أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1507.jpg&w=220&q=100&f=webp

عبدالله يحيى بخاري

معاناة المؤسسات الوطنية مع نظام مكافأة نهاية الخدمة (2/2)

ذكرنا في الجزء السابق من هذا المقال أنه يحدث كثيراً أن يقضي بعض الوافدين في القطاع الخاص عدة سنوات في مؤسسة وطنية صغيرة، التحقق بها مقابل راتب صغير.. تم ارتفع راتبه بعد عدة أعوام إلى قرابة عشرة آلاف ريال أو أكثر.. وعندما يحاول صاحب العمل التخلص من بعض هؤلاء الوافدين بسبب تقلص أعمال المؤسسة أو المنشأة، تحتسب مكافأة نهاية الخدمة ليس على أساس الراتب الذي بدأ به أو متوسط راتبه على مدى الأعوام، وإنما بحساب آخر راتب تحصل عليه، والذي قد يصل إلى عشرة آلاف ريال أو أكثر!

فحسب هذه النظام الحالي يحصل الوافد على مكافأة نهاية الخدمة بحساب نصف شهر عن أول خمسة أعوام قضاها في العمل، ثم بعد الأعوام الخمسة الأولى يحصل الوافد على راتب شهر كامل عن كل عام، باحتساب آخر راتب تقاضاه (شاملاً البدلات). وبهذا تصل مكافأة نهاية الخدمة للوافد إلى رقم خيالي قد يصل إلى مئات الألوف من الريالات (لاحظ أن العامل والموظف الوافد كان يحصل أيضا على عطلة سنوية مدفوعة الأجر لمدة شهر على الأقل في كل عام، أي أنه مع مكافأة نهاية الخدمة يحصل الوافد على 14 شهراً مدفوع الأجر في كل عام، بالإضافة إلى تذاكر السفر السنوية والمميزات الأخرى).

فإذا كان لدى المؤسسة موظفون تصل أعدادهم إلى مائة أو أكثر (كما هو الحال في بعض مؤسسات المقاولات)، فقد تصل مكافأة نهاية الخدمة المفروضة على هذه المؤسسات إلى ملايين الريالات، وهو أمر لا تستطيع غالبية تلك المؤسسات تحملها، فتعلن إفلاسها.

هذا الأمر أدى بطبيعة الحال إلى توقف الكثير من تلك المؤسسات المتوسطة أو الصغيرة عن العمل، أو إفلاسها بالكامل، وبالتالي تورطها في قضايا عمالية مع موظفيها السابقين الذين وجدوا في هذه المؤسسات المتوسطة والصغيرة «بنوكاً» مفتوحة يغرفون منها ما استطاعوا من أموال، وهذا كله بالطبع على حساب عجلة نمو الاقتصاد الوطني والإضرار به.

والحقيقة أننا لا نفهم كيف تعطي الجهات المسؤولة عن سوق العمل، بما في ذلك وزارة العمل، لنفسها الحق في تقرير مدى ما يحصل عليه الموظف والعامل الوافد من مكافأة (نهاية الخدمة) وهي لا تعلم إطلاقا مدى مقدرة الموظف، وهل كان مُنجزاً في عمله أو مهملاً، أو كان مبدعاً أو بليداً، وهل كان مهتما بعمله أم غير مبالٍ، وهل كان مخلصاً للمؤسسة أم متلاعباً، وهل كان يهتم بسمعة المؤسسة وإنجازاتها أم فقط بما يحصل عليه من رواتب ومميزات، إلى آخر ذلك. الحقيقة أنه لا أحد يستطيع تقييم مدى كفاءة الموظف الوافد وإخلاصه لمؤسسته وإتقانه لعمله سوى رئيسه المباشر أو صاحب المؤسسة، فهم الوحيدون الذين يستطيعون تقرير إن كان هذا الوافد يستحق ما يسمى بمكافأة نهاية الخدمة من عدمه، وهم الوحيدون الذين يستطيعون تقدير قيمة تلك المكافأة ومدى استحقاق الموظف أو العامل الوافد، كما يحدث في غالبية الدول الغربية والصناعية وأمريكا (وحتى لا يقال كيف أعلم ذلك فقد كنت شخصياً أمتلك مكتباً هندسيا في إنجلترا ومكتبين آخرين في أمريكا في وقت من الأوقات).

أما أن تأتي جهة من خارج المؤسسة لا تعلم شيئاً عن أحوال المؤسسة وعن إنجازات موظفيها ومدى إتقانهم لعملهم وإخلاصهم للمنشأة التي يعملون بها، ثم تفرض عليها مايسمى بمكافأة نهاية الخدمة حسبما تراه وكيفما تراه هي، فهذا أمر تعسفي وغير منطقي، يضر بالمصلحة الوطنية ويجب إعادة النظر فيه.

