أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1364.jpg&w=220&q=100&f=webp

لطفي فؤاد نعمان

سبعون.. ملك السعودية في اليمن

قبل سبعين سنة، زار الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود اليمنَ تلبيةً لدعوة نظيره اليمني الإمام أحمد حميدالدين، من 18 – 21 يوليو (تموز) 1954م، بعد ثمانية شهور من توليه العرش (نوفمبر -تشرين ثاني- 1953م) خلفاً لأبيه الراحل الملك عبدالعزيز. وانتقل الإمام أحمد من مقر حكمه مدينة «تعز» العاصمة الثانية إلى العاصمة صنعاء التي هجرها «لبردها» عقب استعادة عرش والده القتيل الإمام يحيى (مارس -أذار- 1948م)، فدخلها مرتين: الأولى واقفاً لاستقبال نظيره الملك السعودي الوحيد الزائر لليمن، والأخيرة جثة هامدة ليوارى الثرى (20 سبتمبر -أيلول- 1962م).

بيان الزيارة وصف اجتماع العاهلين وسط «جو مفعم بروح الإخاء».. فيما توتر جو الأسرة اليمنية الحاكمة عقب دعوة «ولاية العهد» للأمير محمد البدر بن الإمام، التي أثارت اعتراض بعض عمومته الطامحين فيها. حاول العاهل السعودي وأد النزاع في مهده بعقد «محادثات مغلقة بين الملكين» حسب صحف مصرية، والاجتماع بمعارضي «ولاية العهد». (تجدون مجمل هذه البلاغات الرسمية منشورة في كتاب سعود واليمن الصادر عن جداول 2020م).

طويت صفحة التوتر مؤقتاً، بزيارة الملك سعود التي طورت علاقة البلدين إلى مستوىً يمنع إمداد أي خارجٍ على السلطة الشرعية.

صرح الملك سعود عما لمسه في غضون زيارته من «التفاف القلوب حول الإمام أحمد واجتماع كلمة الأسرة والشعب اليماني حول صاحب العرش...»؛ بيد أن «التفاف القلوب.. واجتماع كلمة الأسرة والشعب..» لم يدوما طويلاً. كثر احتجاب ومرض الإمام، حسب بيان أخيه عبدالله مَن تولى الإمامة أسبوعاً واحداً بانقلاب آخِر مارس (أذار) 1955م. وبطلبِ اليمنيين، عاود الملك سعود مسعاه لوقف تداعيات الموقف.

اتضح للعالمين أن «السعودية أكثر الدول العربية اهتماماً بما يجري داخل اليمن، بحكم الجوار والاتصال، وتشابه الأحوال الأساسية» وفق افتتاحية جريدة «الحياة» بقلم كامل مروة الذي أضاف «إننا نخدع أنفسنا إذا ظننا أن الاستقرار ممكن في هذه الدولة التائهة، لأنها لا تملك من مقوماته شيئاً» واصفاً كيف «كان القرن العاشر سائداً على تعز وصنعاء في منتصف القرن العشرين». في افتتاحيته «لماذا لا تتحد السعودية مع اليمن» في أبريل (نيسان) 1955م، اقترح الشهيد مروة «إنشاء نوع من الاتحاد في الشؤون الاقتصادية والمالية والعسكرية، فقد يكون ذلك خير ضمانة للاستقرار في اليمن».

ما كان، وليس من السهولة بمكان، انتظام ذاك الاتحاد بينما شبح الاضطرابات والتشققات السياسية يغشى الأفق اليمني بفعل عوامل داخلية صرفة تتعلق بطبيعة وإدارة البيئة الجاذبة للفوضى والطاردة للنظام؛ وفضلاً عن اعتدادٍ بـ«استقلالٍ أجوف» وُصِف به عهدُ الأئمة، ثمة «رواسبُ ماضٍ متخلفٍ في نفوسهم..» و«شعورٌ مركوم..» تجاه محيطهم، طبقاً لأحد تقارير الأحرار اليمنيين 1954م.

هذه العوامل مجتمعةً جعلت الإمام أحمد خلال تلك الزيارة التاريخية يتظاهر «بالعزم على النهوض بالبلد والقيام بالمشاريع العلمية والعمرانية والاقتصادية، وفتح الأبواب لرؤوس الأموال الأجنبية لاستثمار الثروات الطبيعية للتمكن من السير في ركاب الأمم التي تسير قدماً في مضمار الحياة» حسب تصريح نظيره السعودي؛ لكن شيئاً كبيراً لم يحدث. عندئذٍ صدرت رسالة الملك سعود: «إن استمرار الأحوال في اليمن على وضعها الحالي لا يمكن أن يرضى عنه أي أحد».

أحوال اليمن لا تستمر على وضعها أبداً، إذ تمضي قدماً في مضمار التحولات من طور إلى طور. ويبقى جواره السعودي يمد يد العون والخير لتنميةِ وإعمار اليمن على «أساس الوفاق بين البلدين المتجاورين والشعبين المتآخيين» حرصاً على «رفعتهما وصلاحهما» معاً، مهما حدث وقيل.. وكم قد حدث وقيل، ولا يزال بعد سبعين سنة.
00:01 | 2-08-2024

عن مؤتمر صافر الأخير وأولى صافرات التحذير

ترى هل محاولات ومساعي التلافي المبكر لآثار كارثة الناقلة صافر والحيلولة دون تسرب محتواها النفطي إلى أبعد من نطاقها، ستكون أوفر حظاً من معالجة «اليمننة: العلة والمشكلة اليمنية»؟ إذ أخذ العالم يتداعى من مطلع العام 2020 بالقلق والخوف على البيئة الإقليمية والاقتصاد العالمي، والبحث عن سبل تفادي وقوع كارثة بيئية واقتصادية ناجمة عن طفو الناقلة صافر في البحر الأحمر بجسد متهالك يُسهل تآكله انسكاب محتويات مليون ومائة وأربعين ألف برميل نفط وسط «بحر مغلق» يرجح تهديده بعض شطآن «الشرق الأوسط الأخضر» إذ ستتعدى السواحل اليمنية إلى مشارف نيوم والعقبة وقناة السويس شمالاً. كما لم يستبعد مارك لوكوك وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية سابقاً خطر الانسكاب إلى مضيق هرمز.

فرض هذا القلق بحث مستقبل صافر في لاهاي حيث احتضنت يوم 11 مايو 2022م فعالية نظمتها هولندا مع الأمم المتحدة لمؤتمر حشد التبرعات اللازمة للتصدي لخطر انسكاب نفطي من «الخزان العائم معدوم الصيانة» بغية جمع مائة وأربعة وأربعين مليون دولار سيحول دون إنفاق عشرات المليارات من الدولارات لمحاولة تنظيف البحر الأحمر فيما إذا تسربت محتويات الناقلة..

حصيلة هذا المؤتمر من تعهدات المتبرعين ٤١ مليون دولار لم ترق إلى تغطية ثلث السقف المحدد. تعهد أصدقاء اليمن وغاب بعض أشقائه.. لكن مصدراً دبلوماسياً مطلعاً هدّأ بعض الهواجس تجاه هذا الغياب متوقعاً إعلان الغائبين «عن مقدار تعهدهم لاحقاً»، فالضرر البيئي المتوقع يمسهم أيضاً. لافتاً إلى أن دولة كبرى صديقة هي «الولايات المتحدة برغم مشاركتها القوية في كل تحركات إنقاذ صافر لم تلتزم بأي تعهد حتى اللحظة». علماً بصدور بيان «معنوي» عن المبعوث ليندركينغ يحث أصدقاء وأشقاء اليمن على دعم الخطة الأممية «مادياً».

إجمالاً لا تشكل نتيجة مؤتمر لاهاي لإنقاذ صافر استثناءً بالنسبة لما سبق عقده من مؤتمرات مانحين لليمن من سنة 2006م واجتماعات أصدقاء اليمن من سنة 2010م حتى الآن، كون الواقع يخالف المتوقع.

لكن الدول والمنظمات حسب خبراء مختصين تبني تقديراتها على أساس واعٍ بالقدرة الاستيعابية للمستفيدين من المنح ومدى جفاف بؤر الفساد لديهم. لا سيما الفساد الناجم عن استمرار الحروب والفوضى التي اجتاحت البلدان وأتاحت تهديد البيئة البحرية الإقليمية والاقتصاد العالمي. وأقرب الشواهد مصير الناقلة صافر المعلق بكف الحوثيين وسط البحر الأحمر من سنة 2015م ضمن محيط سيطرتهم شمال اليمن.

بقاء الناقلة «كعامل ردع عسكري بالنسبة للحوثيين» أعطاهم سلطة منع ومنح حق وصول أي فريق أممي إليها بغرض الاطلاع المباشر على وضعها وتقدير ودراسة مخاطرها.

تُخضِع سلطات صنعاء الناقلة صافر للابتزاز السياسي، بينما تُطوع الشرعية الحالة كمظلومية حكومية، وبموازاة ذلك انطلقت صافرات الإنذار من أنصار البيئة العالميين وبدأ باحثون ومحللون في آي آر كونسيليوم من أبريل 2019م إصدار سلسلة مقالات عبر موقع «أتلانتك كاونسل» تنذر بخطر إهمال «القنبلة الموقوتة» صافر. ثم تتصل جريدة «الجارديان» بمنظمة سي إي أو (مرصد الصراع والبيئة) فيتضاعف تركيزهم مع الأمم المتحدة عبر مسؤولين أمميين وأهم أعضاء مجلس الأمن الدولي على هذه النقطة الخطرة من صيف 2019م.

