أخبار السعودية | صحيفة عكاظ - author

https://cdnx.premiumread.com/?url=https://www.okaz.com.sa/uploads/authors/1130.jpg&w=220&q=100&f=webp

زيد الشكري

أنا حزين أيضاً يا سمو الأمير

«أحزن كثيرا عندما يعتقد أي وزير يمثل المملكة العربية السعودية أنه الوزير الملهم والقائد المحنك..... ولولا تمثيله لهذه الدولة ما كان له قيمة»، هكذا عبّر سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في المؤتمر السعودي للإعلام في فبراير الماضي عن سلوك بعض المسؤولين الذين يكونون في موقع تمثيل المملكة.

لا أعتقد أن ما دفع الأمير للحديث على هذا النحو من الألم والحزن إزاء ما رآه ولاحظه، هو مجرد تعليق على حالة عابرة. لقد كان جلياً أنه إنما اُضطر إلى ذلك اضطراراً، أو بحسب التعبير النجدي العبقري «حدّوه على أقصاه»؛ إذ بدا أن عدم استشعار بعض المسؤولين الذين يمثلون المملكة بأن قيمتهم ليست مستمدةً من ذواتهم، بل من الدولة التي يمثلونها، موضعَ جرحٍ وألمٍ لمن كان في قلبه مثقال ذرةٍ من حبٍّ للوطن.

ومحاولةً لفهم مضامين حديث الأمير، أرى الوقوف على أمرين في التصريح: الأول، بدا أن الحديث كان عن التمثيل الخارجي. والثاني، أن الحديث يلخص ظاهرةً متكررة، لا حدثاً عابراً.

فإذا اتفقنا بأن الحديث عن تمثيل دولي، وظاهرة، يمكن القول هنا بأن من يتابع أهم الفعاليات الدولية، حيث يكون الجمهور من فئة فخمة جداً، وأدوات التلقّي لدى هذه الفئة معقّدة، إذ هي طيفٌ من صنّاع قرار على مستوى عالٍ جداً؛ كرؤساء وزراء ووزراء خارجية ودفاع ومسؤولي منظمات دولية، وخبراء اقتصاد وسياسة وغيرها، سيدرك من يتابع -تمام الإدراك- أهمية الإشارات الضمنية في تصريح الأمير حول استحضار المسؤول لطبيعة تمثيله لوطنه؛ وفهم طبيعة المنصة التي يذهب إليها، وأن يتسلّح بمعرفة عميقة حول آليات صناعة التأثير، وإيصال الرسالة، عند التوجّه بالحديث إلى هذه الشريحة تحديداً من الجمهور.

لا أشك أن حديث سمو وزير الطاقة قد بعث على الفضول لدى الكثير حول هذا الموضوع للبحث أكثر -وكاتب هذه السطور أحدهم-، وهو ما قمتُ به للاستفاضة في التأمل والمراجعة والاستقراء. لقد شعرت بحزن الأمير -بحق-، وتعبير الحزن ربما هو وصفٌ يقع في غاية اللطف. لذا هنا 3 رسائل ودية إلى معالي المسؤول الذي يمثل الوطن خارجياً.

الأولى.. معاليكم، صدقني أن إتقان اللغة الإنجليزية، والتأنق في استخدامها، دون أن تحمل أفكاراً إستراتيجية، لن يكون لها أي قيمة أمام جمهور عميق لا ينتمي لفئة مدونين أو مجموعة من المؤثرين الطارئين على الشبكات الاجتماعية، بل هو جمهور خرج في معظمه من رحم مؤسسات عريقة في السياسة والحكم والاقتصاد وإدارة الدولة.

فحتى لو كنتَ -أيُّها المسؤول- شكسبير في لغتك الإنجليزية، فإن هذا النوع من الجمهور لن يعبأ بذلك، سيعبأ فقط بالأفكار والطروحات العميقة التي يتم تقديمها. الدليل على ذلك، ما تظهره تقارير خلاصات المنتديات الدولية الكبرى (Outcomes)، إذ سيكون من اللافت أن تجد احتفاءً بمشاركة متحدثين من دول نامية وفقيرة. وعندما تتأمل أكثر، ستجد أن بعض هؤلاء المتحدثين يتهدّج عندما يتحدث الإنجليزية، ولا يفرق ربما بين فعل المضارع البسيط والمضارع المستمر، ولا بين Have, has, had، لكنهم راهنوا بكل بساطة على العمق في الطرح، والرصانة في الرسالة، واستشعار مسؤولية تمثيل أوطانهم، فحظي حضورهم بالاحتفاء والإعجاب والقبول.

الرسالة الثانية.. أرجوك معالي المسؤول، تذكّر أن الجمهور السعودي هو جمهور ذكي جداً، واكتسب من الفهم العميق للأشياء -لاسيما دولياً- الكثير؛ إذ هذّبت رؤيته خمسة أعوام من حرب التنمية التي يقودها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. إنها حرب الأعوام الخمسة التي عارك فيها السعوديون بكل براعة أعتى مؤسسات العالم تأثيراً من مختلف أطياف صناعة التأثير؛ بما في ذلك صحف، وقنوات، ومراكز فكر وغيرها. لذا، يُحزن هذا الجمهور أن يراك تتوسّل إلى الداخل لتضخيم مشاركتك على نحوٍ لا يتوازى مع ما حقّقته هذه المشاركة دولياً. هذا جزاءٌ فيه حيفٌ بحق الوطن، فالوطن الذي بوَّأته عظائمُ الأمور موقع الريادة والقيادة بين أمم وشعوب الأرض، ليس بحاجة للاحتفاء بصغائر الأمور.

