-A +A
مالك عبيد
الحملات الإعلامية المنفعلة التي تتعرض لها دول الخليج وشعوبها وعلى رأسها المملكة، ليست بالأمر الجديد، إنما استكمال لسلسلة تمتد لأكثر من نصف قرن مضت. على الرغم من كثرتها وقسوتها إلا أنها لم تغير من واقع الأمور شيئاً حتى بعد أن تبنتها الدوحة ومن يقف وراءه من بقايا اليسار المهزوم والإخوان. منصات كثيرة تركت مشاعاً لهم كي يستكملوا ما كان قد بدأه عرابوهم من قبل. الشبكة العنكبوتية لها الفضل بالاحتفاظ بنماذج من تلك الحملات الانفعالية بالصوت والصورة من أمثال جورج حبش، وأبوإياد وأبونضال وأبوعلي مصطفى وصولاً لقادة حماس. خليط من الشتائم وتزويرالحقائق يهدف لترسيخ صورة نمطية مغلوطة عن دول المنطقة حكومات وشعوباً. وإلا ما الداعي لتحويل مسلسل رمضاني أو مشاهد درامية قصيرة إلى إساءات لم تبق ولم تذر على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المنابر تحت ذريعة إدانة التطبيع؟

ما إن دخل العالم العربي ميدان الانقلابات العسكرية منتصف القرن الماضي، حتى انقسم واقع المنطقة السياسي إلى مسارين متباينين في معالجة ملفاته الشائكة. الجمهوريات بدورها ذهبت بمشاريعها إلى ثورية ارتجالية وشعارات متشددة ضد الإمبريالية وعملائها كأولوية مطلقة. وكان من بين أدبياتها مهاجمة كل من يخالف نهجها وتخوينه باسم العروبة وأولهم المملكة. الأمر الذي تلقفته قيادات مناضلي الشباب العربي في لندن وبقية دول أوروبا للتكسب. فتعرض المواطن العربي لعملية تنويم مغناطيسي مكثفة، صبت نار غضبها على المملكة وبقية دول المنطقة التي تبنت واقعية سياسية مختلفة مفادها الاهتمام بالإنسان كنواة لتأسيس مجتمع مستقر. وكان أحد أبرز ملامح تلك المرحلة هي رفض لغة المزايدات بمحاربة طواحين الهواء على طريق فلسطين.


لم يدم الوضع طويلاً حتى بدأت ملامح كل مسار تتضح للعيان. وحصد كل طرف ما زرع. دخلت جمهوريات الكفاح دوامة الغوغاء السياسية فحصدت الفشل. فتحت على إثرها حمامات الدم في كل مكان. وبدأت تصفية الخصوم سياسياً وجسدياً، واعتادت السماء على اختطاف لطائرات واحتجاز رهائن وعمليات فدائية غير منضبطة تحت شعارات العروبة والكفاح. بالمقابل تحولت دول الخليج إلى ميادين مفتوحة لكسب الرزق. لعب عامل الاستقرار والأمان دوراً رئيسياً في استقطاب العقول من كل حدب وصوب. وأدى ارتفاع عائدات النفط إلى تعزيز منهج المنفعة المتبادلة كأساس في إظهار رحابة صدر في استيعاب منتسبي المؤسسات الخاصة والعامة دون تمييز. الأمر الذي حصنها في ما بعد من عبث المليشيات المنفلتة بالسلاح خلال ما يسمى بالربيع العربي.

حملات اليوم هي ذاتها حملات الأمس وإن اختلفت المواضيع والتواريخ والوجوه، إلا أن المغالاة والتعصب لصورة نمطية بائدة هي القاسم المشترك والثابت في كل زمان ومكان. عنجهية في التعاطي مع الآخر، وتحيز فئوي لا عقلاني يعتمد على الحط من قدر التمايز حتى وإن كان على شكل نجاح.

في النهاية فإن رسم خارطة العلاقات الدولية السعودية شأنها شأن أية دولة ناضجة يعتمد بامتياز على معطيات وثوابت راسخة ليس من بينها الدراما. وهو ما أكدته دبلوماسية المملكة في بيانها الصادر مؤخراً وبشكل حاسم حول القضية الفلسطينية. وبالتالي فإن لغة السياسة تختلف عن لغة المزايدات. كما أن الثوابت ليست باباً للتنمر السياسي أو الفكري أو الاجتماعي. الأمر الذي ما تزال الدوحة عاجزة عن إدراك أبعاده.

بالنهاية: شعوب وقادة اليوم هم أبناء شعوب وقادة الأمس، ومن أحسن الاختيار بالأمس حصد النتائج اليوم. وعلى من أساء أن يدرك أن خطاب الشتائم لن يغير التاريخ ولن يعيد غصناً من زيتون في المستقبل.

* كاتب سعودي

malekObied@