أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1416.jpg&w=220&q=100&f=webp

نوفل ضو

ما بعد حرب غزة

للمرة الأولى في تاريخ العرب، وتاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، وتاريخ القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من هول المآسي التي يشهدها قطاع غزة، والأثمان الباهظة التي يدفعها أطفاله ومواطنوه، وبناه التحتية والفوقية بفعل الهمجية الإسرائيلية، تلوح في الأفق بارقة أمل جدية للانتقال من زمن الحروب إلى زمن السلام العادل والشامل.

فقد أظهرت الأسابيع القليلة الماضية أن الدبلوماسية العربية بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر ومصر والأردن، انتقلت إلى مرحلة من الفاعلية والتأثير والقدرة على التعامل مع مراكز القرار الدولي على نحو لم يكن متوافراً على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية.

ويعود الفضل في ذلك إلى جيل من القادة الجدد وفي مقدمتهم ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان برعاية ومباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، الذين يتبنون استراتيجية تتصف بالحزم والوعي والانفتاح مبنية على فهم عميق للنظام العالمي ومتطلبات التفاعل معه والتأثير فيه بعيدا عن الأيديولوجيات والشعارات التي طبعت العمل العربي في القرن الماضي.

لقد دفعت الشعوب العربية غالياً، على مدى أكثر من سبعة عقود، ثمن التموضعات والاصطفافات تحت شعار «محاربة الامبريالية والاستعمار والغرب» في ظل الصراع السوفييتي الغربي، في وقت تفردت إسرائيل بالتأثير في مواقع القرار الدولي ولاسيما الولايات المتحدة الامريكية وأوروبا، مع الحفاظ على حد مقبول من العلاقة بالمحور الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي وبالصين.

وأدى إصرار «الأيديولوجيات العربية» على التحكم والتفرد بإدارة الصراع مع إسرائيل إلى نكبات ونكسات وهزائم، دفعت الدول العربية وشعوبها ثمنها فقراً وبؤساً وموتاً وخراباً وعجزاً عن اللحاق بركاب التطور العالمي، من دون أن تنجح في استعادة الحقوق الفلسطينية وتحرير الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل باستثناء سيناء التي استعادتها مصر من خلال اتفاقات كمب دايفيد بعدما استثمرت نتائج حرب 1973.

ومع سقوط الاتحاد السوفييتي ومعه الأنظمة الأيديولوجية العربية، سعت «الأيديولوجيات الدينية» المتطرفة السنية والشيعية والمسيحية واليهودية إلى وراثة «الأيديولوجيات السياسية» مستغلة ما عرف بصراع الحضارات والحروب الدينية. لكن الوعي العربي انطلاقاً من دول مجلس التعاون الخليجي ولاسيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كان لهذه الأيديولوجيات بالمرصاد من خلال استراتيجيات الانفتاح والحوار والتسامح والأخوة الإنسانية والسلام العالمي، ومن خلال الرؤى التنموية والإعمارية الداخلية التي واكبت العولمة والتي تواكب المتغيرات المتسارعة في بنية النظام العالمي وأسسه.

لقد بات بالإمكان في ضوء هذه التطورات العربية الحديث عن أسس صلبة لـ«نظام عربي جديد» يواكب ولادة النظام العالمي الجديد ويحجز فيه موقعاً متقدماً وفاعلاً ومؤثراً للعرب لم يكن لهم في النظام العالمي الذي ولد بعد الحرب العالمية الثانية.

فـ«العروبة الجديدة» المواكبة للمتغيرات الدولية باتت اليوم حاضرة في قلب مواقع القرار الأمريكي والروسي والصيني والأوروبي، يواكبها رأي عام دولي لم تعد إسرائيل قادرة على تسييره والتحكم باتجاهاته كما تريد...

في المقابل فإن إسرائيل الغارقة في أيديولوجية تأسست عليها، تكتشف يوماً بعد يوم أن التوسع الجغرافي واحتلال الأراضي وما تسميه المدى الحيوي الجغرافي لم يعد صالحاً لحمايتها وضمان وجودها بفعل التطور في مدى الصواريخ والمسيرات. وحده السلام العادل والشامل، والاعتراف للفلسطينيين بحقهم في دولة مستقلة، يجعلها دولة مقبولة وقادرة على العيش في محيطها العربي الواسع.