توالت دعوات تفادي الكارثة قبل وقوعها، كان أبرز الدعاة السفير البريطاني السابق لدى اليمن مايكل أرون، في يونيو 2020م لفت إلى دراسة رعتها حكومة لندن حول هذا الشأن قدمتها منظمات معنية بدراسة المخاطر و«نمذجتها» (زودنا السفير أرون مؤخراً بأسمائها: ريسك أوير، ايكايس وكاتبولت). ثم عقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة حول صافر.

وهكذا بريطانيا أطلقت الدعوة، وهولندا التقطتها أخيراً. لا سيما وقد أجريت دراسات نمذجة تقارن بكارثة اكسون فالديز ١٩٨٩م (كرر التذكير بها السفير البريطاني الحالي ريتشارد أوبنهايم.. حديث مع عبدالهادي حبتور بالشرق الأوسط، أكتوبر 2021م).

ذاك عن الجهد الدولي.. هل من جهد محلي؟

لم ينفرد المجتمع الدولي بالانشغال بقضية الناقلة صافر، فمن باب النكاية وتبادل الاتهامات وتنصل الأطراف من المسؤولية، ظلت سلطات صنعاء مع سلطات الشرعية والتحالف يتلاومون.. فعاود المجتمع الدولي يطلق صافرة إنذار ضد الإهمال مستفيداً من دراسات أنصار ومراقبي الأمن البيئي وسط مناطق النزاع..

هنا أطل جهد محلي يمني عبر مجموعة استشارية بقيادة يمنية مقيمة في لندن شاطرت المجتمع الدولي مخاوف خطر الانسكاب.

مجموعة «مشورة» سابقاً أو (جرين بي إنسايتس حالياً) نظمت ندوة عبر تطبيق «زووم» مطلع سبتمبر 2020م، قدم فيها الباحثون المتخصصون في الدوائر التي استعانت بها الحكومة البريطانية أوراق عمل تقترح كيفية «تجنب التسرب النفطي على سواحل اليمن».

انشغال «مشورة» بالخزان العائم على الشاطئ اليمني اتسق مع اشتغالهم في شؤون تطوير البيئة والطاقة الدولية، علاوةً على تفاعل الحس الإنساني اليمني، مع معاناة البشر جرّاء خطر داهم كهذا. فاندفعت تحاول تطبيق وعرض مقترحات «تجنيب اليمن كارثة بيئية واقتصادية». فخطت خطوات عملية بالتواصل مع صنعاء دعماً لجهود ومقترحات التلافي المبكر وتكبدت -بموازاة آخرين- مشاق إقناع الجماعة هناك بتذليل صعاب الوصول إلى حل وقائي مبتكر من «مشورة». تلمساً لسبل نزع «اللغم النفطي الموقوت» وسط البحر الأحمر، تواصلت «مشورة» مع أحد رجال الأعمال اليمنيين البارزين الشيخ أحمد صالح العيسي. تركز تجاوب العيسي مع الأفكار المطروحة بعرض تأجير ناقلتين بديلتين من شركاته، لحفظ النفط المخزون بنفس الموقع حرصاً على تأمين الوضع البيئي والإنساني.. رجح «أهل المشورة» تقديم مقترحين اثنين: تأجير ناقلتي العيسي، وشراء ناقلة بديلة. على إثر ذلك تواصلت علياء نبيل إسحاق المدير التنفيذي لـ«مشورة (جرين بي إنسايتس حالياً)» مع سلطات صنعاء، تشرح أهمية تفادي الكارثة البيئية والاقتصادية، ووضعتهم في صورة الخطوات العملية والمقترحات.

وعلى مدى شهور أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر 2020م ثم يناير 2021م، أجريت «مشورات» مع مستويات دبلوماسية شقيقة وصديقة أخرى كسفارات هولندا (حيث التقوهم لأربع مرات لبحث التفاصيل والتكاليف)، والمملكة المتحدة وعدد من دول الاتحاد الأوروبي، ومؤسسات دولية ومكاتب متخصصة بهيئة الأمم المتحدة وبعض مستشاري المبعوث السابق مارتن غريفيث (وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية حالياً.. تطرق إلى مسألة صافر خلال لقاء صحافي (يونيو 2021م) ولمح دون تسمية إلى «جهود للقطاع الخاص التجاري للنظر في طريقة مختلفة للقيام بذلك»).

قبل خروجها من إطار الصورة الحالية، عرضت «مشورة» ما سبق تقديمه من مشورات بالتعاون مع آي آر كونسيليوم حول إمكانية «احتواء بقع النفط». وعرض شامل لمقترحات الحل يتضمن: تحليل تأثير المخاطر على اليمن والسعودية معاً، في النواحي الاقتصادية (شاملاً الزراعة والسياحة وغيرهما) والصحية، والبيئية والإنسانية. كذا ما تم من خطوات وإجراءات وتحركات محتملة وخيارات حل: بتأجير أم شراء ناقلة بديلة وفق تقديرات أولية أقل كلفة (ومقترحات مبتكرة من جانب مشورة ولم يأخذ بها أصدقاء اليمن؛ حسب علياء إسحاق) لم تكن في وارد ذهن المتابعين والمعنيين الدبلوماسيين لحظتها، ومع اختلاف الظروف العالمية وبروز جهات وشركات معنية بهذا الشأن الآن ما أمكنهم التفكر في ما سبق تقديمه يمنياً والرجوع إليه.

مثلما يتطلب تحقيق السلام إرادة وطنية، يستلزم تأمين البيئة وتنقيتها باعتبارها مسؤولية مشتركة يجب تجسيدها عبر جهود كثيرة منها كل «جهد مجهول» و«تنبيه مبكر» و«حل يمني مبتكر» لم تُسلّط عليه أضواء الإعلام ويضبط خطاه على وقع ضوضاء السياسة. وسيظل المؤمنون والمؤمنات بسلام اليمن وأمن المنطقة وتنقية بيئته على هذا الطريق، دون تشويش دور ما أو تشويه صورة عامة معروضة أخيراً، إذ يعلو الحس الوطني والإنساني ولا يعدم روح الإنصاف للحقوق الأدبية والمعنوية مما يهون من تجاهل المصلحة المشتركة للجميع، والتهاون في تنقية بيئة #السلام_لليمن.
00:04 | 16-05-2022

كلمة السر في شبوة واتفاق الرياض

تبرز الإرادة، فتستنفر الإسناد لتتوفر الآليات وتتكامل الأدوار وتعمل كل الأدوات ومن ثمّ يتحقق الهدف. هذا كله يعبر عنه خطابٌ جامع يؤكد «وحدة الصف والهدف».

«وحدة الصف والهدف» عبارة وردت بأكثر من صيغة ذات مدلول واحد، ككلمة سر لها مفعول السحر الذي شخّص النموذج «الشبواني» اليمني لـ«توحيد الصف».

«توحيد الصف» حسب واحدة من آخر تغريدات سفير خادم الحرمين الشريفين لدى الجمهورية اليمنية محمد آل جابر «واجتماع الكلمة لكل المكونات اليمنية» الذي «سيمكن من استعادة الدولة والسلام والحوار البناء لكل القضايا؛ لتحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في اليمن».. تلبيةً لحاجات أساسية ومتطلبات ضرورية لليمنيين جميعاً.

«اتحاد اليمنيين»، «إذا توحد اليمنيون»، «توحيد الكلمة» حسب المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي العميد تركي المالكي أثناء مؤتمراته الصحافية مؤخراً.. لكأنه يستحضر قول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ».

آخر الإشارات إلى مزايا رص ووحدة الصف انبعثت من وسط محافظة شبوة، يوم 11 يناير 2022م، حيث تحقق نموذج يمني فريد وجديد «تشاطرت» تجسيده مكونات وقوات الشرعية اليمنية، وجعلته الأول في عالم التغريد.

استحقت «ألوية العمالقة الجنوبية» اليمنية الإشارة والإشادة العامة، ولم يغفل آل جابر والمالكي الإشادة بها، وفي معرض «الشكر والعرفان» لجميع عناصر تحرير شبوة «جامعة اليمنيين بمختلف انتماءاتهم» زاد العميد المالكي الإشارة الموحِّدة للجميع حال التنويه بتضحيات جميع القوى العسكرية اليمنية برعاية رئيس الجمهورية اليمنية عبدربه منصور هادي ومشاركة طيران التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية وما قدمته دولة الإمارات العربية المتحدة من دعم ومساندة.

تحرير شبوة أعقبه الإعلان عن عملية «تحرير اليمن السعيد»، التي تتسق على ما يبدو مع تصريحات سابقة لرئيس الحكومة اليمنية الدكتور معين عبدالملك خلال حديثه مع قناتي «سكاي نيوز» و«العربية-الحدث» حول ما سماه «ترتيبات مترابطة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً».