ثالثاً، أرجوك أيها المسؤول، تذكّر أن هذه الدولة بحكّامها وقياداتها منذ تأسيسها، ظلّت تبهر العالم بالأفعال لا الأقوال. فقط تأمل الخمسة أعوام الأخيرة، لقد تطاولوا على بلادنا من كل حدبٍ وصوب، وأقبلوا في زُمُرٍ أرهقها الوهم، وغرّتها الأماني، ثم ما لبثوا أن تضاءلوا وتقازموا، ثم سقطوا تحت حوافر الأفعال لا الأقوال، أمام الصمت الرصين، والحضور الحكيم، لا الحضور الخالي من الحضور.

لذا أيها المسؤول.. اسمح لنا أن نشاركَ الأمير حُزنَه، ونقول: إنه ليس حزنك فقط يا سمو الأمير، بل حزن جميع السعوديين.
00:01 | 14-04-2023

في يوم الوطن.. أجمل 24 دقيقة

في يوم الوطن، يمكن أن تقرأ الكثير من الكتب عن شخصية الملك عبدالعزيز، لكن أجملها وأروعها ليس كتاباً، بل حديث مصوّر ومدوّن على اليوتيوب للأمير عبدالله الفيصل، وهو يتحدث عن شخصية الملك عبدالعزيز.

24 دقيقة على اليوتيوب، ستلخص لك بكل جدارة وعبقرية شخصية الملك عبدالعزيز، فهي حديث شاهد على لسان حفيده الذي عاش معه جزءاً من تلك الحقبة الجميلة.

وعندما تَفْرُغ من مشاهدة المقطع، وطُلِب منك تدوين عدد من سمات شخصية الملك عبدالعزيز، لن تخرج في الغالب عن 4 سمات، وستُفاجأ أنها سمات لا يمكن أن تتوفّر بسهولة في أي قائد. والأروع من كل ذلك، هو أنك عندما تستمع لحديث الأمير عبدالله الفيصل عن الملك عبدالعزيز - رحمه الله -، ستجد أنك تخوض في بحر لا منتهٍ من الدهشة والإعجاب، لذا قد تلاحظ أن من أهم هذه السمات: العطف، الشجاعة الرصينة وغير المتهورة، الحديث القليل والفعل الكبير. وأجمل من كل ذلك هو «عدم الانكسار». وهذه هي السمات التي ظلّت تمثل ثقافة شكل تطور الدولة وازدهارها على مدى عصورها.

وفي هذا اليوم العظيم، أزعم أن أجمل شيء يمكن أن تهديه للوطن في يوم الوطن، هو استذكار عرض الأُسس التي كوّنت هذا الكيان ليفهمها الجيل الحالي والأجيال القادمة، بهدف فهم كيف تطور هذا الوطن عبر رجالات مخلصين وأذكياء، ويتمتعون برؤية تسبق حاضرهم إلى المستقبل.

في حديث الأمير عبدالله الفيصل عن حنكة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - أنه كان يستمع بعناية للآخرين، ويجمع كل أحد في مجلسه، ويستمع لكل أحد حتى ينتهي، ويعطي كلَّ أحدٍ فرصته، ثم يقرر وفقاً لهذه الأسس الاستراتيجية.

وفي يوم الوطن، نعيد التذكير بالأسس التي قام عليها هذا الكيان العظيم..
00:39 | 25-09-2022

غزارة في الإنتاج.. وسوء في التوزيع

هذه مقولة الكاتب البريطاني الشهير برناردشو عندما سُئل عن سرّ «كثافة الشعر في لحيته، لكنه أصلع»، فأجاب على غرار المذهب الاقتصادي: غزارةٌ في الإنتاج، وسوءٌ في التوزيع.

هذه المقولة توصّف بجدارة ظاهرة اتصالية في المنظمات. كيف؟ تأمل لوهلة، وستجد هذا الولع الرهيب لبعض المنظمات في الرغبة بالحضور الدائم سواء عبر التغريدات أو الأخبار والفعاليات أيضاً. ثم هنا -وهو المهم- تساءل عن النتيجة أو المؤدى النهائي لهذا الهوس بالحضور، هل هو حضور ينتهي ببناء صورة أو صناعة حضور، أم مجرد تسجيل حضور؟

شخصياً، عندما تأملت الموضوع بالملاحظة العامة لا البحث الإحصائي والتحليلي المتخصص، وجدت أن الموضوع لا يعدو كونه تطفلاً ورغبةً في تسجيل حضور، لا علاقة به بصناعة تأثير أو تكريس صورة. بل على العكس، بدا لي كما لو كان وصفة مدمرة لصورة المنظمة، وتأسيساً للتقليل منها، وعدم احترامها، بتكلّف صناعة حضور مزيف لها.

وهنا، أطرح - في رأيي- أبرز أسباب المشكلة لهذا الحضور السلبي، وتكمن في استحضار بعض الركائز الإستراتيجية الاتصالية، ومنها:

1- بعض القائمين على الاتصال في المنظمات ينهارون أمام رغبات المنظمة في تسجيل حضور دائم، دون أي هدف أو معنى لذلك. وبعض هذه المنظمات من فرط نهمها في الحضور تشعر كما لو كانت في منافسة مع نجوم السوشال ميديا ومشاهير سناب شات.

2- عدم الوعي بأن «الغياب أحياناً حضور». ملاحقة الحضور لا يعني شيئاً. فالمنظمة لها شخصيتها، لذا عندما تكون وقورة ومتزنة، فحتماً لن تمضي في المبالغة لتعظيم وجودها، لأنها تثق بأن عملها وما تقوم به، هو من يتحدث عنها.