من هنا يمكن القول إن «العروبة الجديدة» المتمثلة بمنظومة دول (6+2) أي دول مجلس التعاون الخليجي الست وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، مع مصر والأردن تشكل اليوم الأساس الصلب لرؤية شرق أوسطية حديثة ولنظام إقليمي جديد يواكب النظام العالمي ويساهم في بناء حضارة السلام والاستقرار والتنمية المستدامة. والدول والشعوب العربية وغير العربية التي لا تزال غارقة في متاهات المشاريع الأيديولوجية وأوهام استعادة الزمن الغابر للإمبراطوريات التوسعية، أو التي تدفع ثمن هذه المشاريع، مدعوة لصحوة حضارية وثقافية وسياسية تكون مظلة سياسية لـ«مشروع مارشال» عربي لإعادة البناء في فلسطين الدولة الناشئة، ولبنان وسورية والعراق واليمن وليبيا والسودان وغيرها من الدول المأزومة، في الطريق إلى بناء «أوروبا جديدة» خلال السنوات الخمسين المقبلة كما وصفها ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان. تفويت أصحاب القرار الإقليمي والدولي هذه الفرصة التاريخية جريمة في حق الأجيال الطالعة والإنسانية جمعاء.
00:06 | 30-11-2023

الاتفاق السعودي الإيراني والمصالح العربية

مع انهيار الاتحاد السوفياتي، ومعه النظام العربي القديم الذي كان يتكل عليه، سعت الأيديولوجيات الدينية والعرقية لملء فراغ الأيديولوجيات القومية بفروعها، فنجحت بعض الدول بغض نظر أو تواطؤ أو عجز أمريكي - أوروبي، في التمدد والتغلغل عبر أذرعها في بعض الدول العربية من خلال التحريض المذهبي أو تنظيم الإخوان المسلمين.

وعت دول مجلس التعاون الخليجي بقيادة المملكة العربية السعودية خطورة غياب «المشروع العربي» عن الشرق الأوسط الذي بات فريسة لأطماع سياسية، فأطلق الأمير محمد بن سلمان في العام 2016 «رؤية 2030» التي باتت البوصلة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية للإستراتيجيات والقرارات التي تعتمدها المملكة على الصعد الداخلية والإقليمية والدولية.

ومنذ ذلك الوقت، دخلت المملكة العربية السعودية عصرا جديدا باتت فيه أهداف «رؤية 2030» هي القاعدة الناظمة لعلاقات المملكة مع محيطها والعالم، ولم يعد من الممكن فهم «المملكة الجديدة» والتعاطي معها بفاعلية ونجاح إلا في ضوء مسار رؤيتها. ويخطئ من يعتبر «رؤية 2030» مجرد مجموعة من المشاريع الاقتصادية والاستثمارية المحلية الهادفة إلى إطلاق ورشة تجديدية وتنموية. ذلك أن الرؤية هي نموذج متكامل تضعه المملكة العربية السعودية كخيار إستراتيجي في تصرف كل الدول العربية للانتقال الجماعي من «عصر الأيديولوجيا» الذي طبع القرن الماضي إلى «عصر التكنولوجيا» الذي يطبع القرن الحالي. وقد عبر الأمير محمد بن سلمان عن هذه المقاربة بقوله: «أطمح لرؤية الشرق الأوسط في السنوات المقبلة أوروبا جديدة»، فشرّع الأبواب أمام كل الدول العربية، لاسيما المأزومة منها، للخروج من أزماتها ومشاكلها السياسية والاقتصادية والأمنية من خلال الشراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي في بناء «نظام عربي» جديد يواكب العولمة ويكون شريكا كاملا وفاعلا في بناء «نظام عالمي» جديد يحفظ للعرب حقوقهم ومصالحهم ودورهم.

وترجمت المملكة العربية السعودية رؤيتها في مجال السياسة الخارجية التي قامت على أسس جديدة ومتوازنة ومتكافئة تحفظ المصالح العربية بعيدا عن الأحلاف والمحاور الدولية المتصارعة التي تموضع فيها العرب في القرن الماضي، والتي تسببت بحروب ونكبات وصراعات وانقلابات ومؤامرات أفقرت الشعوب العربية وأفقدت مجتمعاتها الاستقرار والتنمية لعقود طويلة. وهكذا حرصت المملكة العربية السعودية على تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية من دون خضوع، وعلى صداقتها مع روسيا من دون تبعية، وعلى شراكتها مع الصين من دون ارتهان، وعلى تفاعلها الحضاري مع أوروبا من دون تنازلات عن القيم الاجتماعية والأخلاقية والثقافية... ومدت المملكة يدها للتعاون إلى الهند واليابان والبرازيل وكوريا الجنوبية وغيرها من دول العالم.

