-A +A
صدقة يحيى فاضل
تفترض نظرية نزع السلاح أن: وجود الأسلحة يشجع على شن الحروب، التي يمكن تجنبها، إذا تخلت الدول عن التسابق للتسلح، أو حافظت على مستوى متقارب من القوة العسكرية، يمنع تفوق أحد الأطراف، ودفعه لشن الحرب ضد أطراف أخرى، قد يعتقد أنها أضعف منه. لذا، يعد موضوع امتلاك الأسلحة أحد أهم مواضيع العلاقات الدولية الراهنة، خاصة في ما يتعلق بالقتال بها، وضبطها، ونزعها، وحظرها. إضافة إلى ضرورة وقف سباقات التسلح، التي تنشأ من وقت لآخر بين الدول المختلفة. ولكي نفهم هذا الموضوع فهما سليما، لا بد أن نلم بمعنى أربعة مفاهيم، هي: ضبط ونزع وحظر ووقف التسلح. ولنتساءل أولا: ما هو «التسلح» (Armament)؟! إنه: سعي أي دولة، المعلن والسري، لامتلاك أحدث وأفتك الأسلحة الحربية، ما أمكن، لتقوية ذاتها، لأقصى حد ممكن، خاصة تجاه أعدائها وخصومها. فأغلب دول العالم تحاول التسلح، قدر الإمكان. وكل دولة تسعى لتقوية ذاتها، بمعنى القوة الشامل، بكل ما يجعلها قوية. ولذلك، يمكننا أن نفترض أن كل دولة ترغب دائما في حيازة أي سلاح يقوي مركزها، ويدعم وضعها، ويثبت أقدامها.

****


والواقع، أن فكرة إلغاء القوات المسلحة للدول فكرة غير عملية، لصعوبة تنفيذها، ولأن إلغاءها - لو حدث - لن يلغي إصرار الدول على الاحتفاظ بسيادتها، وتسخير ما لديها من موارد لحفظ سيادتها، و«القتال» من أجل حمايتها. أما «ضبط التسلح» (ِArms Control) فيعني: تنظيم التسلح، عبر الاحتفاظ بمستويات معينة، ومحددة، من الأسلحة. وهو لا يعني منع، أو حظر التسلح. ويعنى «نزع التسلح» (Disarmament) نزعا شاملا، أو جزئيا: تدمير وإتلاف أسلحة معينة، والتخلص التدريجي من بعض القوات المسلحة ووسائل القتال. وإبقاء قوات الشرطة فقط، للحفاظ على الأمن والنظام داخليا.

أما «سباق التسلح» (Arms Race) فيعني: تسابق الدول، وخاصة المتنافسة مباشرة في ما بينها، والمعادية لبعضها، على امتلاك أحدث وأفتك الأسلحة الحربية، ما أمكن، لتقوية ذاتها، خاصة تجاه أعدائها ومنافسيها. إضافة إلى محاولة عرقلة تسلح الخصوم، والحيلولة دون حصول الدول المنافسة والمعادية لها على أسلحة عسكرية مماثلة، أو أفضل. بينما يعني «حظر التسلح» (Arms Ban) منع امتلاك كم، أو نوع معين من الأسلحة، منعا كاملا، أو جزئيا، ومنع تهديد الآخرين بها. أما «الرقابة على التسلح» فتعني اتفاق دول معينة على التعاون للحد من سباق التسلح، وتقليل احتمالات الصراع المسلح في ما بينها. والرقابة والتفتيش على التسلح إجراء ضروري في عمليات ضبط ونزع وحظر التسلح، وأيضا محاولات وقف سباقات التسلح الدولية. الهدف الرئيس من نزع السلاح، وضبط التسلح، والرقابة على التسلح هو منع استخدام القوة المسلحة، أو تقليص احتمالات استخدامها، في العلاقات الدولية، واللجوء لحل الخلافات بالطرق السلمية. وبالتالي، تقليص احتمالات نشوب الحروب الدولية.

****

إن نزع التسلح، بصفة عامة، هو: الخفض الكلي، أو الجزئي للأسلحة، والعتاد، والقوة البشرية المقاتلة لدولة، أو دول ما، بموجب اتفاق معلن، أو غير معلن، بين الأطراف المعنية. ومن الطبيعي، ألا تسمح الدول بنزع سلاحها، أو خفضه، إلا بموجب اتفاقيات، تضمن لها التزام كافة الأطراف بالنزع المماثل، أو التقليل المطلوب، وتقنعها بأن هذا النزع لا يسيء لمصالحها، ويضعف موقفها. وعمليات ضبط وحظر ونزع ووقف سباقات التسلح يمكن أن تتم بتخفيض إنتاج الأسلحة مباشرة، ويمكن أن تبدأ بمحاولات حل المشكلات التي تدفع الدول المعنية لسباق التسلح، ودعم ترسانتها من الأسلحة، استعدادا لخوض الحروب. وبعد ذلك، يتم التعامل مع إنتاج وتملك الأسلحة، فيمنع الإنتاج والتملك، أو يتم الاتفاق على تقليصهما.

وإن خوض أي سباق تسلح، يعني الاستعداد الفوري لشراء، وامتلاك أحدث الأسلحة الممكنة، وتخصيص الموارد اللازمة لتحقيق هذا الهدف. وغالبا ما تكون تكلفة الدخول في سباق كهذا مكلفة وباهظة. وبدلا من تخصيص الموارد للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، تخصص لأسلحة قد تصبح بعد أشهر غير فعالة. فمن المعروف أن تطوير الأسلحة الفتاكة يجري على قدم وساق، في الدول الصناعية والكبرى، المصنعة والمصدرة للأسلحة. والسلاح الجيد اليوم قد يصبح غير فعال غدا. لذلك، فإن سباق التسلح هو سباق استنزافي ممتد. قد تعرف بدايته، ولكن نهايته تظل مجهولة في أغلب الأحوال. مما يجعله، بالفعل، مصدر استنزاف لموارد الدول، وأحد أهم وأخطر أسباب الصراعات والحروب الدولية.

وهناك عدة اتفاقيات دولية كبرى لحظر ونزع التسلح، إما في منطقة معينة، أو على مستوى كل العالم. ومن أهم هذه الاتفاقيات: مشروع الرئيس الأمريكي أيزنهاور المسمى «الذرة من أجل السلام»، الذي قدمه عام 1953 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والمتضمن: تعاون دول العالم للاستفادة من التطبيقات السلمية للذرة، مع نبذ الاستخدامات العسكرية للطاقة النووية. وقد أقيمت «الوكالة الدولية للطاقة الذرية» (IAEA) لتنفيذ هذا المشروع بالفعل، بعد الاتفاق عليه دوليا. وكذلك اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية (NPT)، المبرمة عام 1968، والتي دخلت حيز النفاذ عام 1970. وغيرها من الاتفاقيات والترتيبات العالمية والإقليمية.