هذه العملية -بحسب تعبير المالكي- لها «ركائز» مستقبلية؛ مثل «انتقال الشعب اليمني إلى النماء والرخاء والازدهار» المستحق «لشعب كريم يستحق الحياة».. والسلام بكل تأكيد، مما يمكنه الانتقال لاحقاً إلى المنظومة أو «المصفوفة الخليجية»؛ حسب تعبيره.

إن استحقاق الحياة الكريمة والحرية الواعية، واستعادة سعادة اليمن، تمهيدًا لـ«تخليجه»، والسلام المنتظر، غايات يجمع عليها المؤمنون بمستقبل اليمن الأفضل، وبغية تحقيق تلك الغايات تختلف الآليات وتتنوع العمليات وتتعدد المسميات. لكن حجر الزاوية أو الركيزة الأساسية لكل العمليات العسكرية وغيرها، أو بغير مفهومها التقليدي، هي الفاعلية الوطنية اليمنية التي تنتقل بالمشهد اليمني فعلاً إلى آفاق السلام بطي صفحة الحرب التي لم يفضلها ويستروحها ويتلذذ بها أحد سوى أشياع الخراب وطيور الظلام.

إن إرادة ذهاب اليمنيين إلى خيارات الأمن والاستقرار والسلام، وما يهدف إليه اتفاق الرياض -الذي يتكرر السؤال عن مصيره لكل معنيٍ يمني وكل معنيٍ باليمن- من «توحيد الصف، تفعيل مؤسسات الدولة، وخدمة المواطن اليمني» بما يكفل تحقيق مصلحة الشعب من جنوب اليمن إلى شماله.. تلك الإرادة وهذه الأهداف لا تُحقن ولا تُمنح -ولا تُمنع أيضاً- من الخارج، لكنها تنبعث من أعماق فاعلين وطنيين قرروا أن «يتيمننوا» أي أن يكونوا لليمن، وأن يخدموا اليمن، كي يفخر بهم اليمن، فيساندهم جوارهم وأشقاؤهم وأصدقاؤهم دون أن يضِنوا عليهم بشيء. ومتى توحد اليمنيون والتزموا بما اتفقوا عليه ومضوا صوب #السلام_لليمن سينتقل البلد إلى النماء والازدهار.

وبتجنب سوء الظن والتشكيك في أي طرف يمني من أطراف اتفاق الرياض، وما يشيعه أشياع نظرية المؤامرة، لا يُنظر إلى تحرير شبوة وما أعلن عقبه إلا كتمهيد لتنفيذ جانب من الشق العسكري والأمني وإن لم تكتمل بعد ترتيبات هذين الشقين.. كذلك توكيد فاعلية سحر كلمة السر المطلوبة أيضاً لتنفيذ الاتفاق وهي «توحيد الصف»، التي استدعت جهودا مضنية من أشقاء اليمن للإقناع بجدواه، خصوصاً أن اليمن والشعب اليمني يستحق غير ما يعيش من «يمننةٍ» سلبية عنوانها الفُرقة بسبب خلاف الفِرق، حتى أدرك السفينة الغرق.. ولربما قادم الأعمال كنموذج شبوة الأخير المبهج للبعض والمكدر لبعض آخر، سيحقق أملاً في «بنيان مرصوص» على طريق #السلام_لليمن.
23:18 | 13-01-2022

عن الاحتواء السعودي للتعقيد اليمني

تتمتع المملكة العربية السعودية بقدرة التعامل مع بعض أطراف النزاع في الجمهورية اليمنية بقدرٍ كبير من المرونة، تماشياً مع النهج السعودي الحريص على احتواء كل الأطراف، بمراعاة واعية للمصالح المشتركة والأهداف والغايات المتمثلة في تحقيق السلام لليمن بما يكفل الأمن للمنطقة.

من بين آخر آيات الاحتواء السعودي المرن للتعقيدات اليمنية، ما صدر عن التحالف العربي من تصريحات حول التفاعلات الناجمة عن إعادة انتشار قوات التحالف و«تموضع القوات التابعة للحكومة اليمنية في الساحل الغربي». في الوقت الذي بريت الأقلام لتختلق فصلاً جديداً من فصول الاختلاف داخل التحالف. ونطقت الألسن بماورائيات ودلالات بيان الفريق الحكومي بإعادة الانتشار في الحديدة الذي بحسب بيانه «علق أعماله من عدة شهور...» ولم يعلم أو يجري التنسيق معه حول الإجراءات العسكرية الأخيرة، كما ارتجفت الأضلع من انسحابات هناك وتموضع هناك غرباً وشرقاً وجنوباً.

فأعلنت قوات التحالف من الرياض ما يدرأ تداعيات الأنباء والتحليلات غير الدقيقة حولها، ويصون في الوقت ذاته علاقات الأطراف الإقليمية واليمنية مع محاولة إزالة الشوك من الطريق والشكوك العالقة في الأذهان.

على هذا المنوال يواصل الجانب السعودي بذل جهوده للتقريب بين الأطراف اليمنية -واللقاء بالأمس القريب ببعض أطراف اتفاق الرياض مثالاً- ليحول دون الإخفاق الذي يأمله خُناق الأمل بإعادة السلام لليمن واليمنيين ويحفظ وحدة اليمن ويعزز أمن واستقرار المنطقة. مع استمرارية استخدام كل ما يحول دون الإسقاط والإخفاق.

هم بتلك الجهود لا يذُرون رماداً على العيون بل لا يَذَرون فرصة يمكن بها إزالة الرماد عن العيون بشرح حقيقة الموقف أن كل محاولة تباعد وتدمير وإساءة تناهضها مساعٍ جادة للتقريب والتعمير والإحسان، وإن كانت المواقف الإيجابية لا تحدث دوياً ولا تلقى صدىً كالذي تلقاه وتُحدِثه نظريات المؤامرة والشائعات والدعايات المضادة.

ولا استغراب بأن الرعاة الفاعلين بالمشهد يعتريهم الضيق أحياناً مما يشهدون ميدانياً وسياسياً وإعلامياً.. لكنهم يصبرون؛ وللصبر حدود، لكنها واسعة إدراكاً لبُعد الشقة بين الأطراف، وطول الطريق إلى النهاية المرجوة والمرضية «للغالبية»، وليس الجميع.

ولكن الجهود السعودية وعنوانها الاحتواء المتسم بطول النَفَس مع كل الأطراف -حتى أولئك الذين يتمنعون عن القبول بمبادراتها ويمعنون بإحراجها- ويجسد أخلاقيات تعامل تتناسب مع تعنت وتشتت كل طرف على حدة. تلكم الجهود يلزم موازاتها بإسنادٍ يستوعب أيضاً الظروف الراهنة ومستلزمات العبور من مضائق ومخانق الأزمة، لطي صفحة «اليمننة» بسطورها السلبية، وبدء الذهاب إلى اليمن الجديد المتوائم مع محيطه الجديد وبيئته الخضراء الجديدة.

لا ريب في أن ثمة رغبة قوية بطي صفحة اليمننة وإنهاء الحرب وإعادة السلام لليمن، دونما تهرب من مسؤوليات الأخذ بيد الجوار القريب، لكنه لن يتأتى بمواصلة تمترس المتنازعين وسط غابة المصالح الضيقة والامتناع عن السباحة وسط محيط المصلحة الواسعة لكل اليمنيين والمنطقة.

إن حاجة اليمن واليمنيين إلى تنفيذ كل اتفاق مبرم بينهم أكبر من حاجتهم إلى إخفاق جديد يسجل عليهم قبل غيرهم، واستعادة روح المبادرة إلى السلام أجدى بكثير من ديمومة الحرب. إعلاناً عن الإشفاق الحقيقي على الأبرياء بموازاة الإعلان الدائم عن بالغ التقدير للأشقاء.

ومفتاح الحل يبدأ من التحلي بروح التفهم لحقيقة أوضاعنا وظروفنا وجهود شركائنا، والتخلي عن ذهنية التوهم بعكس ما يجب تفهمه جيداً.. ثم شق الطريق إلى التفاهم لا التصادم.. فهل سيفعل المعنيون؟
23:53 | 20-11-2021

«كاوست».. سفارة سعودية علمية في «كتاب القاهرة»

منذ لحظة افتتاح «كاوست: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية» في سبتمبر 2009 حتى إطلاق «السفارة العلمية المتنقلة» في معرض القاهرة الدولي للكتاب 2021، والعالم يواكب تطور هذا الموطن العلمي العالمي واهتمامه بالطاقة والبيئة والعلوم الهندسية والتقنيات الحديثة.

رسالة «السفارة العلمية المتنقلة» تماثل من حيث الأهمية رسالة بقية السفارات والممثليات الدبلوماسية، بل تشكل إضافة نوعية إليها، من حيث تقديم صورة ذهنية متميزة عن «السعودية الجديدة» وعرض واحد من أهم عناصر هذه الجِدة.

لذا لم يكن غريباً تدفق جمهور معرض القاهرة الدولي للكتاب على جناح كاوست مصغياً إلى شروحات ثلاثي الإعلام والعلاقات العامة والاتصال: علي مكي إدريس – عبدالله السبحي – عبدالعزيز كردي، حول ما تمخض عن اثنتي عشرة سنة من الإسهامات النوعية الناتجة عن «غابة المواهب» متنوعة الجنسيات، تعبيراً عن تعايش الثقافات المنتجة والمثمرة لعلم وعمل «ينفع الناس فيمكث في الأرض».

