-A +A
طلال صالح بنان
شهد العالم تحولاً جذرياً وحاداً تجاه الإسلام والمسلمين، بعد الحادي عشر من سبتمبر 2001. لم يعد يُنظر إلى الإسلام على أنه دين تسامح يُؤمن به أكثرُ من 1.7 مليار إنسان.. ولا حتى من وجهة نظر «ليبرالية» بوصفه خياراً يعكس حقاً إنسانياً طبيعياً، لأكثر من ربع سكان الأرض. لا أحد ينكر أن ذلك العمل الذي هز الولايات المتحدة وأصاب كرامتها القومية بجرح بالغ، كان عملاً إرهابياً بامتياز. إلا أن ما يثير الشك والجدل، أن الغرب نفسه لم يكن بعيداً عن ما حدث.. وليس بريئاً تماماً مما أصابه.

المشكلة أن ما يسمى بـ«فوبيا» الإسلام، بإلصاق الإرهاب زوراً وبهتاناً، بأكثر الديانات تسامحاً وانتصاراً لكرامة الإنسان.. وأقصاها بعداً عن العدوان وإراقة الدماء.. وأقلها لجوءاً للعنف.. وأصدقها حباً للسلام، سرعان ما امتدت عدواها لكثير من المسلمين، لتحقيق الغاية منها: التخلص من المسألة الإسلامية في ثقافة الغرب وتاريخه، بالقضاء وجودياً على الإسلام ديناً وثقافةً وإنساناً.


لقد بلعت الكثير من المجتمعات الإسلامية الطُعم.. وذهب بعضهم إلى ما هو أبعد من الاعتراف بالجرم والاعتذار عنه، إلى المشاركة - بوعي أو دون وعي - في الترويج لفكرة إلصاق الإرهاب بالإسلام.. والنظر إلى الأمر من وجهة نظر غربية صرفة: أن الحل لمشكلة الإرهاب، لا يكون إلا بالتعامل العنيف مع المسألة الإسلامية، من جذورها الدينية والثقافية والإنسانية. لقد استغل الغرب موارد قواه الصلبة والناعمة، مبتزاً مؤسسات النظام الدولي وقيمه، لإحداث تغييرات داخلية وعلى مستوى السياسة الخارجية، لكثير من الدول الإسلامية.

على مستوى الكثير من الدول الإسلامية لم تعد القضايا الإسلامية موضع اهتمام أو قلق، حتى على الأمن القومي. لم يعد، هناك هذا الفارق بين الإرهاب وأعمال المقاومة المشروعة لبعض الشعوب ضد الاحتلال الأجنبي، التي كافحت الدول العربية ومعها العالم الحر على ترسيخها. لم تعد العديد من المجتمعات الغنية، في العالم الإسلامي، تهتم بقضايا التنمية في دول ومجتمعات العالم الإسلامي الفقيرة.. ولم تعد تشجع مواطنيها وجمعياتها الخاصة، للتبرع والمساهمة في انتشال مئات الملايين من المسلمين في العالم من الفقر والعوز والفاقة وتدني مستويات التنمية.

خوفاً من تهمة «دعم» الإرهاب، لم تعد بعض الدول العربية، التي كانت نشطة في مجالات الدعوة إلى الله ومساعدة الكثير من المجتمعات الإسلامية الفقيرة الثبات على عقيدتهم ودينهم، تواصل مساعداتها الثقافية والتعليمية. لقد تقلصت أو أُلغيت كثيرٌ من برامج البعوث الإسلامية إلى العديد من الدول الإسلامية.. كما حيل بين الألوف من طلبة العلم في المجتمعات الإسلامية، من نهل العلم الشرعي واللغة العربية في المؤسسات التعليمية لدى الكثير من الدول الإسلامية الغنية.. أو تلك التي لديها تاريخ طويل في الدعوة الإسلامية، رغم تواضع اقتصادياتها.

لم تقف الحملة ضد الإسلام، عند تخلي الكثير من الدول والمجتمعات الإسلامية عن أهم مصادر قوتها الناعمة في العالم، بالدعوة إلى الإسلام ونشر اللغة العربية، بل إن هذه الحملة الشرسة للغرب على الإسلام والمسلمين طالت المجتمعات الإسلامية، من داخلها. بدعوى الليبرالية الزائفة، أخذت الكثير من المجتمعات العربية، تفتح مجالات التجديف في الدين.. والنيل من معتقدات الناس.. ومحاولة إبعاد الناس عن سلوكيات إسلامية، يُزعم أنها موروثات ثقافية ليس لها خلفيات شرعية، أو في أفضل الأحوال، تعكس قضايا خلافية جدلية. لقد وصل الأمر إلى حد الجرأة في نقاش النصوص، والدعوة إلى تغييرها!

هذا التطرّف في محاربة الإسلام، داخل الكثير من المجتمعات الإسلامية، يتم وللمصادفة المحزنة، في الوقت الذي يدعم الغرب إسرائيل في دعاواها القومية.. والدفع تجاه المشروع الصهيوني، لتكون إسرائيل دولة يهودية (عنصرية) خالصة لليهود، حتى لو أدى الأمر لشن حملة تصفية للعرب في فلسطين.. وهدم المسجد الأقصى، لإقامة هيكل سليمان المزعوم على أنقاضه.. وتسوية المسألة المسيحية في فلسطين، التي بقيت معلقة لأكثر من ألفي سنة، بعد السيد المسيح عليه السلام. هذا قاد بعض الدول الإسلامية أن تخشى على الإسلام من العرب! فتلجأ إلى ملاذ الإسلام الآمن (اللغة العربية)، لتنهل من نبعها الرقراق العذب أسس شريعة الإسلام السمحة، قبل أن يُعبث في نصوصها. تطورٌ لم يحدث منذ بدء الدعوة الإسلامية، حتى في عز انتشارها. كثيرٌ من المجتمعات الإسلامية قبلت الإسلام ولم تُقْبِل على العربية، ربما لاعتقادهم وثقتهم في العرب الحفاظ على تراث الإسلام الديني والثقافي. لكن عندما شعرت هذه الشعوب الإسلامية، بإرهاصات استعداد العرب للتخلي عن نصوص الإسلام.. وربما الإقدام على تغييرها، اتجهت هذه الشعوب الإسلامية لتعلم اللغة العربية... وكما قال بعضهم: من أجل تعليم الدين الإسلامي للعرب، الذين أضاعوه!

الحرب على الإسلام رغم شراستها، واشتراك بعض «المسلمين» فيها، سيخرج منها الإسلام منتصراً. هذا وعدٌ إلهي بنصرة دينه.. وحفظ كتابه.

* كاتب سعودي