-A +A
رامي الخليفة العلي
شهدت المملكة المغربية خلال الأسبوع الماضي انتخابات برلمانية أفرزت نتائج استثنائية ستؤثر على العالم العربي، وبكل تأكيد تأثرت بالأحداث التي شهدتها الساحة العربية على امتداد السنوات الماضية. المغرب يمثل حالة استثنائية وخصوصية طاغية في كل شيء بما في ذلك الحالة السياسية ومع ذلك فقد ارتبط أيما ارتباط بجملة التطورات التي شهدتها المنطقة. فقد كان وصول حزب العدالة والتنمية ينسجم مع السياق العام الذي لف المنطقة وأدى إلى وصول الإخوان المسلمين إلى الحكم في أكثر من دولة عربية، وهو استغلال للحظة تاريخية بدت جارفة في حينها في بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة، والتي بدت لحظة إخوانية بامتياز. منذ نشوء الجماعة في ثلاثينيات القرن الماضي وكانت الجماعة على الضفة الأخرى من السلطة، تقترب أو تبتعد عنها بحسب التطورات التي عصفت بكل دولة عربية. الجماعة كانت تخفي رغبتها بالسلطة خلف شعارات دينية براقة، بل في أدبياتها لم تكن ترى في السلطة سوى مرحلة التمكين التي سوف تنقلها إلى الهيمنة على البلاد مرة واحدة وإلى الأبد إذا أمكن. لذلك ما إن بدأت حالة السيولة التي رافقت ما سمي الربيع العربي حتى انقضّت جماعة الإخوان المسلمين على السلطة وراحت تقصي خصومها، بل راحت تعمل في المجتمعات العربية تمزيقا وتشتيتا باعتبارها جماعة أيديولوجية لا ترى في العمل السياسي سوى انقسام أيديولوجي ولعلنا نذكر جميعا (غزوة الصناديق) في مصر التي حولت استفتاء على مواد دستورية إلى عمل عقائدي وجد من خلاله كل من يختلف مع الإخوان سواء سياسيا أو دينيا أو فكريا خارج اللعبة، بل خارج المنظومة الوطنية، وهذا ما هدد الدولة بحروب أهلية تقوم على أسس أيديولوجية.

ما ميز التجربة المغربية دون غيرها هو الخصوصية التي أشرنا إليها، بحيث إن حزب العدالة والتنمية الذي وصل إلى السلطة وهو أحد تجليات جماعة الإخوان المسلمين على المستوى العربي، كان في موازنة مع المؤسسة الملكية المغربية التي تمثل العنوان لوحدة البلاد والتي يجمع عليها المغاربة بكل أطيافهم وهي التي ساهمت في ضبط إيقاع التطورات السياسية والاجتماعية ومنعت تغول أي فئة مهما تعاظمت في نفوذها. إذا كان الفشل السياسي من جهة والخطر على النسيج الاجتماعي من جهة أخرى هو الذي ميز التجربة الإخوانية في مصر وليبيا، فإن الفشل الذريع على المستوى الداخلي اقتصاديا واجتماعيا هو الذي ميز التجربة المغاربية في تجليها التونسي والمغربي. لذلك لم يكن من المستغرب أن تجد حركة النهضة نفسها وحيدة في مواجهة القرارات التي اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد ووقف معظم التوانسة مساندين للرئيس، كما عاقب الشعب المغربي حزب العدالة والتنمية وطرده من البرلمان شر طردة. بحيث إن الحزب تحول إلى حزب هامشي لا نكاد نقيم له وزنا.


لقد أثبت العقد الماضي أن الجماعات الأيديولوجية لا يمكن أن تصلح للسياسة والحكم وعلى رأس تلك الجماعات الإخوان المسلمين. ومع ذلك نشك أن تتعلم تلك الجماعات الدرس لأنها لو كانت فاعلة لما جرّت على الأمة ما جرته من ويلات وقلاقل وفشل يلاحق فشلا.