3- الممارسة الاتصالية التي ينعزل فيها ممارس الاتصال عن رأيه الاتصالي، تكون هنا خسارته لقيمته المهنية والاتصالية، وتعني أنه -مع الأسف- غير مستقل ولا صادق. لذا يجب تذكر أن الأمر يتعلق دائماً بصيانة مصلحة المنظمة، وأن الموضوع يتجاوز المجاملات الشخصية، وسيكون على حساب مستقبل وسمعة المنظمة ومنسوبيها.

4- غياب القدرة على استيعاب هذا المفهوم الاتصالي العبقري، وهي أنك كممارس اتصال، سيكون أمامك دائماً خياران اثنان لا ثالث لهما. أولاً، إمّا أن تكون جزءاً من صناعة القرار وصياغة التوجهات الإستراتيجية، وهذا يعني أن تكون جريئاً على نحو يحفظ للمنظمة صحة توجهاتها ووقار حضورها. والخيار الثاني، أن تكون مجرد منفذ لتوجهات الآخرين في المنظمة، وهذا يعني أنه ربما تؤدي الحد الأدنى المطلوب منك، لكن هذا بالتأكيد يعني أنه يعوزك الإبداع والجرأة والقدرة على اجتراح الحلول لمصلحة المنظمة.

5- تقليد الجهات لبعضها اتصالياً أمر شائع، ويتم على نحو تقليدي، إذ تجد منظمات تتفاعل مع موضوعات ربما لا تتقاطع من توجهاتها الإستراتيجية ولا تخدمها. وهذا برأيي لا يقدّم سوى تفسير واحد، وهو أن المنظمة تتوارى خلف الإخفاقات، وربما لا يوجد لديها بضاعة لتقدمها، وربما أيضاً أن لديها عملاً حقيقياً لكنها لم تعرف قيمته أو طريقة طرحه وتقديمه.

ختاماً، نعيد مقولة برناردشو «غزارة في الإنتاج، وسوء في التوزيع» التي تعني اتصالياً: لستَ مجبوراً على الحضور إذا لم يكن لديك ما تعرضه، وتذكر أن الغياب أحياناً حضور.
23:52 | 30-05-2022

«متى يا قبلة الدنيا عرفتي الذل والحقران»؟

هذا العنوان شطر من بيت لمهندس الكلمة المبدع الأمير بدر بن عبدالمحسن. لم يكن بيتاً موغلاً في التفاخر بقدر ما هو تعبير عن شخصية الدولة وتوجهاتها. وعندما نقول شخصية الدولة، فإن المعنى هنا هو الوفاء بالاستحقاقات التي يتوقعها منك الآخرون في هذا العالم، وهي استحقاقات من المهم معرفة أنها تاريخياً ضربت في عمقها قروناً من الثقة في إدارة الحكمة والاستقرار، والصدق في المكاشفة وعدم التلّون في المواجهة أو تغيير المواقف.

المشهد العالمي الجديد اليوم يتشكل؛ حيث ما يبدو أنه صراع النظام الجديد بين الشرق والغرب تحت غطاء النزاع الروسي-الأوكراني، وهنا يجب ملاحظة قيمة المملكة في حكمتها عند التفاعل مع هذا الحراك العالمي من حيث التموضع الواعي بأهمية أن تكون صاحباً للكل، وقيادة دور الوساطة لدعم التسويات السلمية، وتعزيز الرسالة الواضحة في تحقيق استقلاليتها الإستراتيجية.

من السخرية، المواربة والانقلاب الغريب في طرح بعض وسائل الإعلام الغربية ولاسيما الأمريكية التي كانت تسومنا سوء العذاب وتنتقدنا في كل شاردة وواردة، لتتحول اليوم هذه الوسائل إلى حمل وديع، ولتتحول أيضاً كـ«القط» الذي يستعين بحيل ناعمة لاستمالتنا، في تجاهل أو نسيان للمبدأ الثابت لدى المملكة والذي لا يتأثر بالمواقف والأحداث العابرة بقدر ما يتأثر بالتغير في المبادئ لدى الآخرين.

لكن أجد في هذه الوداعة الجديدة من قبل هذه المؤسسات شيئاً من الاحتقار لنا، فهو يفترض كما لو كنا بلا ذاكرة. وشخصياً أعتبر هذا الخطاب الجديد الذي لم نعهده منها من قبل، هو قناعة منها أو رسالة ضمنية أننا قد نروّج لدعاياتها وقصصها وتعزيز شعور أو فكرة بأنهم أعرف بمصلحتنا منا.

وفي ظل هذا الحراك، أعتقد أن المعركة الإعلامية على المستوى الدولي هي الأهم، لذا لا يجب أن نترك لأحد الفرصة لأن يستخف بنا إعلامياً، وتحديداً من وسائل إعلام أمريكية، والحذر في تفاعلنا عبر قنواتنا ووسائلنا مع محتواهم وأخبارهم وقصصهم عبر عدم إعادة تدويره واستهلاكه، لأنه يحقق لهم الهدف الذي يريدونه.

كما يجب ألا ننسى أن التفاعل إعلامياً مع الأجندة التي يفرزها الصراع الحالي هو مدفوع بالتاريخ الجديد وصراعاته وتحولاته، لذا لا مصلحة لنا إعلامياً في الترويج على نحو سلبي لمصلحة فريق على آخر، والاحتكام في ذلك لمصالحنا الإستراتيجية التي تحددها الدولة وتوجهاتها.