على أرضية معرض القاهرة الدولي للكتاب تبين للجمهور أن كاوست ليست قلعة أكاديمية فقط بل حصن منيع لمبدعي العالم، يخوض -برعاية قيادة بلاده- غمار المنافسة العالمية في تقديم الرؤى الجديدة في مجالات علمية مختلفة.. الأمر الذي يسر انضواءها تحت لواء رؤية 2030. لما باتت تلبي حاجيات أساسية يفرضها منطق العصر السعودي الجديد، واقتصادياته، ومناخه المتغير.

والماثل لمتابعي مسيرة كاوست، وقد تنامت حصة السعوديين الدارسين فيها بمشاركاتهم البحثية من 5% منذ تأسيس الجامعة إلى 40% اليوم، أنها ترصد «تغير المناخ» وتمضي نحو مشاركة العالم اهتمامه الرئيسي بهذا التغير الخطير، وتدرس «خفض انبعاثات الكربون وإعادة تدويره باقتصاد دائري»، وتقدم عدة بحوث «تثري عملية صنع القرار البيئي».. وعمليات «تقييم موارد الطاقة المتجددة».. وتُعد دراسات متخصصة تمكن المملكة العربية السعودية من التصدي لتحديات تغير المناخ مما يجعلها في صدارة أكبر المساهمين في هذا الصدد.

ترى من يقدم هذه البحوث والدراسات؟ «كاوستيون» يؤسسون لاقتصاد المعرفة الذي تعتمده السعودية الجديدة.. من خلال «الابتكار والتنمية الاقتصادية، التعاون الصناعي، وريادة الأعمال، ونقل التقنية».

وها هي التقنية تنقل إلى جمهور وسوق عربي خارج الأراضي السعودية. تجسيداً لمعنى «نقل التقنية» المتعارف عليه في أوساط «الكاوستيين»، وهو «نقل نتائج البحوث العلمية إلى السوق» بأن تم نقل التجارب وعناوين بحوث شائقة ناتجة عن مختبرات كثيرة إلى جماهير غفيرة في القاهرة، بشكل مبسط من خلال عرض منجزات الجامعة وأبحاثها المبتكرة، تعبر عن التحول إلى اقتصاد منتج يعتمد على أكثر من مورد. وأكثر من موهبة جرى استقطابها من خلال برنامج تنمية وإدارة المواهب في كاوست. يتابع هذا البرنامج نشاط وزارة التعليم ومؤسسة موهبة المتمثل في ما يشبه أوليمبيادات علمية ينظمها المعهد السعودي للعلوم البحثية، أثناء الصيف عبر برنامج مدته 6 أسابيع يتيح لطلاب الثانوية، وما بعد الثانوية، وكذا تنمية الموظفين الخريجين، فينتخب كاوست بفريق متخصص عدداً من الموهوبين الذين يجري تأهيلهم، في بيئة علمية جديدة تطلق مواهبهم الكامنة. وليست حصراً على مواطني المملكة فقط.

هل هذه البيئة الجديدة معزولة عن محيطها؟ وهل هي ما تميز كاوست؟

لا تبقى الحيرة على وجوه السائلين عن سر تميز كاوست وبقائها في «ثول» على ضفاف البحر الأحمر وسط بيئة داخلية وإدارية مميزة صنعت شراكات مذهلة ودعمت رواد الأعمال في مجال الابتكار بقوة، وحازت نظير ذلك تقدير وجوائز تميز مختلف الدوائر، وثمة من يتراءى أنها بيئة معزولة عن بر «جدة». لن تبقى الحيرة والصورة المرسومة ماثلة حالما يتضح أن بيئة متنوعة الثقافات والخبرات والجنسيات غير معزولة أبداً عن المحيط القريب وعن العالم البعيد. طالما انشغل الفاعلون وسط هذه البيئة المحفزة للعلماء و«مشاريع العلماء».. طالما انشغلوا بتخصصهم الدقيق وازدحمت مراكز كاوست الأحد عشر مع مختبراتها السبعة بأقسامها الثلاثة وورشتها المركزية بخوض آلاف التجارب وتقديم مئات البحوث المحكمة المنشورة في مجلات علمية عالمية، تجترح حلول معالجة البيئة، وتستكشف جديد موارد الطاقة، وتبتكر تقنيات متطورة. فتؤهلها لمشاركة أحدث كبريات شركات المملكة لتنفيذ أهم مشاريع البحر الأحمر وهي «نيوم» لإنشاء أكبر حديقة مرجانية في العالم. وتقديم مبادرات الصحة الذكية.

وإنه لمن الذكاء استمرار المبادرة إلى تعزيز اكتساب القوة عبر تشجيع العلوم بمختلف فروعها وامتلاك التقنية بمتنوع أدواتها، ورعاية مشروع رائد بكوادر متميزة مثل كاوست وقد جسمت منجزاتها ما يليق باسم قيادتها وريادة البلد الحاضن لها والرؤية الطموحة التي تحاول أن تواكبها وتساهم فيها.

جناح كاوست يحلق حتى آخر أيام المعرض.. فليلحق به من لم يزر المعرض بعد.
00:21 | 14-07-2021

سلمى مرشاق سليم: العزاء في استمرار العطاء

يكاد يطغى، إن لم يطغَ تماماً، أثر حضور السيدة سلمى مرشاق سليم على وقع الحدث الأليم بفقد نجلها الشهيد لقمان سليم. ظهرت «سيدة التاريخ» الباحثة الرائدة والأم الرائعة بقوة نابعة عن عمق الإيمان، وتماسك مبهر وصلابة أسطورية نادرة، تعبر به بكل تواضع وإخلاص وإيمان، عن خسارتها الفادحة «لابنها وصديقها ورفيقها» في «حياة ستستمر رغم إرادتنا -كما قالت- ولكنها لن تبقى كما كان لقمان».

لقمان سليم النجم الذي لمع والصوت الذي أسمعَ الخلقَ رأيه بفصاحة أديب وطلاقة محامٍ وشجاعة فارس، بعدما حسُنت تربيته وتنشئته فأحسن توجيه طاقته -التي لا تطاق لدى بعض العاجزين- لصالح لبنان المنشود.

لبنان المنشود الذي يأباه ويبدد طاقاته الخلاقة من لا يجيد غير العيش وسط الماضي السحيق والتعبير عن ظاهرة تخلف خناقة باستخدام العنف وتوجيه الرسائل عبر رصاصات يقذفها «باروته»، مدعياً احتكار القيم.. ويجعلنا نقول: في لبنان مجدداً كاليمن والعراق «قُتِل الذين نُحبُهُم..» وقضوا نَحبَهُم!

لكن.. تقضي قوة إيمان الأم سلمى مرشاق سليم أن تشكِلَ العزاء لمحبي ورفاق وعارفي لقمان سليم الافتراضيين والواقعيين، فتسقط في حضرتها كل كلمات المواساة ومحاولة تخفيف الأحزان، إذ تعظم السيدة سلمى بكلماتها المباشرة أثناء تقبل التعازي تلفونياً وتلفزيونياً وهي بذات المستوى من صفاء الذهن وروعة التجلي والتحلي بالصبر والردود اللبقة وتقديم المواساة من جانبها، إضافة إلى العزاء الذي يؤديه استمرار آل سليم بالعطاء الإنساني المتجدد من خلال «دار الجديد» ومؤسسة «أمم للتوثيق والأبحاث» والحفاظ على حق العائلة باستمرارية المقام حيث يقطنون، مع أن وضعاً ومحيطاً غير سليم لم يُبقِ على «لقمان سليم.. مثلاً» ولن يبقي على أي عقل سليم..!

الترفع رغم الألم والاصطبار على آثاره، يجسدهما كذلك اعتزاز واحتفاظ السيدة سلمى مرشاق سليم بإرث عريق وحضور وطيد وإضافة خلاقة شهدته وتشهده مجالات القانون والسياسة والإعلام والأدب والثقافة والنشر والتوثيق والدفاع عن الحقوق والحريات وتحدي الخوف والنسيان و«العدالة من أجل لبنان» للأب النائب البرلماني والسياسي القانوني محسن سليم، ومن بعده أنجاله الشهيد لقمان -وأرملته مونيكا بورغمان- والسيدة رشا الأمير والمحامي هادي سليم.. وجميعهم كسليم الأب يؤمنون بقوة القانون وأن العدالة لا تسيس أو ينبغي لها ألا تسيس واقترانها بالحرية «فلا عدالة بلا حرية ولا حرية بلا عدالة» حسب الأثر الأدبي والقانوني للأب بمرافعته الشهيرة حول اغتيال كامل مروة مؤسس جريدة الحياة سنة 1966م.

ذاك الإرث الأعرق من طوارئ مستجدة، يقابله من «عبث وتولى» تهيئة فرص الفناء و«تبديد الطاقات» من أجل لا شيء.. وظن نفسه شيئاً مذكوراً ابتكر فعلاً مشكوراً..!

القاتل فعله مشكورٌ فعلاً، لأنه أثبت أنه «لا يرقى لمستوى أخلاق قتيله ويرسم خط نهايته هو ولا شماتة» كما تقول رشا الأمير.

