-A +A
طلال صالح بنان
أخيراً: أُعلن رسمياً عن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمملكة الشهر القادم في إطار جولة لبعض الدول. قبل الإعلان، كان يُثار لغطٌ كثيرٌ تشكيكاً في حدوث الزيارة، لأسباب في معظمها لها علاقة بالداخل الأمريكي تسببت في فتور العلاقة بين البلدين، منذ مجيء الرئيس الديمقراطي الجديد للبيت الأبيض.

العلاقات بين الدول تمرّ بفترات من المد والجزر، نتيجةً لتطورات سياسية تتفاعل داخل ظروفها الداخلية، راجعةً لتغيرات قد تطرأ على نخبها السياسية، وما يترتب على ذلك من تحولات في سياستها الداخلية والخارجية. يحدث هذا عادةً في توجهات السياسة الخارجية للدول الكبرى، رغم ما يبدو من استقرار ظاهري في منطلقات سياستها الخارجية، تجاه قضايا دولية معينة.. وأطراف دولية بعينها.


أحياناً: ما يبدو من تحول في شكل العلاقة بين دولتين، تكون دولة كبرى أحد أطرافها، سلوكيات وتحولات في السياسة الخارجية والأوضاع الداخلية، تتطور بصورة غير تقليدية في الطرف الآخر من هذه العلاقة، نتيجةً لتطورات وتغيرات قد تحدث داخل علاقات السلطة، أو لسلوكيات دولية غير مواتية وغير متوقعة.

إلا أنه، في النهاية، تعود العلاقة بين الطرفين إلى منطلقات ما يمكن وصفه بثوابت هذه العلاقة الثنائية التاريخية، التي تقوم أساساً على خدمة مصالح مشتركة.. ومنطلقات إستراتيجية راسخة لها صلةٌ مباشرةٌ بالأمن القومي لطرفي العلاقة.

في حقيقة الأمر، يمكن القول بثقة كبيرة، إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية نابضة بالحياة ومفعمة بالحيوية تسير في خط متذبذب، لكنه مستقيم الاتجاه، تماماً مثل رسم القلب لشخص يتمتع بصحة جيدة، رغم تقدمه في السن.. ولم يفقد بعدُ كثيراً من حيوية شبابه، ولا يعتريه قلقٌ كبيرٌ تجاه المستقبل.

العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة تشارف عقدها التاسع، منذ لقاء البحيرات المرة في مصر بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت (١٤ فبراير ١٩٤٥). كان أهمُ ما يحتاجه نظام الأمم المتحدة الجديد، حينها، لضمان أمنه وضبط استقراره، مصادر طاقة آمنة ومستقرة، وإلى حد كبير مستدامة، تزوّده بالوقود اللازم لدفع عجلة نموه.. ودعم استقراره. النفطُ، حينها وإلى اليوم، يتمتع بأهمية إستراتيجية كبرى، تتكاملُ إلى حد كبير، وأهمية تطوير أسلحة الدمار الشامل غير التقليدية، في الحفاظ على توازن النظام الدولي وضمان استقراره.

بالتبعية: تطورت علاقة إستراتيجية راسخة، بين طرفي هذه المعادلة الإستراتيجية الجديدة لنظام الأمم المتحدة. المملكة العربية السعودية ببشائر احتياطات إستراتيجية ضخمة من النفط، بتكلفة إنتاجية تنافسية غير مسبوقة ولا ملحوقة، مع توفر استقرار سياسي لدولة فتية، في أكثر بؤر مناطق العالم توتراً، مؤهلة لتتبوأ مكانةً إقليميةً رفيعةً، مع مسؤولية إستراتيجية في الحفاظ على استقرار سوق الطاقة العالمية. وكانت المعادلة الإستراتيجية الراسخة بين البلدين، وما زالت: توفير النفط بكميات مأمونة وبأسعار مناسبة لنمو اقتصاد دولي مستقر ومستدام، مقابل الحفاظ على أمن أكثر بؤر العالم توتراً وتهديداً لسلامه وأمنه.

علاقة إستراتيجية بين طرفين، إلى حد كبير تتوازن فيها المصلحة بمعادلة ثنائية دقيقة رغم فارق القوة الكبير بينهما، بشكليها الصلب والناعم، لدرجة عدم قدرة إحداهما الاستغناء عن الأخرى، أو المجازفة بالإضرار بمصالح أي منهما تجاه الآخر، أو في مواجهة أي طرف دولي آخر.

بالقطع: كل ما يمكن أن يُقال عن العلاقات الإستراتيجية التاريخية بين البلدين، لا يمنع وجود الاختلاف بينهما حول قضايا، لها علاقةٌ بالأوضاع الإقليمية في المنطقة.. وطبيعة سلوك وتوجه نظاميهما السياسيين، بل وحتى في مصادر شرعية، كل منهما. كما أنه، في كثيرٍ من الأحيان، تتسم العلاقة بين البلدين بانسجامٍ متوقع، إلا أنه في أحيان أخرى تعتري العلاقة بينهما توترات، قد تصل في أحيانٍ، إلى درجة الحذر والتربص. إلا أن مثل هذا التوتر في العلاقة بينهما، هو دليل لحيوية العلاقة وصحتها، وليس بالضرورة مؤشراً لتدهورها والقلق على مصيرها.