وترجمت هذه السياسة بمجموعة من القمم الدولية – الخليجية – العربية على أرض المملكة وضعت خلالها الأسس الجديدة للعلاقات العربية الدولية.

وعلى الصعيد الإقليمي، لم يقتصر مد اليد السعودية للتعاون مع الدول العربية وفي مقدمها: مصر وتونس والعراق والأردن والسودان وسوريا ولبنان وغيرها من الدول، بل شمل كلا من تركيا وإيران.

فمنذ إعلان رؤية 2030 حرص الأمير محمد بن سلمان على التأكيد بأن المملكة مستعدة للتعاون السياسي والاقتصادي مع إيران، متى قرر نظام طهران التخلي عن «تصدير الثورة».

كما حرص على توجيه الرسائل المتلاحقة إلى تركيا بالاستعداد للتعاون السياسي والاقتصادي والإستراتيجي متى تخلت عن مشاريعها التوسعية في استعادة نفوذ «الإمبراطورية العثمانية» ودعم «الإخوان المسلمين» في الدول العربية.

وبمجرد تخلي تركيا عن استهداف المملكة العربية السعودية سياسيا وأمنيا وإعلاميا قبل أشهر، ردت المملكة بمد اليد فكان تبادل الزيارات الرسمية، وفتحت صفحة جديدة من العلاقات السياسية والاقتصادية والاستثمارية مع تركيا، فاستعيد التبادل التجاري بين البلدين .

والمهم أن ما قامت به المملكة مع تركيا لم يكن من زاوية حفظ مصالحها الخاصة فقط، وإنما شمل كذلك حفظ مصالح مصر وليبيا من خلال الحد من التدخل التركي المباشر وغير المباشر في شؤونهما الداخلية.

وما ينطبق على ترميم العلاقات السعودية التركية، ينطبق على الاتفاق السعودي الإيراني، برعاية صينية، على استئناف قريب للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

فالمملكة العربية السعودية التي عملت جاهدة، على مدى سنوات، مع دول مجلس التعاون الخليجي لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بضرورة إشراك الدول العربية في المفاوضات النووية مع إيران لضمان المصالح العربية في أي اتفاق إيراني دولي، ووجهت برفض أمريكي – فرنسي لاقتراحها، ومضت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا خصوصا في تفردهما في محاولات صياغة الصفقات وحياكة التسويات في شأن البرنامج النووي الإيراني الذي يهدد المجتمع الدولي. فكان من الطبيعي أن تستخدم المملكة علاقاتها الدولية مع الصين في محاولة، ليس لحماية المصالح السعودية حصرا كما يسوّق البعض عن سوء نية أو عن جهل بالواقع، وإنما لضمان مصالح كل الدول العربية التي تعاني من التدخلات والتهديدات .

وعلى غرار اتفاقها مع تركيا الذي تضمن تعهدا تركيا بعدم استخدام أذرع الإخوان المسلمين لتقويض استقرار الدول العربية، حرصت المملكة العربية السعودية على تضمين اتفاقها مع إيران برعاية صينية «التأكيد على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية»، وهو ما يعتبر حماية لسيادة كل من لبنان وسوريا والعراق واليمن .

إن قراءة أي موقف أو قرار أو خطوة سعودية بمعزل عن أهداف وتطلعات «رؤية 2030» سيؤدي بأصحابه إلى أخطاء في التقدير والاستنتاجات. فالمملكة تتطلع إلى «الشرق الأوسط أوروبا جديدة»، وكل خياراتها وقراراتها تصب في هذا الاتجاه. وبالتالي فإن الحديث عن صفقات سعودية مع إيران أو غيرها على حساب الدول العربية وسيادتها واستقلالها وعلى حساب «المشروع العربي» و«النظام العربي الجديد» الذي يعتبر إستراتيجية سعودية للعقود المقبلة، يعكس عدم فهم لـ«المملكة الجديدة» سيرتد على أصحابه بمزيد من الخسائر. والمملكة التي تتحمل مسؤولياتها في خلق الفرص الدبلوماسية والاقتصادية لمنطقة أكثر استقرارا ولعالم أكثر توازنا، لن تكون في وارد إضعاف الموقف العربي ، ولكنها في الوقت ذاته ليست في وارد الحلول محل القيادات المحلية في أي دولة عربية، لا سيما لبنان وسوريا والعراق واليمن في حسم خياراتها، وفي القيام بما عليها القيام به من خطوات ومبادرات وإصلاحات لملاقاتها في منتصف الطريق.
00:01 | 13-03-2023