وقد أدت مكافأة نهاية الخدمة للوافدين إلى إفلاس الكثير من المؤسسات والمنشآت الوطنية الصغيرة والمتوسطة، كما أنها أدّت إلى جعل الكثير من شبابنا الطموح الذي كان يفكر في البدء في مشروع تجاري صغير أو تأسيس مؤسسة أو منشأة مهنية أو تجارية أن يعيد النظر، بل ويحجم عن ذلك.

يجب علينا حقيقة إعادة دراسة هذا النظام وإعادة التفكير والنظر فيه بما يتناسب مع الأوضاع الحالية لاقتصاد بلادنا، وأوضاع مؤسساتنا الوطنية الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، وطموحات شباب هذا الوطن الكريم في تأسيس مشروعاتهم ومؤسساتهم بمختلف أنواعها وأحجامها، علماً بأن هذه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تمثل أهم عنصر من اقتصاديات أي بلد.

وفي هذا النظام الذي كان المفترض فيه أن يكون منصفا في حكم العلاقة بين المؤسسات وموظفيها الوافدين، توجد ثغرات يستغلها الكثير من الوافدين أسوأ استغلال. وأكثر هذه الثغرات غرابة هي إعطاء الحق للوافد، حتى وهو يسير في الطريق العام، أن يقدم شكوى لمكتب العمل والجهات القضائية العمالية عن طريق هاتفه الجوال ضد أي مؤسسة وطنية أو شركة أو صاحب عمل، دون إثباتات أو مبررات موثقة وصحيحة. بالطبع ينتج عن ذلك آلاف الشكاوى الكيدية والمضللة أو الكاذبة، التي تهدف فقط إلى عمليات ابتزازية رخيصة.

وهذه الشكاوى بكل أشكالها التي لا تكلف مقدمها أكثر من اتصال هاتفي، تضع عبئاً مرهقا، وتكاليف مالية كبيرة على الجهاز القضائي والعاملين فيه.

كان الأمر سيكون أفضل بكثير لو تم فرض مبلغ خمسة أو عشرة آلاف ريال يضعها مقدم الشكوى كضمان لجدية الشكوى، ويستعيدها صاحب الشكوى إن كانت قضيته لها ما يبررها، وإلا تبقى في خزينة الجهاز القضائي كجزء من مصاريف القضية التي يجب أن يتحملها صاحب الشكوى إن خسر القضية أو ثبت أنها شكوى غير مبررة أو كيدية نظامياً وقانونياً.

بمثل هذا يمكن الحد من آلاف القضايا أو الشكاوى التي تقدم للمحاكم العمالية بدون سند قانوني أو لمجرد محاولة الابتزاز والإزعاج. والله من وراء القصد.
00:13 | 31-03-2021

معاناة المؤسسات الوطنية مع نظام مكافأة نهاية الخدمة (2/1)

بعض أنظمتنا المحلية تمت تجربتها وتطبيقها لعدة سنوات، ورغم اتضاح نواقصها ومشاكلها لم يتم تحديثها أو إعادة النظر فيها، حتى الآن.

من هذه الأنظمة مثلاً نظام مكافأة نهاية الخدمة للعمالة والموظفين الوافدين. وقد وُضع هذا النظام بعد إلغاء رسوم التأمينات الاجتماعية على الوافدين وإلغاء وضعهم تحت مظلة التأمينات الاجتماعية حتى بعد مغادرتهم أرض الوطن إلى بلادهم. بالطبع كان ذلك نظاماً سيئاً ومجحفاً لخزينة الدولة، وكان لابد من إلغائه أو إيجاد البديل المناسب له.

لا جدال في أن المواطن السعودي الذي يعمل في القطاع الخاص (أو العام) يستحق من صاحب العمل كل عناية واهتمام، ويستحق أن يحصل على مكافأة نهاية الخدمة حسب النظام والقانون. فهذه هي بلده التي لا غنى له عنها ولا غنى لها عنه، وهي ملجأه الأول والأخير، وليس له بلد آخر يأوي إليه. بل هو سيبقى كل حياته في بلده يحاول جاهدا توفير سبل العيش الكريم لأهله وعائلته ولنفسه.

لذا فمن الطبيعي أن يحصل المواطن السعودي الذي يعمل في القطاع الخاص أو العام على الدعم المناسب في وطنه من كلا القطاعين، وأن يكون مطمئنا في حياته مع عائلته عندما يبلغ سن التقاعد أو يتوقف عن العمل والإنتاج لأي سبب خارج عن إرادته.

