-A +A
مي خالد
في العصر الوسيط كانت كنائس أوروبا تحتكر الحقيقة وترفض العلوم حتى حكمت على الكثير من البشر بالإعدام، لكن في نهاية المطاف نجح الناس في كسر الاحتكار وأصبحت الحقيقة موئل كل باحث وعالم يسعى لاكتشافها وكل صحفي ومثقف يسعى لقول الحقيقة مهما كلفه الثمن.

لكن رويدا رويدا وشيئا فشيئا انهار مفهوم الحقيقة وتعددت وجوهها ووجد الناس أن الحقيقة تختلف حسب اختلاف موقع الرائي منها وهدفه وانحيازاته. لذا لم يعد أحد يهتم لإيجاد الحقائق أو النطق بها. وارتفعت كلفتها.


ومن السذاجة اليوم أن يظن المرء أن المثقفين والصحفيين يسعون لقول الحقيقة المطلقة وليس النسخة الخاصة بهم منها والتي تحقق مصالحهم أو تجني لهم المكاسب. وإن كنت تختلف معي فمن فضلك احمل ريموت التلفزيون في يدك وتابع خبرا معينا وكيف ترويه كل مذيعة بشكل مختلف تماما.

وفي زمن كورونا عايشنا بأنفسنا أن ليست الحقيقة هي الضالة التي ينشدها العلماء. فبعضهم للأسف ينشد رضا المنظمات ويسعى لجمع التبرعات ومنافسة الدول الأخرى بل والشركات الأخرى.

بات من المسلّم به علميا وأخلاقيا أن وجهة نظرك الخاصة تقرر الحقائق نحو مواقف الحياة وهذا ما مهد له قانون النسبية للزمن الذي وضعه انشتاين، فجعلنا نرى أن حتى الحقائق نسبية وتعارفنا على ذلك وقبلنا به.

حتى أبسط النقاشات التي تدور حول أساسيات وحقائق ثابتة لم يعد أحد الأطراف قادرا على إقناع الآخر وكأن ليس هناك أمر يمكننا التوافق حول كونه حقيقيا.

يبدو كما لو أننا نطفو في عالم من الزيف الاستهلاكي للحضارة وقد شخصت أبصارنا نحو أضواء المدن البعيدة ونحن نحدق في الأسمنت الصلب بينما لو رفعنا رؤوسنا لوجدنا السماء بنجومها وكواكبها الدرية الرائعة الثابتة منذ أول التاريخ ولم تتغير. فأنت وإنسان الكهف الأول تشاهدان نفس السماء.

وبالنجم هم يهتدون. الباحثون عن طريق الحقيقة لا بد أنهم سيهتدون لعالم الحقائق الثابتة. خاصة لو استمعوا لصوت الضمير في دواخلهم الصوت غير النسبي الوحيد في هذا الكون الفسيح النسبي. إنه لو أحسنت الإنصات له صوتٌ إلهي لا يقبل التزييف أو الشك في صدقيته.

كاتبة سعودية

may_khaled@hotmail.com

mayk_0_0@