-A +A
صدقة يحيى فاضل
يرد بعض المراقبين السياسيين العالميين بعض ما يجرى في العالم، من أحداث وأمور جسام، إلى تخطيط وتدبير ما يسمونه بـ(الحكومة الخفية)؛ من ذلك: اندلاع بعض الحروب، والانقلابات، والثورات، وسياسات الإفقار والاغتيال وسحق الشعوب، وتدمير الدول. فكثير من هذه الأحداث لا يحدث عفواً أو عشوائياً -كما يقول خبراء كتبوا عن هذا الموضوع- بل يحصل عبر خطط محكمة، و(مؤامرات) مدروسة متقنة. وهنا نتوقف، لنذكر أن هناك بالفعل دلائل وبراهين ملموسة وشبه قطعية، تثبت وجود دسائس ومؤامرات عدة تجاه هذا الطرف الدولي أو ذاك، في مرحلة معينة. كما أن هناك مؤامرة كبرى (غربية الأصل والمصدر، استعمارية صليبية - صهيونية الهوى) ضد المنطقة العربية، المسماة بـ(الشرق الأوسط)، وقد تأكدت هذه المؤامرة لدرجة اعتقاد البعض أن من ينكرها -جهلاً، أو نفاقاً- إنما هو جزء منها، سواء أدرك ذلك أم لم يدرك، أعترف به، أم أنكره.

والذي ينكر وجود هذا التآمر (الظاهر – الخفي) ربما يحاول -جهلاً، أو تواطؤاً، أو تملقاً، بادعاء (الواقعية)، والعقلانية- أن يصرف الأنظار عن خطر جسيم، يهدد بلاده وأمته، أو غيرهم، بدعوة أنها مجرد أوهام... أو (شماعة)... إلخ. علماً أن حكومات أغلب الدول العظمى والكبرى، وعلى مدار التاريخ البشري، تمارس، من حين لآخر، سياسات التآمر السري، أو ما يمكن أن يسمى بالسياسات الخارجية السرية، وغير المعلنة أو المعترف بها؛ التي كثيراً ما يكشف عنها لاحقاً. ونذكر، بالمناسبة، بنظرية في علم السياسة، ملخصها أن أي شخص راشد عاقل، لا يمكن أن يقبل أي وضع سياسي سيئ -في رأي الغالبية المعنية-، إلا أن كان: جاهلاً، أو منافقاً، أو مستفيداً من ذلك الوضع، أو مكرهاً عليه.


****

ومن الصعب أن نورد في فقرات موجزة كهذه أهم ما يتعلق بهذه القوة العالمية الخفية، أو نورد أهم ما يثبت وجودها ويرصد نشاطها، على سبيل الجزم. إن دراسة (العلاقات الدولية)، دراسة أكاديمية موضوعية، توضح أن ما يحكم هذه العلاقات هو القوة/‏‏ المصالح. وهناك نظريات كثيرة تشرح وتفسر هذه العلاقات، بجوانبها المختلفة، ولكنها لا تعترف إلا بما هو ملموس، وموجود في أرض الواقع. وبالتالي، تتجاهل القوى غير الظاهرة، وما تمارسه من نفوذ، وإن كانت تهتم بدراسة وتحليل كل قوى الضغط والمصالح، ما ظهر منها وما خفي. ما يبدو هو وجود هذه القوة، أو السلطة العالمية الخفية، ووجود أذرع ضاربة لها في مفاصل العالم الاستراتيجية والاقتصادية. ونقول ذلك من باب التخمين العلمي. ونذكِّر هنا ببعض الجمعيات والأندية الخاصة بهذه القوى المريبة.. فمن هذه الجهات: الماسونية، نادى (روتاري)... إلخ.

****

ويمكن الرجوع إلى بعض المراجع الرصينة التي تتحدث -بتفصيلات موثقة- عن هذا الموضوع، التي كتبها خبراء متمرسون، كشفوا الغطاء عن نشاط هذه القوى؛ التي تخفى وهي تستشري. ومن أهم وأشهر من كتبوا عن هذا الموضوع، ونشروا ما كتبوه: (وليام غاي كار- W.G.Carr). وهو ضابط بحرية كنـدى، من أصل إنجليزي، ولد عام 1895م، وتوفي عام 1959م. أصبح (كار) باحثاً جامعياً متخصصاً في دراسة التاريخ اليهودي والمسيحي، والتبحر في العلوم التوراتية. كان يُجيد اللغتين العربية والعبرية، إضافة إلى لغته الإنجليزية. وقام أثناء تواجده في أمريكا بتأليف وإصدار كتابه الشهير، المعنون بـ(سرقة أمة) عام 1952م، عرض فيه القضية الفلسطينية عرضاً موضوعياً نزيهاً، وضح فيه بطلان ما يسمى بـ(الحق التاريخي لليهود) في فلسطين، وعدم تمشي دولة الاحتلال الإسرائيلي مع تعاليم التوراة، ويعتبر هذا الكتاب وثيقة علمية، تُدين الحركة الصهيونية، وتدحض حججها العنكبوتية إياها - الواهية أصلاً.

وقد كتب (كار) كتباً وأبحاثاً عدة، تمحورت حول: وجود قوى شريرة خفية، تعمل على تسيير العالم والهيمنة عليه، ودفعه أحياناً للحروب والصراعات، وإشعال الحرائق هنا وهناك. ويعتقد أن هدفها الرئيس هو: نشر الشر، والأعمال الشيطانية، واللا أخلاقية، بين بني البشر. وهذه القوى تتجسد في منظمات ونوادٍ وجمعيات سرية مشبوهة، تتعاون لتحقيق أهدافها البشعة، ويغلب عليها التوجه اليهودي والصهيوني، والمتصهين. وأهم كتبه التي وضح فيها رؤيته هذه كتابه الشهير (أحجار على رقعة الشطرنج)؛ الذي ترجم إلى كل اللغات الحية، بما فيها العربية. ولكن خير ما يشرح «العلاقات الدولية» هي -في رأينا- مفاهيم ونظريات علم العلاقات الدولية، الذي تبلور بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبح ثاني أهم العلوم السياسية. وأصبح لمعظم نظرياته، ومفاهيمه، مصداقية علمية مقبولة.. تعتبر الإطار المنطقي الأدق المفسر لطبيعة هذه العلاقات، ومسار تطوراتها. ومع كل ذلك، يصعب إنكار وجود قوى خفية، تدفع الدول -كما يبدو- نحو هذا الاتجاه، أو ذاك، من وقت لآخر.