وختاماً، يجب أن نتذكر أن جزئية مهمة في قراءة أي موقف سعودي، فمن يعرف تاريخ المملكة، سيكتشف أنها لطالما بقيت ملتزمة بمبدئها التاريخي منذ التأسيس، وهو البقاء في موقف صناعة التأثير، وقد يكون ذلك عبر أوجه كثيرة، ومنها الحياد المؤثر، وهو هنا يعني لعب دور لا يضر بمصالحي، وبعدها الاستعداد للعب دور بناء يبعث على الاستقرار والتسوية اللذين يستفيد منهما كل العالم.
00:13 | 25-03-2022

كيف كشفت تهاني القحطاني عن العقلانية السعودية ؟

في مقابلة له مع تركي الدخيل في برنامج «إضاءات» قبل سنوات، لخص السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان السياسة السعودية في بضع كلمات واضحة ومباشرة، حيث قال: «المملكة العربية السعودية دولة تعمل في سبيل الخير وليس الشر. دولة معتدلة، وكلمتها صادقة. إذا وعدنا وفّينا، وإذا قلنا لا يعني لا، ولسنا مثل غيرنا يقول نعم ولا في نفس الوقت».

هذا الوصف من الأمير لفلسفة المملكة السياسية في تعاطيها مع الأحداث، لا يقتصر فقط على السياسة، بل هو أيضاً تلخيص لسمات الشخصية السعودية في كل المجالات، فهي عقلانية وواقعية ورزينة، لا تبحث عن بطولات متوهمة، ولا تحتفي بالشعبوية بحثاً عن مجد متوهم.

فالاحتفاء الذي حظي به مشهد ختام مواجهة تهاني القحطاني وراز هيرشكو في أوساط كثير من المؤسسات الصحفية الأجنبية، لاسيما تلك التي طالما ناصبت المملكة العداء، يؤكد هذه العقلانية السعودية المتفردة من نوعها؛ فهي دولة لم تطبّع علاقاتها مع إسرائيل، وهي أيضاً في قيادة وطليعة الدول التي تدين ممارسات إسرائيل، غير أنها -في الوقت نفسه- تعالت على توظيف الموضوع الرياضي سياسياً لتحقيق مكتسبات لا قيمة لها سوى لدى تلك الدول فقيرة القيمة والحضور؛ تلك الدول التي ما تنفك عن البحث عن مثل هذه المفرقعات لصناعة دور لم يتوفر لها في ميادينه الحقيقية.

ورغم التوحش في الحملات التي حاولت تشويشها والضغط عليها، صمدت البطلة تهاني القحطاني في تصرف حضاري ومتقدم حتى أكثر عن بعض من نراهم مفكرين ومثقفين من الذين سلقوها بألسنةٍ حِداد، لتسطر بذلك أهم معنى نبيل تقوم عليه المنافسات الرياضية، وهو تعزيز العلاقات الإنسانية والتذكير بأهمية تجاوز الاختلافات بين البشر عبر الرياضة.

غير أن أكثر ما يثير السخرية هنا، هو أن السعودية لم تطبّع، ولم تكن يوماً حليفاً لإسرائيل، ثم يأتي من يلومها من أولئك الذين ينامون ويستيقظون في حضن إسرائيل سياسياً واقتصادياً، بل وتآمراً على مصالح العرب، ليتحدثوا عن رمزية هذه الفعاليات الرياضية في إضفاء الشرعية على إسرائيل!

ومثل تلك الدول، ينبري في كل شاردة وواردة خليطٌ غريبٌ لا يجمعه سوى العداء للسعودية، وهو اليسار والإخوان، ليثلّبوا على السعودية كل ما تقوم به، مدفوعين في ذلك بحقد وكمد وخوف من أن تنطلق السعودية في مسيرتها التنموية، لأنهم يريدونها أن تبقى كما يتمنون ويريدون أن يروها؛ دولة متشددة دينياً، منغلقة اجتماعياً، رعوية اقتصادياً، متخلفة سياسياً.

لذا وفي ضوء ما تمخضت عنه تداعيات ردود الفعل على موضوع تهاني القحطاني، انكشف للجميع أن السعودية تعرف الميادين التي تسلّ سيفَها فيها، وتعرف -أيضاً- كيف تترك للمتسولين على موائد المجد، تلك الميادين الصغيرة التي لا يعبأ بها أحد.
01:55 | 1-08-2021

السعودية الجديدة: يا قصةً لستُ أدري كيف أرويها !

يمكن وصف قصة السعودية التنموية خلال الأعوام الخمسة الماضية، بأنها واحدة من أعظم قصص التنمية على مستوى تاريخ الدول. فهي أحرقت المراحل ليس على مستوى الخطط والإستراتيجيات فحسب، بل على مستوى خلق ثقة غير مسبوقة في قدرة السعوديين على إنجاز مشروعهم التنموي وفق رؤيتهم وظروفهم وحاجاتهم.

ومع هذا الحراك، تطور أداء مؤسسات الدولة على نحو ملفت وخلّاق، ويمكن ضرب الكثير من الأمثلة على هذا الصعيد، غير أن هذا المقال ليس بصددها، وإنما حول العنصر المفقود في كل هذه العملية التنموية الهائلة.