القاتل، محرضاً وفاعلاً معاً، لا يتجاوزا مصيرهما المحتوم.. أبداً.

وأبداً يعيش أمثال لقمان سليم، من أفنوا حيواتهم في سبيل قضايا وطنية وإنسانية ودافعوا عنها بمنطق سليم، وعاشوا يبحثون بكل دقة عن المشترك كمدخل للتفاهم، والمختلف المطلوب التفاهم حول معالجة أسبابه ومداواة آثاره.

ودوماً ستخلد ذكرى لقمان وهو ممن خلدوا ذكرى الضحايا ووثَّقوا أهم حوادث وقضايا «الأمم»، من خلال مؤسسته المتميزة وبحثه شخصياً وتقصيه عن «المسألة السجنية» العربية من المحيط إلى الخليج حتى غدا رقماً واسماً ضمن «المسألة الدموية» روى الله بدمه تربة «الحرية والعدالة» فيشق طريق الخلاص للبنان.

وأزلياً، ليس يُطمس ذِكر من يقدم جديداً، فكيف بلقمان الذي جدد ذِكر «الجديد» -المجلة التي ساهم سليم الأب بنشوئها وانتشارها من منتصف الستينيات حتى منتصف السبعينيات- بأن أنشأ السَليمان الابن والابنة (لقمان وأخته الأديبة الألمعية رشا) «دار الجديد» ووافوا الجمهور بكل جديد أو يجدد كل قديم نثراً وشعراً، تاريخاً وسياسة، قانوناً وعلماً، روايةً وفلسفةً، محاضرات ومذكرات، وسِيَراً ومسيرات.

يارب استجب لدعوات وصلوات أم لقمان، أم كل شوام مصر وكل يمني عربي، بأن ينال المجرم عقابه وفناءه بعدل الإله.. وسيناله.

كاتب يمني

LutfiNoaman@
01:06 | 12-02-2021

«سلطان»الملف اليمني..

في الـ 24 من ذي القعدة الماضي حلّت ذكرى رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله-، أبرز أوائل المسؤولين القياديين بالمملكة العربية السعودية، المعنيين بالشأن اليمني من بواكير شبابه.. يوم هاجت أعاصير اليمن، حتى غادر الدنيا وقد حل الربيع العربي أو الجحيم العربي..

وها هي اليوم علاقات البلدين الشقيقين: الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، بعد رحيله تدخل طوراً جديداً من أطوارها المثيرة لعواصف الحزم وإعادة الأمل في ظل قيادة شقيقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وتوجيههما مساعي نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان المسؤول عن الملف اليمني، لدحر الغدرين «الإيراني» و«الإخواني» وتحديداً من ينساق معهما خلال زمن عق فيه «أبناءٌ» تراث «آباءهم» ناقضين مواثيق إخاء مصاغة ومصانة من الآباء.

بيد أن «قَدَر السعودية اليمني» وحِلم الكبار حقاً وقودٌ لا ينضب لجهود متواصلة ومتجددة لتوطيد علاقات البلدين والشعبين لا يثنيها نكرانٌ وحزازات هنا وإحنٌ وضوضاء هناك.

وهنا تنثر مناسبة ذكرى «سلطان الخير» نزراً يسيراً من الرصيد والمآثر السعودية التي تجسدت فيما مضى ولا يغفل عنها المعنيون باليمن أبداً.. بل ويمضي أولو العزم والحزم يضيفون إلى هذا الرصيد ما يضاعفه ولا يضعفه.

فلا غرابة أن تكون إدارة الأمير سلطان للملف اليمني وتشابك العلاقات سبباً في تتالي برقيات العزاء من الفرقاء السياسيين مجمعةً على صفة «الأخ والصديق الكريم».. فلكرمه دور كبير في إثبات نصيبه الفعلي من اسمه «سلطان»، إثر إنفاذ سلطانه إلى قلوب من ارتبط به وتعامل معه من اليمنيين و.. غيرهم.

غير أن ارتباطه باليمن وقضاياه وشؤونه منذ عام 1962م أثراه خبرةً تضاعفت على ما ورث عن أبيه الملك المؤسس واكتسبه منه، حينما باشر مهامه منذ توليه المسؤوليات الإدارية أميراً لمنطقة الرياض ثم وزيراً للمواصلات قبيل تعيينه وزيراً للدفاع والطيران في حكومة الأمير فيصل بن عبدالعزيز آل سعود المشكلة في أواسط أكتوبر 1962م إثر اندلاع الثورة اليمنية في 26 سبتمبر 1962م، ولجوء الجانب الملكي اليمني إلى المملكة السعودية التي شكلت برئاسة وزير الدفاع الجديد الأمير سلطان «اللجنة الخاصة بـ(الجار اليمني)» بجانب كيفية التصدي لأي اعتداء على حدود بلاده من أي جانب جنوباً أو غير ذلك الاتجاه، فبدأ -حسب نجله الأمير خالد بن سلطان في «مقاتل من الصحراء»- تولي مهام حماية الأسرة والمملكة من الأخطار والمهددات المحدقة به، وتحديث الجيش وتأسيس سلاح الطيران لحماية أجواء المملكة..

فكان ميلاد الجمهورية في اليمن ميلاداً للكامن من قدرات سلطان التي زادت في إنفاذ سلطانه في السعودية ومنها إلى خارجها.

لقد أشركت المسؤولية عن الملف اليمني الأمير سلطان في أهم الاجتماعات العربية المشتركة بين مصر والسعودية والقمم العربية التي تناول باطنها الشأن اليمني.. وأولاها القمة العربية في القاهرة يناير 1964م بحضوره مرافقاً للملك سعود بن عبدالعزيز، بعد الاستجابة عام 1963م لمساعي تنفيذ اتفاق الانفكاك أو فك الارتباط بين السعودية ومصر الذي رعته الولايات المتحدة الأمريكية، ثم اتفاق الإسكندرية 1964م، وأخيراً اتفاقية جدة الثالث الأخير من أغسطس 1965م بين الرئيس جمال عبدالناصر والملك فيصل، بعد ميثاق السلام اليمني المبرم في الطائف منتصف أغسطس 1965م باجتماع الجمهوريين والملكيين في الطائف مع الفيصل.

تلت تلك القمم العربية بمصر والمغرب، واليمنية بالسعودية، لقاء الخرطوم الشهير في أغسطس 1967م بين الملك فيصل والرئيس عبدالناصر إثر نكسة حزيران 1967م، وهو اللقاء الذي تسجل فيه صورة عبدالناصر وهو يرحب بالأمير سلطان في غرفة الاجتماع كأنه يدعوه لتسلم الملف من الجانب المصري خلال ذاك الاجتماع إيذاناً بانتهاء مرحلة و.. بدء حقبة.

لكن الاتصالات والاتفاقيات بين طرفي «الحرب العربية الباردة»، تخللتها، بل وزادت في ربطها، اللقاءات اليمنية السعودية المباشرة وغير المباشرة وبدء مراسلات وجهود السلام من جانب اليمنيين أكان من مؤتمر السلام اليمني بخمر مايو 65م أو لقاء الطائف أغسطس 65م، فزيارات الوفود الشعبية من مشايخ ومدنيين بصفتهم الجمهورية المستقلة كالشيخ سنان أبو لحوم وعلي بن ناجي القوسي وإبراهيم علي الوزير وغيرهم، والتقاء شخصيات سياسية يمنية معتدلة كمحمد أحمد نعمان ومحمد الفسيل ومحمد الرعدي وحسين المقدمي بالمسؤولين السعوديين وخاصة الأمير سلطان بتنوع انطباعاتهم عنه إزاء أشكال التعبير الودي والتكريم لشخوصهم وفق انطباعاته عنهم وتقدير معاونيه باللجنة الخاصة، كما سعى اليمنيون للقاء ممثلي الحكومة السعودية في سفارات المملكة بالخارج لعرض مشاريع المصالحة الوطنية والتفاهم اليمني السعودي بعيداً عن أي مؤثرات مرفوضة، لا سيما بعد خروج القوات المصرية وفك اليمنيين للحصار الملكي على عاصمة جمهوريتهم لسبعين يوماً من ديسمبر 1967- فبراير 1968م، ليتلقى منذ ذلك الحين إلى قمة الرباط ديسمبر 1969م رسائل الوفد الجمهوري اليمني وإشارات الوسطاء العرب كويتيين ومصريين وغيرهم من الجنسيات بتحقق «السعد واليُمن» في تفاهم مباشر تعبر به الذاتية اليمنية عن نفسها وتبرز قدرتها على تبديد أي مخاوف تقطن المنطقة، وفق رواية اللواء حسين المسوري في كتاب «أوراق من ذكرياتي».

وتبدأ «الحقبة السعودية» في اليمن، ورمزها المباشر سلطان بن عبدالعزيز، بتدشين اتصالات مباشرة مع مشايخ اليمن الجمهوريين كالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس المجلس الوطني يومذاك، الذي حكى في مذكراته أنه في بيروت آخر أيام المواجهات الملكية الجمهورية أول العام 1970م بواسطة الأستاذين الأحمدين الشامي والنعمان التقى بالملحق العسكري السعودي بلبنان علي الشاعر (وزير الإعلام في ما بعد) ووصل الخط المباشر بينه وبين الأمير سلطان، الذي رأى في التعامل المباشر مع الجمهوريين خيراً من استمرار التعامل مع الملكيين وأنصارهم الذين تطاول منهم من تطاول، وأطال أمد الصراع دون أي أثر يذكر، فتوافرت نوايا إنهائه وإخماد نيرانه لدى الجانبين اليمني بجمهورييه وملكييه، والسعودي.