رؤية 2030 والنموذج العربي الواعد

تابعت باهتمام كبير، كما الكثير من اللبنانيين والعرب، المقابلة التلفزيونية لولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان بمناسبة السنة الخامسة على انطلاقة «رؤية 2030». وقد نجح الأمير الشاب، من حيث الشكل، في حبس أنفاس متابعيه على مدى ساعة ونصف الساعة كانت مليئة بما يفتقده اللبنانيون وشعوب عربية أخرى في إداء سياسييهم من كاريزما وشفافية وجرأة وصراحة وواقعية وسعة اطلاع وفهم عميق للتاريخ ومعانيه، والحاضر ومتطلباته، ونظرة ثاقبة وواعدة إلى مستقبل مشرق وسط العواصف والتحديات الإقليمية والمتغيرات الدولية المتلاحقة والمتسارعة.

وجاءت ردات الفعل العربية والدولية المرحبة بما جاء على لسان الأمير محمد بن سلمان لتثبت بأن نظرته الاستراتيجية وصفاته القيادية باتت تتجاوز حدود المملكة العربية السعودية الشقيقة، بحيث أصبح الرمز الشبابي، والنموذج القيادي، والأمل الواعد الذي يتعلق به كل إنسان عربي يتطلع إلى حياة كريمة في دولة تؤمن لشعبها الرفاه والاستقرار السياسي والأمني والاجتماعي، والازدهار الاقتصادي، والبيئة الإصلاحية والمؤسساتية المطلوبة لمواكبة العولمة من موقع الشراكة الفاعلة في تقدم الإنسانية.

ولا نكشف سرّاً إن قلنا، بأن شريحة واسعة من الشعب اللبناني الذي يعاني من سوء الحوكمة والفساد والهدر وسوء الإدارة والأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وترهل مؤسسات الدولة، وتداعيات فقدان السيادة على الأرض والقرارات الوطنية نتيجة تمدّد المشروع الإيراني المزعزع لاستقرار لبنان وعدد من دول المنطقة، تردّد في مجال مقاربتها للحلول عبارة: «لا خلاص لنا إلا بمحمد بن سلمان» لبناني يجتث الفساد من جذوره بلا حسابات واعتبارات ضيّقة، ويقود مسيرة إصلاحية توصل إلى مواقع القرار قيادات شابة ومندفعة وشغوفة في ترجمة أماني الناس وتطلعاتها إلى الثقافة والعلم والحداثة والتطور والتنمية البشرية والاجتماعية والاقتصادية المستدامة، وصولاً الى ولوج العولمة من بابها الواسع مع الحفاظ على الخصوصيات والعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية والدينية السمحاء.

أما من حيث المضمون، فقد أظهر الأمير محمد بن سلمان معرفة عميقة بكل الملفات المتعلقة بـ«رؤية 2030» مستشهداً، بسلاسة ووضوح، ومن دون مراجعة أي مستند مكتوب، بنحو 190 رقماً تعكس متابعة لصيقة ومواكبة يومية لأدق التفاصيل المتعلقة بكل قطاع من القطاعات التي تشملها الرؤية، بهدف تصويب المسار حيث يجب، وتفعيل الإيجابيات، ومعالجة العراقيل التي تسببت بها ظروف استثنائية كجائحة كورونا التي تركت إثاراً تباطؤية على اقتصادات العالم، وموازنات الدول ومشاريعها.

وبعد ساعة كاملة من الغوص في الأرقام والتحليلات المبسطة وعرض النتائج التي تحققت على مدى خمس سنوات، في ما يشبه «كشف الحساب» وممارسة أرقى درجات الشراكة الشفافة بين الحاكم وشعبه، انتقل الأمير محمد بن سلمان خلال نصف الساعة الأخير من المقابلة إلى شرح «الغطاء السياسي» الداخلي والإقليمي والدولي الضروري لنجاح «رؤية 2030» وأي رؤية اقتصادية تنموية مماثلة، فأسهب في شرح معاني الإسلام الصحيح القائم على الاعتدال والانفتاح والحوار ومحاربة التطرف والإرهاب والفكر الضال وفقاً لما ينص عليه القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة المثبتة، والاجتهاد الواعي الضروري لمواكبة الحداثة وتطور الإنسانية.