إنها قصة السعودية الجديدة التي يستحق أن يسمعها العالم أجمع. وعندما نقول العالم، فإن الهدف ليس البحث عن رضا الآخرين عنّا أو إعجابهم بنا، بل لأننا دولة قررت أن تخوض مشروعها التنموي عبر دعوة العالم لزياراتها والاستثمار فيها بكافة المجالات. فمثلاً وبكل صدق، من كان يعرف العلا أو جماليات البحر الأحمر قبل إعلان الرؤية؟

التحدي الدائم برأيي أمام رواية قصة السعودية الجديدة -وهنا لست ألوم أي جهة- هو أننا لم نتحرر على مستوى اتصال المنظمات من رواية الخبر، والانتقال على رواية القصة (News to Views). من الطبيعي أن تحظى الأحداث أو الإعلانات الكبرى بتغطيات واهتمام عالمي، وحتى أحياناً دون جهد أو عناء من الجهة المعنية بالمشروع، غير أن التحدي يقع في أمرين: رواية القصة وما وراء الخبر، والأمر الثاني هو الاستدامة، وكلاهما أمران يرتبط بعضهما ببعض، ويسيران على خطٍّ متوازٍ، وبهما يتم تحقيق أهدافك الإستراتيجية النهائية سواء على صعيد بناء الصورة الذهنية أو جذب استثمارات وغيرها.

أما على صعيد القصة التي هي امتداد للخبر، فأثرها هو تعميق أثر الأخبار المتلاحقة عن الموضوع عبر اكتشاف زوايا جديدة لا يحتملها الخبر، وهذا يقودنا إلى موضوع «الاستدامة/‏ consistency»، وهذا منهج اتصالي صرف، حيث نخرج من فكرة العمل الصحفي المعني بالأخبار العاجلة والجديدة، إلى فكرة العمل الاتصالي التراكمي المعني ببناء الأفكار وصناعة الصور الذهنية.

ودعونا هنا نتذكر أن CNN ورويترز أو AP عندما تنشر خبراً عن إطلاق مشروع أو فعالية كبرى، لا يعدو كونه نشر خبر ملفت. ورغم أنه أمر جيد ومهم، إلا أنه لا يكفي، لأن هذه الوسائل تنشر أصلاً دون أن يُطلب منها ذلك. فهي على سبيل المثال تنشر عن إمكانات ملعب ويمبلي الشهير في لندن الذي يتسع لأكثر من ٩٥ ألفاً، أو عن مهرجان ركض الثيران في إسبانيا، وهذا يظل خبراً ومعلومة عابرة ما لم يتم دعمه بالقصة والاستدامة.

ولتوضيح الفكرة أكثر، الخبر والقصة والاستدامة يمكن وصفها بمحطات تقود إحداها إلى الأخرى، فالخبر هو الإبلاغ والتعريف، والقصة هي التكريس وصناعة الصورة أو الانطباع، غير أن هذا الانطباع أو الصورة لن تتحقق بلا استدامة، وظهور دائم عن الموضوع، لأن الذي يصنع الصورة الذهنية ويبنيها ليس المعلومة فقط، بل الحضور الدائم وأن تبقى في المشهد دائماً تكرر نفسك عن الموضوع نفسه؛ تطوراته، مستجداته، ونجاحاته.

وختاماً، في ظل هذه النجاحات التنموية والنوعية التي يراها ويلمسها الجميع، ينتابنا الفخر والاعتزاز، لكن يتبادر السؤال عن عدم حضورها على النحو الذي تستحقه دولياً، وعلى غرار بيت نزار قباني الشهير يكون السؤال: يا قصةً لستُ أدري كيف أرويها.
00:07 | 25-07-2021

في الحج.. حديث الداخل لا يصل الخارج

من السهل جداً أن نضرب الكثير من الأمثلة عن نجاح المنظومة الحكومية بكل قطاعاتها في إدارة الحج، ويمكن أن نحتفي بها في كل الشبكات الاجتماعية والرقمية عبر مؤثرين أو أفراد موجودين في الحج، وهذا أمر مهم جداً حيث يتم استغلال الحشود كمصادر للنشر وفقاً لتوظيف مفهوم الـ(crowed sourcing)، لكن هذه النجاحات الأسطورية لا يتم عرضها إعلامياً عبر عمل منظم وشامل، إذ تبدو مجرد نشاطات مشتتة ومتناثرة بلا هدف استراتيجي محدد، فهي بلا استراتيجية واضحة في صناعة التأثير لا سيما في التوجه إلى الشرائح المستهدفة دولياً.

لذا يبدو واضحاً أن غياب هذه الاستراتيجية والعمل المنظم غيَّب معه الزخم المناسب على مستوى النشر بالإنجليزي أو باللغات الأخرى وخصوصاً لغات الدول الإسلامية، حيث لم يرتقِ إلى مستوى هذا الحدث الهائل.

قد يكون هناك نشر بالإنجليزي لكن يغلب عليه العموم؛ إذ يركز على الخبر وليس الوصف والرأي وهو الأمر الأدعى بالتأثير والقبول. وهذا يقود للحديث عن مدى وجود الحملات المنظمة لزيارات صحفيين ومراسلين من الدول المستهدفة (Fam trips)، وليتم بذلك توظيف المصدر الثالث حيث يتحدث الآخرون عن جهودك، وبالتالي رواية واحدة من أروع قصص تنظيم الحشود عالمياً وتاريخياً.

الأمر الآخر وهو مهم جداً، يجب أن تقوم الجهات المعنية بإحاطة المراسلين الذين تبعثهم القنوات ووسائل الإعلام، وأتحدث هنا عن الوسائل السعودية خصوصاً، بكل تفاصيل الجهود التي تبذل في الحج على نحو استباقي، وتقديم استراتيجية إدارة الحج لهم بكل وضوح قبل بدء الموسم، إذا كان من المربك أن تخرج قناة لتقول إن عدد حجاج هذا العام قليل، لذا قد لا يكون هناك الكثير من الضغط. ورغم صحة هذا الحديث نظرياً لكن من المعروف أنه في ظل جائحة مثل كورونا، فإنه من المتوقع أن تكون إدارة 10 أشخاص في ظل هذه الجائحة أصعب من إدارة مئات أو آلاف الأشخاص في ظل الظروف العادية.

