-A +A
طلال صالح بنان
الصراع على السلطة سلوك بشري بامتياز. في كل الأحوال الصراع على السلطة، بطبيعته عنيفاً، بمستوياتِ عنفٍ مختلفة. العنف، ليس بالضرورة يكون مادياً أو دموياً، إلا في أقسى حالات حركة الصراع السياسي المتطرفة. الصراع على السلطة في النهاية: هو معادلة صفرية، هناك دائماً منتصرٌ يفوز بعرش السلطة، وهناك من يخسر معركة الصراع عليها، إلى أن تحين فرصة جولة أخرى للصراع. ربما في حالات متطرفة يَطَال من يخسر معركة الصراع على السلطة الغياب التام والنسيان، بل وحتى التصفية الجسدية.

المجتمعات البشرية تختلف في مستويات التنمية السياسية، من حيث اختلاف قدراتها على تهذيب حركة الصراع على السلطة. كلما تمكّنت المجتمعات من كبح جماح العنف المادي لحركة الصراع على السلطة، ونظمت لغة خطابه وسلوكه، كان المجتمع يتمتع بتنمية سياسية حقيقية ضمن مشاركة سياسية سلمية، من خلال مؤسسات سياسية فاعلة وكفء، تُتَدَاوَلُ من خلالها السلطة سلمياً.


الصين من الدول التي يحكمها نظام حزبي واحد غير منافس (الحزب الشيوعي). الحزب الشيوعي الصيني، تدرج فيه مستويات هرم السلطة صعوداً من قاعدته إلى قمته، يتربع عليها شخصٌ واحدٌ يتمتع بسلطاتٍ مطلقة غير متسامحة.

صحيح، تاريخياً: جرت تغييرات لـ «تهذيب» حركة الصراع على السلطة داخل «كوادر» الحزب الشيوعي، إلا أن التبعات في النهاية تكون قاسية. في عهد الزعيم الصيني ما وتسئ تونغ (١٨٩٣ – ١٩٧٦)، كانت مؤتمرات الحزب الشيوعي تتم في الهواء الطلق وتجري عملية التطهير للكوادر، بكافة مستوياتها، علناً، في عرض هستيري قاسٍ ودموي. من أجل أن يعرف الجميع أن هناك فقط زعيماً أوحد، دون تحدي سلطته خرطُ القتاد.

في ختام مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير (السبت ٢٢ أكتوبر)، شاهد العالم انقلاباً ناعماً، لكنه فيه ما يثبت الحقيقة الأزلية أن هناك دوماً زعيماً أوحد للحزب الشيوعي، وإن عرش السلطة لا يتسع إلا أن يتربع عليه شخصٌ واحدٌ، فقط، لا يشاركه فيه أحد، حتى ولو رمزياً. شاهد العالم، لقطات سُمح بتسريبها، لزعيم الحزب الشيوعي ورئيس الصين السابق هو جنتاو (٧٩ سنة)، يؤخذ عنوةً من مجلسه على يسار زعيم الصين القوي شي جين بينغ (٦٩ سنة).. ولا ينسى وهو يُقتاد إلى خارج القاعة أن يتبادل كلمات، لغة الجسد فيها، تعكس استعطافاً واستغراباً، من تبعات ما هو مقتادٌ إليه.. وسطَ وجومٍ، لفّ الحضور، لدرجة أن أحداً من الصف الأول لم ينظر خلفه وهو يرى زعيمه ورئيسه السابق يُقتاد عنوة إلى خارج القاعة.

رغم التبرير الرسمي لما حدث أن الزعيم هو جنتاو مر بعارضٍ مرضي اضطره لمغادرة القاعة، إلا أن الطريقة التي أُجبر بها على المغادرة لا توحي بذلك، فكان يقاوم ويتشبث بمقعده كأنه يعتزم الكلام من ملف أحمر أمامه، أخذ منه عنوة. بعد ذلك جرى حذف أي ذكرٍ للزعيم هو جنتاو من وثائق الحزب والدولة الرسمية، في عملية اغتيال معنوي لشخصه، ولا أحد يعلم ما انتهى إليه مصيره، ولا حتى المقربون له في الحزب واللجنة المركزية والمكتب السياسي، التي خلت قائمتها الجديدة من أسمائهم.

صناعة الصين السياسية، ترى هل هي قابلةٌ للتصدير، إسوةً بمنتجاتها الاستهلاكية. الصين متواجدة بمنتجاتها الصناعية في أسواق العالم ولها وجود مستدامٌ في كثيرٍ من المناطق، بحجة المساعدة في التنمية، ولها قواعد عسكرية منتشرة في عديدٍ من الدول.. كما تمتلك، وتسعى لامتلاك الكثير من الأصول الخارجية: من موانئ ومطارات وطرق ومصانع ومبانٍ ومناجم وحقول نفطٍ وغاز ومحطات توليد طاقة.

الصينيون قادمون، بمنتجاتهم وقروضهم وتكنولوجيتهم وثقافتهم وتجربتهم السياسية، لتحقيق النمو والتنمية، يقود زحفهم حزبٌ (شيوعي) وحيد، طَوّع زعامة متفردة تتمتع بسلطاتٍ واسعةٍ ومطلقة، لديها رؤية تحمل مرارة تاريخية لجيران الصين والقوى الكبرى.. وطموح توسعي شديد للمنافسة على الهيمنة الكونية. وزير الدفاع الأمريكي، الخميس الماضي، اعترف: أن الصين هي المنافس الوحيد، الذي لديه القوة والنية لتغيير النظام الدولي.