وعلى الصعيد الإقليمي، عبّر الأمير محمد بن سلمان عن نظرة المملكة الاستراتيجية وتطلعها إلى استقرار ثابت يكون قاعدة للازدهار ولعلاقات الصداقة والتعاون وحسن الجوار حتى مع إيران التي دعاها لإعادة النظر في مشروعها النووي وصواريخها الباليستية ودور أذرعها في استهداف الأمن الإقليمي والدولي. وتوجه إلى الحوثيين في اليمن، داعياً إياهم إلى التصرف كيمنيين بالدرجة الأولى والأخذ في الاعتبار مصلحة بلادهم وشعبهم في وقف الحرب والانتقال إلى رحاب الحلول السلمية على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة والمبادرة السعودية للحل في اليمن.

وعلى الصعيد الدولي، شرح الأمير محمد بن سلمان العلاقة التاريخية الاستراتيجية التي ربطت المملكة العربية السعودية بالولايات المتحدة الأمريكية على مدى ثمانين عاماً مضت، مبدياً التمسك بتطوير هذه العلاقات ومعالجة التباينات، في موازاة الانفتاح على توثيق العلاقات الندية مع روسيا والصين وأوروبا وكل القوى الإقليمية والدولية الفاعلة.

باختصار، قدم الأمير الشاب لشعبه خارطة طريق إلى التقدم والازدهار والعيش الكريم، من خلال شبكة أمان سياسي داخلي وإقليمي ودولي تشكل استراتيجية متكاملة تنقل المملكة والمنطقة إلى عصر جديد من التعاون والتكامل والشراكة المتكافئة.

والأهم أنه قدّم نموذجاً صالحاً لأبعد من حدود المملكة العربية السعودية، لا بدّ أنه سيثير اهتمام الشعوب التواقة إلى السلام والاستقرار والازدهار والتقدم، فبدا «المثل والمثال» لما تطمح إليه هذه الشعوب من قيادات جديدة ومشاريع واعدة لبناء البشر والحجر، بديلاً عن مشاريع الحروب وتوظيف الثروات الوطنية في سباق التسلح والتوسع والهيمنة التي تزعزع استقرار المنطقة والعالم.

ومع هذه المقابلة التلفزيونية، تذكّر اللبنانيون والعرب الغارقون في الحروب والأزمات قول الأمير محمد بن سلمان قبل سنوات بأن حلمه هو رؤية الشرق الأوسط «أوروبا جديدة»، وأحسّوا بأن مثل هذا الحلم بات قابلاً للترجمة على أرض الواقع من خلال «النموذج» الذي يقدمه ولي عهد المملكة العربية السعودية إذا توافرت النوايا المطلوبة والإرادة الصلبة في بناء شراكة عربية استراتيجية على أسس جديدة تأخذ في الاعتبار ما شهده العالم خلال العقود الثلاثة الماضية من متغيّرات وما تحتاج إليه الدول والشعوب العربية من مواكبة لهذه المتغيرات.
22:45 | 8-05-2021

ساعة الحقيقة

لم يترك الساسة اللبنانيون، على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، أسلوباً من أساليب المساومة أو التسوية أو التنازل إلا واعتمدوه في التعاطي مع المشروع الإيراني في لبنان.

فباسم «لبننة» حزب الله كان التخلي عام 2005، عن قرار مجلس الأمن الدولي 1559 الذي ينص على نزع السلاح غير الشرعي، وكانت مقولة إن «سلاح الحزب مسألة لبنانية داخلية تحل بالحوار»، وكان التفاهم الرباعي بين الحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل وحركة أمل وحزب الله عشية الانتخابات النيابية مما سمح لحزب الله بتحضير نفسه لثورة مضادة لثورة الأرز وانتفاضة الاستقلال وللانقلاب على الدولة اللبنانية ومؤسساتها الدستورية والشرعية.

ومن خلال التلطي بطاولة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري استدرج حزب الله المنظومة السياسية في لبنان إلى تغطية حربه مع إسرائيل عام 2006، التي انتهت بقرار مجلس الأمن الدولي 1701. لكن حزب الله انقلب مرة جديدة على الحكومة اللبنانية وعلى القرار 1701 وارتد إلى الداخل باسم «انتصار إلهي» مزعوم، ومنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وعطل المجلس النيابي، وحاول شل عمل الحكومة، واحتل بيروت في 7 أيار 2008.