ختاماً، ما تقوم به المملكة ممثلةً بكل قطاعاتها في إدارة الحج، هي قصة تنموية فاخرة بامتياز، وفقط يظل التحدي حول كيف نرويها.
23:49 | 21-07-2021

«إيدي كوهين».. فرد أم مشروع ؟

«في غرفة تحيط بها خرائط الشرق الأوسط، هناك فريق صغير يعمل داخل وزارة الخارجية الإسرائيلية مركزاً أنظاره على العالم العربي.. مهمته هي كيف نستغل الشبكات الاجتماعية لنقنع الجمهور العربي بقبول إسرائيل».

هكذا وصفت وكالة الأنباء الدولية رويترز في تقريرها منتصف يناير الماضي حملة إسرائيل على الشبكات الاجتماعية العربية.

يمكن للمتابع لنشاط إسرائيل على وسائل التواصل الاجتماعي العربية ملاحظة النشاط الملفت والحضور المنظم خلال الخمس سنوات الماضية، وأهم من ذلك هو أن هذا الحضور لم يكن عبر قنوات رسمية فحسب كالسفارات أو المتحدثين باسم القطاعات المعنية كالدفاع والخارجية وغيرها، بل عبر خلق أيقونات متمثلة في أفراد كمحللين وصحفيين وكتاب إسرائيليين؛ بهدف تعميق صناعة التأثير في الرأي العام العربي الذي قد لا يقبل أو يتفاعل مع رسائل المؤسسات الرسمية، بقدر ما قد يلفته آراء الأفراد وتوجهاتهم.

«إيدي كوهين»، يعد أحد الظواهر الملفتة في الخطاب الإسرائيلي للجمهور العربي؛ ظاهرة مثيرة في معلوماتها، في لغتها، في تنبؤاتها، في قدرتها على قراءة أدق التفاصيل في مشكلات العالم العربي، والتعاطي معها بطريقة تضمن إما إحداث التشويش على القضايا، أو فتح أفق جديدة للتفكير حولها.

لكن السؤال المطروح، هل إيدي كوهين فرد يمثل نفسه كمراقب ومحلل أم أنه جزء من عمل مؤسساتي إستراتيجي يصبو إلى استمالة الرأي العربي؟ يجب الإشارة هنا إلى أن إسرائيل تعد من أكثر دول العالم توظيفاً لـ«الدبلوماسية الشعبية»، وهي بناء الأنشطة الاتصالية المختلفة للتأثير على شعوب الدول الأخرى؛ بهدف تحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية وغيرها.

الذي طرأ على إستراتيجية إسرائيل الاتصالية في التأثير على الجمهور العربي، هو الانتقال من مفهوم الدبلوماسية الشعبية التقليدي، إلى «الدبلوماسية الرقمية»؛ في وعي تام بتمثيل الأفراد لأنفسهم عبر حساباتهم الشخصية، إذ بات هؤلاء الأفراد يتمتعون بسلطة غير مسبوقة في التحكم بمصادر المعلومات واختيار ما يرونه مناسباً لهم، وهنا تضاءلت سيطرة المصدر الواحد ومات معها مفهوم «حارس البوابة» المتمثل في التلفزيون والجريدة والراديو.

وهنا يمكن القول إن «إيدي كوهين» هو أكثر محاور إستراتيجية إسرائيل تأثيراً في دبلوماسيتها الرقمية على الشبكات الاجتماعية في العالم العربي، حيث أصبح بمثابة البوصلة للأحداث، فهو يخبر عنها قبل أن تحدث، وهو يدعم ذلك بتوظيف الموروث الشعبي لكل دولة يستهدفها بخطابه. أفضل وصف على قدرته في التنبؤ بالأحداث هو تعليق أحد المغردين: «إيدي كوهين تعوّد على حرق نهايات الأفلام، فهو يعطيك نهاية الفيلم قبل أن يبدأ»، في إشارة لمعرفته بالأحداث قبل أن تقع.

كل هذا يقدم مؤشراً واضحاً على الإدراك المتقدم لتوظيف وبناء الأيقونات الشخصية التي ستبدو للجمهور كما لو كانت محايدة ومستقلة وخارج دائرة القنوات الرسمية في سبيل إنجاح أهداف الدبلوماسية الرقمية، وهو ما يشير إلى أن الأفراد -مثل كوهين- ينشطون ضمن خطة لا يمثلون فيها أنفسهم ولا يعملون خلالها لوحدهم، بل ضمن إستراتيجية أكبر وأعمق.

فعلى الرغم من أن معظم المحللين الذين نعرفهم على شبكات التواصل الاجتماعي، لا يمكن مهما بلغ شأنهم وقربهم من صانع القرار أن يأتوا بأكثر من التحليل للأحداث والظواهر السياسية، وفي أحسن الأحوال معرفة بعض المعلومات، إلا أنها لا تحدث كثيراً. ظاهرة «كوهين» قدّمت خليطاً ملفتاً لأشياء لم نعهدها من قبل، فهو يحلل ويخبر ويتنبأ بكل ثقة، ويخوض في الموروث الشعبي للدول على نحو عميق ولدرجة تتجاوز فهم وإدراك أبناء بعض تلك المجتمعات في فهمها لهذا الموروث، وهو ما يشير على نحوٍ قاطع أنه جزء من غرفة عمليات كبرى وجزء من فريق كبير يستغل العلامة المشهورة لـ«كوهين» كجسر متين للتعبير على الأفكار وتمرير المعلومات التي ستحدث -لاحقاً- التغيير والتأثير.

