-A +A
نجيب يماني
الأمير خالد الفيصل صاحب مواقف مشرفة في سجل النهضة الشاملة، حفر لشخصه مكانا واسما لا يتسقان إلا لمثله، حتى أصبح رجلا للفكر والتنمية والعطاء والإنجاز، سبر أغوار المعرفة وغاص في دهاليز الثقافة. مجلسه لا يخلو على مدار الأسبوع من فئات المجتمع المختلفة، فهو خليط من العلماء والأدباء والمثقفين ورجال الصحافة والفكر والأدب. عاش بإحساس صادق قضايا مجتمعه وتفاعل معها وأدار بحكمته الكثير من الأحداث والقضايا منذ البدايات في رعاية الشباب حتى تبوأ الإمارة المباركة لأم القرى وما حولها في خارطة الوطن الغالي. لن تنسى منطقة عسير عندما كان أميرا لها مقولته الأشهر: سعوديون، شيوخ وشباب لا يزعزعنا إرهاب ولا يخيفنا تصريح وخطاب أو فتوى ضال في السجن يستتاب، نحن أمة نذرنا أنفسنا للدعوة، خدعنا بعض الوقت بغفوة واستيقظنا من التفجير بصحوة، لا غفوة بعد اليوم ولا صحوة إلا بالعلم والعقل والإيمان.

وقف كالطود العظيم سدا منيعا لمواجهة ظواهر التشدد والغلو والتي اتخذها البعض آنذاك مطية للقفز بها على حقائق الدين الصحيح وأننا أمة وسطا بين أمم الأرض، عالجها بأسلوب حكيم وعقل رشيد وسخر الطاقات للوقوف أمام هذه الظاهرة، وفتح الباب للعلماء والمفكرين وأصحاب القلم والخبرة والدراية ليسهموا بجهودهم في مواجهة الفكر المنحرف والضال، رسم له خطة فكرية لمواجهته وكشف الكثير من المؤامرات والمناهج المنحرفة والأفكار الضالة والمنهج الخفي، فعمل على تفكيكها وبحث في أسبابها ونظر في دوافعها وغاياتها، فتوحدت المحاضرات والندوات واللقاءات والمناسبات والمشاركات والمعارض والمهرجانات ومنابر المساجد والفصول في المدارس والجامعات مع بوصلة الفيصل لمحاربة ظواهر الغلو والتكفير وإرساء قواعد الوسطية والاعتدال. آمن بفكره الثاقب أن الجانب الفكري الواعي هو السلاح الحقيقي والأمني لمواجهة مشكلة الإرهاب والتصدي لها لأنها في الأساس هي نتاج فكر منحرف ضال، فكان لا بد من التصدي له فكريا على أساس من الدين الإسلامي الصحيح ونهجه الوسطي السليم، حارب التطرف بالمبادرات الحسنة وغرس حب الوطن في قلوب أبنائه وأن حبه من الإيمان. اتخذ من مبادئ الإسلام الصحيح ووسطيته ومدارسه الفقهية المتعددة منهجا وأساسا في محاربة كل الظواهر المتشددة والتي كانت الأخطر على عقول أبنائنا. جعل من تحية العلم وحب الوطن الأساس في الولاء والإخلاص والذود عنه ضد من يريد به سوءا ولكل من تسول له نفسه طمس الهوية الوطنية وإضعاف روح الانتماء لهذه الأرض (فلا خير فينا إن تنكرنا لهويتنا، ولا خير فينا إن خذلنا من أسس هذا الكيان، ولا خير فينا إن تركنا من اعتمدوا على الله ثم علينا). في حفل جائزة أبها للتعليم للعام 1425هـ يقول لأساتذة الجامعة: حافظوا على أبنائنا واهدوهم إلى سبيل الرشاد. لا تجعلوا عقولهم مستودعات للتلقين فقط وإنما اجعلوا من هذه العقول شعلة ثقافية وطنية إسلامية تسير بهذه الأمة من الموقع الحسن إلى الموقع الأحسن.


مبادراته كثيرة استطاعت أن تؤسس لفكر وسطي معتدل بعيدا عن التغول والغلو ومحاربة الآخر وتكفيره وتبديعه، فظاهرة الغلو والتطرف ظاهرة معقدة تنتجها عدة عوامل وأحداث مختلفة، تحتاج في معالجتها إلى نظرة كلية شمولية تتضامن فيها الجهود المختلفة بأبعادها العلمية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. آخر مبادراته والتي انطلقت من مجلسه أن ديننا الإسلام ودستورنا القرآن وأننا نجاور بيت الله الحرام وخدمة ضيوفه الكرام فكيف لا نكون قدوة!! فلابد أن نبادل الفيصل حبا بحب، فمن أعطى الحب وهب المحبة ومن غمر الناس بالمحبة كسته المحبة وغمرته.

ولعل في استحداث جائزة خالد الفيصل السنوية للاعتدال لنبذ التطرف وتنفيذ عدد من البرامج والفعاليات لفائدة المجتمع على شكل رسائل مكثفة في وسائل التواصل الاجتماعي الوسيلة الأبرز في عصرنا الحاضر للتأثير على النشء لمعالجة قضايا محددة على صلة بالغلو والتطرف وشرح وسطية الإسلام واعتداله، مع إنتاج مواد إعلامية هادفة وتنظيم مسابقة (ابتكر) لإيجاد حلول تطبيقية لقضايا التطرف وإقامة لقاء الاعتدال بعدد من اللقاءات بين قادة فكر الاعتدال والشباب والفتيات. إلى مبادرات أخرى تحارب الغلو وتؤكد وسطية هذه الأمة، أمة العمل والحركة والانتشار في الأرض والضرب في مناكبها ابتغاء رزقه، كما هي أمة العدل التي تضع الأمور في نصابها بميزان الحق. وتحقق التوازن في حياتها، فلا إفراط ولا تفريط بعيدا عن التشديد على النفس أو على الآخرين، فأحب الأمور إلى الله أوسطها. فهذا المركز هو امتداد لفكر الفيصل لرفع الوعي المجتمعي تجاه الأفكار الضارة بكيانه واستقراره كالإرهاب والتطرف والغلو بكافة أشكاله وتعزيز قيم الاعتدال وروح الانتماء الوطني لدى الجميع.