وباسم «اتفاق الدوحة» وافقت المنظومة السياسية في لبنان على ضرب الدستور ومنح حزب الله الثلث المعطل في الحكومة في سابقة جعل منها حزب الله «قاعدة» تسمح له بالتحكم بقرارات الدولة اللبنانية السيادية.

وباسم «الوفاق الوطني»، تمّ تجاوز نتائج الانتخابات النيابية في العام 2009 عندما قرر الشعب اللبناني منح الأكثرية النيابية لقوى 14 آذار، فتمّ إشراك كل من حزب الله وحلفائه في الحكومة بالثلث المعطل الذي سمح لأذرع المشروع الإيراني في لبنان بالانقلاب مرة جديدة على نتائج الانتخابات وإسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري وفرض حكومة من لون واحد (8 آذار) بعدما منع استعراض القمصان السود في بيروت الأكثرية النيابية من إعادة تسمية الرئيس الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، وكان التدخل العسكري لحزب الله في سوريا واليمن والعراق والبحرين وغيرها من الدول العربية خدمة لمشروع الهيمنة الإيرانية على دول المنطقة من خلال زعزعة استقرارها!

وباسم «الحفاظ على السلم الأهلي»، كانت نظرية «ربط النزاع» مع حزب الله مع بدء عمل المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه التي افتتحت أعمالها لمحاكمة كوادر من حزب الله في التخطيط للجريمة وتنفيذها. وقد تجدد العمل بهذه النظرية مع صدور الحكم المبرم بإدانة أحد كوادر حزب الله سليم عياش في هذه الجريمة.

وباسم الإنقاذ «الاقتصادي والمؤسساتي» و«استعادة الاستقرار السياسي والأمني» و«نقل العماد ميشال عون من موقع التحالف مع حزب الله الى موقع وسطي» كانت تسوية انتخاب المرشح الوحيد لحزب الله العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية التي شاركت فيها معظم الأحزاب والتيارات والقوى السياسية والحزبية على قاعدة تقاسم المناصب الرئاسية والحكومية والنيابية والإدارية مع التخلي عن القرارات السيادية في الأمن والسياسة الخارجية لحزب الله والمشروع الإيراني في لبنان.

وباسم «الديموقراطية وتداول السلطة وإعادة إنتاجها» رضخ أركان التسوية جميعهم لقانون انتخاب على قاعدة النسبية سمح لحزب الله وحلفائه بالحصول على الأكثرية النيابية، في مقابل محاصصات لا تصرف إلا في الصراعات الداخلية على السلطة، ليطبق بذلك منفرداً ودستورياً على السلطتين التنفيذية والتشريعية للمرة الأولى في تاريخ لبنان!

وباسم «الإنقاذ المالي والاقتصادي» يحاول معظم السياسيين في لبنان إعادة إنتاج التسوية بشروط جديدة تتغير فيها بعض الأسماء والوجوه، لكنها تثبت سيطرة حزب الله على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وكأن خمس عشرة سنة من «التجارب» لم تكفِ لاستخلاص العبر من الفشل المتراكم وتغيير المسارات التنازلية والتسوَوية، على الرغم مما وصل إليه لبنان من انهيار داخلي وثورة شعبية وعزلة عربية وعقوبات دولية!

منذ العام 2005، اختارت الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان عدم الاستماع إلى النصائح العربية والدولية، والتخلي عن تاريخ لبنان وموقعه الطبيعي في قلب العالمين العربي والحر، وفضلت المساومة مع المشروع الإيراني على حساب الهوية والسيادة والحاضر والمستقبل، وعلى حساب الأمن القومي اللبناني والعربي، واختارت التموضع في محور الدول المارقة والخارجة عن القانون الدولي الذي تقوده إيران، بحجة الحفاظ على الاستقرار الذي لم يبق منه شيء لا اجتماعيا ولا اقتصاديا ولا سياسيا ولا أمنيا!

ومع ذلك، تستمر المكابرة، ويتواصل اللعب على الوقت، من دون أن يخرج من بين الطبقة السياسية من يتحلى بالجرأة الأدبية والمعنوية والسياسية والوطنية ليجاهر بالحقيقة ويدعو إلى وقف لعبة الموت الإيرانية وإلى العودة إلى منظومة الشرعيتين العربية والدولية كمدخل إلزامي لاستعادة الشرعية اللبنانية من مخالب إيران ومنظومتها المحلية!

