-A +A
علي بن محمد الرباعي
انشغل الراعي بالسواليف مع الراعيات وغفل عن حلال عمه (كريم السبال)، فتناقزت الأغنام من فوق الزرب في محجر (موّاص الدِّلال) غرّب المغرّب من فوق بيت في قرية مجاورة؛ يا راعي الغنم هيل الله عليك «انتبه راعيها، بعدما هجرت المعزا شعب اللوز وقضمت الغضاريف مع الورق، وما أمداه يتلحّق عمره، ويفرد خطوات ساقه، إلا وابن الموّاص البكر، يسوط الغنم بمطرق افتصخه من الشبارقة التي تتدلى أغصانها في البير، واستاق السارحة أمامه مروّحاً بها والمطرق في ظهورها، وحاول الراعي اللحاق به، فأدرج أخوه حجراً في المرجمة وصفقه في قعر أذنه وإذا ببعضه يركب بعض.

اهتجلها حتى اطمأن أنه دخل حدود قريته، فعبر بها مساريب ضيّقة، وغبارها يتصاعد للأعلى، فأدخلها السفل، وأمه (فتنة السحابية) تتابعه وتشجعه وتكيل له المديح (أقديت بيّض الله وجهك) وتردد «خله يستاهل ما هيب أوّل مرة يفكّون دبشهم في وادينا قليلين العِرف» وأقبل موّاص الدِّلال بمسحاته فوق كتفه، وانتخش من عِدلة التمر ملء الكف ومدّ بها لابنه مكافأة لغيرته على بلاده.


اعتزى سفان كريم السبال ببعضهم والتقط كل منهم هراوة، وخرجوا متحفشين، وقاصدين المشرق ليستردوا أغنامهم باليد الطويلة، فأدركهم الأب وقال: «يا ورعان لا تُقاتلون مكان ما تُقتلون» غنمكم انتزت في حوزة رفيقنا، ومن أعطى الحق من نفسه ما لِيم، وانحن لنا سلوم، أنتم مكبورين، والعِلم له عنبوب، اهجدوا، والحلال ما يفوت، فهدأوا وأعادوا الهراوات واستكنّوا في البيت.

قرر كريم السبّال إبلاغ العريفة بما جاء وما جرى، قال ابنه الكبير: استرح يابه أنا بافلح له، فقال: ما سرّ عُمري مثل رجلي، تعب ساقي ولا تعب قلبي، وصل ساحة العريفة وإذا (أرض تقرأ وأرض تسبّح)، افترش عمامته فوق حجر أملس وعينه صوب الوادي، وإذا بالعريفة عائد من السوق على حمارته، قام وتناول حبلها من يده وربطها أمام المذود، وساعده في النزول من فوقها، وطلب منه يحط الخُرج عنها، وقبل ما يتواسى على متكاه قال: هات عِلمك ما شي خلاف؟

سمع منه ما كدّر ضحويته، واقترح العريفة عليه، بأن يلتزم الصمت، ويسد أذناً بطين وأذناً بعجين، وقال: غنمك بليت همّها، ولكن ما أحد يصالي القوم والحديدة حامية، خلّها تبرد، وأضاف: تحت الصايح ما ترعى البِلْ، وكثير الحلال يعطي من ماله، وقليل الحيلة يدفع بوجوه الرجال، وتناول طاسة صغيرة وأرخى وكاء الشكوة، وصب له من لبن البقرة الطافي على سطحه حثبرة زبد، وقال: برّد على قلبك.

سمع المشفين على تكبير الصغار بالمشكلة، والتقى ثلاثة منهم تحت مشمشة كبيرة ظل في وادي مشترك، وتواصوا يشبّون نارها قبل ما تغرب الشمس، وندر الأثرم منهم على كبير السبال، دخل عليه، واقترب منه، وبدأ يقترح عليه يفتك غنمه بطولة ذراعه، ورذاذ ريقه يتطاير يمنة ويسرة، فتلثّم كريم السبال بعمامته مردداً (اللهم حوالينا ولا علينا) وسأله: أنت من صدقك همك حلالي؟ فأجابه: آجل باخلي دكاني للرياح وآجي أناصحك من مكرهيّة؟ فقال: قم، اغد دوّر لك واحد مثلك تتزبّن عليه، والله ما معك مني إلا صكَة الركبة.

انصبوا بعد المغرب في بيت موّاص الدِلال، وطلبوا منه يعشيهم على واحدة من غنم كبير السبال، ليقدّوه على العِلم الزين اللي يبيّض الوجه، ففتّها في خشومهم: ما قعدت في حراكم، وغنم كبير السبال حسبة غنمي، واعرف آخذ الحق واعطيه. قالوا: طيّب عشّنا، فسأل زوجته: وش معك لهم عشا يا فتنة؟ فأجابت: معنا ذرة عامية مسوّسة بنسوي لهم عليها لقمة عصيدة، فقال: عشوة مسوّسة قدر لحية الأثرم.