-A +A
محمد حامد
أصبح لا يخفى على أحد أن قرار تحويل متحف آيا صوفيا من متحف إلى مسجد هو قرار سياسي بامتياز، ليحصن أردوغان نفسه في أي انتخابات قادمة في تركيا؛ سواء كانت مبكرة أو في موعدها في 2023، هذا التحصين السياسي يأتي بعد أن حصن أردوغان اقتصاده المستنزف بأموال مصرف #ليبيا الذي حصل منه على أكثر من 8 مليارات دولار لكي يوقف نزيف العملة وتعطب الاقتصاد المستمر منذ عام 2018، أو بالأحرى يمكن القول إن أموال الشعب الليبي الكريم ومن قبلها أموال #قطر التي فتحت له منذ مقاطعة الرباعي العربي للدوحة، كلها ذهبت لخزينة أردوغان لكي تطيل مدة حكمه في البلاد المستمر منذ ثمانية عشر عاماً وانعكس مباشرة في تصنيف ستاند آند بروز التي ثبت تصنيف تركيا الائتماني إلى مستقر.

وجاء القرار بتحويل المتحف إلى مسجد من بوابة القضاء التركي، وخاصة مجلس الدولة التركي الذي يعين أردوغان نصف أعضائه طبقاً لتعديلات دستور 2017، التي أتاحت له هذا الأمر والتي عمقت من عمليات تسييس القضاء التركي لصالح السلطة التنفيذية في تركيا والمستمرة منذ عام 2011 عندما فاز بالانتخابات للمرة الثالثة على التوالي فتفرغ بعدها للمؤسسات التي يراها معادية لحكمه.


وبالعودة إلى #ليبيا ودور تركيا المؤذي في الإقليم، هذه الخطوة تأتي في لحظة اليأس الأردوغانية الكبرى التي تيقن منها أردوغان أن تركيا أردوغان لن تدخل أوروبا مطلقاً بعد أكثر من 15 سنة من التفاوض مع أوروبا، بدأت في عام 2005 ظل دولة أمنية بقيادة إسلاموية يقود بها تركيا نحو الهاوية، لذا بدأ يبحث في إرث الدولة العثمانية ويبدل في طبيعة الدولة التركية التي أسسها أتاتورك من أجل استفزاز مشاعر القارة الأوروبية المسيحية وعلى رأسها دولة اليونان التي يراها هو والقوميون المتعصبون في تركيا أكبر عدو لتركيا، خاصة في ظل عزل تركيا في البحر المتوسط.

مشهد صلاة الجمعة:

إن حركة السيف التي استعرضها علي ارباش رئيس الشؤون الدينية وهو سيف محمد الفاتح الحاكم العثماني المثير للجدل بالإضافة كان يمكن استبدال السيف بمسبحة أو عباءة الرجل كان سيعطي نفس الدلالة المرجوة، ولكن اختيار السيف هو حركة سينمائية محبوكة متفق عليها، حيث ضرب عصفورين بحجر واحد، استفز اليونان أولاً والعالم المسيحي ثانياً وكسب تعاطف أنصار تيار الإسلام السياسي المتشدد في العالم العربي والإسلامي واللقطاء أعداء الحوار بين الأديان، الذي يسعى لنبذ التعصب والذي بذلت المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي وعلى رأسها الأزهر الشريف وشيوخ وعلماء المملكة العربية السعودية ومنظمة العالم الإسلامي جهوداً حثيثة لتغيير ذهنية الغرب عن الإسلام والمسلمين، وأن الإسلام لم ينتشر بالعنف أو بالسيف، وتنسجم خطوة تأميم آيا صوفيا لصالح حزب أردوغان ورقة انتخابية لإطالة زمن حكمه خطوة تظاهر بعض الأتراك في الحرم المكي الشريف بداية هذا العام واستغلال المقدسات الدينية في مشاريع سياسية وبهدف كيد سياسي لنصرة محور تركيا وقطر في الإقليم والإساءة لدور المملكة العربية السعودية والقفز على دورها التاريخي في خدمة العالم الإسلامي وحجاج بيت الله.

ما حدث في تحويل متحف آيا صوفيا مسجداً حالياً هو أكبر دلالة على طبيعة الإسلام التركي ورمزيته فى عيون أوروبا واليونان، وتحديداً هذه رسالة موجهة لأثينا بشكل مباشر التي حرق ناشطون علم تركيا في نفس التوقيت، وهي صورة تنشر بذور التعصب والتطرف وتقوي شوكة الحركات الشعوبية في أوروبا والمعادية للإسلام والمسلمين ومظاهره مثل اللحية والحجاب. وقد نشهد موجة اضطهاد جديدة للمسلمين في أوروبا في ظل ظهور حركات متعصبة ضد الدين الإسلامي، هذه الصورة بكل تأكيد

لا تعبر عن المليار و900 ألف مسلم حول العالم الذي يسعى أردوغان لزعامته فإنه لم يحتكر أصواتنا، فالمسلمون ليسوا سلعة انتخابية تعزز بها سلطته في الداخل التركي، بل إن هذه الخطوة لن تخدم أردوغان داخلياً أو خارجياً لأنها بشكل أو بآخر ستخدم على أجندة حركة الخدمة أو جماعة فتح الله جولن التي يصفها أردوغان بالأرهابية ويتهمها بارتكاب الانقلاب المسرحي الفاشل في 2016.

إن صورة السيف باختصار هي استحضار التاريخ التركي العثماني المليء بالدماء وقتل الأرمن الأبرياء والتشنجات التركية التي تتشدق بالإسلام ليل نهار، كلنا نعرف تركيا من الداخل وكيف يفكر الأتراك وطبيعة رؤيتهم للدين الإسلامي إلا من رحم ربه أو بمعنى الدين الإسلامي الحنيف آخر من يعبر عنه أردوغان أو التنظيمات الدينية الفكرية التي شوهت الدين الإسلامي أمام العالم كله، ولم تقدم هذه التنظيمات الدينية المتطرفة إلا الإرهاب والخراب.

الخلاصة: يا أيها المواطن العربي لا تنخدع بألاعيب أردوغان السياسية فلن تعود علينا بالنفع، هذا شأن داخلي تركي سيكون له مردود سلبي على تركيا التي أصبحت حاضنة للتطرف، سيؤدي لصدام مع أوروبا بلا شك.

خبير في العلاقات الدولية