لقد آن أوان الخروج من الأوهام، ودقت ساعة الحقيقة التي يعترف فيها الساسة اللبنانيون بفشلهم وفشل رهاناتهم تاركين الساحة لطبقة سياسية جديدة تؤمن بتضامن لبنان الكامل وتفاهمه المطلق مع محيطه العربي واندماجه في الاستراتيجية العربية التي ستعتمدها كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وغيرها من الدول العربية لمواجهة الاستحقاقات الإقليمية والدولية المتمثلة بالتصدي للتطرف الإيراني والتركي ولمشاريعهما التوسعية في لبنان ودول المنطقة. فمثل هذا الخيار الواضح عشية المتغيرات الدولية المحتملة الناجمة عن الانتخابات الأمريكية هو المدخل الوحيد والحصري والأقل كلفة على اللبنانيين ومؤسساتهم العامة والخاصة لاستعادة عافية لبنان وشعبه ولمعالجة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية ووقف الانهيار!

سياسي وصحافي لبناني

naufaldaou@
00:05 | 10-11-2020

البديل المطلوب لسراب «النأي بالنفس»

لقد آن الأوان للاعتراف بكل شجاعة أدبية وواقعية سياسية بأن سياسة «النأي بالنفس» التي تكرر الحكومة اللبنانية -بالقول لا بالفعل- بأنها ستعتمدها في التعاطي مع الأزمات والحروب الإقليمية، فشلت في الحفاظ على مصالح لبنان الإستراتيجية وتحقيق الحد المطلوب من الاستقرار الأمني والسياسي والإقتصادي في لبنان.

فهذه السياسة التي كان يفترض أن تنأى بلبنان عن الصراع العسكري في سوريا واليمن وعن التدخلات الأمنية التي يقوم بها حزب الله في العراق والبحرين وغيرهما، انتهت بنأي الحكومة اللبنانية بنفسها عن مسؤولياتها وواجباتها في تطبيق الدستور اللبناني لناحية صلاحية مجلس الوزراء وحده في رسم السياسات في المجالات كافة وتطبيقها باسم الدولة اللبنانية، في حين يواصل حزب الله التحرك عسكريا وإعلاميا وسياسيا بما لا علاقة له لا بالنأي بالنفس ولا بقناعات شرائح واسعة من الشعب اللبناني ترفض ربط لبنان بالمشروع الإيراني في المنطقة.

وتقضي الصراحة والجرأة بالاعتراف بأن معظم القادة السياسيين والحزبيين اللبنانيين الذين يتولون مسؤوليات رسمية أو أولئك الذين يطمحون لتولي مثل هذه المسؤوليات في المستقبل ساروا ويسيرون في ركاب إستراتيجية «حزب الله» المحلية للتعاطي مع الوضع اللبناني الداخلي، فحوّلوا ويحوّلون أنظارهم عن الأمر الواقع الذي يفرضه «حزب الله» على اللبنانيين من خلال قتاله في سوريا واليمن والعراق ونشاطه الأمني والسياسي والإعلامي ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين والكويت وغيرها من الدول العربية التي تواجه التوسع الإيراني في العالم العربي، كثمن سياسي يسددونه لحزب الله في إطار تسوية قضت بالإحجام عن مواجهة عملية لتدخل الحزب في العالم العربي في مقابل قبوله بدور سياسي لهم على المستويات الرئاسية والوزارية والنيابية!

لقد سلم أهل السلطة عندنا، وربما استسلموا، لإستراتيجية حزب الله القاضية بربط سياسة لبنان الخارجية والدفاعية ودوره الإقليمي واستقراره السياسي والاجتماعي والاقتصادي بالمشروع الإيراني على حساب الهوية التاريخية للبنان وعلى حساب المصالح الإستراتيجية العربية. إنه واقع تثبته السياسات والمواقف والتصرفات، وليس مجرد اتهامات عادة ما يتبادلها الخصوم السياسيون. فحزب الله يجاهر بذلك من خلال خطب أمينه العام حسن نصرالله ومن خلال إعلامه ومواقف مسؤوليه، والأهم ميدانيا من خلال إيواء معارضين في بيروت وتأمين الملجأ لإعلامهم ومؤتمراتهم، كما من خلال مقاتليه وخلاياه الأمنية وخبرائه المنتشرين من لبنان إلى اليمن مرورا بسوريا والعراق والبحرين وربما الكويت ومصر والإمارات العربية المتحدة والأردن وغيرها من الدول العربية!

