-A +A
صدقة يحيى فاضل
يقصد بمصطلح «الشرعية الدولية» حكم القانون والنظام، ونبذ ما عداه، واعتبار ما بني على غيره باطلا. وفي العلاقات الدولية يقصد به: ضرورة تطبيق قواعد القانون العام، على كل القضايا الدولية، وكل أطراف العلاقات الدولية. أما على المستوى الداخلي، فيقصد بـ«الشرعية»: خضوع السلطات العامة بالدولة (التشريع، التنفيذ، القضاء، وكل ما يتعلق بهذه السلطات) للقانون والنظام العام للبلد المعني، وفقا لدستور الدولة. فالالتزام بالشرعية يعني الالتزام بالقانون المعني، وتجريم الخروج عليه، أو إساءة تطبيقه، طالما كان هذا القانون أو ذاك، مشروعا في حد ذاته. فلا التزاما بالقوانين الباطلة، التي تدعو لحق يراد به باطلا، أو نحو ذلك.

ولا شك أن القضاء (السلطة القضائية) بمراقبته ومتابعته وحزمه، هو أهم ضامن للشرعية، الداخلية والدولية. فالقضاء هو الجهة التي تراقب ما يجري، وما تقوم به بقية السلطات، لتبطل ما يخالف القانون، وتدعم ما يحققه. ومعروف، أن المرجع القضائي الأعلى بالنسبة للعلاقات الدولية، هو: محكمة العدل الدولية، التابعة للأمم المتحدة. ومعروف، أن اللجوء لهذه المحكمة اختياريا. ولكن قراراتها ملزمة لمن يلجأ إليها، طالبا تحكيمها. وتنص المادة 59 من نظام المحكمة على أن: لا يكون لأي حكم قوة الإلزام، إلا بالنسبة لمن صدر لهم، وفي خصوص النزاع الذي فصل فيه.


****

أما المادة 38، من نظام محكمة العدل الدولية، فقد حددت «مصادر» الشرعية الدولية، وأكدت بأنه: لا يترتب على نص المادة 38 أي إخلال بما لمحكمة العدل الدولية من سلطة الفصل في القضايا (محل النظر) وفقا لمبادئ العدل، طالما وافق أطراف الدعوة على ولاية المحكمة. ثم حددت مصادر الشرعية الدولية (القانون الدولي) كما يلي:

- الاتفاقيات والمعاهدات الدولية العامة والخاصة، التي عقدتها أطراف العلاقات الدولية مع بعضها البعض. (وفي مقدمة كل ذلك: ميثاق الأمم المتحدة).

- العرف الدولي المقبول، متواتر الاستعمال.

- مبادئ القانون العامة.

- أحكام المحاكم ومذاهب كبار خبراء القانون العام، في الأمم المختلفة.

ويضيف البعض إلى هذه المصادر بعض قرارات المنظمات الدولية، الصادرة طبقا لأحكام الاتفاقية المنشئة للمنظمة.

****

وأهم مصادر الشرعية الدولية في الوقت الحاضر، هو ميثاق الأمم المتحدة، الصادر عام 1948م. فهو المعاهدة الأكبر والأشمل، التي تحكم العلاقات الدولية الآن. صحيح أن الدول الكبرى، وفي مقدمتها الإمبراطورية الأمريكية المهيمنة الآن، تتلاعب بهذا الميثاق، وغيره، وتحاول دائما تسخيره لخدمة أهدافها. ولكنه يظل قانونا أعلى، رغم هذا التلاعب.

إن أي قرار من أي جهاز تابع للأمم المتحدة، وخاصة مجلس الأمن الدولي، لا يمكن اعتباره شرعيا إلا إذا كان ملتزما بميثاق الأمم المتحدة، شكلا ومضمونا، وأن تجاوز هذه الإجراءات والضوابط، يجعل القرار غير شرعي. وما يبنى على باطل، يجب ألا يعتد به. والأمثلة على ذلك كثيرة، كما أن الأمثلة على اختراق هذه القاعدة القانونية، من قبل بعض القوى الدولية، أكثر من أن تحصى.

وأن إجبار الدول المعنية على تنفيذ القرارات الباطلة، تحت تهديد استخدام القوة السياسية أو الاقتصادية، أو حتى العسكرية، أو استخدامها بالفعل، من قبل الدول المتنفذة، لا يجعل هذه القرارات شرعية، حتى وإن حاولت هذه الدول -كعادتها- جعلها كذلك. وقد أجمع فقهاء القانون والعلاقات الدولية على أن كثيرا من القرارات، التي يصدرها مجلس الأمن بخاصة، ودون مراعاة حقيقية لقواعد واشتراطات ميثاق الأمم المتحدة، لا يمكن اعتبارها مشروعة، وإن اعتبرها البعض كذلك. وبالتالي، فإن ما بني على باطل يعتبر باطلا.

****

وقد اشتهر «الفصل السابع» من ميثاق الأمم المتحدة (مثلا)، وفيه المواد 39-51 من الميثاق. وهو الفصل المتعلق بما يجب أن يتخذ من إجراءات وأعمال، في حالات «تهديد السلم، والإخلال به، ووقوع عدوان». ومضامين مواده تحدد ما يجب أن يقوم به مجلس الأمن الدولي، تحديدا، في حالة قيام طرف دولي بتهديد السلم، أو شن عدوان على آخرين. إذ تنص المادة 39 منه على أن: «يقرر مجلس الأمن ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به، أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان. ويقدم في ذلك توصياته، أو يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير، طبقا لأحكام المادتين 41 و42، لحفظ السلم والأمن الدولي، أو إعادته إلى نصابه».

وتدعو المادة 40 على أن: «... لا تخل هذه التدابير المؤقتة بحقوق المتنازعين ومطالبهم أو بمركزهم...». وتنص المادة 41 على أن: «لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته». وله أن يطلب إلى أعضاء «الأمم المتحدة» تطبيق هذه التدابير. ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية، وغيرها، من وسائل المواصلات، وقفا جزئيا أو كليا، وقطع العلاقات الدبلوماسية. إلى أن تنص المواد 42-51 على إمكانية قيام الأمم المتحدة، وفق بعض القواعد، باستخدام القوة المسلحة للدول الأعضاء بها، لحفظ الأمن والسلم الدوليين، وردع العدوان.

****

ولنا أن نتصور أن الدول المتنفذة هي التي تقرر ما إذا كان هناك «عدوان»، وماذا يجب عمله لصده...؟! فهنا، نجد قرارات تصدر، وقرارات لا تصدر، حسب ما تتطلبه مصلحة المتنفذين، لا متطلبات المنطق والعدالة. فقد يستخدم «الفيتو» ضد قرارات عادلة، وتهدف لإحقاق الحق، والإنصاف، وحفظ حقوق الإنسان، التي تتشدق بحمايتها الدول الكبرى، وهي، أحيانا، أول من ينتهكها. كل ذلك يفقد الثقة في النظام الدولي، ويؤكد «غابية» هذا النظام، التي وإن خفت قليلا، فإن الدول الكبرى بخاصة، تحييها، وتفرضها في العلاقات الدولية الراهنة، كـ«أمر واقع».