فهذا المواطن العامل في القطاع الخاص عليه أن يدفع اشتراكا شهريا في التأمينات الاجتماعية، وتأمينا صحيا له ولعائلته، ومصاريف مدارس أو جامعات لأبنائه، وتكاليف حياة خاصة واجتماعية لائقة في بلده وأمام أقاربه ومعارفه، وعليه أن يظهر دائماً باللبس والمظهر اللذين يليقان به هو وأبناؤه وعائلته. لا يوجد مكان آخر يمكن أن يوفر للمواطن السعودي العامل في القطاع الخاص (أو العام) كل هذه الضروريات لحياة كريمة سوى وطنه وبيته الكبير بين أهله وعشيرته. أضف إلى ذلك أنه يصرف كل دخله ومدخراته داخل وطنه وضمن عجلة الاقتصاد الوطني المحلي.

لا ننكر بالطبع أن هناك أيضاً متطلبات وضروريات للوافد المقيم العامل في القطاع الخاص لكي يعمل وينتج في بلادنا، ولكي يمارس حياته الطبيعية ويتمتع بالعيش الكريم في البلد المضيف. ولكن أعباء هذه المتطلبات المعيشية للوافد المقيم لا يمكن أن تكون بنفس التكلفة والاعتبارات التي يتحملها المواطن، ولا تتساوى معها بأي شكل من الأشكال. فالوافد المقيم عادة يصرف أقل القليل من دخله داخل البلد المضيف، ويقوم بتحويل الجزء الأكبر من دخله إلى خارج البلاد، ولذلك هو لا يساهم في عجلة الاقتصاد الوطني إلا بأقل القليل، فهو قد جاء إلى بلادنا بهدف الحصول على عمل وتوفير أكبر دخل ممكن لفترة محدودة (طالت أو قصرت) يغادرنا بعدها إلى بلاده معززا مكرما.

كل هذا يدعونا للتساؤل، لماذا يُجبر صاحب العمل في القطاع الخاص بتسديد ما يسمى مكافأة نهاية الخدمة لموظفيه وعامليه من الوافدين؟ فقبل كل شيء هذا الوافد يعمل مقابل راتب شهري مجزٍ في العادة لا يمكن أن يحصل عليه في بلاده، ويحصل أيضا على تأمين صحي واجتماعي من صاحب العمل، ويحصل عادة على شهر كامل كعطلة سنوية مدفوعة الأجر (علماً بأن العطلة السنوية في الدول المتقدمة والصناعية لا تزيد عادة على أسبوعين). كما يحصل الوافد مع عطلته السنوية في معظم الحالات على تذكرة سفر ذهابا وعودة لكي يقضي العطلة في بلاده، وأيضاً يحصل على مكافآت مقطوعة في بعض المؤسسات خلال الأعياد والمناسبات، وعلى بدل سكن ومواصلات في كثير من الحالات. بل إن بعض الشركات الكبرى تمنح الموظف الوافد علاوات سنوية وبدل دراسة لأبنائه وبناته، وكثيرا من المميزات التي لا يحصل عليها المواطن العامل في القطاع الخاص أو العام.

أصحاب الأعمال في القطاع الخاص يعلمون أيضاً جيداً أن غالبية هؤلاء الموظفين الوافدين تخرجوا من جامعاتهم المحلية بتقديرات علمية متواضعة تراوح بين المقبول والجيد على الأكثر في مختلف تخصصاتهم، وأنهم غالباً ليسوا من النوابغ بين أبناء بلدهم وإلا لبقوا وعملوا بها.

في ضوء هذا كله، لا أدري ما هي الحكمة في نظام فرض مكافأة نهاية الخدمة للموظفين والعاملين في القطاع الخاص، خاصة إذا علمنا أن هذه المكافأة قد تصل في كثير من الأحيان إلى مئات الألوف من الريالات يتوجب على صاحب العمل تسديدها للموظف الوافد عند إنهاء خدماته!

ويحدث كثيراً أن يقضي بعض العاملين الوافدين في القطاع الخاص عدة سنوات في مؤسسة وطنية صغيرة، التحق بها مقابل راتب صغير لا يتعدى بضعة آلاف من الريالات، ثم ارتفع راتبه بعد عدة سنوات بسبب العلاوات والبدلات إلى قرابة عشرة آلاف ريال أو أكثر. وبعد عدة سنوات، عندما يحاول صاحب العمل أن يتخلص من بعض هؤلاء الوافدين بسبب القصور في العمل أو تقلص أعمال المؤسسة أو المنشأة، تحتسب مكافأة نهاية الخدمة ليس على أساس الراتب الذي بدأ به أو متوسط راتبه على مدى الأعوام، وإنما بحساب آخر راتب تحصل عليه والذي قد يصل إلى عشرة آلاف ريال أو أكثر.

(للحديث بقية)

كاتب سعودي
00:03 | 24-03-2021