ويسّر انعقاد المؤتمر الإسلامي بجدة في مارس 1970م ودعوة المملكة للجمهورية العربية اليمنية إلى المشاركة في أعماله وترحيب الرئيس القاضي عبدالرحمن الإرياني وتشجيعه لأعضاء الوفد على الانضمام إليه، في فتح قنوات اتصال مباشر بين الحكومتين السعودية واليمنية لطي صفحة الصراع اليمني – اليمني من الملف المفتوح في السعودية، برعاية حكومتها وممثلها المسؤول عن الملف الأمير سلطان الذي احتضن لقاء رئيس الوزراء الجمهوري محسن العيني ووزير خارجية الملكيين أحمد الشامي وبارك اتفاقهما على التسوية السياسية رغم اعتراض رموز أسرة حميدالدين عليها لما فيها من إجحاف بحقهم في العودة لحكم اليمن، إلا أن الأمير سلطان شدد على أهمية إنجاز الاتفاق ولو بخروج الأسرة الحميدية، وذلك ما يتيح اعتبار أسرة حميد الدين كأبناء الملك عبدالعزيز آل سعود -حد تعبيره المسجل في رسالة القاضي عبدالله الحجري إلى الشيخ الأحمر- لدى تهدئته لخواطر المتشددين منهم ممن ظلوا موضع رعايته الشخصية ورعاية الحكومة السعودية ككل منذ الاتفاق في مارس 1970م على إتمام المصالحة الوطنية في مايو 1970م والاعتراف بالجمهورية في يوليو 1970م.

باشر الأمير سلطان من يومها، في الجانب العسكري رسمياً، اتصاله بالمسؤولين العسكريين اليمنيين كالفريق حسن العمري عضو المجلس الجمهوري والقائد العام للقوات المسلحة، والعقيد حسين المسوري رئيس هيئة الأركان، ويزود الجيش اليمني بالاحتياجات المطلوبة والواردة رسمياً في ثنايا الزيارات العسكرية اليمنية منذ يناير 1971م.

ومن موقع مسؤوليته الرسمية عن الملف اليمني، تصدر أهم المباحثات مع رؤساء الحكومات اليمنية كالقاضي عبدالله الحجري في مارس 1973م بشأن تثبيت الحدود المشتركة وفق ما حددته معاهدة الطائف المبرمة عام 1934م بشكل نهائي ودائم دون تجاوز لها، حسبما هدف أعضاء الجانب اليمني المشاركين في المباحثات.. وكذا التباحث مع الدكتور حسن مكي في مايو 1974م لجلب معونات السعودية للحكومة اليمنية لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية، وتحديداً إعادة تدفق دعم الموازنة المقر منذ عام 1971 – 1972م في آخر حكومة للأستاذ محسن العيني في عهد الرئيس الإرياني.

وإذ تموج التيارات السياسية في اليمن، وتجد متنفساً لإثبات وجودها المثير لحساسيات محلية وخارجية، تخوض صراعاً مع الوجاهات التقليدية اليمنية أسفر عن الإطاحة بالرئيس الإرياني وصعود العقيد إبراهيم الحمدي لرئاسة الدولة في 13 يونيو 1974م، ويستمر الحرص اليمني على توطيد العلاقات مع المملكة وتعبر عنه زيارات وفود برئاسة الحمدي وابتعاثه مسؤولين من صلب الحركة ليلقوا ترحيباً سعودياً بالرئيس الجديد بفعل المعرفة المسبقة والالتقاء المبكر معه حول تنقية الساحة من أسباب أي توتر في العلاقات أكانت حزبية مستوردة كتلك التي تبدي تبرماً من صفو العلاقات بين البلدين أو محلية لم تخلص من أسر الحزازات المضرة، والتي تبنى الرئيس الحمدي وهو نائب للقائد العام حسماً محموداً تجاهها لدى الجانب السعودي، كما أوضح سنان أبو لحوم في الجزء الثاني من مذكراته «اليمن حقائق ووثائق عشتها»، عن تفاصيل لقائه بالأمير سلطان في يوميات شهر يونيو 1973م.

وفي فترة الرئيس الحمدي والملك خالد بن عبدالعزيز، ترأس الأمير سلطان بن عبدالعزيز الجانب السعودي في مجلس التنسيق السعودي اليمني الذي تأسس خلال زيارة رئيس الوزراء عبدالعزيز عبدالغني في أغسطس 1975م تحقيقاً لفكرة وزير الخارجية الأسبق عبدالله الأصنج، ويتمخض عن أول اجتماع لذلك المجلس في جدة دعم سخي قدرته بعض المصادر بمليار ريال بغية إنجاز عددٍ من المشاريع التنموية التي حمل جدولها الوفد اليمني يومذاك.

وتطورت علاقات البلدين ببلوغها ذلك المستوى العصري عبر التنسيق المشترك لمشاريع تنموية اقتصادية وبنى تحتية تمت جدولتها يمنياً لتخصيص الدعم اللازم لها سعودياً عبر رئيس الجانب السعودي الأمير سلطان الذي يرد الزيارة للجانب اليمني في أبريل 1976م بعقد الاجتماع الثاني للمجلس وسط العاصمة صنعاء، وتبدأ سلسلة زياراته لـ«بلده الثاني» حسب خطاباته، ويلقى استقبالاً رفيع المستوى رسمياً وشعبياً.. مما يذكر بقول بعض عارفيه عنه وعن ابتسامته الموصوفة «بجواز مرور إلى مختلف المواطن التي تتجاوز لدى زيارته لها كل بروتوكول فتعامله كملك غير متوج، وسلطان بغير بيعة».

وعلى نحو مغاير لما ظلت تروجه ماكينات إعلامية ورسخته حزازات قديمة بتصويره وبلاده كمضاد لاستقرار اليمن.. وفي سياق سرد اليوميات والوثائق خلال عهد الرئيس الحمدي، يمر كتاب «اليمن حقائق ووثائق عشتها ج 3.. سنان أبو لحوم» بجملة أحداث داخلية في خضمها المواجهات المباشرة بين سلطات الدولة ومشايخ القبائل آخر عهده، ودور المملكة والاتصالات القبلية مع أمير.. أو «سلطان الملف اليمني».. لكسب تأييده لموقف المشايخ الذين يشكون ما يقابلون في المملكة من موقف «غامض ومحير»، «لصالح إبراهيم»، «ممن بعضهم متقيد بنهج دولته».

ثم يَرِد الردُ من الأمير سلطان «على حسن الثقة بدور المملكة بمعالجة وتسوية الخلافات القائمة»، وبما له من سلطان في النفوس، عدّه بعض المشايخ «ضغطاً وفرضاً»، فنصحت رسالتاه إلى الشيخين الأحمر ومجاهد أبو شوارب، بالاتفاق والتفاهم وتصفية الجو مع الرئيس الحمدي «لخدمة اليمن الشقيق يمن الغد ويمن المستقبل الذي نتمنى له جميعاً الاستقرار ثم التطور والازدهار لما فيه مصلحة شعبه الشقيق».. حتى «لا يفلت زمام الأمور من يدنا ويدكم، ثم يتعرض اليمن إلى ما لا تحمد عقباه وهذا لا يتمناه لليمن إلا حاقد أو عدو يتربص بالفرص المناسبة لأحقاده وعدوانه».. «أما من جانبنا فإننا سنعمل للقيام بواجبنا نحو اليمن الشقيق من مشاريع وشق طرق وفتح مستشفيات ومدارس وكل مشاريع الخير لليمن، ولن يتسنى لنا هذا العمل إلا في يمن مستقر ومتطلع إلى الازدهار والتطوير في جو تسوده المحبة..».

ذاك شأنه في الشمال اليمني الذي دفع الحكومة السعودية إلى التواصل معه، بجانب اجتهادات التلاقي والتفاهم المبكر، تطرف قادة الجنوب اليمني الذين اعتنقوا أيديولوجيات مغيرة على العقائد السائدة في المنطقة، وتحديداً المملكة التي رأت تلك الأيام ومن خلال ملكها الفيصل وأمرائها، وبينهم سلطان، ما لا يستسيغونه من جموح وجنوح إلى العداء أدى إلى مواجهات إعلامية عنيفة ثم مناوشات حدودية، كرست خطاباً مستفزاً تجاوز الحد المعقول، حتى استعدى الشمال اليمني نفسه، وترسخ انفصال شطري اليمن، وذاك مما ميز بين نهجين مختلفين تبدى اختلافهما أيضاً في رفض الشطر الجنوبي حضور المؤتمر الإسلامي بجدة عام 1970م.

