-A +A
علي بن محمد الرباعي
الهدف من الرسالات السماوية تأمين حياة آمنة كريمة للإنسان وخالية من المنغصات، ولم تكن قراءة السلف النقية للتوحيد تخرج عن إطار التعبيد لله والتحذير من الشرك. ذلك أنه ظلم عظيم، والله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ولم يتضمن النص القرآني ما يدل على إكراه الناس على تغيير معتقدهم. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.

التوحيد فكرة مسالمة علّمنا النبي عليه السلام أن من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة على ما كان من عمل، فكيف تحول سبب دخول الجنة من حالة السلم وكف الأذى إلى معتقد عدائي، وأصبح بالتقرب بدماء أبرياء من المسلمين والمعاهدين والمستأمنين وسيلة لنيل مراتب الشهداء؟


هناك لعبة في الخفاء استغلت سذاجة وحماس بعض المسلمين للإيقاع بهم في براثن أكبر جريمة تتمثل في سلب حياة كائن حي مكرّم بنص الوحي بالتطاول على واهب الحياة من خلال سفك دم دون مبرر شرعي ولا عقلي، خصوصاً ونحن نردد الحديث الصحيح (لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يرتكب دما حراما).

التوحيد العبادي ارتبط بديانات سالفة (إبراهيمية) تفرعت لاحقاً إلى (يهودية ونصرانية)، وجاء الإسلام ليستلهم منها مسيرة الإنساني الواعي والحضاري لتأصيل القيم الإنسانية المشتركة. حد التآخي بين أتباع الديانات. فالتوحيد ذو نزعة إنسانية.

مؤكد أن غياب الفلاسفة العرب من الثقافة العربية والاستناد إلى مرويات ناجمة عن تأزمات وجدانية لبعض الوعاظ أسهمت في تحول التوحيد العبادي إلى جهادي كما يزعم هؤلاء، وأحد أسباب انحراف التوحيد عدم استنبات قيم الأنسنة من التراث الفقهي والحكم على الفلاسفة بالردة والكفر.

تنظيم القاعدة نتج عن الرؤية المشوشة للتوحيد. منها توظيف آيات سورة المائدة «ومن لم يحكم بما أنزل الله» في غير ما وضعت له، إذ بترت من سياقها، وابتسرت عن مفهوم الزماكانية للنصوص. فجاء مصطلح الحاكمية إثر ارتقاء شأن الخطاب المؤدلج. وانشراحه لفكرة جاهلية القرن العشرين، وتقسيم العالم إلى فسطاطين، دار إسلام ودار كفر، وبناء أساطير وأباطيل ورفعها إلى مرتبة القداسة، ما عزز حضور التيارات الراديكالية التي تبنت أدبيات هي أقرب إلى الحماقة، منها عودة الخلافة التي لن تعود إلا في أذهان المتاجرين بها.