-A +A
فهد الشريدة
وأنا أتصفح الرسائل عبر مجموعات الواتساب، استوقفتني رسالة تحتوي على مقطع فديو يشرح وبشكل بسيط خدمة حكومية جديدة أطلقتها إحدى المؤسسات «شبه الحكومية»، والتي تعنى بتوفير خارطة تفاعلية للمستثمرين أو الراغبين ببدء عملهم التجاري. عرضت عدد السكان، والتركيبة الاجتماعية، وعدد المحلات التجارية وأنواعها، وغيرها من البيانات التي تساهم في توضيح مدى جدوى الاستثمار في منطقة ما. هذه البيانات، رغم بساطتها وتوفرها، بطبيعتها مبعثرة، لكنها، وحين جمعها وتوفيرها كما تم توضيحه تشكل إحدى أهم الركائز التي تستطيع الدولة الاعتماد عليها لتوفير أفضل الخدمات للصالحين الاقتصادي والاجتماعي، وللمستفيدين الأفراد والمؤسسات. وأنا أشاهد هذا المقطع، تساءلت، ماذا لو كان هذا، بكل بساطة، هو الدور الحكومي الرئيس والوحيد في ساحة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلد؟

إن نجاح أي عمل يعتمد على ستة محاور رئيسية: توفر المال، ووجود كادر بشري ذي كفاءة، ووضوح في الرؤية، والعمل مع أصحاب المصلحة بشمولية، وصياغة معايير أداء تتناسب مع سياق العمل، وتفعيل إدارة تواصل تهدف إلى ربط المنتج بالمستفيد. وإن عكسنا ذلك على الخدمات الحكومية فسنجد أن المال موجود، وبالتالي فالكادر البشري يمكن استقطابه وبسهولة، وأن المنتج، كونه حكوميا، فبطبيعته يعتبر حاجة مجتمعية أو تجارية، لذا يمكن تقديمه أو حتى فرضه على المجتمع دون الحاجة للقيام بحملات إعلانية مكثفة له. وعلى هذا الأساس، فإن نجاح أي عمل حكومي يرتكز على المحاور الثلاثة المتبقية.


إذا ما تم اعتبار هذه المحاور المتبقية معايير لتقييم جودة الخدمات الحكومية، فسنلاحظ أن الخدمة البسيطة المذكورة في مقدمة هذا المقال خدمة متكاملة، وأجزم أن السبب في هذا يعود إلى معرفة القائمين بالأعمال بالهدف المرجو من المنظمة التي يعملون بها، واستشراف حاجات المستثمرين قبل البدء بالعمل، كما أنني آمل أن معايير الأداء المعتمدة لهذه الخدمة ليست العائد المالي المباشر -لأن الربحية يجب ألا تكون معيارا لأداء الجهات الحكومية أو الجهات «شبه الحكومية»- بل في عدد البيانات وتنوعها، والتي تصب في نهاية المطاف في محصلة المصلحة العامة. جميع هذه الاعتبارات تساهم وبشكل كبير في توفير منتج مطلوب، ولو كان بسيطا، يجسد المعنى الأمثل للدور الحكومي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، كداعم ومحفز غير تنفيذي. في المقابل، وعند النظر إلى سلوك بعض الجهات الحكومية في سعيها إلى تحقيق أهداف الرؤية سنلاحظ وجود تباين بين العمل المرجو من تلك الجهات والمتمحور حول نقل الدور الحكومي إلى دور المشرع والمراقب وبين العمل المعمول به على أرض الواقع، لا سيما ضمن نطاق عمل التنمية الاجتماعية، حيث نلاحظ وجود استثمارات حكومية داخلية وإقامة منشآت تنفيذية معنية بتنمية ورفع وعي المجتمع السعودي. قد يعود السبب في ذلك، وهو الأرجح، إلى اعتبار أن الدور الحكومي الحالي في نطاق عمل التنمية الاجتماعية هو خلق بيئة خصبة -طلب- وبنية تحتية تلبي احتياجات القطاع الخاص ليبني عليها لاحقا، ومن ثم اعتزال هذا الدور والتركيز على دور المشرع والمراقب فيما بعد.

الإشكالية هنا تكمن في ثلاثة أمور: قتل المنافسة، واحتكار المحتوى، وخلق بيئة ثقافية ذات طابع واحد متشابهة في الفكر والاهتمامات والاحتياجات.