماط الثقافية والاحتياجات المحلية ورصد الأثر التفاعلي كمؤشر لنجاح تلك المنظمات داخلياً بما يدعم نجاحاتها الخارجية.
وحتى ينجح إعلام التواصل لا بد من تطوير أدوات إيصال رسالته إلى الجمهور في كل مكان من خلال دعم الرقمنة فيه والخروج به من مفاهيم (القولبة) ومراعاة قدر من المرونة التي تتناسب مع مختلف الثقافات والبيئات وتعدد اللغات.
على المنظمات المعنية أن تبدأ بتطبيق هذه المعايير بنظرة مستقبلية ثاقبة تستند إلى مهنية مسؤولة حتى تصل رسالتها إلى جمهور الداخل والخارج معاً. كما يجب على تلك المنظمات تُقنِّن عمل مشاهير السوشيال ميديا لإثراء ذائقة مجتمعنا المحلي، وإبراز جمال أطيافه المتنوعة، عوضاً عن التركيز فقط على حصد ملايين المشاهدات وتحطيم أرقام التفاعلات.
ليس من الحصافة أن تغرد المنظمات والهيئات الوطنية خارج أسراب الوعي المجتمعي وتستهدف المجتمعات الخارجية فقط وفق سياسات إعلامية (أحادية) لكل منظمة على حدة، تجعلها «كالمُنبتِّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»!
فهل نلمس التغيير المأمول؟، ذلك ما نرجوه.
23:49 | 27-03-2022
اقرأ المزيد