أيضاً، ظاهرة «كوهين».. لا يمكن فصلها عن «الدبلوماسية الرقمية» التي باتت كالكنز الجديد للدول في صناعة التأثير، وقد أدركتها الولايات المتحدة في وقت مبكر لتكون أول دولة توظف إمكانات العالم الرقمي كميدان مهم لنشاطاتها في الدبلوماسية الشعبية من خلال أسبقيتها في تأسيس أول إدارة بمسمى «الدبلوماسية الرقمية» داخل وزارة الخارجية، وتبعها بعد ذلك عدد من الدول، منها كوريا الجنوبية التي وضعت أسساً قانونية جديدة لدعم الأنشطة الهادفة إلى تعزيز صورتها، ورفع مستوى الوعي بين شعوب الدول الأخرى حول سياساتها ومصالحها.

وهنا يبقى السؤال: في ظل دبلوماسية إسرائيل الرقمية، هل السيد كوهين فرد أم مشروع؟
00:07 | 18-05-2021

المُجَدِّد في عامه الثالث

حتى أعوام قليلة ماضية فقط، من يتخيل أن المملكة ستصبح بهذه الرشاقة في الحركة والقدرة على إحداث التغيير وتجديد نفسها؟ كيف تمكنت المملكة من حرق الكثير من المراحل في صناعة التغيير لتختصر بذلك سنوات طويلة كنا نعتقد أنه قد يكون من المستحيل أو المعجزة إحداثها بهذه السرعة؟ من الذي أخفى هذا التذييل الشهير في الصحافة الغربية عن معظم أخبارها عندما تكتب عن السعودية «يذكر أن السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تفرض حظرا على قيادة المرأة للسيارة»؟ أين الأوصاف الشهيرة للصحافة الأجنبية عندما تتحدث عن مستقبل المملكة فتصفها بـ«المملكة المترهلة» و«ثقيلة الحركة نحو المستقبل»؟

إنه «محمد بن سلمان».. الاسم الذي انتقل من دلالته المعجمية إلى المعنى السياقي الواسع بطموحاته ومنجزاته. الاسم الذي ألهم شعوب المنطقة ماذا يعني البناء، التنمية، القضاء على الفساد، التجديد في مفاصل الدولة، واستئصال الأورام الخبيثة في جسدها من بيروقراطية وفساد ومحسوبية وكسل عن العمل والإبداع والتجديد. هتف له المولعون بالتغيير في العواصم العربية لينادوا باسمه كرمز للتغيير في العراق، وفي لبنان هتفوا «بدنا محمد بن سلمان».

وقبل أعوام قليلة، كان العمل في أغلب الأجهزة الحكومية بمثابة إجازة مدفوعة الراتب حيث لا عمل حقيقياً ينجز ولا فائدة تذكر، فهي مجرد بنايات ديكورية يحج إليها الموظفون في الصباح ويخرجون بعد الظهر. اليوم تجاوزت الأجهزة الحكومية القطاعَ الخاص في المهنية والرشاقة في العمل والتجديد، بل بات المُتطلعون إلى الوظائف اليوم ممن يرغبون بضغط عمل أقل، يولون وجوههم نحو القطاع الخاص، وعلى الاتجاه الآخر بات القطاع الخاص -في تحول غير مسبوق- ينظر إلى المورد البشري في الجهاز الحكومي هدفاً يستحق الاستقطاب والاستفادة منه. كل هذا لم يكن محض الصدفة، بل كان حلم وطن يحاول أن يرتقي لتطلعات قائد لا يحد طموحه سوى عنان السماء.

وحتى بضعة أعوام قليلة ماضية، كان السعودي يعيش فيما يشبه أتون صراع بحثاً عن هويته. ما قام به محمد بن سلمان خلال هذه الأعوام هو إعادة ضبط كامل لإنسان هذه الأرض، إيماناً منه بأن مشروعه الطموح يحققه شعب ذو هوية معتدة بنفسها واثقة من قدراتها، فما كان إلا أن تحوّل هذا الشعور الوطني الضخم إلى وقود يدفع عجلةً لا تتوقف على طريق البناء والتنمية.

لقد كان كابوساً لكارهي هذا الوطن، من أولئك الذين آخر شيء يريدون رؤيته هو أن تنفض المملكة الغبار عن نفسها وتنطلق نحو المستقبل، وإلى حيث يجب أن تكون في موقعها بين الكبار، فحتى إذا ما استمرت في وثباتها نحو المستقبل، كان ذلك حسرة عليهم، وكأنهم يتجرعون مرارة العلقم أو أشد.

وختاماً، حلم محمد بن سلمان لم يكن حلماً خاصاً بالسعوديين، بل هو حلم ممهور بالكرم والعطاء الذي عهده العالم عن هذا الوطن، فهو مشروع هائل في التنمية والتطوير، متجاوزٌ في خيراته، ممتدٌ ليشمل بثمراته هذه المنطقة العربية التي أرهقها التخلف والتراجع والانهيار، وليتحول بذلك الشرق الأوسط –كما قال الأمير- إلى أوروبا جديدة.

* كاتب سعودي

alshakri@
01:09 | 20-05-2020

توكل كرمان في فيسبوك!

