-A +A
صدقة يحيى فاضل
سبق أن اقترحت على مقام وزارة الخارجية، بالتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى المختصة، القيام بدراسة علمية شاملة لظاهرة إقامة أعداد كبيرة من المواطنين السعوديين، إقامة دائمة أو شبه دائمة، في بعض الدول المجاورة، وغيرها... تمهيدا لاتخاذ السياسات المناسبة التي تحقق المصلحة العامة لبلادنا، والمصالح المشروعة لهؤلاء المهاجرين.

أما أهم مبررات مقترحي هذا، فيمكن تلخيصها فيما يلي: كبر عدد هؤلاء. إذ يقدر البعض عددهم بأكثر من مليون شخص (وذلك يشكل نسبة عالية من مجموع سكان المملكة السعوديين، قد تصل إلى أكثر من 5% من مجموع السكان)، وعدم وجود معلومات كافية عن هؤلاء، وعن ظروفهم المعيشية. حيث إن بعضهم يواجه مشكلات لا حصر لها. إضافة إلى: ضرورة التمهيد لرعاية مصالح هؤلاء، وحفظ حقوقهم، بشكل أفضل، واستمرار تواصلهم مع بلدهم الأصلي. وبالطبع، يجب أن لا يتمخض عن الدراسة والسياسات أي خرق لحقوق الإنسان، وخاصة حرياته المشروعة، ومن ذلك احترام رغبة كل إنسان في الإقامة المشروعة حيث شاء. كان ذلك قبل حوالى العام. وما زلنا في انتظار نتائج هذه الدراسة، التي قيل إن وزارة الخارجية تقوم بها في الوقت الحاضر، ومن ثم عمل ما يجب عمله.


***

وهذه الوزارة قادرة على إجراء الدراسة العلمية المطلوبة في وقت قصير نسبيا، عبر تكليف معهد الأمير سعود الفيصل للدراسات الدبلوماسية بالقيام بها، إن رأت ذلك مناسبا. وهذا المعهد، بما يملكه من إمكانات، وكادر بحثي متميز، يعتبر بمثابة المركز الرئيس لأبحاث السياسة الخارجية السعودية، أو (Think Tank) وزارة الخارجية السعودية. وبعد إنهاء الدراسة المطلوبة، يمكننا معرفة ما يجب اتخاذه من سياسات وإجراءات تجاه هذه الظاهرة، تستهدف خدمة المصلحة العامة للبلاد، وتقديم أكبر خدمة ممكنة لهؤلاء الهاجرين الأعزاء. وبالنسبة للعدد المقدر للمهاجرين، فقد قلت إنه قرابة المليون ينتشرون في عدة دول عربية وغير عربية. وقد يكون العدد أقل أو أكثر قليلا.

وقد ذكر السيد الدكتور عبدالله دحلان، في مقال له نشر في هذه الصحيفة بعنوان «أوقاف لفقراء السعوديين في المهجر» (عكاظ: العدد 18117، الاحد 3 / 4 / 2016م، ص 17) إنه: «أشارت إحدى الإحصائيات غير الدقيقة أن هناك حوالى مليوني سعودي، يقيمون خارج وطنهم السعودية، ودون الإشارة للأسباب والظروف التي دفعتهم للعيش خارج وطنهم، إلا أنها حقيقة». ثم مضى قائلا: «الحقيقة الأصعب والأشد مرارة هي أن الظروف المعيشية لبعضهم، أو بعض أبنائهم، صعبة جدا، وقاسية». ثم طالب بإنشاء وزارة خاصة للمهاجرين السعوديين... وإنشاء أوقاف، يصرف ريعها للمحتاجين الكثر منهم...! (الدراسة المطلوبة ستبين الحقائق المعنية).

وهنا، أضم صوتي للزميل الكريم، مؤكدا أن الظروف المعيشية لبعض هؤلاء صعبة وقاسية. ولكنني لا أرى إقامة وزارة مستقلة وقائمة بذاتها، لرعاية هؤلاء المهاجرين. يكفى الاهتمام الأوفر لوزارة الخارجية والأجهزة الحكومية الأخرى بهؤلاء.

كما كتب الدكتور دحلان مقالا آخر عن ذات الموضوع، وفى ذات الصحيفة (عكاظ: العدد 18495، 19/7 / 1438هـ، 16/ 4/ 2017م، ص 15) ذكر فيه أن: «هناك أكثر من ثلاثة ملايين سعودي وسعودية مهاجرون خارج الوطن...». كما طالب: «بإنشاء جهاز مستقل، أو وزارة، أو هيئة عامة، تهتم بشؤن المغتربين السعوديين...».

إن العدد كبير نسبيا، ونسبة لعدد السكان السعوديين، كما أشرنا. أما هذه الظاهرة فتستحق الاهتمام والدراسة، من قبل وزارة الخارجية أو غيرها، حتى ولو كان العدد مئة ألف فقط...؟! فغني عن القول أن الدراسة المطلوبة حيوية ومهمة... خاصة بالنسبة للأمن الوطني، وللمصلحة العامة السعودية، وأيضا لمصلحة كل المعنيين. بل إن الدراسة الموضوعية لأى أمر يجب أن تسبق أي سياسات تجاهه. والأهم أن تتخذ، على ضوء استنتاجات هذه الدراسة، السياسات والإجراءات المناسبة واللازمة التي تضمن تحقيق الأهداف السامية لهذه الدراسة، وفي مقدمتها: خدمة المواطن السعودي، أينما كان. وسنتحدث عن ما يجب عمله تجاه الهجرة الاستيطانية في المقال القادم بإذن الله.