إلا أن إبداء المرونة من الجانبين السعودي واليمني الجنوبي بعد ذلك بأعوام من خلال وساطة سرية مصرية عبر الوزير أشرف مروان لدى الملك فيصل قبيل استشهاده، واكتمال وضع سيناريو الالتقاء الدبلوماسي بين البلدين في عهد الملك خالد، لدى الأمير سلطان صاحب اليد الطولى في تطبيع العلاقات -حد تعبير وزير خارجية الجنوب السابق سالم صالح محمد- بعد إعلان الأمير فهد ترحيب بلاده بالحوار مع عدن عام 1975م، مكّن من صدور بيان رسمي حول تطبيع العلاقات أو «إقامة علاقات طبيعية» في مارس 1976م، ثم استقبال عدد من كبار المسؤولين السعوديين الملك خالد والأمراء فهد وسلطان ونايف وسعود الفيصل، لوزير خارجية اليمن الديمقراطية محمد صالح مطيع في 2-5 مايو 1976م ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى مستوى سفارة، وتمد المملكة يد العون والشراكة في «تطوير مصفاة عدن ورفع طاقتها الإنتاجية أكثر من 8.600.000 طن سنويا تساهم المملكة بنسبة كبيرة من تكاليف تطويرها».

وإذ تُعد تفاصيل العلاقات باليمنين شماله وجنوبه لدى سلطان، يشارك في لقاءات القمة اليمنية الجنوبية – السعودية خلال 31 يوليو – أول أغسطس 1977م لدى زيارة الرئيس سالم ربيع علي ومباحثاته والملك خالد ثم اجتماع العمل مع الأمير فهد، وما انطوت عليه من تأكيدات على حقوق تاريخية لدول المنطقة في الجزيرة والخليج في «السيطرة على مواطن الثروة» والاتفاق على «جعل البحر الأحمر منطقة سلام».

غير أن تعثر العلاقات مع الشطر الجنوبي منذ عام 1978- 1981م عند عقبات طارئة لأسباب داخلية هنالك، تجاوزتها تمنيات صريحة للأمير سلطان عام 1980م عبر لقائه بصحيفة الجزيرة السعودية «باستتباب الاستقرار والهدوء لدى الجيران من الإخوان العرب في اليمن الجنوبي».

وفي اليمن الشمالي ظل ارتباطه به منذ تولي الرئيس علي عبدالله صالح يقوى يوماً بعد يوم، بما امتد إليه من عون سخي في الجانب التنموي أو تنسيق سياسي، وتوالت زيارات الوفود إليه واتصالاته بالمسؤولين هناك لمختلف الشؤون والقضايا المصيرية المشتركة.

وبتعيين حكومة جديدة برئاسة الدكتور عبدالكريم الإرياني في أواخر أكتوبر 1980م يتواصل انضباط اجتماعات مجلس التنسيق السعودي اليمني المشترك سنوياً وتنعقد ثلاث دورات (1981-1983) إحداها في صنعاء عام 1982م فتحسب للأمير سلطان الزيارة الثانية بعد ست سنوات من الزيارة الأولى 1976م.

وإذ تشهد الساحة السياسية المحلية والإقليمية والدولية مفاجآت من نوع حرب الخليج عام 1990م الذي سبب تباين وجهات النظر السعودية واليمنية، وبروز انتقادات للجانبين من هنا وهناك، لم تنقطع الصلات الشخصية للأمير سلطان بأصدقائه اليمنيين بل ظل بصدره الرحب وبسمته المعهودة ووجهه البشوش يستقبل وفوداً شعبية ترى فيه استحقاقه لصفة «أبو اليمنيين» التي أثبتتها بعض وثائق اللواء يحيى مصلح الواردة في مذكراته «شاهد على الحركة الوطنية».

وتسببت حرب صيف 1994م في قطع الأمير سلطان إجازته الخاصة في روما بإيطاليا حيث كان ينتوي قضاء بعض الوقت للراحة وإجراء فحوصات طبية ووجه لوسائل الإعلام كلمة نشرتها صحيفة أم القرى 13 مايو 1994م تناول فيها الموقف السعودي من الوحدة اليمنية عام 90م وما تبعها من تطورات مؤسفة:

«.. اندلاع القتال في اليمن الشقيق وما أسمعه وأشاهده في وسائل الإعلام جعل الألم والحزن والأسى يعتصر قلبي لما أعرفه عن اليمن قيادة وشعباً وقبائل وما تربطني بهم من صداقات وتجارب قديمة.

وكنت شخصياً ممن خدموا اليمن وسعوا لتنميته وعملوا على تشجيع قيادته معنوياً ومادياً على النهوض بالشعب اليمني.

وأمام هذا الحدث الأليم الذي يعصف باليمن تضاءلت في عيني راحتي الشخصية وصحتي فقررت أن أعود إلى مقر عملي لأكون رهن إشارة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين اللذين هما على اتصال مستمر وجاد مع أشقائهم من ملوك ورؤساء الدول العربية بهدف تجنيب اليمن هذا المصير الأليم الذي نراه ينزلق في هوته.. خاصة أن أبناء الشعب اليمني سعوا إلى بناء هذه الوحدة بين الشطرين التي باركتها المملكة العربية السعودية حال قيامها بروح المحبة والتفاؤل وترقب مستقبل أفضل.

وعندما ظهرت الخلافات لم نستغربها، فالأشقاء يختلفون والأصدقاء يختلفون أما أن تتعطل لغة الحوار بين الأشقاء ويلجأ الأخوة إلى حل خلافاتهم بسفك الدماء وإزهاق الأرواح وإهدار الطاقات وتدمير المكاسب التي لم يصل إليها شعب اليمن إلا بكثير من العناء فهو أمر يحزن كل عربي وكل مسلم ويدمي القلوب المحبة لليمن الذي نكن له الحب والتقدير.

وأسأل الله مخلصاً من أعماق قلبي أن يهدي الأشقاء في اليمن إلى حل خلافاتهم بتحكيم العقل والمنطق والحوار الهادف إلى مصلحة اليمن وأبنائه».

وتزامنت دعوات الحكومة السعودية في جلسات طارئة برئاسة النائب الثاني سلطان أحياناً -بعد صدور قراري مجلس الأمن 924- 931- بالحوار ووقف إطلاق النار مع قرب موعد انتهاء الحرب في يوليو 1994م وتثبيت الوحدة بتضافر القواعد الشعبية مع القمة السياسية والعسكرية، لتبذل محاولات ترميم العلاقات الثنائية متوازية مع ما طرأ عليها من احتكاك حدودي، كثف جهود المتصلين سياسياً بالأمير سلطان كالشيخ عبدالله بن حسين الأحمر والأستاذ عبدالقادر باجمال بعد قضاء ما يقرب من شهرين في المملكة لإبرام مذكرة التفاهم الحدودية بين اليمن والسعودية في فبراير 1995م، ثم تجري زيارة رسمية من رئيس الوزراء عبدالعزيز عبدالغني لتنقية ما علق في الأجواء، وزيارة الرئيس علي عبدالله صالح في يونيو من نفس العام، ثم يتقرر لاحقاً إنشاء اللجنة السعودية اليمنية العليا برئاسة الأمير سلطان والشيخ الأحمر، فتنعقد أولى دوراتها في شتاء 1995م، وثانية الدورات في صنعاء صيف 1996م.

وبقيت مسألة الحدود معلقة في إحدى جزئياتها التي جمعت الرئيس علي عبدالله صالح والأمير سلطان 1997-1998م في منتجع كومو الإيطالي الذي أثّر -كما يصف د. الإرياني لبرنامج حديث الخليج بقناة الحرة سبتمبر 2008م- على الأجواء فجعلهما هناك يرسمان الخط الحدودي النهائي للبلدين فكانت فضيلة الرجوع إلى حق الأخوة محسوبة للجانب السعودي حسب د. الإرياني.

ولاستئناف مسيرة 35 عاماً من التنسيق المشترك وانتظام دورات مجلسه اليمني السعودي، بلغت قيادتا البلدين 12 يونيو 2000م وبحضور ولي العهد عبدالله بن عبدالعزيز والأميرين سلطان ونايف إلى جانب الرئيس علي عبدالله صالح وقع بالأحرف الأولى الوزيران الدبلوماسيان سعود الفيصل وعبدالقادر باجمال معاهدة جدة الحدودية بين اليمن والسعودية، وإذا بفصل من فصول الاحتكاك الحدودي بين الجارين الشقيقين ينطوي؛ دون أن ينطوي من صفحات التاريخ تاريخ سلطان بن عبدالعزيز وحكايته مع اليمن، الأوسع من أن تختصر في كلمات قليلة عن سيرة طويلة عنوانها الخير، الذي جعله يقرّب الشيخ ويعامل المدني ويحترم القاضي، ويداري بحلمه وكرمه المسيء، ويسوس ملفاً معقداً بشكل جاذب للتفاعل معه.

وإذ استروح التعامل مع شخصيات يمنية محددة لم يغلق بابه أو يصد من يختلف نهجه عمن يروقه نهجهم بل يستمع نصحهم إكراماً لقدرهم ثم يمضي إلى ما يعتقده صواباً.