بُعيد الإعلان عن أعضاء المجلس الإشرافي على المحتوى في فيسبوك، صُدم الكثيرون باختيار الناشطة الإخوانية توكل كرمان والمعروفة بمواقفها الراديكالية الداعمة لجماعات الإسلام السياسي وخصوصا الإخوان، وعبّر كثيرون عن امتعاضهم واعتراضهم على اختيار كرمان التي عُرف عنها الاستقطاب حد النخاع في الصراعات السياسية وانخراطاتها الحزبية ذات النزعة الإرهابية والمتطرفة، بحيث لا يمكن الوثوق بنزاهتها ولا عدالتها لتُمنح هذه الصلاحيات الكبيرة في فلترة المحتوى ومراجعته وإبداء الرأي بشأنه.

لذا قمت شخصيا بالتواصل مع المركز الإعلامي في فيسبوك بعدد من الاستفسارات، وأطلب الإجابة فيها عن 5 أسئلة:

• ما هي المعايير التي تم بناء عليها اختيار توكل كرمان؟

• هل روعي في اختيار العضو التدقيق في خلفياته السياسية وانتماءاته الحزبية أو أفكاره المتطرفة؟ إذا كان كذلك، ما هي خلاصة الشبكة بخصوص كرمان؟

• ما هي معايير التحقق من عدالة رأي العضو في المحتوى الخاص بالمنطقة واللغة التي ينتمي إليها؟ هل يتم الاكتفاء بتفسير العضو وتقييمه وترجمته الخاصة بالمحتوى المتعلق بلغته الأم؟

• هل يستطيع عضو المجلس اتخاذ القرارات الخاصة بالمحتوى لوحده منفردا؟

• كيف يمكن أن تُطَمئنوا الجمهور والنقاد ومستخدمي الشبكة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الذين عبروا عن قلقهم من تواجد كرمان في هذا المجلس، وخصوصا في السعودية ومصر حيث تتصدر الدولتان أكبر مشتركي فيسبوك في المنطقة؟

للإنصاف جاءني رد مباشر من فريق فيسبوك الإعلامي، وقالوا إن المعني بهذه الإجابات هو فريق إعلامي خاص بالمجلس، فقام هذا الأخير بالرد بردود بدت عامة تشبه الـ Holding statement التي تقوم المنظمات بصياغتها بشكل عام وتعدها لوسائل الإعلام لتوقعهم ورود الأسئلة نفسها عن الموضوع نفسه وعلى نحو متكرر. كان أهم ردودهم أن القرارات لا تتخذ بشكل فردي، وأنهم عندما أنشأوا المجلس توقعوا أنهم سيتلقون اعتراضات على الأسماء، وأن الأسماء تم اختيارها بناء على خبرتها الرقمية ومعرفتها بالحوكمة ونشاطها في دعم حرية التعبير والمساواة! طبعا هذه نكتة، لأن أبسط إنسان يطلع على حسابات توكل كرمان على الشبكات الاجتماعية سيجد كما هائلا من المحتوى الذي يعج بالتحريض على الإرهاب والخراب والدعوة إلى الأفكار المتطرفة والمسمومة، ناهيك عن الشتائم والسب واللغة السوقية في التعبير عن الأفكار والمواقف.

قمت مرة أخرى بالرد وطلب إجابات أكثر تحديدا وعدت إلى طرح الأسئلة من جديد بصيغ مختلفة، كحيلة علّني أحظى برد، إلا أنه لم يردني شيء حتى كتابة هذا المقال، وسأنتظر مع ذلك.

يجب أن يكون لدينا عمل مؤسس يتابع مثل هذه الأحداث، ويحدد آلية التعاطي معها ويواجهها، ولا أقصد بالعمل المؤسس الجهات الرسمية بل عبر خلق الكيانات ذات الطابع المدني أو غير الربحي التي تستطيع أن تتحرك وتتفاعل بمرونة مع مثل هذه الظواهر. كما لا يجب التقليل من فكرة التعبير عن «الاعتراض» وخصوصا عند التعامل مع المؤسسات الغربية، فلها أثر كبير جدا، والهدف من الاعتراض ليس فقط الحصول على استجابة أو أن يقوموا بتغيير أو تعديل، بل لوضعهم تحت الضغط، ولفت انتباههم إلى احتمالية وقوع ما تم الاعتراض عليه، لدفعهم نحو مضاعفة آليات التدقيق والتحقق والتنبه إلى أهمية فحص أي رأي أو قرار قد تساهم به مثلا توكل كرمان عندما يتعلق المحتوى بالمملكة أو العالم العربي. عندما قمت بمراسلتهم، لم أكن بالطبع أتوقع أو أتخيل أنهم سيقومون بطرد كرمان من المجلس لمجرد اعتراض، لكن على الأقل للفت الانتباه، خصوصا في حال ورود استفسارات متكررة وملاحظات مشابهة.

وأعتقد أننا لولا التهاون والتفريط بتعبيرنا عن «الاعتراض» والمواجهة في مثل هذه المسائل، لما رأينا جرأة عدد من المؤسسات والجهات التي تدعي أنها إعلامية وحقوقية في الفجور والمبالغة عند تناول أي موضوع يخص السعودية، بل وستحسب ألف حساب عندما يتعلق الأمر بالسعودية. كل ما نحتاجه هو التواصل والتوضيح والاعتراض، بغض النظر عن مآلات الموضوع وما ينتهي إليه، لأن الهدف هو أن تقول أنا أتابع كل ما تقومون به.

* كاتب سعودي

alshakri@
01:56 | 12-05-2020