إن الجرأة تتطلب إقرارا بما نحن فيه وعليه، ووقف سياسة إنكار الواقع والهروب إلى الأمام والبحث عن تبريرات لا تستعيد استقلالا منقوصاً ولا تحيي حرية مستباحة ولا تسترد سيادة وطنية مصادرة!

والأهم فإن الجرأة تفرض على اللبنانيين البحث عن بديل لسياسة «النأي بالنفس» التي سلمت لبنان بقراره وشعبه وخياراته ومصالحه الإستراتيجية لحزب الله والمشروع الإيراني.

ومع الاعتراف المسبق بأن اعتماد البديل ليس بالسهولة التي يتميز بها تحديد هذا البديل نظريا على اعتبار أن لبنان بأرضه وشعبه ومؤسساته الدستورية وشرعيته «أسير حرب» لدى حزب الله وإيران، فإن ذلك لا يجوز أن يحول دون ولادة «مقاومة» سياسية فكرية ثقافية حضارية ديموقراطية تواجه احتلال السلاح غير الشرعي وتعيد لبنان إلى موقعه الطبيعي في بيئته العربية. إن مثل هذه «المقاومة» تتعدى إطار «الخيار الممكن» إلى إطار «الواجب» المطلوب في أسرع وقت. فلم يعد مقبولا ولا جائزا الرضوخ لمعادلة مقايضة السيادة والحرية والهوية والمصلحة الوطنية باستقرار هو في الحقيقة والواقع استسلام ورضوخ لمشروع إيراني صرف لا يشبه لبنان واللبنانيين فكريا وحضاريا وسياسيا في شيء.

إن تجارب السنتين الماضيتين تثبت أن الرهان على الطبقة السياسية الحاكمة في لبنان لإطلاق مثل هذه «المقاومة» هو سراب سياسي! لذلك فإن الأنظار يجب أن تتجه الى «قادة الرأي» (من أمثال الشهداء سمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي والمرحوم سمير فرنجيه وغيرهم) الذين تقع على عاتقهم مسؤولية إنقاذ لبنان وتحريره من خلال بلورة تصور سياسي – إستراتيجي بديل عن سياسة «النأي بالنفس». والبديل ليس أقل من تصور واضح لـ«شراكة لبنانية كاملة» مع الإستراتيجية العربية التي يعمل لها ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. صحيح أن القيادتين السعودية والإماراتية تنطلقان من مشاريع اقتصادية وتنموية وإصلاحية داخلية، لكن مفاعيلها في الواقع يمكن أن تكون أبعد من ذلك بكثير، خصوصاً إذا لاقت من يؤيدها ويشاركها العمل من أجل بناء مستقبل جديد وواعد. فهي تصلح لأن تكون جزءاً من تصور متكامل لبناء «نظام عربي جديد» بأبعاده الأمنية والعسكرية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والتنموية. والأهم أنها جزء من تصور متكامل للقضاء على التطرف والإرهاب الذي لم يعد ينفع لبنان عدم الاعتراف بوقوعه في قبضته.

لقد تخطت دول عربية كثيرة تمايزاتها السياسية والفكرية والعقائدية واختلاف أنظمتها للانضمام إلى هذه «الشراكة الواعدة». فها هي مصر والأردن والشرعية اليمنية وصولا إلى المغرب والسودان وغيرها تضع يدها بيد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة للعمل معا من أجل التصدي لزعزعة استقرارها، وحماية اقتصادها، والحفاظ على أمنها القومي. وطبيعي أنه لا يمكن لأي كان اتهام هذه الدول وقادتها بالتخلي من خلال هذه الشراكة عن سيادتها واستقلالها وحريتها لا للمملكة العربية السعودية ولا للإمارات العربية المتحدة ولا لغيرهما!

لقد آن الأوان لبروز صوت لبناني صارخ يدعو للخروج من سراب ووهم «كذبة النأي بالنفس» والانضمام إلى هذه الشراكة، والأهم لإطلاق إطار سياسي وطني عابر للطوائف والمناطق والمصالح السلطوية يضع التصور المطلوب للانخراط في المشروع العربي، وبالتالي في العولمة السياسية والاقتصادية بديلاً عن المشروع الإيراني التدميري، وبناء الرأي العام المؤيد لهذه الخطوة التي من دونها لا قيامة للبنان ولا تحرير لقراره ولا قيامة لمؤسساته الدستورية من كبوتها ولا إعادة بناء لاقتصاده ولا نهضة لمجتمعه وشعبه!

* سياسي وصحافي لبناني

naufaldaou@
01:22 | 18-05-2020