ولئن صوروه وسخاءه بأمواله –على بعض اليمنيين- يضمر شراً، فقد أظهرته أقواله وأفعاله -تجاه اليمن- يسدي خيراً يعبر عن «الاهتمام بالدور الكبير الذي يلعبه اليمن الشقيق في المنطقة العربية» أحد تصريحاته لصحيفة الشرق الأوسط عام 2007م.
03:07 | 24-07-2020

تركي الدخيل.. سفيرُ الأفكار بين دول الاستقرار

«يَسُر فؤادُ كل محبٍ» لوطنه وأمته، أن يلقى سارياً -وهادياً أيضاً- في رِكاب رعاية مصالح البلدان والشعوب الشقيقة والصديقة، ذوي فكر خلاق يمتلكون ناصية الأدب ويتبوأون مواقع عبرها يجوبون الآفاق فيبينون الحقائق، ويبنون صروح معرفة ووعي بكلمة تتسع بها «مدارك» كل من يخوض «معارك» مواجهة التحديات، لا سيما في بلدٍ جار وشقيق يُعَدُ حليفاً مهماً بل وشريك مصير.

في محاضرةٍ وصلَت الأزمنة ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، والسياسة بالاقتصاد، والتاريخ بالإعلام، ومدى التنسيق بغية توثيق «العلاقات السعودية الإماراتية في ضوء التحديات المشتركة»، ألقى سفير المملكة العربية السعودية لدى دولة الإمارات العربية المتحدة تركي بن عبدالله الدخيل محاضرته، وقدم نفسه باحثاً عميقاً عن جذور علاقات الجارين الشقيقين المتميزة، يتحرى التدقيق لترسيخ القناعة، باسطاً الأرقام لتبيين الحقيقة. مُدللاً في ذات الوقت على صدق الولاء الوطني بالوفاء للأشقاء.

من السهولة بمكان أن يقتحم الدبلوماسي اللامع مجال تأريخ علاقات يجتهد -تحت ظل (وبتوجيهات) قيادته- لتطويرها، إذ ليس بـ«دخيل» على ذلك وهو رائد أصيل في فضاء الإعلام والأبحاث والدراسات والـ«إضاءات» الفكرية والإعلامية التنويرية التي تفرض على محترفيها قَدَر التحول إلى مؤرخين، فيرجع إلى التاريخ «.. وما أحلى الرجوع إليهِ» تغذيةً للحاضر، كما يقول، وتأصيلاً لمستقبل يحقق المزيد والأفضل، حسب المأمول.

وجدير به تقديم المزيد والأفضل طالما «دخل» المشهد الدبلوماسي تؤهله ثقافته وخبرته وشخصيته لكي يؤدي دوراً إيجابياً بالقول والفعل وسط «رَبْعٍ» حاضن للمبدعين لمع نجمه الأدبي الإعلامي وسط سمائه، من قبل فجاء مُدرِكاً تفاصيل وأبعاد وآفاق وخلفيات الصلات التاريخية والمتجددة والإستراتيجية بين جارين شقيقين يربطهما «تحالف الاستقرار»، حسب توصيفه.

السفير تركي الدخيل ما ترك حِرفته وقلمه، أو حَرفَ بوصلته أو قلّمَ انشغاله بمُهِمَتَي «الإضاءة» و«الإضافة» التنويرية بل ضاعفها بعدما دلف بوابة الدبلوماسية، وطوع بَنانَه يرص بُنياناً من الوعي بالمشتركِ من التحديات الراهنة والمتشابهات التاريخية والتطلعات المستقبلية.

ففي محاضرته الملقاة على جمهور مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية بأبوظبي آخر يوليو 2019، حدد السفير الأديب المخاطر السياسية والفكرية والأمنية، الخارجية الإقليمية و«الديناسية: دينية-سياسية» المحدقة بالبلدين والمنطقة ككل وأدواتها الشقية المعروفة، التي لوجودها نشأ تحالف عواصم «دول الاستقرار» أبو ظبي – الرياض وتطابقت رؤاهم.

عقب إلقاء تلك المحاضرة بأيام (أوائل أغسطس)، تدهور المشهد وسط اليمن الذي يُلِم الأديب الدخيل بأحواله وأهواله من وقت مبكر وأمسى «جوهرة بيد (كُل) فحام»، وازداد تفشي هجمات إعلامية مشككة بعلائق الحليفين نتيجة تطورات «اليمننة (المحتاجة إعادة النظر)». فأثبتت صفحات محاضرة السفير السعودي لدى الإمارات عن العلاقات أنها «زادت طِيباً» نتيجة معرفته دخائل الموقف وكيفية احتوائه من جانب القيادتين السعودية والإماراتية وتفاهمات وليي عهدي البلدين: محمد بن سلمان ومحمد بن زايد، والزيارات المكوكية من جانب الأمير خالد بن سلمان بغية التنسيق المشترك ومعالجة الأوضاع اليمنية بما يعزز «التحالف الراسخ»، وإذا كان «لا ينبئك مثل خبير»، فما بالك بمطلعٍ على خلفيات «التفاهم» جاء يُدوِّن بشكل حصيف أجواء تحالفهم ضد الفوضى والفتن، وهو «تحالف يحقق نصراً أكبر من كل المعارك» حد تعبيره ويجلب نفعاً «يسهم في خير الناس»، فيرسخه بالبيان الشافي والكلمة الطيبة داحضاً ما عداها.

قطعاً.. لا يستدل السفير المحاضر والباحث أو يوثق للتاريخ تغريدات ولي عهد أبوظبي سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وسمو الأمير خالد بن سلمان والوزير أنور قرقاش -في هذه المسألة وغيرها- دون أن يكون شاهداً على صدق حروف التغريدة وحاضراً كواليس الموقف. كذلك أثنى على وأد الأمير خالد الفيصل شائعات الخلاف بتعبيره القاطع: «السعودي إماراتي، والإماراتي سعودي». كما اتصل بسميه الأمير تركي الفيصل يسجل شهادته عن وصية الشيخ زايد لأبنائه بتوثيق علاقتهم بالسعودية، «فهي العزوة إذا جار الزمن».. وزاد يؤكد حقيقة تشابه المسير التاريخي والمصير الوحدوي السعودي والإماراتي، وما لقيه الأخير من دعم سعودي أثناء مراحل تكوين الاتحاد.

بكل ذلك وأكثر وسع سفير الأفكار بين دول الاستقرار، محاور المحاضرة، فحلل الخلل بعمق وعَلل العِلل بعقل، استناداً على إشارات وتحليلات علمية لدوافع التشكيك والهجمات من «أمم الفيسبوك وقبائل تويتر وبقية جماعات وسائل التواصل الاجتماعي»، والمبنية على «شبهات يمكن تصديقها» حد قوله، وكذا «احتراف صناعة أخبار لا تُبنى على وهمٍ محض» حسب محاضرته التي أوضحت سطورها مدى انتشار تلك الحملات المدفوعة بمقولة الدخيل: «الخبر الصادق قد لا تتجاوز مشاركته 1000 مرة، في حين تتجاوز مشاركة الخبر الزائف 100 ألف مرة»..

هكذا تنطبق مقولة أبي العلاء المعري: «للكذب سوقٌ ليست للصدق»!

هنا نرى حنين الفتى «لأول منزلِ» وانشداده «للحبيب الأولِ»: الإعلام.. إذ -والقول مقتبس منه- «يأتي بدروس تعلمها من تجربته»، فيرى أن علاج فايروس (كورونا) الإعلامي يكمن في «.. تكثيف البرامج الحوارية السياسية الجادة، التي تُقدم تحليلات نقدية عميقة لرفع الوعي لدى الجمهور المستهدف، وهو تحدٍ كوني لمواجهة تصدع الحقيقة والأخبار الكاذبة».

بدت المحاضرة - المبادرة بحثاً أكاديمياً دبلوماسياً يواجه لغو المغرضين و«المحورين.. الماكرين»، أوجب طبعها وإصدارها كتاباً عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية شهر ديسمبر المنصرم، ضمن «مبادرات رفع الوعي بقيمة التحالف ومبادرات الدبلوماسية العامة والشعبية» التي يقترحها علاجاً ناجعاً، جامعُ فنون الأدب والإعلام والدبلوماسية: تركي الدخيل مُتقناً أيضاً (مع مركز الإمارات) فن اختيار الوقت المناسب للنشر.

نبذة عن الكتاب: الكتاب رقم 230 ضمن سلسلة محاضرات الإمارات، رئيس التحرير البروفيسور جمال سند السويدي. صادر عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، يقع في 102 صفحة: اشتملت مواضيع الكتاب من التمهيد والمقدمة حتى الخاتمة العناوين التالية:

فلسفة التحالف: جذور التاريخ تغذي الحاضر، دعم السعودية لتكوين اتحاد الإمارات، مجلس التنسيق السعودي الإماراتي صفحة جديدة من التكامل، تعاون اقتصادي وثيق يعزز العلاقات، مكافحة التطرف ومواجهة تيارات الإسلام السياسي، عاصفة الحزم ترجمة التكامل، الموقف الرباعي لمكافحة إرهاب الدولة، مستقبل الشراكة في ضوء تحدي الأخبار الكاذبة، تجاوز التحديات بتعزيز التفاهم: الحدود مثالاً، كيف يمكن هزيمة التحديات الإعلامية، 92 هامشاً لا تقل أهمية بعضها عن المتن.

صحافي وباحث سياسي يمني

LutfiNoaman@
02:11 | 9-02-2020